02-02-2010, 09:36 AM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 6
|
|
أليس منا رجل حكيم؟؟
أليس منا رجل حكيم؟؟
أليس منا رجل حكيم؟؟
أمر الله الرسل والأنبياء وأولي الأمر أن يستشيروا المؤمنين في أمور دينهم ودنياهم وأن يستمعوا إلى رأي الجماعة والحكماء وأن يتبعوا الرشاد في كل وجهة لتحقيق مصلحة الجماعة. وديننا الحنيف كفل حرية التعبير وأتاح للفرد حرية طرح ومناقشة مايريد من القضايا التي تخص الأفراد والجماعات وأن يفكر في جوانب الحلول لتلك القضايا كما يشاء . ولولا ذلك ما ازدهر البحث ولا تطورت العلوم في الإسلام ولا توصل علماء المسلمين إلى نتائج علمية وفكرية باهرة استورثها علماء اليوم . و بالرغم من إجازة ابداء الرأي فقد وضع الإسلام قيودا على حرية التعبير، مثل النهي عن العبث بمقومات المجتمع، حيث أمر الله رد الخلاف بين المسلمين إليه وإلى الرسول وأولي الأمر. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعواالله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)النساء: 59 . فرد الخلاف إلى الله ورسوله هو رده إلى كتاب الله وسنة رسوله. إن إدلاء المسلم بأي رأي يؤدي إلى فساد في المجتمع محظور، وواجب على ولي الأمر أن يسعي لإصلاح الأمور بين الناس بالعدل.
و ما نلاحظه اليوم من سخرية المسلم من أخيه المسلم واللمز والهمز به وبأفكاره وعقيدته، والتقليل من قدره ومكانته والتطاول على أصله وفصله وحسبه سواء كان ذلك كتابة أو باللسان أو بالإشارة فهو مكروه، بل حرام لا تفره الشريعة ولا السنة . فلا يبغي الناصح من نصحه لأخيه إظهار رجاحة عقله، أو فضحه والتشهير به، وإنما يجب أن يكون غرضه من النصح الإصلاح، وابتغاء مرضاة الله، ولا يتم ذلك الا بالحكمة والموعظة الحسنة(وجادلهم بالبي هي أحس، فإذا الي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) . فالكلمة الطيبة مفتاح القلوب،قال الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) سورة النحل:125. وكذلك على الطر ف الآخر أن يتقبل النصيحة بصدر رحب وذلك دون ضجر أو تكبر وعدم الإصرار على الباطل إذا وجد في النصيحة خيرا له وللجماعة . فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله فيهم: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) البقرة:. 206
ومن الأمور التي حرمها الله انتهاك أعراض المسلمين ، قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) . وللقد حمى الإسلام الأعراض وصانها، وحرم الاعتداء عليها بالإيذاء أو النظر أو القذف، وجعل من يُقتل دفاعاً عن عرضه شهيداً، أو بمنزلة الشهيد، قال صلى الله عليه وسلم: (ومن قتل دون أهله فهو شهيد) والمراد بهذا كله بيان تأكيد تحريم الأموال والدماء والأعراض والتحذير من المساس بها.
فالعرض هو موضع المدح والذم في الإنسان من جسد أو نفس أو حسب أو شرف . وتوعد الله سبحانه وتعالى الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين، بالعذاب الأليم، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) النور:19 . وقد لعن الله الذين يتكلمون في أعراض الناس، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النور: 23 وأمر الله أن يُجلدوا ثمانين جلدة ما لم يأتوا بأربعة شهداء، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) سورة النــور: 4 .
فالإسلام جاء للمحافظة على الضروريات الخمس وهي: الدين، و النفس، و النسل، والأعراض، و العقول . فهذه الضروريات حافظت عليها جميع الشرائع السماوية . فالعرض عند الإنسان أهم شيء يجب أن يحافظ عليه ولهذا أمر الإسلام بالمحافظة على العرض وصيانته والدفاع عنه وجعل الإسلام لذلك وسائل وحدود، وحرم الوسائل الضارة المؤدية إليه، من النظر والاختلاط والخلوة . ومن أجل حماية الأعراض وصيانتها حرم الله السخرية من المسلم ونهى أن يعيب المسلم أخاه وينتقص من قدرره، سواء كان ذلك بالهمز أو اللمز، أو أن يعيبه بلسانه أو بعينه، أو يشير إليه، قال تعالى: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) سورة الهمزة:1 .
فأين نحن اليوم من هذه التعاليم السامية ؟ ومن هذه التوجيهات المنيرة التي طبعها ديننا الحنيف في نفوسنا ؟ لماذا اندفعنا نحو الشكليات وتركنا الجواهر النقية النفيسة التي تزخر بها قلوبنا ؟ ما الذي أوصلنا إلى حالة الفوضى والاضطراب السياسي والاجتماعي والنفسي؟ يا ترى هل فقدنا الحكمة في معالجة مشاكلنا وفي إدارة شئوننا ؟ فنحن اليوم لا نسمع من المعنيين بأمور الأمة إلا الشعارات المنمقة والاتهامات الملفقة التي يتردد صداها تحت قبة البرلمان، وفي أروقة مؤسسات الدولة. ألا يوجد في البلاد حكماء يأخذون ببادرة الألفة والمحبة والإصلاح فيما بين العباد؟
لو عدنا إلى الرعيل الأول من حكامنا وأجدادنا لوجدنا أنهم كانوا ذووعقول راجحة نيِّرة، تميزوا بحكمة كانوا يدركون من خلالها حقائق الأمور فيجدون لقضاياهم الحلول الصائبة بكل يسر، وذلك لصدق نواياهم وحبهم لخير وصلاح الأمة. فقد كانت الحكمة لهم هي المضمون الفكري الذي يتحرك في عقولهم فيحقق لهم النظرة الصائبة إلى الأمور. إن مثل هذا المضمون كان يحقق لكل واحد منهم الأفق الواسع والجو الهادئ الذي يوحي إليهم بالمواجهة الواقعية لمشاكلهم وتشخيصها. وكانوا يدركون في نفس الوقت أن الحكمة كانت الأداة السليمة التي تنعم على أمتهم بالخير وتدلهم على طريق الفلاح والصلاح كما في قوله تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) البقرة:269.
فأولئك رحمهم الله كانوا يؤمنون أن الحكمة ليست مجرد ميزة (جوهر) يختزنها الإنسان في فكره ويتلفظ بها دون وعي، تماماً كأيّ شيء مما يبني الفكر أو يثيره، وليست أسلوباً مميزاً في الممارسة العملية للأشياء في المجالات الخاصة والعامة، أو حالة داخلية تطبع شخصية كل إنسان في المجتمع فتجعل من كل فرد عنصراً فاعلاً في تدبير الحياة وتنميتها على أساس متين، بل كانوا يدركون أن الحكمة هي عبارة عن ذلك كله. إنها مزيج تتفاعل فيه المعلومات بالواقع الملموس فتجعل من الفكر عنصراً متجدداً يلاحق الحياة في كل آفاقها وأفكارها وخطواتها، ليأخذ منها الرأي السديد والفكرة الصائبة، والأسلوب العملي الذي يتلائم مع الذهنية العامة للمجتمع . ومن خلال ذلك كانت تبرز لهم صورة الإنسان ذا الشخصية الحكيمة الذي يفكر بحساب ويتحرك بحساب ويلجم انفعالاته وحماسه بلجام من فكرٍ وعقلٍ واتّزان. قال صلى الله عليه وسلم "ما تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله" وقال صلى الله عليه وسلم: "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها" وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الحكمة هي السبيل للدعوة والحركة في الناس، يجيء المؤمن بها إليهم ويسعى بها بينهم ". وكأن الحكمة بعد كل ذلك هي: الميزان العقلي المستمد من الكتب السماوية والرسالات تجعل الإنسان قادرًا على اصدار الحكم المتوازن على الأمور، والحكمة هي القدرة على إدراك العاقبة والمآل والتي تدفع الإنسان إلى حب الغير وفعل الخير.
شرقاوي بحري
|