حمد مبارك الهيم
( 1342- 1422هـ) ( 1923 – 2001م)
المولد والنشأة:
ولد حمد مبارك الهيم في فريج (حي) العوازم بمدينة الكويت عام 1342هـ الموافق لعام 1923م.
رحلته في طلب العلم
بدأ تلقي العلم في سنٍّ مبكرة في الكُتَّاب – مثل كافة أقرانه آنذاك - عند الملا محمد مطر، غير أنه لم يكن مثل كثيرين منهم، ممن اكتفوا بهذه المرحلة المبكرة من التعليم آنذاك، لسبب أو لآخر، بل التحق بعدها بمدرسة عبدالله أبو بلال، وبعد أن حصل على الشهادة فيها، واصل طلبه للعلم ومثابرته في تحصيله، وسهره في المذاكرة والجد، فالتحق بالمعهد الديني، وحصل على الشهادة النهائية عام 1958م.
وقد ثابر – رحمه الله - في طلب العلم الشرعي في وقت كان من الصعوبة فيه الحصول على الكتاب والدفتر، إذ كانت الأحوال المالية للجميع ضعيفة والموارد قليلة، لكن النية الصادقة والعزيمة القوية والروح الوثابة أمدته بالقوة الكافية، فجاهد في طلب العلم النافع حتى حقق ما سعى إليه بفضل الله تعالى من خلال سهره واجتهاده.
ولم يكتف – رحمه الله – أيضاً بهذا القدر من التعليم، الذيكان مدعاة للفخر آنذاك، بل إنه لما ذاق حلاوة العلم ونوره، التحق بمعهد الإمامة والخطابة وحصل على الشهادة النهائية منه، ثم واصل الترقي في درجات العلم الشرعي، وقد دفعه حبه للعلم إلى الجمع بين عمله إماماً وخطيباً في مسجد "الحصحص"() عام 1945م وبين الدراسة، حتى حصل على الشهادة النهائية بدار القرآن الكريم، بالتعاون بين وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية والأزهر الشريف.
وقد تلقى الشيخ حمد الهيم – رحمه الله – العلم على أيدي كوكبة من علماء الكويت ومشايخها أمثال عمه الشيخ مطلق الهيم، والشيخ حمد المحارب والشيخ أحمد عطية الأثري والملا حمادة والملا مرشد().
زواجه وأسرته:
لم يتردد الشيخ حمد الهيم - وهو طالب العلم الشرعي المتفقه في الدين، المتبحر في علم الفقه – في البحث عن شريكة لحياته لميله إلى تكوين أسرة وإنجاب ذرية صالحة تعمر الكون وتعبد رب العالمين، ومن فضل الله تعالى عليه أن بارك له في ذريته فرزقه بستة عشر من الأبناء، كانوا قرة عين له ولزوجه، وذخراً لدينهم ووطنهم بفضل الله تعالى.
صفاته وأخلاقه
عرف – رحمه الله - ببعد النظر ورجاحة عقله وحسن التفكير والتدبير التي تحلى بهما – رحمه الله - طوال حياته.
عمله:
كان من الطبيعي للشيخ حمد الهيم بعد أن حصل على تلك الشهادات العلمية والدينية أن يعمل في مجال الدعوة إلى الله تعالى، وما أحسنه من مجال، وما أسماها من رسالة: وقد عُين- رحمه الله – إماماً وخطيباً بوزارة الأوقاف عام 1948 في مسجـد البواري ( كوت الفنيني ) بالمقوع الشرقي، ثم انتقل إلى منطقة النقرة، حيث يسكن بها، وأم المصلين بأحد المساجد هناك حتى عام 1959م، عندما ثُمّن منزله في التنظيم، وانتقل إلى منطقة البدع، حيث عمل إماماً وخطيباً لمسجد البدع حتى عام 1967م، إذ انتقل إلى منطقة السالمية، حيث عمل إماماً وخطيباً بمسجد حمود عيد الرومي العازمي حتى تاريخ تقاعده عام 1983م، وكان عمره آنذاك ستين عاماً.
خمسة وثلاثون عاماً قضاها الشيخ حمد الهيم - رحمه الله - إماماً وخطيباً بمساجد دولة الكويت داعياً إلى الله تعالى، ناشراً للعلم النافع، معلماً لكتاب الله تعالي، ومذكراً بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب وجنة ونار وفوز وخسران .. مما جعله محط تقدير وإجلال كثير من أبناء الكويت وهو ما سيتضح جلياً في السطور القادمة.
دوره الديني والوطني
لم يكن غريباً أن يصبح الشيخ حمد الهيم – رحمه الله - محط اهتمام وتقدير وثقة الناس حوله، مما دفع المسئولين إلى أن يحرصوا على تكريمه كلما حانت الفرصة وأن يسندوا إليه بعض المهام أو المناصب أو المواقع التي يمكن أي يفيدها ويضيف إليها بخبرته، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
- عضو مجلس حي منطقة السالمية، ثم نائب رئيس مجلس الحي.
- عضو لجنة زكاة منطقة سلوى.
- مأذون شرعي لمدة خمسة وثلاثين سنة تقريباً، بوزارة العدل منذ عام 1961م حتى عام 1995م.
- المشاركة ضمن وفد قبيلة العوازم حول الديمقراطية في الكويت، الذي حظي بمقابلة صاحب السمو وولي عهده الشيخ سعد العبد الله الصباح.
- ساهم في بعض الإصدارات الشرعية التابعة لوزارة الأوقاف.
وقد ألقى الشيخ حمد الهيم - رحمه الله - العديد من الخطب القوية المؤثرة التي تم جمعها بين دفتي كتاب بعنوان "مجموعة مختارة من خطب الشيخ حمد الهيم" من إعداد ابن أخيه د. عيد صقر الهيم، كما أن له العديد من القصائد الشعرية.
أوجه الإحسان في حياته:
بالإضافة لما لشيخنا – رحمه الله - من أوجه إحسان مادي في حياته، إلا أن هناك وجهاً آخر للإحسان لديه برز بوضوح وهو الإحسان المعنوي من خلال إتقانه لعمله بالدعوة إلى الله على مدار حياته كما أسلفنا، ومن خلال حسن تعامله مع الناس والإحسان إليهم في القول والفعل والعمل ومراقبة الله تعالى.
فكان إحسانه هذا في أحسن صورة بفضل الله تعالى، ولم يمنعه ذلك أيضاً أو يقعده عن الإحسان المادي، كما سنرى إن شاء الله.
الدعوة إلى الله
ولعل أهم أوجه الإحسان المعنوي للشيخ حمد - رحمه الله – هو عمله بالدعوة إلى الله كإمام وخطيب لعدد من المساجد في دولة الكويت فترة تجاوزت خمسة وثلاثين عاماً كما أسلفنا، ولذلك سمي بحمامة المسجد، لخدمته في بلاط أطهر الأماكن على وجه الأرض، وقد أفاد من علمه الذي نهله طوال حياته كل المحيطين به ورواد المساجد ومريديها.
ولم يكتف – رحمه الله - بهذا القدر بل تابع عمله الدعوي من خلال رده على الأسئلة الشرعية عبر الهاتف وفي المسجد أو الديوانية.
وكذلك كان يعقد في مسجده حلقات للدروس الشرعية، وقد تتلمذ على يديه العديد من أهل العلم الشرعي في الكويت، ولعله كان في عمله ذلك متمثلاً قول الله تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)" سورة فصلت.
وقد شهد له كل من يعرفه بأنه لم يكن خطيباً وواعظاً فقط بل كان شيخاً مفتياً متواضعاً لكل سكان المنطقة، بل وساعياً في حاجاتهم قدر طاقته ووقته.
عمارة المساجد
لم يكن الشيخ حمد – رحمه الله – وهو رجل العلم الشرعي والفقه، في حاجة إلى تذكيره بمكانة المساجد ودروها في تربية النشئ وتخريج الجيل الصالح النافع لدينه، لم يكن في حاجة إلى التذكير بذلك، وهو الذي جعل من المسجد المتواضع في منطقة السالمية نبراساً للدعوة من خلال خطبه ودروسه العلمية.
ولهذا فإن الشيخ - رحمه الله – كان يحلم بتأسيس مسجد لله تعالى، ولما خشي أن يوافيه الأجل قبل تنفيذ حلمه هذا، لم ينس أن يجعل هذا العمل هو باكورة أعمال وصيته بالوقف الخيري التي سنأتي على ذكرها فيما بعد، حيث قال في جزء منها: "... بعد وفاتي... ويعمل منه مسجد في مكان مناسب يحتاجون فيه مسجداً ولو في غير الكويت والكويت أولى..."
مسجد الشيخ حمد الهيم في العقيلة
وبعد وفاته - رحمه الله - ما كان لورثته وأوصيائه أكرمهم الله، أن يتأخروا عن تنفيذ هذه الوصية الكريمة، لذا سارعوا ببناء مسجد في القطعة الثالثة بمنطقة العقيلة، بمساحة إجمالية قدرها 1500 متر مربع، تشغل مساحة البناء منها 850 متراً مربعاً.
ويضم المسجد مصلى للنساء مساحته 72 متراً مربعاً. وقد تم بناؤه على الطراز الأندلسي، وفق مواصفات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
فهنياً للشيخ وورثته هذا المسجد المبارك، وهنيئا لهم بشرى النبي صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ" أخرجه الترمذي.
تكريمه
نظراً لدور الشيخ في نشر العلم النافع وتوعيه أبناء وطنه بأمور دينهم ودنياهم قدرت الدولة - متمثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – فقامت بتكريمه عند تقاعده.
كما كرمته أيضا لإسهاماته العديدة في الأعمال الخيرية والفتاوى الشرعية، وأهدته الوزارة أيضاً درعاً تقديراً لدوره الجليل في نشر الثقافة والدعوة الإسلامية طوال مدة خدمته التي استمرت خمسة وثلاثين عاماً.
وصيته
لم يكتف الشيخ حمد الهيم - رحمه الله - بكل ما قدمه من إحسان مادي ومعنوي طوال حياته، بل أراد أن يكون له أيضاً سهم في الإحسان بعد وفاته، ولم لا وهو الذي قرأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعً عملُه إلا من ثلاثٍ صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفعُ به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له" رواه مسلم.
فقام – رحمه الله - بما أشرنا إليه منذ قليل، حيث أوصى ببناء مسجد وإنفاق الباقي في الأعمال الخيرية.
وقد حررت هذه الوصية إلى من يراها وقال فيها: "نعم أنا حمد مبارك الهيم أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وأشهد أن الموت حق وأن البعث حق وأن الله يبعث من في القبور وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وقد حررت هذه الوصية إلى من يراها ، أن جميع ما أملكه من عقار وغيره يخرج منه الخمس المذكور بعد وفاتي ويُعمل منه مسجد في مكان مناسب يحتاجون فيه مسجداً ولو في غير الكويت والكويت أولى. والباقي يصرف في الأعمال الخيرية، وإذا كان الورثة يحتاجون منه شيئاً يوزع عليهم جميعاً الذكور والإناث من الصغير إلى الكبير وأنا أسامحهم.
وقد حررت هذه الوثيقة للبيان.. والله خير شاهد ووكيل
حمد مبارك الهيم
26 -3 -1985م
وفاته:
بعد حياه حافلة بالعطاء امتدت ثمانية وسبعين عاماً، قضى أكثرها في التعليم والإرشاد والدعوة إلى الله تعالى، انتقل الشيخ حمد الهيم إلى جوار ربه في الثامن من جمادى الآخرة عام 1422هـ الموافق للسابع والعشرين من أغسطس عام 2001م، ومعه علمه شاهداً له إن شاء الله، وتاركاً من أوجه الخير ما يثقل ميزانه، ويرفع درجته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
قالوا عنه:
وهنا نفسح المجال لتلاميذه ومحبيه ليدلوا بشهادتهم للتاريخ، موضحين بعض شمائل هذا الشيخ الكريم رحمه الله.
- ومما قال عنه الكاتب محمد غريب حاتم() في جريدة الوطن: "...رحمك الله يا أبا مبارك، فمنذ طفولتنا ونعومة أظفارنا وأنت أمامنا خطيباً وواعظاً وشيخاً ومفتياً متواضعاً لكل سكان المنطقة، بل وساعياً في حاجاتهم وفي خدمات المنطقة، وكانت خطبك هي الغراس والطريق لآلاف من ثلاثة أجيال عاصروك في مسجدك المتواضع.
- د. عبدالمحسن عبدالله الخرافي كتب مقدمة لكتاب "مجموعة مختارة من خطب الشيخ حمد مبارك الهيم" بناءً على طلب معد الكتاب ابن أخيه د. عيد صقر الهيم جاء فيها ما يلي:
"ولعل الأخ الكريم د. عيد الهيم قد قصد - فيما نوى من مقاصد كريمة من خلال إخراج هذا الكتاب إلى النور - أن يُذكِّر الأبناء والأجيال القادمة بأحد علمائنا الأبرار من خلال نماذج لبعض خطبه التي ألقاها من على منبر المسجد بمنطقة السالمية - حيث عمل بمسجد عيد حمود الرومي العازمي – رحمه الله – إماماً وخطيباً حتى تاريخ تقاعده عام 1983م، والتذكير بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعً عملُه إلا من ثلاثٍ صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفعُ به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له" رواه مسلم.
ومن اللطيف والمؤثر في الوقت نفسه أن الفقيد – رحمه الله – قد حظي بالثلاث معاً بإذن الله وتوفيقه، فقد أوصى بخمس مما يملك لبناء مسجد بمنطقة من مناطق الكويت.
أما الثانية فهي العلم الذي ينتفع به، وما أكثر تعاليمه التي تركها لنا خطيباً ومفتياً ومعلماً في مسجده.
وأما الثالثة فهي الولد الصالح الذي يدعو له، وما أكثر أبناؤك يا أبو مبارك ممن كنت لهم أباً في النصح والرعاية.
فهنيئاً لك يا بومبارك ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنيئاً لأبنائنا بهذا العمل الجليل الذي نسأل الله عز وجل أن يكون خالصاً لوجهه تعالى.
المصادر والمراجع
-
مقابلة مع د. عيد صقر الهيم ابن أخ المحسن الشيخ حمد مبارك الهيم.
- مساجد الكويت القديمة – عدنان سالم الرومي – الطبعة الثانية – ص 247 – مكتبة المنار الإسلامية للطباعة والنشر – الكويت 2002م.
- تقويم القرون لمقابلة التواريخ الهجرية والميلادية – د. صالح محمد العجيري – مكتبة العجيري – الكويت 1967م.
- مجموعة مختارة من خطب الشيخ حمد مبارك الهيم (1923- 2001م) – إعداد وتقديم د. عيد صقر الهيم – مقدمة د. عبدالمحسن عبدالله الخرافي – الكويت 2004م.
- مربون من بلدي – د. عبدالمحسن عبدالله الخرافي – ص 298 – الكويت 1998م.
- جريدة الرأي العام 28 أغسطس – 2001 م.
- جريدة الرأي العام – 16 سبتمبر – 2001 م.
- جريدة الوطن – 24 أكتوبر – 2001 م.
-
وثق هذه المادة ابن أخيه د. عيد صقر الهيم.
منقول محسنون من بلدي .