بمناسبة ذكرى وفاة مؤلفه السادس والثلاثين تاريخ الكويت السياسي لحسين خزعل أشهر كتاب منع في تاريخ الكويت
طلال الرميضي - 30/06/2008
عالم اليوم
يعد كتاب تاريخ الكويت السياسي لمؤلفه حسين خلف الشيخ خزعل أشهر كتاب منع في تاريخ الكويت وبالرغم من منعه لا يكاد تخلو نسخة من مكتبات الأدباء والمؤرخين والمهتمين بالتراث الكويتي، وحصد هذا الكتاب الممنوع سمعة واسعة بين الأوساط الثقافية والأدبية بالكويت وخارجها.
وسنحاول في هذا المقال أن نتعرف على محتوى هذا الكتاب ومؤلفه المرحوم حسين خلف الشيخ خزعل حفيد الشيخ خزعل بن مرادو حاكم المحمره الأخير من جهة الأم حيث انه يصادف مرور وفاته السادس والثلاثين في هذا الشهر، وان الحديث عن هذا الكتاب الشهير يكشف صفحة تاريخية مهمة عن الرقابة على المطبوعات في دولة الكويت وأحداث مضت وقضت وكان لها صداها على أرض الواقع.
حسين خزعل
يعد من أشهر من كتب في تاريخ الكويت حيث ألف كتاب«تاريخ الكويت السياسي»، المكون من خمسة أجزاء واسمه الكامل هو حسين بن خلف بن عساف بن يوسف بن مرداو واشتهر بحسين خزعل نسبة إلى جده لأمه الشيخ خزعل بن جابر ابن مرداو آخر حكام المحمرة المعروفة باسم إمارة عربستان.
ولد حسين خزعل في عام 1912م في المحمرة ودرس بالمدارس الموجودة فيها وكان يهوى الأدب والتاريخ وألف عدة مؤلفات تاريخية أبرزها كتابه تاريخ الكويت السياسي، عمل بوظيفة حكومية في بلده العراق حتى حصوله على التقاعد، كما عمل بوظيفة بسيطة في وزارة الداخلية في الكويت سنوات قليلة حتى فصل منها، وتوفي في الساعة السادسة من صباح يوم الثلاثاء الواقع في السادس من شهر يونيو من عام 1972 وكانت وفاته بسبب تعرضه لنوبة قلبية حادة أثناء رقوده بمستشفى الصباح لتلقيه العلاج من أمراض مزمنة لازمته منذ أمد بعيد منها مرض السكر والكلى ونقل جثمانه إلى العراق ليدفن في بلده، وبهذا يكون قد مضى ست وثلاثون سنة على وفاته.
لجنة تأريخ الكويت
جاءت فكرة تأليف هذا الكتاب بعد تأسيس لجنة إعادة كتابة تاريخ الكويت في عام 1959 حيث أمر سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح حفظه الله عندما كان رئيساً لدائرة المطبوعات والنشر بتأسيس لجنة تعنى بتوثيق تاريخ إمارة الكويت وتشكلت هذه اللجنة من سمو الشيخ صباح الأحمد رئيساً والمرحوم عبدالعزيز الصرعاوي سكرتيرا لها وبعضوية كلا من المرحوم عبدالحميد الصانع والمرحوم نصف اليوسف النصف والمرحوم أحمد البشر والمرحوم درويش المقدادي والمرحوم محمد العتيبي والأستاذ بدر خالد البدر وعقدت أولى جلساتها بتاريخ 28/12/1959، وكان حسين خلف يأمل بأن هذه اللجنة تسند مهمة كتابة التاريخ إليه ولكنها اعتمدت على الباحث الفلسطيني الشهير الدكتور أحمد مصطفى أبو حاكمة الذي كان يعمل في دائرة المعارف الكويتية خلال عامي 1953 و1958 وصاحب الكتاب القيم«تاريخ الكويت الحديث»، وقد أثبتت الأيام صواب قرارها وحسن اختيارها لسقوط حسين في أخطاء تاريخية كثيرة.
وما أن صدر قرار تزكية أبو حاكمة لهذه المهمة الكبيرة حتى قام خزعل بنقل أوراقه ووثائقه إلى خارج الكويت والشروع بتأليف كتابه المسمى«تاريخ الكويت السياسي».
طباعة كتابه
قام حسين خزعل بجمع المعلومات التاريخية من الرواة حسبما أشار إليه في كتابه ومن الوثائق التاريخية القديمة المتعلقة بالكويت وكانت الوثائق والمراسلات التي تخص جده خزعل لها نصيب الأسد من التدوين والدراسة والتعليق في كتبه وقد قسم كتابه«تاريخ الكويت» إلى قسمين وتضمن القسم الأول عشرة أجزاء وفقا لما يلي:
الجزء الأول تضمن تاريخ الكويت منذ النشأة إلى آخر عصر الشيخ محمد الصباح الحاكم السادس
الجزء الثاني يختص بعصر الشيخ مبارك الصباح
الجزء الثالث يختص بعصر الشيخ جابر المبارك
الجزء الرابع يختص بعصر الشيخ سالم المبارك
الجزء الخامس يختص بعصر الشيخ أحمد الجابر
أما الأجزاء الخمسة الأخرى فهي تتضمن الأحداث المهمة التي جرت في عصر الشيخ أحمد الجابر وهي«مؤتمر الكويت الثاني – الحصار التجاري – الإخوان وحركاتهم – تاريخ النفط في الكويت – المجلس التشريعي » وتضمن القسم الثاني من كتابه تاريخ الكويت الجانب الاجتماعي ويبحث في نهضتها العلمية والأدبية والاجتماعية كما يتناول تراجم أشهر مشاهير علمائها وقضائها وشعرائها وأعيانها وتجارها وأرباب المال والأعمال وغيرها من الحوادث الاجتماعية المهمة الأخرى.
مشروع لم يكتمل
وقد تمكن حسين خزعل من إنهاء تأليف وطباعة الأجزاء الخمسة الأولى من القسم الأول المتعلق بالتاريخ السياسي فقط وصدر الجزء الأول من القسم الأول في مطلع عام 1962 وجاء في 189 صفحة، أما الجزء الثاني المتعلق بالشيخ مبارك الصباح فقد طبع في السنة ذاتها أي في يوليو عام 1962 وبعد الجزء الأول بأشهر قليلة، وتبلغ عدد صفحاته 350 صفحة، وصدر الجزء الثالث في أواخر عام 1962 وهو أصغر جزء بالنظر إلى حجم صفحاته التي عددها مئة وخمسون صفحة فقط، وتبعه الجزء الرابع بثلاث سنوات حيث طبع في شهر يوليو 1965 وتبلغ عدد صفحاته 388 وهو أضخم الأجزاء الخمسة التي طبعت، أما الجزء الخامس المتعلق بحياة الشيخ أحمد الجابر رحمه الله حاكم الكويت العاشر، فقد قسمه إلى قسمين طبع القسم الأول منه في عام 1970م بعد توقف خمسة أعوام من الجزء الذي سبقه.
ويعد هذا الجزء هو الكتاب الأخير من تاريخ الكويت السياسي حيث توقف خزعل عن التأليف حتى وافته المنية في عام 1972 بعد أن تدهورت صحته قبل موته.
ويرى بعض الباحثين في أن الأمل بطباعة الأجزاء المتبقية على يد ابنه الدكتور حنظل المقيم في باريس عند وفاته إلا أنه صرف النظر عن ما بدأه والده ليموت هذا المشروع بوفاة صاحبه.
فكرة التأليف
حفلت فترة الخمسينات والستينات بالعشرات من الكتاب الذين كتبوا عن الكويت بدافع مادي بحت فذهبت مؤلفاتهم في مهب الريح ونسيها التاريخ بعد مضي سنوات قليلة، ويقول العراقي حسين خزعل مؤلف كتاب تاريخ الكويت السياسي عن فكرة تأليفه لهذا الكتاب ما يلي:
ولما كانت الأمة العربية متجهة اليوم بأنظارها نحو الكويت هذا القطر الذي نهض نهضته السريعة وان الكثيرين منهم يشعرون بالحاجة الماسة لوقوفهم على معلومات كافية وافية عن هذا القطر العربي أكثر من أي زمن مضى وفي نفوس الجميع منهم رغبة ملحة لدرس تاريخه، لذلك فقد تعددت وكثرت عنه الكتابات ولكنها بالرغم من تعددها وكثرتها لا يوجد بينها حتى الآن كتاب واحد يصلح أن يكون تاريخاً ومرجعا ليشفي نهلة المتلهف ويروي ظمأ الصادي ويشبع رغبة الراغب بالوقوف على المعلومات التي تكون أمام قارئه كمرآة صافية وضاءة تهديه إلى أعمق الحوادث وأدقها ليستسقي منها ما يصبو إليه.
وقد تمثل أمامي هذا النقص جلياً واضحاً فدفعتني لذلك دوافع متعددة منها دافع الضمير ودافع النخوة القومية فأخذت على عاتقي الإقدام على تدوين حوادث تاريخ الكويت بالرغم من علمي بندرة المصادر ان لم أقل بعدمها والموجود منها لا يمكن الركون إليه والاعتماد عليه إلا بعد الفحص والتدقيق والمقارنة والمطابقة ومع ذلك فقد عكفت على العمل وقضيت في هذا المضمار ردحاً من الزمن لتدوين الحقائق التاريخية المستقاة من أوثق المصادر التي لا يتسرب إليها الشك ولا تشوبها الريبة، فضلاً عن المعلومات الأخرى التي استقيتها من الرسائل والمكاتبات والأوراق الخصوصية.
منع الكتاب
بعد صدور الجزء الأول من تاريخ الكتاب السياسي في عام 1962 قامت وزارة الإعلام بصفتها المسؤولة على تراخيص الكتب والمطبوعات بدراسته من خلال لجان مختصة يتكون أعضاؤها من اساتذة وباحثين عارفين بشؤون تاريخ الكويت، التي وجدت الكثير من الأخطاء التاريخية التي تتعلق بأحداث الماضي ابرزها اخبار وسير حكام الكويت وسرد بعض أوهامه حسب أهوائه الشخصية ولعل الثورة التي قامت في مسقط رأسه وأدت إلى زوال حكم أجداده قد أثرت في نفس كتابته لتاريخه، بالإضافة إلى تطرقه إلى تركيبة المجتمع الكويتي وشرائحه وقبائله وتقسيمه على حسب مزاجه وهو أبعد ما يكون أن يسمح له بتناول هذه التركيبة الخاصة لأهل الكويت، ويتلمس القارئ بأن الكاتب يقحم جده خزعل بن مرداو في الكثير من الحوادث البعيدة عنه وأفراد صفحات كثيرة عن اخباره ومواقفه حتى قيل بأن الكتاب هو تاريخ الكويت والشيخ خزعل، وغيرها من الأخطاء التاريخية التي لا تغتفر.
لذا فقد قررت وزارة الإعلام منع تداول هذا الكتاب وعدم السماح لبيعه في المكتبات الكويتية وذلك للصالح العام.
وكان قرار منع كتاب «تاريخ الكويت السياسي» صدمة لمؤلفه حسين خلف الشيخ خزعل بعدما كان يأمل أن يتم إسناد مهمة تدوين تاريخ الكويت إليه بعد إصداره لكتابه إلا أن الواقع كان مجافياً لما كان يأمله، ونلمس الألم والصراع الذي يعيشه من خلال ما سطره في مقدمة الجزء الرابع من كتابه في عام 1965 أي بعد ثلاث سنوات من صدور الأجزاء الأولى فكتب ملمحاً إلى ذلك بقوله: «من أن عقدت العزم على تدوين تاريخ الكويت السياسي وأنا مؤمن بمجابهة بعض المصاعب والمشاق وبعد أن وفقت لطبع ونشر اجزائه الثلاثة الأولى تحقق ما توقعت فقد جابهتني تيارات معاكسة عديدة وحوربت محاربة طويلة لا هوادة فيها وكاد لي بعض الأشخاص وتربصوا بي الدوائر... ومع كل هذا فاني لست بنادم ولا بحاقد ولا بغاضب ولا بعابث ولا يهمني كثيرا أن وجدت في أول مرحلة من مراحل طريقي نجاحاً أو إخفاقاً ولا في آخر مراحل طريقي فوزاً أو فشلاً وان ما يعنيني كل العناية أن أكون في أول طريقي وفي آخره متمسكاً بحبل الحق وراحة الضمير».
أما في الجزء الخامس والذي صدر بعده بخمس سنوات فصرح خزعل بفقدان أمله من تقدير وتشجيع وقطع حبل الرجاء وتملكه اليأس ليذكره في مقدمة هذا الجزء ما يلي: «ولكن الكويت فيها البعض ممن لا يعرفون عن تاريخ بلدهم كثيراً ولا قليلاً ولم يراعوا مصلحة البلد فتصدوا للأشراف على ما يدون عن تاريخ الكويت ليقروا كل ما هو هزيل وضعيف لانه يتماشى مع ميولهم ومحاربة المؤرخين الصادقين فضاقوا بما دونته ذرعا واعلنوا سخطهم ومنعوا دخول كتابي إلى الكويت بدون أن يبنوا حكمهم على سبب ظاهر أو حجة بينة وحاربوني..».
وبالرغم من صدور قرار لمنعه في الكويت إلا ان الكتاب راج رواجاً كبيرا لدى المثقفين الكويتيين الذين تهافتوا على شرائه من مكتبات بيروت والقاهرة ولندن وغيرها من البلدان التي يزورها السواح الكويتيون، فلا تكاد تخلو مكتبة أديب أو مؤرخ من هذا الكتاب الضخم، ويحدثني أحد الناشرين العرب بأن دار نشر هذا الكتاب قد اعادت طباعته طبعات متعددة بالتصوير وان جميع طبعاته تنفذ بسرعة كبيرة وان أغلب المشترين من الكويتيين، وأن دار نشره قد حققت تكاليفه منذ أمد طويل.
شهادة مؤرخ كويتي
ولعل هذا الكتاب له اهميته بالرغم من الاخطاء التي دونها في طي صفحاته، ونستشهد في رأي احد المؤرخين الكويتيين البارزين الا وهو الاستاذ الفاضل خالد سالم محمد، حيث أورد في كتابه الشيق «رحلتي مع الكتاب» وذلك خلال سرده لبعض محتويات مكتبته الخاصة وتحت عنوان «اقتناء كتب قيمة» بأنه اكتسب من خلال مطالعاته لمختلف الكتب خاصة كتب التراث العربي خبرة لا بأس بها في انتقاء الكتاب الجيد والحرص على امتلاكه فمن الكتب الهامة التي اقتناها في فترة الستينيات كتاب تاريخ الكويت السياسي ويذكر بأنه «من الكتب الممنوعة التي كانت تصل منها اجزاء متفرقة بطريقة سرية» ويشير الى انه طبع طباعة كاملة بطريقة التصوير في بيروت ومصر ولا يزال ممنوعاً من التداول داخل الكويت.
رثاء الحاتم
كتب الأديب الكويتي عبدالله خالد الحاتم رحمه الله مقالا في مجلة البيان عدد 76 الصادرة في شهر يوليو 1972م ومجلة البيان تصدر عن رابطة الادباء في الكويت تناول فيه خبر وفاته وجاء عنوان مقالته «صاحب تاريخ الكويت السياسي حسين خزعل في ذمة الله» تطرق فيه الى هذا الكتاب الشهير ومؤلفه ويذكر الحاتم في مقاله ما يلي:
«حسين خزعل وهب حياته كلها للكويت وللاجيال القادمة.. ولكن للاسف البالغ ان هذه الهبة قوبلت بالجحود والرفض وتجاوزته الى العقاب فمنع كتابه من التداول في الكويت وطرد من عمله الذي هو مورد رزقه الوحيد له ولعائلته».
ويضيف الحاتم هذه الحقيقة بقوله:
«وقد لفت هذا المنع انظار الناس لهذا الكتاب وزاد من قيمته الادبية والمادية وكثر الطلب عليه في الداخل و الخارج وبيعت النسخة الواحدة منه بثمن يصعب تصديقه وتسربت معظم نسخ الكتاب الى الكويت ان لم نقل جميعها».
ويسرد الاستاذ عبدالله الحاتم هذه الحادثة فيقول: «وفي عام 1969 رأت جمعية اصدقاء الكتاب في بيروت ان يمنح المؤرخ حسين خزعل جائزة وزارة الإعلام الكويتية على كتابه لتاريخ الكويت السياسي باعتباره أفضل كتاب من نوعه ظهر ذاك العام الا ان الجمعية المذكورة اضطرت الى سحب هذه الجائزة واعطاء المؤلف جائزة الخليج العربي عوضاً عنها مشفوعة بشهادة دسمية بذلك وذلك بسبب اعتراض وزارة الإعلام في الكويت على الجائزة الاولى بحجة ان الكتاب المذكور محظور التداول في الكويت».
صفحة تاريخية
وفي الختام نكون قد استعرضنا صفحة من صفحات تاريخ الكويت بتناولنا لاشهر كتاب منع في تاريخ الكويت والذي لا يزال قرار منعه سارياً حتى يومنا بالرغم من انه يمكن الحصول عليه بواسطة شرائه عبر الإنترنت ويصل لعنوان أي مشتري عبر البريد بفضل العولمة. وتبقى كلمة ان حسين خزعل قدم خدمة للادب والتاريخ بفضل تأليفه لهذا الكتاب المثير للجدل الا ان بعض الاخطاء والأوهام التي أضافها في طي صفحات مؤلفه كانت سبباً مقنعاً لصدور قرار المنع واستمراره حتى اليوم.