رواية العجيري في الشيخ مساعد و تعليم البنات-مقابلة مع جريدة القبس
القبس الكويتية
أجرى الحوار: جاسم عباس
الرعيل الاول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموح او بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، الا ان قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الايام الخوالي، 'القبس' شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة
في مستهل لقائنا مع الفلكي الدكتور صالح محمد العجيري قال:
لو سألنا قبل 2000 سنة من هو الأمي لقالوا لنا هو الذي ليس على ملة ابراهيم الحنيف، وبعد 500 سنة من تلك الفترة لو سألنا عن الأمي لكانت الاجابة هو الذي ليس عنده بعض التعاليم من التوراة والانجيل، والآن لقالوا هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، وبعد سنة 2007 ستكون الاجابة، الأمي الذي يقرأ ويكتب مثلي' ابا وربعي'، والمتعلم هو الذي يضغط على الآلات وتصله المعلومات في دقائق قليلة، وانا الآن بلغت من العمر 85 سنة، واصبحت اميا لا اكتب ولا اقرأ، رغم انني درست في المباركية عام 1938، كان معي احمد العامر مؤسس جريدة 'الوطن'، وسليمان الجارالله 'الشاعر' والمغفور له امير القلوب الشيخ جابر الاحمد الصباح، وعبدالرحمن الكليبي، وعبداللطيف الكاظمي.
وقال د. العجيري: انا من مواليد 1921 بالتقدير وبالشواهد الكثيرة، منها: سنة الجهراء لم اولد بعد كما قالت لي والدتي، والشاهد الثاني، كما قال لي الشيخ عبدالله النوري عندما التقى بالشيخ عبدالله الدحيان قال له: قم لنذهب عند مديرك يقصد والدي، لأنه كان صاحب مدرسة منذ عام 1920، قبل ولادتي وحتى 1930، واغلقت المدرسة بعد كساد الغوص، والاولاد لا يستطيعون دفع اجرة المدرسة، وموقعها كان في القبلة (موقع المتحف الوطني)، وتحت كشك الصقر، وفكرة تأسيسها جاءت من المرحوم حمد الصقر لتعليم كبار السن والصغار، استشار عبدالله الدحيان، قال له: الكبير ما يتربى عليك بالصغار، فتحها وطلب منه مدرسا ليساعده، فقال الدحيان للصقر: هناك مدرس كويتي يقال له 'العبيري' اي العجيري، ومن الطلبة الاحياء الذين درسوا عند والدي في كشك الصقر في الربع الاول من القرن 20، احمد السرحان، محمد البحر، جاسم الصقر، محمد صالح الحميضي، يعقوب الحمد، مرزوق العبدالوهاب، زيد حمد الخالد، عبدالله السميط، حمد النفيسي، سليمان النفيسي، مشاري عبدالله الخالد، زيد عبدالله الخالد، محمد الراشد النجادة، عبدالله صقر آل بن علي، علي محمد المحميد وصالح العجيري.
واضاف: ان المدرس كانت له قيمة ومكانة عالية، وكل ما يقوله صح * صح، والآن للأسف يعتبرون المدرس مؤجرا ليدرسهم بفلوسهم، مثله مثل اي خادم في البيت او عامل، وكان في المدرسة المباركية اربعة مدرسين فلسطينيين منهم: خميس نجم يقول لنا: انتم في الكويت تحولون الجيم الى ياء، وكتب الاسم العجيري ونحن نخاف من المدرس في ذلك الوقت، ولم اعترض عليه.
اللؤلؤ الصناعي
وتحدث العجيري عن المحارة التي لها سر في تكوين اللؤلؤة، فعندما يدخلها جسم غريب، او حبة رمل تفرز مادة للدفاع عن نفسها، فقال: قالوا لنا قديما ان مطر نيسان من اسباب تكوين اللؤلؤ، وهذا خطأ كبير وثبت عدم صحة الكلام، واكد: ان اليابانيين اكتشافهم صحيح عندما اخذوا الزجاج الناعم ووضعوه في المحار المفتوح في عمق البحر فتألم وبدأ يفرز الافرازات اكثر واكثر، وكانت النتيجة انه تكونت لؤلؤة كبيرة في بطن المحار، وسميت 'اللؤلؤة الزراعية' واكبر لؤلؤ حصلنا عليه في هير ام الهيمان.
حوار والدي
وقال: سنة مرت على ديرتنا كلها قحط لا عشب ولا مطر، فمات الحلال كله، التجأ اصحاب البر والصحراء الى ساحة الصفاة لبيع ما تبقى عندهم، والدي شاهد حوارا صغيرا أمه ميتة معروضا للبيع، فاشتراه لانه كان يربي الاغنام بعد ما ترك المدرسة ومهنة التدريس لعدم دفع الطلاب المبالغ المطلوبة منهم، وضع والدي الحوار مع الاغنام، وأخذ يغذيه من حليب المواشي بواسطة 'محكان' حتى كبر الحوار، وهذا الحيوان كان يعتقد ان الدنيا هكذا لابعارين ولا شيء مثله يأكل ما هو موجود، وفي الدنيا هو والاغنام فقط يذهب معهم للرعي، والى البحر للغسيل والتنظيف كعادة الكويتيين منذ القدم، نقل لي هذا الكلام المرحوم زيد حمد الخالد لانه كان مع والدي خاصة في السباحة، وذكر لي ايضا 'الموسى' رحمه الله عندما دخل كراجا للسيارات للمرحوم على الكليب وجد بعير العجيري داخله منوخ، قال لهم: عندكم سيارة ماركة جديدة في الكراج، وأخيرا ثبت ان الحوار ناقة عمانية اصيلة تبرع بها والدي لابن عمتي ليحج نيابة عن أمه.
العجيري المعالج
وتذكر كتاب والده الذي احضره من الهند، فيه علاج للضرس وأمراض اخرى بالطلاسم فقال: جاء احد المرض يشتكي من ضرسه المكسور فوصفت له دواء عالجت به سابقا 'ورقة كاغد' وهذه المرة يضعها على اذنه اليسرى اي عكس جهة الضرس، وفعلا كما قال شفي من الالم.
واضاف: أخبروني ان هناك امرأة معسرة بالولادة، ويطلبون العلاج، فكتبت ابياتا من الشعر بطريقة الزخارف:
'فشق له من اسمه ليجله
فذو العرش محمود وهذا محمد'
فربطت الورقة على فخذها فشفيت باذن الله تعالى وسهلت عليها الولادة.
وقال: مشت علاجات الطلاسم بين الناس وأنا صغير فأصبحت طبيبا للاسنان والولادة، والناس ينقلون هذا الخبر وانتشر بين الاحياء طبعا في الماضي وليس الان.
وعالج الدكتور صالح العجيري قرية النمل وقضى عليها عندما طلبوا منه القضاء على هذا النمل الذي يؤذي حصان 'دعيس' بعد ان يحمله اكياسا من البضاعة، ويعلفه في بيته فتتجمع النمل عنده وأراد القضاء عليها لانها تؤذي الحصان، فوصفت له علاجا بأن يحضر ترابا من منطقة 'البحرة' شمال الكويت لان ارضها غنية وصخورها مشبعة بالغاز، فجاء بالتراب ووضعه في فتحات النمل، ولكن دون فائدة بعد ايام رجع وقالوا له الناس: اذهب الى العجيري ثانية يعرف 99 علة عدا الموت، اعطيته اخيرا دواء الضرس 'ورقة كاغد' فوضعها في فتحات النمل فقضي على النمل كله، والظاهر ان رمل البحرة هو الذي قضى على القرية ولكن صاحبنا قليل الصبر، وبهذا الرمل المشبع كنا نعالج البعير الاجرب من تساقط الشعر.
وتذكر ايضا مبارك ابن جيرانهم كان يمشي معه فهرب وأخبر الناس ان صالح العجيري يمشي بعصاته والقمر يمشي معه اينما يذهب والناس صدقوا هذا الاهبل 'مجنون'.
اضاف الدكتور: هذا طبيعي كلما مشى الانسان القمر معه وقالوا له ايضا: العجيري عنده عصا تمشي بدون ان يحملها أحد، وتدخل 'الخارور' بالقرب من قصر السلام الحالي، وحتى باب الدروازة يفتح بالعصا، ولا داعي للحارس المشهور 'دبي' ان يفتحه، وفعلا انا معي عصا طويلة اقيس بها المد والجزر.
وتذكر ايضا ارض 'وارة' اصلها 'اواره' اذا اشعلوا فيها كبريت تخرج منها نار وحرارة، واحيانا حتى الصاعقة تشعلها، عرفنا فيما بعد ان ارضها مشبعة بالنفط.
عاشق العلم
واضاف: ان في الكويت نخبة من الاخيار كانوا يعالجون المرضى، واشتهر بالطبيب الشيخ مساعد بن عبدالله العازمي اهله اغنياء اصحاب 'ملال' ولكنه عاشق العلم والكتب يحب الاكتشافات.. سمع ان في سيلان يطلبون من يعرف البحث عن اللؤلؤ، فذهب فتبين ان الشركة الطالبة توقفت عن العمل لمدة 3 سنوات ليستريح البحر من الاستخراجات، ويتكاثر المحار، بقي هناك وعمل حمالا في الميناء ثم في الباخرة التي توجهت الى عدن ثم الى مدينة السويس المصرية، فطلب كابتن الباخرة من العمال والبحرية الاستراحة والتجوال في المدينة لمدة 3 ايام، نزل مساعد العازمي متوجها الى جامعة الازهر مكث فيها 7 سنوات وحصل على شهادة عالية، ولكن طموحه كان اكبر قال لاحد مشايخه: اريد مهنة اعيش منها فارشده الى بلجيكيين جاءوا القاهرة لتطعيم المرضى ضد الجدري، ذهب وتعلم منهم، ثم رجع مع الحجاج المصريين الى مكة، والتقى هناك بالكويتيين من اهله العوازم، بالنسبة للكويت كانت عنده شهادة عالية لكنه رجع إلى الهند ليحضر طعم (لقاح) الجدري، وبدأ يعالج الناس.
وقال العجيري: اقترح العازمي على اهل الكويت أن تتعلم البنت الكويتية القراءة والكتابة، فقامت القيامة عليه لايمكن ان تتعلم لتكتب رسائل لخويها وللشباب (الخوي كلمة تعني: صاحب) وبعض العلماء وقفوا ضده وقالوا: 'جاء العازمي من مصر يحمل معه عادات غير ماعندنا ويريد ان يخرب ويعلم بناتنا'. ترك الكويت الى البحرين اشترى عددا من النخيل ومات هناك عام 1943 وله من العمر حوالي مائة عام.
وأكد العجيري ليعقوب الابراهيم هذه المعلومات من أحمد حسن الجارالله، ومن كتاب 'الخالدون' عبدالله النوري وحتى العوازم كبارهم سردوا له هذه الرواية.
الشهيد علي السالم
وأنتقل بنا الفلكي العجيري الى ايام معركة الرقعي وكان عمره 7 سنوات أي في عام 1928 وكما سمع من خاله ان الشيخ الشهيد علي السالم المبارك الصباح من قادة معركة الرقعي تعقب الاعداء حتى استرجع الحلال كله ولكن الشهيد الشيخ اصر على متابعتهم ومعاقبتهم حتى غرزت سيارته في الرمال وقتل وقال العجيري: كم سمعت ان سيارته كانت ماركة 'شيفرلايت' وكيلها 'علي الكليب' وعدد السيارات التي دخلت المعركة 12 سيارة مسلحة، وكنت اقرأ الاعلان في الصفاة، 'سيارات فورد- لنكولن- فوردز، وأنا صغير حفظت هذه الكلمات.
العجيري المكافح
وقال: الاقمار الصناعية لا تؤثر في عملنا كفلكيين رغم انهم اقرب منا بالنجوم، لهم اتصالاتهم بالاقمار الاخرى، ولكن انا درست بالكنديري (مصباح نفطي من علبة صغيرة) ودرست بالقلم الرصاص، لا مراجع ولا نتداول، نركض من مكان الى آخر وتذكر دراساته الأولى عند والده في مدرسة تحت كشك الصقر، ثم درس في ديوانية الابراهيم عند 'النبهاني' وقال: أخيرا وقع بين يدي كتاب 'المناهج الحميدية' للمؤلف عبد المجيد مرسي، عن الشمس والقمر وحساباتهما، ولم افهم الجزء الاخير منه، دفعني هذا الكتاب للسفر إلى مصر لاقابله واستفيد منه، وقال: ركبت السيارة الى البصرة، وبالقطار الى بغداد، ومن ثم سيارة ماركة 'نيرن' الى الشام، وبالباخرة الى بيروت ثم الاسكندرية، والقاهرة بالسيارة، ثم ركبت الحمار الى منطقة 'ميت النخاس' في الشرقية، أخيرا التقيت بالمؤلف فوجدته كاهلا عجوزا في الثمانين من عمره، شرح لي بقية الكتاب، وأهداني كتبا كثيرة عن الفلك.
واضاف: انه تفضل علي وقال أنا كبير السن ومكاني بعيد عنك، ارجع الى احد تلاميذي في القاهرة وهو عبدالفتاح وحيد أحمد في مدخل الغورية عنده مكتبة في علم الفلك من أيام العصر العثماني.
رحمه الله كان يشرح لي دائما، وأوصى زوجته اذا مت ادفنوا الكتب معي في القبر، وبعد سنوات استلمت رسالة من زوجته بان الفلكي زوجها توفي. فرجعت لها واعطتني كمية من الكتب من دون مقابل، وهي متعلمة ومؤمنة لم تدفن الكتب حسب الوصية. ثم درست عند عبد الحميد سماحة في مرصد حلوان، وعند محمد أحمد سليمان، وعندي الان حوالي 1000 كتاب باللغة العربية حول الفلك، ولكن للاسف الاجانب يؤلفون سنويا مئات الكتب والان في اوروبا ومكتباتها ملايين من الاصدارات، أما العرب فكل سنة يؤلف كتاب او كتابان فقط.
وقال: العجيري: درست الفلك أيضا عند محمد النبهاني في ديوان آل ابراهيم كان المعلم الوكيل الوحيد للعقارات والبساتين للكويتيين في البصرة، رجع الكويت، وسكن عند عبداللطيف سعد الشملان ليكتب تاريخ الكويت وأخيرا حصل خلاف مع العراق وأعلن اغلاق الحدود، فبقي النبهاني في الكويت، وهذا من حسن حظي حتى أكمل دراستي عنده.
وقال العجيري موضحا ان والده ولد في 'بريدة' منطقة 'أصباخ' وجده توفي في صحراء 'الحماد' بين نجد والشام حيث مات عطشان، واكد لي والدي هذا الكلام وقال لي: كنت في نجد وجئت الخليج وعبد العزيز اخي ذهب الى مصر.
وأكد العجيري أنهم من تميم وخوالي من الحوطة، ومعظم اهل بريدة من تميم منطقة ممتدة من اليمامة الى ببريد والكوفة.
سوالف الدكتور
وقال: دخلت بيت عبدالوهاب المرزوق فشاهدت امرأة بيدها قطعة حديد وبها جمر (فحم مشتعل) ماعرفت قال لي والدي: هذا يسمونه 'أوتي' (مكواة الملابس) يرجع الدشداشة كما كانت جديدة.
ومن سوالفه انه مارس التمثيل قبل 40 سنة.
وقال: لا اعرف لماذا سمينا بالعجيري هل كان والدي يعير الناس بعض الاشياء، أو انه يعيب عليهم وقلت لغازي النفيسي في لندن: انا شفتك وهذا ابنك عبدالعزيز، وشفت فهد أبوك، وجدك عبدالعزيز، وشفت عبدالله جدكم الكبير يصلي في مسجد السعيد، قالوا لي هذارجل ابن سعود، وقبل 4 شهور من تاريخ اليوم 11/4/2006 ياجاسم حضرت عرس (زواج) خالد ولد غازي النفيسي قلت له: الله الله بالعيال حتى اشوف الجيل السادس من عائلتكم، وانا اعرفك من عام 1928( اطال في عمرك يا ابو محمد).
اما بورحمة كلما فلق المحارة ولم يجد فيها 'دانة' أخذ المفلقة ورماها، وقال: الله يلعن من زرقه من هذه المفلقة.
واخيرا ختم الدكتور العجيري: ان موقع المرصد الحالي سيئ جدا، لكن ميزته انه قريب من المدارس، والان افضل مكان الوفرة، اوالشمال الغربي لانه لا توجد اهتزازات ارضية بسبب المباني، وتلوثات بيئية، ولا زحف عمراني.
التعديل الأخير تم بواسطة كويتى مخضرم ; 27-08-2009 الساعة 08:13 PM.
|