[justify] كذلك لا يمكن إهمال أنه ليس ثمة عشيرة أو قبيلة في عربستان إلا ولها أصل في العراق(165) ما يحمل على القول أن عشائر عربستان لعبت دورا تقليديا في حياة الولاية السياسية وبقيت مصدر إزعاج مستمر خاصة للباب العالي في اسطنبول ، وإن كان أحد الولاة هددوا في (1909 – 1910 م) بضرب المحمرة وتدميرها ، إلا أنه وفي حقيقة الأمر كان يعلم بعدم قدرته على تحقيق ما هدد به(166).
كذلك نرى أن مبارك الذي فضل معالجة الضغوط العثمانية بقدر من التوازن وعدم الاندفاع بين الرفض تارة والقبول تارة آخرى ، هو ما جعل الصراع أخف حدة ، ولم يتعدى محاولات فرض النفوذ ، والتي يقابلها إلتفاف مبارك عليها ، حتى أنه دائما ما كان يذكر " لو أنهم أخلصوا لي لأخلصت لهم"(167) كذلك كان يذكر " الوالد إذا قسا في تربية ولدة لا يخرج بذلك عن كونه والدة"(168) ، كما أن مبارك كان يتعامل من منطلق أن إمارته ليست خاضعة للعثمانين ويتحرك في استقلالية بعيداً عن فلك سياستهم حتى أنه كان يقاضيهم كما حدث في أمر الحاميات العسكرية في بوبيان وأم قصر وصفوان(169)الأمر الذي يعكس أنه لم يكن يعول كثيراً على هذه الضغوط في ظل اتفاقية الحماية ، حتى تجاوبة في بعض المرات لم يكن يتعدى المناورة كي يتفادي تأليبهم لبعض القوى كابن رشيد وغيره من القبائل التابعه له على حدوده ، مع العلم بأن مبارك حاول أكثر من مرة إدخال البريطانيين في معادلة توازن القوى معهم ونجح في ذلك .
كما أن الشيخ مبارك وعلى خلاف خزعل لم يكن يعول كذلك على الاجتماعات التي كانت تعقد في كل من (البصرة والكويت والمحمرة) بينه وبين الشيخ خزعل وطالب النقيب كما حدث عام 1909م(170) ، حيث حضر الثلاثة مؤتمراً في الفيلية كان سعدون باشا وبعض زعماء العشائر في العراق من حضوره ، وقد تباحثوا في أمر عرض الخلافة على عباس حلمي خديوي مصر أثناء زيارته إلى مكة(171) .
وما يدعو للنظر كذلك أن مبارك الذي أدرك حقيقة الامتعاض العثماني بادر بالإلتحاق بجميعة الاتحاد والترقي بعد الانقلاب على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني وتقوية تيار القومية العربية وكذلك حث خزعل للدخول فيه(172) ، إلا أنه وفيما يبدوا لم يكن السياسيين العثمانيين يقبلون بتغير سياستهم نحو عربستان ، فقد انقلب الوالي الجديد على الشيخ خزعل الذي كان منشغلا في هذا الوقت بالحد من تعديات قبيلة البختيارية على حدودة الشمالية في أواخر1910م ، الأمر الذي كان يعقد الأمور كثيراً بالنسبة لخزعل وطريقة تعاملة مع السياسات العثمانية تجاه إمارته.
وحتى بعد أن تم نقل سليمان نظيف لم تكن علاقة الشيخ خزعل بالولاة الجدد على مايرام ، ليلجأ في مؤتمر الفيلية عام 1913 م لتنسيق السياسات بينه وبين الشيخ مبارك وطالب النقيب ليخفف من الضغوط العثمانية عليه (173) ، وقد كان مقرراً عقد مؤتمر أخر في العام 1914 بالكويت وجهت الدعوة فيه للشريف حسين والأمير عبد العزيز آل سعود غير أنه لم يكتب له النجاح .
كما أن مبارك الذي لم يكن يرى مصلحتة في زعامة فردية تعلي من شأنه وتهز أركان إمارته ، لم يكن يفكر كذلك في لعب دور سياسي في العراق.
كذلك لم يكن مبارك راغباً بقوة في المشاركة الفعلية بقوات عسكرية ضد العثمانيين بتحالفه مع بريطانيا ، على الرغم من تأييده الضمني لها ، وهو ما يعكسه قولة حين بدر من بعض أهالى الكويت رفض للمشاركة في أي عمل ضد قوات العثمانيين " إني أغار على ديني وعلى دولتي ولا أحب من يتعرض لهما بسوء غير أني اتفقت مع الانجليز على أمر فيه نفع لي ولبلدي (174)
وهذا هو ما قد يكون نجاح معه مبارك في إبقاء العلاقة بينه وبين الدولة العثمانية في إطار محدد ما بين الرفض تارة والقبول تارة أخرى دون أن يؤثر هذا على وضع إمارته واستقلاليتها .
[/justify]
|