المواقع والأمكنة في تاريخ الكويت
جريدة الوطن – 16 أكتوبر 1994
بقلم: فرحان عبدالله أحمد الفرحان
بيت العصافير من كان يظن أن هذا البيت هو أقدم بناء في الكويت وقد شهد ثلاثة قرون من الزمان سجل تاريخ وحفلات واستقبالات وكان له صولة وجولة سواء في أيام أصحابه القدامى أو من سكن بعدهم حتى أصبح غير ذي بال اليوم.
هذا البيت هو حديث قصتنا اليوم.
كانت في أوائل القرن الثامن عشر هناك أسر معروفة كبيرة وغنية منها عائلة العبدالرزاق الأسرة المعروفة إلى اليوم وعائلة بن رزق التي انتهت ولم يعد لها ذكر اليوم وعائلة الفرج الذين منهم الشاعر عبدالله الفرج وعائلة الإبراهيم ثم عائلة المخيزم الذين يرتبطون بآل الإبراهيم وعائلة الفارس المطاوعة الخؤؤلة والعمومة.
هذه هي العائلات البارزة في هذه الفترة من حيث القوة والغنى والسمعة والمال والجاه لكن هناك عائلة لا تقل أهمية عن هذه العائلات ألا وهي عائلة العصفور أو ابن عصفور أو ابن العصافير كما هو معروف عند أهل شرق مدينة الكويت قديما.
هذه العائلات هي التي لعبت دورا في تجارة البحر سواء السفر إلى القارة الهندية أو شرق أفريقيا أو إلى مغاصات اللؤلؤ وكانت سفن هذه العائلات تعد بالعشرات بين كبيرة وصغيرة: لا بل العبيد عند هذه العائلات يعدون بالعشرات أيضا وكان عند أحد أحفاد آل المخيزم وهو عيسى محمد المخيزم قبل مائة وخمسين أكثر من عشرين من العبيد.
كانت عائلة العصافير تسمى العصفوريين كما وردت في كتب التاريخ القديم في الأحساء والبحرين قديما.
هذه الأسرة حكمت الأحساء والبحرين قديما وكان أبرز شخصية في هذه الأسرة الأمير عصفور بن راشد بن عميرة العامري قبل سبعة قرون ومع مرور الزمن كانت المهنة الرائجة هي المغاصات على اللؤلؤ فأخذت الأسرة تضع لها أماكن للاستراحة كما عمل ابن عريعر في الكويت ومع مرور الزمن انتقل قسم من هذه الأسرة لما أوشكت أن تغيب عنها الشمس من الأحساء إلى الكويت كان الفرع الذي استقر في الكويت من نصيبه هذا البيت.
وصارت ملكية هذا البيت إلى السيد/ جاسم العلي العصفور الذي ورث مهنة تجارة اللؤلؤ وأصبح من الخبراء فيه في نهاية القرن التاسع عشر.
وكان للمذكور قصة أثناء سفره إلى الهند لبيع اللؤلؤ وهو أنه بينما كان مسافرا إلى الهند على إحدى البواخر ذهب إلى الحمام ليقضي حاجته وعندما هم بالقيام انتثرت صرة اللؤلؤ المربوط إلى حزامه في المرحاض فسكت الرجل ولم يطلع أحدا من التجار في السفينة على خسارته وفي أثناء الرحلة بالسفينة اشترى من بعض التجار ما عندهم من لؤلؤ ثم باعه في الهند وكسب من وراء ذلك ربحا مقداره ستة آلاف روبية وهو ما يعادل قيمة اللؤلؤ الذي فقده في الباخرة.
هذه القصة أوردها الأستاذ عبدالله الحاتم وقد كنت قد سمعتها من والدي بالنص ووالدي اليوم يبلغ من العمر السادسة والثمانين وقد كان بيتنا في شرق على السيف لا يبعد عن بيت العصافير الذي استعمله ديكسن فيما بعد بأمتار قليلة.
أن ابن عصفور لما ركب “المركب” وكان جالسا في غرفته وقد وضع اللؤلؤ على سجادة وذهب فجأة من غرفته لما عاد وجد العبد نفض السجادة من الغبار واللؤلؤ من النافذة في البحر، صحيح أن القصة اشتهرت لكن السؤال هنا:
1- أين الغبار في عرض البحر؟
2- أين النافذة التي تفتح لكي يرمي منها اللؤلؤ؟
3- وهل هذا العبد أول مرة لايركب مع عمه في البحر ولا يعرف اللؤلؤ؟
4- وبكل سهولة ابن عصفور يترك ثروة ملقاة على السجاد ويخرج من الغرفة التي هو مقيم فيها.
5- لو كان ابن عصفور ليس حريصا ما استأجر غرفة خاصة وأخذ عبده معه للأمن والأمان.
وأظن أن العبد أحرص من سيده على حفظ أمواله لأنه رب نعمته.
المهم أن حديثنا عن بيت العصافير.
بعد زيارة اللورد كرزون نائب ملك بريطانيا بالهند والخليج بزيارة للخليج والكويت وقد أدت هذه الزيارة إلى تعيين أول قنصل لبريطانيا في الكويت وكان ذاك هو الكولونيل جي نوكس الذي وصل إلى الكويت في صيف “1904” وكانت الحاجة ماسة إلى حصول بيت مناسب له فلم يوجد غير بيت العصفور جاسم العلي العصفور الذي يعتبر بيتا لائقا في الفخامة والهدوء ودخول الهواء له من عدة جهات “لقد كانت الهندسة القديمة في الكويت على دقة وحسن التصرف والتدبير” ولهذا طلب هذا المنزل لهذا الضيف القادم العزيز أولا وهو ممثل ملكة بريطانيا فكتوريا. هذا البيت كان بيت العصافير أبا عن جد ولما وصل نوكس طلب هذا البيت اللائق لسكنه لكن ما ورد أن البيت هذا لمحمد الصباح غير صحيح وقد اختلط على الأخ محمد عبدالهادي جمال بالبيت الذي استأجر فيما بعد للعمل فيه للبريد فإنه حقا بيت أم محمد الصباح ومع هذا فأفضل ما كتبه الأستاذ محمد عبدالهادي جمال وهو يتحدث عن تاريخ البريد وفي حديث خاص عن هذا البيت.
في اليوم الحادي والعشرين من يناير “1915” افتتح رسميا أول مكتب للبريد في الكويت وكان مقره في مبنى المعتمد السياسي البريطاني الواقع في منطقة الشرق والذي قام الكولونيل نوكس باستئجاره في أغسطس عام 1904 والذي عرفه الكويتيون فيما بعد ببيت ديكسن “بيت أم سعود الآن وهي زوجة المعتمد السياسي البريطاني في الكويت الذي عين عام 1929”.
(ويقول الأستاذ جمال: وكان ذلك المنزل ملكا للشيخة أم محمد الصباح – شقيق الشيخ مبارك الصباح).
المهم أن هذا البيت من يوم أن سكنه نوكس المعتمد البريطاني إلى أن جاء ديكسن وسكن فترة من الوقت ليست بالقصيرة. توفاه الله وبقيت زوجته “مدام فيوليت” وقد تتعجب كيف عاشت هذه السيدة بمفردها في وحشة العمر ووحشة البعد عن وطنها بريطانيا ثم وحشة هذا البيت العتيق القديم لكنها تقول ببساطة أنا أحب هذا البلد وأحب أهله الطيبين ولولا ذلك لما بقيت كل هذه السنين. ونترك أم سعود وتصف ذكرياتها ووصفها لهذا المنزل (المنزل من الخشب والطين ورغم حرارة الجو ووجود مكيف واحد قديم في غرفة المعيشة الواسعة لكن الجو داخل المنزل بارد – وتقول – أن بيوت الطين باردة صيفا دافئة شتاء. كانت سماكة الطين فوق السطح حوالي قدمين وتقول قلت سماكته الآن من الأمطار والزمن وعوامل التعرية إلى أقل من النصف لكنه مازال باردا أكثر من بيوت الأسمنت المسلح الحديثة.
- المنزل – أبيض وأزرق أسلوب بنائه على الطراز القديم ويعد واحدا من أفضل الشواهد الحية على الهندسة المعمارية الكويتية القديمة. له باحة مزروعة بأشجار باسقة له باب خلفي تصعد إلى الطابق الأول منه عبر درج خشبي له رنات صدى بعيدة ينتهي بك إلى شرفة خلفية وتصل منها إلى الصالون.. في صدر الصالون مدفأة حطب قد وضعت على الجدران مجموعة من صور الأمراء والشيوخ وصورة زوجي وأولادي وكل ما يوجد في هذا البيت وضعناه مدة إقامتنا هنا وما اقتضيناه على مر الزمن أرجوا أن يكون هذا البيت متحفا بعد وفاتي وخروجي منه).
هذا ما قالت أم سعود (مدام فيوليت) التي عمرت في الكويت التي كانت تركب الحصان وزوجها على حصان آخر يمرون عبر شارع الخليج يذرعون الطريق ذهابا وإيابا.
وأخيرا أقول هل الصدفة جعلت نوكس ثم ديكسن يسكنون في هذا البيت الأثري القديم أم جاء القدر ليحافظوا عليه عل مر أيام ويكون بيتا تاريخيا يحكي قصة القديم من البناء والهندسة والشخصيات التي سكنت كويتية أو أوربية من العصافير وغيرهم.