عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 02-04-2012, 01:20 AM
IE IE غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

في مقاله السابق أشار د. خليفة الوقيان إلى بعض الأخطاء التاريخية التي تضمنتها مقدمة الطبعة الخامسة من ديوان {روض الخل والخليل.. ديوان السيد عبدالجليل} بتحقيق الدكتور محمد الطبطبائي.
تناول الوقيان الأخطاء المتصلة بالحياة العلمية في الكويت، وبعض الأخطاء المتعلقة بتاريخ القضاء، واليوم يستكمل استعراض الأخطاء الخاصة بتاريخ الكويت مع ملاحظات على أسلوب تحقيق الكتاب، منوها إلى كثرة المعلومات المغلوطة التي تنشر عن تاريخ الكويت وضرورة تصحيحها.

نموذج للأخطاء التاريخية
يقول المحقق د. محمد «يُعد الديوان - أي ديوان السيد عبدالجليل الطبطبائي - أول مرجع تاريخي كويتي ذكر اسم الكويت»(15).
وهذا القول يعني ان الكويت لم تذكر في أي مرجع كويتي قبل عام 1300 هــ 1883م، تاريخ صدور الطبعة الأولى للديوان.
وسوف نعد الديوان مرجعاً تاريخياً كويتياً، على الرغم من اكتفائه بذكر اسم الكويت مرة واحدة، من دون ان يمدنا بأي معلومات تاريخية عنها. غير ان الديوان لم يكن أول مرجع كويتي ذكر الاسم. فقد ذكر قبل ذلك في كثير من المخطوطات التي نسخت في الكويت. كما ذكر في مراسلات ووثائق كثيرة، منها وثائق التملك والوقف. اما الجملة الوحيدة التي ذكرت فيها الكويت فهي قوله مخاطباً أمير الاحساء أحمد السديري «ثم اني اتخذت الكويت دار إقامة، وأسأل الله حسن العاقبة بلا ندامة. وقد قابلني واليها بأتم وقار، وعاملني بالكرامة وحسن الجوار»(16).
الخطأ في نسبة الشعر
بحث المحقق في ديوان جده السيد عبدالجليل الطبطبائي فلم يجد بيتاً واحداً عن الكويت، فلجأ الى نشر أبيات ورد فيها ذكر «كاظمة»، ووضع لها عنواناً كبيراً هو «الكويت في أشعار السيد عبدالجليل». وقال في التقديم لهذه الأبيات «لقد وردت الكويت وحنينه لها والتي لا يهنأ إلا بها، حيث قال عندما كان على شاطئ الفرات:
وهل أبيتُ وداري عند كاظمة
قرير عين بعين بين أزهار.
لم أنس جيرتنا ومترع المنحنى (كذا)
داري وسمّار ذاك الحي سمار
تضوع أرواح نجد في ثيابهم
فهاج شوقي لمعنى فيه أوطاري
لا شيء يعدل لقيا منجدين بدوا
عند القدوم بقرب العهد بالدار
وقال بعد هذه الأبيات مباشرة «وهي البلدة التي التقى فيها بشيخه الشيخ محمد بن فيروز - رحمه الله - وكانت له فيها المكانة العالية، وكانت الكويت تتمتع بالاستقرار والحركة التجارية، ويباشر عمله السياسي مع السلطنة العثمانية فيها»(17). انتهى كلامه بنصه.
لم يوضح المحقق د. محمد البلدة المقصودة بقوله «وهي البلدة التي التقى فيها بشيخه الشيخ محمد بن فيروز»، فإن كان يقصد كاظمة أو الكويت، فالسيد عبدالجليل لم يلتق شيخه فيهما. وان كان يقصد البصرة - وهي التي التقى فيها بشيخه ابن فيروز - فقد كان عليه ان يذكرها بالاسم، ثم ان البصرة لا تقع على شاطئ الفرات.
اما قوله «ويباشر عمله السياسي مع السلطنة العثمانية فيها} فسوف نُعرض عن التعليق عليه حاليا، كما نعرض عن التعليق على جميع المواضيع التي ذكر فيها تبعية الكويت لولاية البصرة، وانها «احدى النواحي التابعة لولاية البصرة وان جده أخذ يباشر مهامه واشرافه على امارات الخليج ونجد من الكويت».
عودة إلى الأبيات
وقد نترك تلك المهمة لمن هم اكثر اختصاصا بتاريخ الكويت، ونعود إلى الأبيات التي استنجد بها د. محمد الطبطبائي لإثبات ورود الكويت في أشعار جده السيد عبدالجليل. وبخاصة البيت الذي ذكر فيه «كاظمة»:
وهل أبيت وداري عند كاظمة
قرير عين بعين بين أزهار
فهذ البيت لم يكتبه السيد عبدالجليل الطبطبائي، بل هو بيت من قصيدة الرضي:
يا قلب ما أنت من نجد وساكنه
خلّفت نجداً وراء المدلج الساري (18)
وقام السيد عبدالجليل بتشطير بعض ابيات القصيدة.
ويبدو ان المحقق د. محمد لا يعرف معنى التشطير - ان احسنّا الظن به - اما اذا كان يعرف معنى التشطير فسوف يكون متهما بنسبة بيت شعر قاله الشريف الرضي لجده السيد عبدالجليل، للوصول الى هدف ليس بذي اهمية، وهو اثبات ورود اسم الكويت او احدى مناطقها في شعر السيد عبدالجليل.
مهمة المحقق
اشرنا من قبل الى صدور اربع طبعات لديوان «روض الخل والخليل ديوان السيد عبدالجليل الطبطبائي»، واعتقد ان الطبعة التي حققها وراجعها يس الشريف، ونشرت على نفقة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في عام 1964 هي الاجود. اذ وزعت فيها القصائد حسب موضوعاتها، كما تضمنت مقدمتين جيدتين، غير ان د. محمد لم ينتفع بتلك الطبعة، ولعله لم يطلع عليها. وكان اعتماده على طبعة المكتب الاسلامي بدمشق، حيث قام بنسخها كما هي من دون اي اضافة، او تصويب، او وضع فهارس للقوافي والاعلام، او تخريج لآيات القرآن الكريم والاحاديث النبوية، وكان دوره مقتصرا على كتابه مقدمة من اربع صفحات، وترجمة المؤلف التي اشرنا الى ما ورد فيها من اخطاء جسيمة، وتضمنت الترجمة استطرادا تاريخيا تكلم خلاله المحقق عن خمس دول طبطبائية منذ عهد الخليفة هارون الرشيد.
وبعد، فان الملاحظات الواردة في هذه المقالة تقتصر على المادة التي نشرها المحقق د. محمد بين ص 21 وص 31 من الديوان، وهي لا تمس الشاعر الكبير عبدالجليل الطبطبائي، الذي كان ينبغي ان يحظى ديوانه بعناية احد المتخصصين في التحقيق، لكي يُنتفع بما ضم من تأريخ لأحداث مهمة، واشارات الى اعلام ينبغي التعريف بهم، فأهمية ديوان «روض الخل والخليل» لا تقف عند حدود ما ضم من شعر، بل تمتد لتشمل الرسائل والمقدمات التي تسبق القصائد، وتضم مادة تاريخية مفيدة.
واحسب ان المحقق الكريم صرف جهده الأكبر نحو قضية ليست بذات اهمية، وهي تغيير تاريخ اتخاذ السيد عبدالجليل محلا لسكناه ليكون اقدم من العام 1843، الذي اجمعت عليه المصادر. فضلا عن محاولة تضخيم دوره، ودور اسلافه الكرام في الكويت، وقد ادى التعسف في ليّ عنق الحقيقة الى وقوع المحقق في اخطاء جسيمة.
دور مختلف
وليس ينقص من قدر السيد عبدالجليل الا يكون له دور يذكر في الكويت، وان يكون انتقاله إليها في عام 1843، أي في السنوات العشر الأخيرة من حياته، فهو علم عربي تتجاوز شهرته الحدود والانتماء إلى هذا البلد أو ذاك، فإن لم يكن له دور يذكر في الكويت فقد كان له دور في الزبارة والبحرين والبصرة وثّقته المصادر.
كما أن لأبنائه وأحفاده دوراً موثقاً في مجالات العطاء المتعددة. ويقف ابنه السيد أحمد في مقدمة العلماء الذين تتملذ عليهم جمع من طلبة العلم.
ويأتي من بعده ابنه عبدالوهاب الذي يعود إليه الفضل في جمع ديوان «روض الخل والخليل» وحفيده السيد مساعد، الذي تولى نشر الديوان على حسابه في عام 1300هـ، أما الشاعر السيد عبدالمحسن بن عبدالله بن أحمد بن عبدالجليل فكان ذا صوت مجلجل في رده على ابن دهيس، الذي تهجم على الكويتيين وشاعرهم حمود ناصر البدر بعد معركة الصريف 1901 (19)، ومن أحفاده ذوي الفضل السيد ياسين الطبطبائي، وكنت قد نبهت إلى فضله في ظهور فكرة إنشاء المدرسة المباركية في مقالة نشرتها قبل نحو ربع قرن، إذ طالبت وزارة التربية بإطلاق اسمه على إحدى المدارس، كما أشرت إلى دور السيد عبدالوهاب الطبطبائي في إصدار جريدة الدستور وصدى الدستور في البصرة في كتابي «الثقافة في الكويت»، أما العم السيد عبداللطيف السيد ياسين الطبطبائي فكان مثالاً للاستنارة والإيمان بالديموقراطية من خلال انتمائه إلى كتلة الشباب الوطني في عام 1938.
وبعد، فقد كثرت المعلومات المغلوطة التي تنشر عن الكويت وتاريخها نتيجة كثرة منافذ النشر والاتصال، وبات من العسير على الباحثين تتبع ما ينشر والتنبيه إلى مواضع الزلل والخطأ. ولكن حين تأتي الأخطاء ممن يفترض فيهم الاختصاص والدقة والأمانة في ما ينشرون فحينئذ يتعذر تجاوز أخطائهم، حتى لا تشيع، ويصبح تنبيههم إليها واجباً علمياً.
انتهى

نسبة مسجد العبد الجليل ونقعتهم إلى الطبطبائي
يقول د. محمد الطبطبائي «ان مسجد عبد الجليل قد اسس قبل عام 1843م، ومؤسسه هو السيد عبدالجليل الطبطبائي، وقيل اسسه ابنه السيد احمد بن السيد عبد الجليل الطبطبائي».
ولا يكتفي د. محمد بنسبة مسجد العبد الجليل الى جده، بل يلحق به نقعة العبد الجليل حين يقول «نقعة عبد الجليل، وهي مكان ترسو فيه السفن، تاريخ نشأتها قبل عام 1800م» (11).
واذا كان د. محمد الطبطبائي، وهو عميد سابق لكلية الشريعة، وعضو لجنة الافتاء لا يميز بين قاضي الكويت محمد بن عبد الوهاب بين فيروز، ومحمد بن عبدالله بين فيروز نزيل البصرة. ولا يعرف ان الذي بني مسجد العبد الجليل هو قاضي الكويت محمد بن عبد الله العبد الجليل، فهذا نقص كان ينبغي ان يتلافاه.
والحقيقة ان الذي بنى مسجد العبدالجليل هو الشيخ أحمد بن عبدالله العبدالجليل(12) قاضي الكويت في الفترة من 1722م الى 1756م. وكان بناؤه في عام 1779م(13)، أي حين كان السيد عبدالجليل في الثالثة من عمره. أما نقعة العبدالجليل فقد بنتها أسرة العبدالجليل(14) التي كانت تملك السفن منذ زمن مبكر من تاريخ الكويت.
وقد أجمعت المصادر على ذكر تلك الحقيقة، واذا كان المحقق قد استند - في نسبة بناء مسجد العبدالجليل الى السيد عبدالجليل الطبطبائي أو ابنه السيد أحمد - إلى ما جاء في الموسوعة الكويتية المختصرة فيمكن الرد عليه بأن تلك المعلومة مغلوطة، وقد صححتها بقية المصادر التي اختصت بتأريخ بناء المساجد في الكويت، ثم كيف يتسنى للسيد عبدالجليل أو ابنه السيد أحمد ان يبنيا مسجداً كان موجوداً قبل ظهورهما في الحياة؟!

الحواشي والهوامش
11 - روض الخل والخليل - ص 29.
12 - انظر: عدنان بن سالم الرومي: تاريخ مساجد الكويت القديمة ص 26 ط 2.
13 - انظر عن قاضي الكويت الشيخ أحمد بن عبدالله العبدالجليل، صفحات من تاريخ الكويت ص 32 - 33 والقضاء في الكويت نشأته وتطوره ص 25 وتاريخ مساجد الكويت القديمة ص 28 ط 2.
14 - انظر عن نقعة العبدالجليل تاريخ مساجد الكويت القديمة ص 26.
15 - روض الخل والخليل ص 456 حاشية 119.
16 - المصدر السابق ص 456.
17 - المصدر السابق ص 31.
18 - انظر القصيدة في ديوان الشريف الرضي - تحقيق د. إحسان عباس 517/1
وقد نقلت بعض أبيات قصيدة الشريف الرضي بصورة مغلوطة.
19 - انظر: عبدالله عبدالعزيز الدويش: مختارات من أعلام شعراء النبط 155/1.

القبس - 2/4/2012
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
رد مع اقتباس