عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 25-03-2008, 04:28 PM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي





فتح الحجاز

إن فشل مؤتمر الكويت في حل مشكلة الحدود هيأ الفرص المواتية لابن السعود وجاء بعدها الخلاف الحاد بين الملك حسين والبريطانيين ورفضه توقيع المعاهدة معهم ثم المناداة به خليفة للمسلمين ومنع أهل نجد من أداء فريضة الحج، هذه الأسباب كلها مجتمعة أعطت الفرصة لابن سعود ليتصرف ويوجه ضربته القاضية. فاتح السلطان عبدالعزيز بعض زعماء القبائل الذين جاءوا لمعايدته بعيد الأضحى بموضوع غزو الحجاز فهشوا وبشوا للمشروع كما يقول الشيخ حافظ - لأنهم سيطهرون بيت الله من البدع وسيغنمون الغنائم و الأموال وقد ذاقوا حلاوتها في تربة كما سيغنمون أجر الجهاد وما أسهل استعداد البدو للغزو. ويقول ديكسن إن فتح الحجاز تم بأسرع ما كان يتوقع ابن السعود فقد احتل الإخوان الطائف في سبتمبر 1924م وفي 5 أكتوبر تنازل الملك حسين عن العرش لابنه الملك علي وقد دخل الإخوان مكة في شهر ديسمبر والتجأ الملك علي إلى جدة حيث ظل محاصرا فيها لمدة سنة وانتهى الحصار في 22 ديسمبر 1925 وظلت المدينة المنورة محاصرة عشرة أشهر حتى 5 ديسمبر 1925م (الجيش الذي حاصر المدينة واحتلهاكان بقيادة فيصل الدويش) حيث لجأ الملك علي عند أخيه فيصل بالعراق والملك حسين انتقل إلى العقبة ومنها الى قبرص (لقد أقام الملك حسين في العقبة أثناء حصار جدة من قبل القوات السعودية وأخذ يمد القوات المحاصرة في جدة بالمؤن والذخائر عن طريق البحر بالتعاون مع نجله الأمير عبدالله أمير شرق الأردن وقد احتج السلطان عبدالعزيز عند السلطات البريطانية على ذلك التصرف وهدد بمهاجمة العقبة وشرق الأردن مما اضطر الإنجليز على نقل الحسين منفياً إلى جزيرة قبرص في 27 يونيو (حزيران) 1925 بإحدى البوارج الحربية وقد انتقل إلى رحمة الله في عام 1931) وهكذا انتهت مأساة البيت الهاشمي في الحجاز ونودي بالسلطان عبدالعزيز ملكاً على الحجاز في 25 جمادى الثانية 1344هـ 15 يناير كانون الثاني 1926م كما سبقت الإشارة الى ذلك.



مشاكل الملك عبدالعزيز مع الإخوان
يقول الشيخ حافظ وهبة عن الملك عبدالعزيز "وإن لم يرغب في الإعتداءات على البلاد المجاورة المشمولة بالنفوذ الإنجليزي أو يشجع عليها فانه لم يكن يكره ذلك فما دام الإخوان يخضدون شوكة الأعداء ويعودون بالغنائم سالمين. وما دام الأعداء يسعون للقضاء عليه وعلى دولته فلا بأس من تركهم والإخوان يتصارعون (جزيرة العرب في القرن العشرين صفحة 258). ومع مرور الزمن واستفحال أمر الإخوان لا سيما بعد احتلالهم الحجاز قويت شوكتهم وقد أشرنا إلى الفقرات السبع التي أنكروها عليه واستمرت اعتداءاتهم على الجيران ولم يسلم أهل نجد من تلك الاعتداءات كما سنرى، فأعد الملك عبدالعزيز العدة لوضع حد لتلك التجاوزات التي يقودها الزعماء الثلاثة فيصل الدويش رئيس قبيلة مطير وسلطان بن حميد رئيس قبيلة عتيبة وضيدان بن حثلين رئيس قبيلة العجمان وقد استمرت اعتداءاتهم على العراق والكويت. واستفحل أمر هجمات بعض عشائر مطير على العراق والكويت وقد أرسل الشيخ أحمد احتجاجاً إلى الملك ابن السعود الذي بدوره أرسل الشيخ حافظ وهبة إلى الكويت في الثامن من ديسمبر 1927م حيث قابل المعتمد البريطاني الميجر مور ليخبره بأنه تلقى برقية من ابن سعود لإيصالها الى فخامة المندوب السامي في العراق مخبراً إياه بحراجة الموقف في نجد وأن بعض فصائل الإخوان توجهت شمالاً خلافاً لأوامره كما سلم الشيخ حافظ الى الشيخ أحمد إنذاراً مماثلاً وفي صباح اليوم التالي حلقت ثلاث طائرات من سلاح الجو البريطاني فوق المنطقة المحايدة العراقية فتعرضت لنيران حامية من بنادق بعض راكبي الجمال الذين قدر عددهم بحوالي ثلاثمائة وقد جرح أحد مأموري اللاسلكي وقد ردت الطائرات على القوة المعتدية بنيران رشاشاتها. كما أرسلت طائرات أخرى من منطقة البصية وحيث شاهدت مجموعة من الرجال والجمال يقدر عددها بحوالي ستمائة متجهة جنوباً وقد هاجمتها بنجاح وقد سبق لهذه المجموعة أن هاجمت بعض الرعاة من بدو الظفير والمنتفق وكان المعتدون هذه المرة وكما في الماضي من قبيلة مطير. وفي الثاني والعشرين من شهر ديسمبر عبر فيصل الدويش الحدود العراقية وهاجم بعض القبائل العراقية وهاجم قبيلة عبده من شمر والحق بهم خسائر فادحة. إن هذه الاعتداءات المتكررة وبهذا الوزن تحدياً لأوامر ابن السعود أثارت الإشاعات حول الوضع في نجد ومنها أن قبيلة عتيبة ربما تكون ضالعة في هذا التمرد (ديكسن - الكويت وجيرانها صفحة 289-290).


معركة الرقعي
وفي مساء 27 يناير (كانون الثاني) 1928 وصلت الأخبار إلى الكويت بأن علي بن عشوان من أولاد واصل أحد فروع بريه من مطير ترأس قوة مؤلفة من ثلاثمائة وخمسين من راكبي الجمال وخمسين خيالا هجموا على جماعة من عريبدار من بدو الكويت في منطقة أم الرويسات التي تقع على بعد 38 ميلاً شمالي غربي الجهراء وقتلوا ثلاثة رجال منهم ونهبوا كمية لا يستهان بها من الجمال والأغنام. وحال سماع هذه الأخبار تم تجهيز كل ما وقعت عليه اليد من السيارات وملئت بالرجال المسلحين وأرسلت إلى الجهراء من الليلة نفسها وأعطيت لها التعليمات بمواصلة سيرها الى الرقعي (الركعي) التي تبعد بحوالي تسعين ميلاً الى الجنوب الغربي وذلك بقصد قطع خط الرجعة على المعتدين. وفي الساعة الرابعة والنصف من مساء يوم الثامن والعشرين من الشهر المذكور وصلت خمس عشرة سيارة من بين خمسة وعشرين أرسلت لهذه الغاية الى (الركعي) وهو عمل يستحق التقدير. حيث لم تكن توجد طرق بين الجهراء والمكان المقصود وكانت السيارات محملة بالرجال بأكثر من طاقتها بكثير -تسعة في كل سيارة في بعض الحالات- وبما أن عدد الكويتيين لم يزد على الخمسة والسبعين إلا أن تسليحهم كان جيدا وكذلك كان وجود السيارات عاملاً جديداً في حرب الصحراء في ذلك الوقت وكانت النتيجة أن القوات الكويتية أوقعت خسائر فادحة بالمعتدين واستردت قسماً كبيراً من المنهوبات وكانت إصابات الكويتيين طفيفة بما فيهم قائد الحملة الشيخ علي الخليفة الصباح الذي أصيب بجروح بالغة.

وبينما كانت المعركة على وشك الانتهاء كان الشيخ علي السالم الصباح -ابن المرحوم الشيخ سالم- المشهور بالشجاعة وحماسة الشباب قد وصل متأخراً بسبب عطل في سيارته وقد تأثر لعدم مشاركته في القتال فأصر على ملاحقة المعتدين تحدياً للنصائح التي وجهت إليه، وكانت النتيجة أنه وجماعته حوصروا بمنطقة الباطن وظلوا يقاتلون حتى نفذت ذخيرتهم وكان مصيرهم القتل بعد استسلامهم. وقي اليوم التالي استطاعت القوات الجوية البريطانية تحديد موقع المعتدين وهاجمتهم بالرشاشات والقنابل ثم أعادت الكرة عليهم يوم 30 وألحقت بهم خسائر في كلا الحالتين (لقد سألت الشيخ جابر العلي نائب رئيس الوزراء ووزير الإعلام عن دقة التفاصيل التي ذكرها ديكسن عن المعركة التي استشهد فيها والده فأكد لي الشيخ جابر صحة ما ذكره ديكسن وأنه سمع هذه التفاصيل من بعض الرجال الذين اشتركوا في المعركة المذكورة "المؤلف") ديكسن -الكويت وجيرانها-.



مؤتمر الرياض
وفي خضم هذه الفوضى على الحدود بين العراق ونجد من جهة ونجد والكويت من جهة ثانية وما رافقها من أعمال نهب وسلب وقتل من جانب فيصل الدويش وحلفائه من زعماء البادية قرر الملك عبدالعزيز بحكمته وبعد نظرة أن يلجأ إلى العلماء والرؤساء ليعرف وجهة نظرهم ومدى تأييدهم أو معارضتهم له فغادر جدة متوجهاً الى الرياض فوصلها في ديسمبر 1928 م وأمر بعقد المؤتمر النجدي -أو الجمعية العمومية- كما سمتها جريدة أم القرى واجتمعت الجمعية العمومية في أحد أروقة القصر الداخلية وكان عدد الحاضرين نحو ثمانمائة من علماء ورؤساء حضر وبدو ولم يحضر الدويش ولا ابن بجاد. وقد افتتح الملك المؤتمر بخطبة شرح فيها تاريخه في نجد من بدء استرداده الرياض إلى الوقت الحاضر وأعماله في توحيد الجزيرة وتأمين الطرق والإخاء بين العشائر وبعد أن انتهى من خطبته عرض على الحاضرين تنازله عن العرش ووجوب اختيار غيره من آل سعود. فلم تقبل تلك الجموع تنازله وبايعوه على السمع والطاعة. وكان الملك يرمي من وراء هذا المؤتمر إجماع كلمة النجديين وإثارة حميتهم ضد الإخوان المتطرفين وقد نجح في هذه الناحية نجاحاً تاماً (جزيرة العرب في القرن العشرين - صفحة 294).

بعد هذا المؤتمر والثقة التي أحرزها استحث أهل نجد لمساعدته ضد العصاة فاستجابوا له واجتمعوا حول رايته في القصيم كما اجتمع حوله كثير من الإخوان -حرب وقحطان وبعض من مطير وعتيبة- الناقمين على الدويش وابن حميد فلما علم الاخوان بوصول ابن السعود إلى بريده اجتمعوا كلهم بعدما كانوا مشتتين وصمموا على مهاجمة ابن السعود. وقد كان مع ابن سعود سلاح آخر هو سلاح العلماء ولكن العاصين لم يعودوا يثقون بالعلماء وتقارب الفريقان في (سبلة) قرب الزلفي (جزيرة العرب في القرن العشرين - صفحة 294).



معركة سبله
كان الوضع في بادية الكويت مضطرباً بسبب الاعتداءات المتكررة المشار إليها. وانقطع طريق السيارات بين الكويت والبصرة لمدة شهر عندما قتل أحد الرعايا الأمريكان من أعضاء البعثة التبشيرية في البصرة وكان قادماً الى الكويت بسيارته مع أحد الدبلوماسيين الأمريكان. كما حدثت عدة اعتداءات داخل الحدود الكويتية.

وحول معركة (سبله) يذكر ديكسن بالتفصيل كيف هجمت قوات الملك ابن سعود فباغتت فيصل الدويش بينما كان في خيمته ولم يكن منتظراً القتال حيث كانت تدور مفاوضات بين الملك والعصاة وقد جرح فيصل الدويش جرحاً بليغاً في معدته ونقل بعدها بأمر من ابن سعود الى بلدته (الرطاوية) وكان في حالة ميئوس منها.
أما سلطان بن حميد زعيم عتيبة فقد هرب الى بلدته الغطغط وتبعه الى هناك عبدالله بن عبدالرحمن أخو الملك عبدالعزيز حيث استسلم له بدون قتال وبقي في السجن حتى وفاته.
أما ضيدان بن حثلين زعيم قبيلة العجمان والذي لم يشارك في موقعة (سبله) وحاز على ثناء ورضى ابن السعود فقد قتله غدراً فهد بن عبدالله بن جلوي كما أن فهد لم ينج من القتل بعد غدره هذا فقد قتله أحد رجال بن حثلين انتقاماً لمقتل زعيمهم بينما كان يحاول الفرار.

العصيان يعود من جديد:
كان التصور بعد معركة سبله وصول التمرد الى نهايته حيث فيصل الدويش بين الحياة والموت بعد الجرح البليغ الذي أصابه من جراء الهجوم المباغت عليه. وسلطان بن حميد زعيم عتيبة في السجن ثم مقتل ابن حثلين، كل ذلك رجح كفة الاعتقاد بأن الملك ابن السعود بدأ يتنفس الصعداء ويرتاح بعد أن تخلص من أشرس خصومه ولكن الأمر لم يكن كذلك كما سنرى.



الفتنة تذر قرنها من جديد
يذكر الكولونيل ديكسن أن خبر مقتل ضيدان بن حثلين بتلك الطريقة المشينة انتشر انتشار النار بالهشيم في شمال شرق الجزيرة العربية مثيراً شعوراً سيئاً ضد ابن سعود علماً بأن المسئولية تقع على عبدالله بن جلوي الذي نفذت أوامره من قبل ابنه فهد (يذكر ديكسن أن فهد بن عبدالله بن جلوي الذي كان يعسكر مع بعض قواته في العوينة على مقربة من مضارب قبيلة العجمان وجه دعوة إلى ابن حثلين بحجة إبلاغه رسالة من ابن سعود وقد تعهد له خطياً بأن يكفل له الحماية. وقد استشار ضيدان رجاله الذين نصحوه بعدم الذهاب حيث كانت تفوح من تلك الدعوة رائحة الخيانة ولكنه أصر على الذهاب وبعد وصوله بقليل ألقي القبض عليه وكبل بالحديد. وقد تمكن أحد رجاله من الفرار وأخبر القبيلة بما حدث فتحركت للنجدة ولما علم فهد بتحرك العجمان أمر أحد العبيد المدعو ابن منصور -المتخصص بقطع الرؤوس- بأن يحز رقبة ضيدان فما كان من أحد رجال العجمان المدعو عبدالله بن مخيال إلا أن أطلق النار على فهد فأرداه صريعاً بينما كان يحاول الفرار) كان ذلك في اليوم الأول من شهر مايو 1929م وفي الثاني منه تحرك فرحان بن مشهور الشعلان أحد زعماء الرولا من قبيلة عنزة ومن زعماء الإخوان البارزين وكان من المقربين لابن سعود فوصل قرب آبار الصبيحية جنوب مدينة الكويت مع عدد كبير من الجمال التي نهبها من ابن مساعد أمير حائل ومنهوبات أخرى من قبائل شمر والدهامشة خلال غزواته الأخيرة،

وفي اليوم الرابع تم اللقاء بينه وبين الشيخ أحمد الجابر وذكر أنه في طريقه لابن سعود للتفاهم معه على الصلح ولكنه بدلاً من الذهاب لابن سعود انضم إلى العجمان في أواسط الإحساء ومما لا جدال فيه أن حادثة العوينة قد غيرت وأثرت في مسلكه، أما فيصل الدويش الذي ظن الكثيرون أنه على فراش الموت -كذا كان يشاع قصداً- فقد بدأ يتماثل للشفاء ويعد العدة للثأر مما حدث له في معركة (سبله) ونظراً للتحالف الذي تم بين العجمان بزعامة نايف بن حثلين وانضمام فرحان بن مشهور اليهم مع بعض زعماء الإخوان نرى علم الثورة يرتفع ضد ابن سعود في شمال نجد من جبل شمر الى الخليج وتكاد تكون المنطقة كلها بيد الثوار. وفي أوائل الشهر تقدم العجمان نحو الوفرة في المنطقة المحايدة الكويتية السعودية وبناء على تعليمات من السلطات البريطانية إلى الشيخ أحمد فلم تصل إلى الثوار مؤن من الكويت كما لم يسمح لهم بدخول البلد وقد تم إبلاغ ابن سعود بذلك.

ويذكر ديكسن في مناسبة أخرى حول هذا الموضوع فيقول لو وقف الإنجليز من هذا الصراع موقف الحياد ولو أيد الشيخ أحمد العصاة لكانت هزيمة ابن السعود شبه مؤكدة فقد كانت القوات النجدية المقاتلة في جانب المتمردين. وكعادة ابن سعود في استباق الأحداث فقد أرسل احتجاجا إلى الحكومة البريطانية يتهم فيها الكويت بأنها تزود الثوار بالمؤن والعتاد ويقول ديكسن -وقد أصبح في ذلك الوقت معتمداً لبريطانيا في الكويت- إن جميع التحريات التي أجراها أثبتت له بأن اتهامات ابن سعود لا أساس لها من الصحة (لقد نشر الشيخ حافظ صوراً من هذه الاحتجاجات في كتابه "خمسون عاماً قي الجزيرة العربية") ثم يذكر أنه والشيخ أحمد استلما رسالتين فيما بعد تاريخهما في العاشر من أغسطس (آب) من الملك ابن السعود يشكرهما فيها لجهودهما في منع الإمدادات من الوصول إلى العصاة.
استمر الكر والفر في الصحراء خلال صيف 1929م على الرغم من صعوبة الظروف بسبب ندرة المراعي والمياه في مثل تلك الأيام ويذكر ديكسن أنه فوجئ بخبر اختراق فيصل الدويش للحدود الكويتية من الجنوب عند الصبيحية وكانت قواته مؤلفة من خمسة آلاف مقاتل وألفين خيمة ومائة ألف جمل -منظر فريد- وكان ذلك في الثلاثين من شهر أغسطس.

ويقول "قدمت تقريراً بذلك وقد جاءت التعليمات بأن أنذر الدويش بأن عليه أن يغادر الأراضي الكويتية خلال 48 ساعة وإلا فإن طائرات القوة الجوية البريطانية المرابطة في الشعيبة قرب البصرة ستبدأ بقصفه. إن أول رسول أرسل الى الصبيحية قوبل بالاستهزاء وتجنباً للعواقب الوخيمة مما سيحدث بالنظر لوجود الآلاف من النساء والأطفال بين المقاتلين فقد طلبت من فيصل الدويش ليقابلني في ملح التي تبعد خمسة عشر كيلومتراً جنوب الكويت. وخلافاً لنصيحة الشيخ أحمد لخوفه علي من الغدر ذهبت بالسيارة وحدي الى ملح ولكن الشيخ تبعني بعد ذلك مع أربعة من خدمه المسلحين وكأنه أراد أن يشاركني المصير وسأظل اذكر بالامتنان هذه البادرة منه".

"قابلنا فيصل الدويش هناك مع أربعين من رجاله من زعماء الإخوان الأشداء. إن هذا الرجل -يقصد الدويش- الذي سعى أكثر من أي عربي آخر لمساعدة ابن سعود في الصعود الى القوة والشهرة، كان قصير القامة، عريض المنكبين بأنف ورأس كبيرين يمشي بأطراف ثابتة مع انحناءه في جسمه الى الأمام. صارم وصامت بالطبيعة. لا يمكن مقارنته بمرونة ابن السعود من وجهة نظر الدبلوماسيين. لقد قلت له ما أردت قوله والتمست منه بأن يعدني بالانسحاب إلى ما وراء الحدود خلال يومين وذلك حرصاً على سلامة النساء والأطفال حيث عندي تفويض باستدعاء سلاح الطيران. وقد ظل يتردد في إعطائي أي وعد لمدة ساعة مدعياً بأنه ليس بينه وبين بريطانيا أي خلاف وأنه وقبيلته كانوا من رعايا شيخ الكويت وأنه يريد أن يعود الى ولائه السابق وهو في أمس الحاجة إلى المواد التموينية ويرجو أن يسمح له بشراء ذلك لإطعام جيشه الجائع.

ومع أني تأثرت بعمق فقد كنت مصراً على ما طلبت منه وأقنعته بأن يعطيني وعداً وفيما نحن في هذا مال قرص الشمس الأحمر إلى الغروب خلف تلال المناكيش فقال فيصل لقد حان وقت الصلاة. ونادى على الصلاة بنفسه ثم أم الزعماء والقواد الى صلاة المغرب وقد تركوا بنادقهم أمامهم على طريقة الإخوان ثم انتهت الصلاة. وقبل أن ينهض هذا القائد الصحراوي الأصيل العظيم التفت إلى قائلاً "أعدك بشرفي بأني سأعمل بما تطلبه مني اذهب مع السلامة"، وقد ثبت على كلامه" (لقد كان ديكسن معجب أشد الإعجاب برجال البادية وخاصة بفيصل الدويش وأمثاله من زعماء الصحراء وكان كثير اللقاء بهم، يزورهم في مضاربهم ويدعوهم إلى بيته ويقضي بعض حوائجهم خلال إقامته الطويلة بالمنطقة "المؤلف").

الكابتن كلوب (أبو حنيك) أو كلوب باشا:
ونحن في الحديث عن حروب الصحراء لا سيما في البــوادي المشتركة بين العــراق والكويت ونجــد فلا بد من الإشــارة إلى رجــل عمل في تلك الأيـام في المنطقـة وعايش تلك الأحداث وكتب عنها في بعض ما ألف من كتب وفي كتابــه (بريطانيا والعرب) (Britains &The Arabs – Glubb Pasha Hodder & Stoughton – London - 1959) يذكر أنه قضى ست وثلاثين سنة في البلاد العربية منها عشر سنوات في العراق وست وعشرين في الأردن. والذي يهمنا الآن هي تلك الفترة التي قضاها في العراق خلال العشرينات والتي شهدت أحداثاً هامة في تاريخ الأقطار الثلاثة العراق والكويت والمملكة العربية السعودية.

كان الكابتن كلوب يشغل وظيفة المفتش الإداري في بادية العراق الجنوبية أي أنه كان مختصاً بشئون البدو في المنطقة والذين عرفوه في ذلك الوقت يقولون أنه كان يعيش بنفس المستوى الذي كان يعيشه البدو كان يسكن الخيمة أو بيت الشعر يلبس ويأكل مثلهم ويتحدث معهم بلهجاتهم شأنه في ذلك شأن الذين نشأوا على شاكلته مثل لورانس العرب وفيلبي وغيرهما ويقال إنه سمي (أبو حنيك) بسبب جرح قديم بارز في فكه. وكانت المراكز الهامة والحساسة في العراق في ذلك الوقت بيد البريطانيين ومع وجود الملك فيصل الأول على رأس الدولة فان السلطة الفعلية كانت بيد المندوب السامي البريطاني لا سيما فيما يتعلق بالشؤون الخارجية. لهذا فالنزاعات القبلية التي كانت تحدث على الحدود كانت أمورها تطرح أولاً بأول أمام المندوب السامي ومستشاريه وقد كتب كلوب فصلاً عن نجد وعن حروب (الإخوان) لا سيما اعتداءاتهم على العراق وشرق الأردن وعن قسوتهم مع خصومهم.

ويقول إن ابن سعود أنشأ المستوطنات الدينية (الهجر) بقصد إحياء جذوة الدعوة الوهابية الأولى ولتأخذ الاخوة الدينية مكانها بصورة أشمل. وحيث أن مالية نجد لا تكفي لإنشاء جيش نظامي فإن اعتماد ابن سعود كان على تلك المستوطنات لاستنفارها وقت الحرب حيث كل مواطن يعتبر جندياً مؤهلاً بالنسبة لمستوى الحروب الصحراوية في تلك الأيام والعدة هي الناقة والبندقية وبعض الزاد وفيما يختص بالبدو فإن حالتهم غير المستقرة تجعلهم على استعداد دائم للغزو فيكفي إشعارهم بأن ذلك البلد أو تلك القبيلة وضعها غير ودي حتى ينطلقون غزاة عتاة.

لقد استعرض ابن السعود البلاد المتاخمة لنجد. فوجد نفسه مهدداً ومحاطاً بالعائلة الشريفية. فالملك حسين يحكم الحجاز بأسلوب انفرادي ضيق مما أثار عليه وبسرعة، رعاياه من الداخل، وفي عام 1921م أصبح النجل الثاني للملك حسين عبدالله أميراً على شرق الأردن بينما ابنه الثالث -فيصل- توج ملكاً على العراق . كان الملك حسين في ذلك الوقت خارج النفوذ البريطاني أو أي نفوذ آخر وقد كان ذا تشدد وعناد -ربما بحق- مع حلفائه السابقين البريطانيين بسبب احتلال الفرنسيين لسوريا وتأييد البريطانيين للصهاينة في فلسطين. وكان كل من العراق وشرق الأردن تحت الانتداب البريطاني ونتيجة لذلك فان بريطانيا وجدت نفسها ملزمة للوقوف بوجه هذين البلدين من أي عمل ضد ابن سعود وفي المقابل فهي ملزمة بالدفاع عنهما ضد أي هجوم من نجد (نفس المصدر صفحة 209).

إن الأسلوب التقليدي للحرب في وسط الجزيرة العربية هو السماح للقبائل البدوية لمهاجمة العدو، هذا لا يكلف الحاكم أي شيء بينما تبقى القبائل راضية ومسرورة فإذا فشل مثل هذا الاعتداء فان الحاكم يتملص من المسئولية. وفي حالة النجاح فيكون تمهيداً لعمليات حربية منظمه.
__________________
رد مع اقتباس