تجارة الكويت القديمة - يعقوب الغنيم
تجارة الكويت القديمة 1709م
موقع الكويت الممتاز على الخليج العربي من جهة وعلى الجون المتفرع منه من جهة أخرى اضفى على البلاد أهمية كبرى وأتاح لأهلها استغلال موقعها استغلالا جيدا عاد بالنفع على الجميع بما في ذلك البلدان المجاورة التي كان ميناء الكويت يمدها لفترة طويلة بكافة ما تحتاج إليه من سلع، بل وكان عدد من الراغبين في العمل من أبناء تلك البلدان يجدون فيها فرصة عظيمة لكسب الرزق سواء أكان ذلك في دخول البحر على السفن الكويتية للعمل مع العاملين عليها من الكويتيين أو القيام بأعمال أخرى لها علاقة بالنشاط البحري بصفة عامة. يضاف الى ذلك ان العمل في البحر قد أدى إلى نشأة صناعة السفن التي كان لها دورها في سد حاجة البلاد من السفن الشراعية التي تبحر إلى عدد من الدول وترسل معها البضائع وتجلب ما يتيسر لها جلبه من تلك الموانئ التي تبحر إليها، وقد أدى العمل في بناء السفن إلى قيام صناعات أخرى تخدم الورش التي نشأت لأداء هذه المهمة، ولا ننسى أن من أهم هذه الصناعات: الحدادة، التي ينتج الرجال العاملون بها كل ما يحتاجه باني السفينة من مسامير وغيرها بحيث لا يحتاج إلى جلبها من خارج البلاد.
كان النشاط البحري قويا في الكويت منذ حل بها الرجال الأوائل، واكتشفوا أن مصدر رزقهم سوف يكون عن طريق هذا البحر الممتد أمامهم.
وقد مر بنا في أحد مقالات الأزمنة والأمكنة أن الكويت في سنة 1839م كانت تمتلك أسطولا بحريا كبيرا ومجهزا تجهيزا طبيا، وكان يتولى نقل البضائع إلى عدد من الموانئ ذكر منها ميناء الحديدة اليمني الذي استقبل في شهر نوفمبر من السنة المذكورة سفينة كويتية حملت منه بضاعة اتجهت بها إلى القطيف.
ومن واقع هذه الحادثة يتبين لنا أن السفن الشراعية الكويتية ربما كانت تقوم بمهماتها قبل هذا التاريخ بفترة طويلة، إذ لا يمكن أن تصل إلى المستوى الذي ذكر في المعلومات السابقة دون أن يكون الأسطول الكويتي قد تدرج إلى مستواه هذا منذ بداية أقدم من سنة 1839م.
بدأ الحديث عن ميناء الكويت وأهميته في وقت مبكر، وقد وصفه عدد من الرحالة وممثلي الدول وبخاصة البريطانيين منهم، وقد اتفقت كافة الآراء على أهمية هذا المرفق بالنسبة للكويت ثم للمنطقة بصفة عامة، وقد يستغرب المرء حين يرى تاريخ كل تقرير من هذه التقارير التي كتبها هؤلاء، وسوف نوجز شيئا منها لأهمية ذلك في موضوعنا هنا، وان كنا قد بسطنا الموضوع في السابق ضمن مقال: «الكويت على ألسنة زوارها» ضمن «الأزمنة والأمكنة» لا نريد أن يكون ما نقدمه هنا تكراراً لما سبق أن ذكرناه في ذلك المقال بل ان ما نرمي اليه انما هو اختيار مقتطفات نستدل بها على ما نريد الوصول اليه هنا.
من أقدم من تحدث عن الميناء البحري الكويتي رحالة عربي اسمه مرتضى بن علوان، زار الكويت في سنة 1709م، وهو في طريق عودته من الحج، واتجه منها الى وطنه سورية عبر العراق، وفي حديث يقول: «والمينة (يقصد الميناء) على حدود البلدة من غير فاصلة، وهذه البلدة يأتيها ساير الحبوب من البحر؛ حنطة وغيرها».
وعندما جاءت سنة 1790م كتب كل من صمويل ما نستي وهارفورد جونر وهما على التوالي: مدير ومساعد مدير الوكالة التجارية البريطانية في البصرة تقريراً عن تجارة بلاد العرب وفارس، وقالا عن القرين (الكويت فيما بعد): «والقرين ميناء بحري يقع على الساحل الغربي من الخليج، بالقرب من رأسه، وكانت القرين منذ أمد بعيد في حوزة بني عتبة، وبين الحين والحين كانت ذات أهمية تجارية.. وحين كانت البصرة في يدي الفرس، كانت القرين هي الميناء الذي تنتقل منه.. منتوجات الهند الى اسواق بغداد ودمشق وحلب وأزمير والقسطنطينية.. وكانت القرين على الدوام - عن طريق الصحراء - ذات صلة ميسرة ببغداد وحلب، وكانت قوافل كبيرة وفيرة البضاعة تترد بينها وبين المدينتين المذكورتين».
ولعلنا نلاحظ اشارتهما الى ان القرين كانت منذ أمد بعيد في حوزة بني عتبة. وهذا الزمن المتباعد الى ما وراء سنة كتابة التقرير وهي 1790م، لابد وَأَنْ يصل بنا الى السنة التي تأسست فيها الكويت وهي سنة 1613م.
وتحدث جيمس باكنغهام عن رحلته الى المنطقة التي بدأ في القيام بها في صيف سنة 1816م، وذكر انه لاحظ ان البصرة كانت تستقبل تجاراً اعتادوا الوفود اليها من كافة البلاد المجاورة، وذكر ان من هؤلاء الواردين عليها عدداً من تجار الكويت فقال عن هؤلاء: «… المشتغلين بالتجارة من الكويت والقرين وهو ذلك الميناء البحري العظيم الذي يقع في ذلك الجزء من الجزيرة العربية».
هكذا نرى ان الظروف كلها ساعدت على أن تجعل من الكويت بلداً تجارياً ناجحاً، فمن موقع جغرافي ملائم يقع بين عدد من الدول الى ساحل صالح للملاحة ومرفأ صالح لرسو السفن واقلاعها الى اسطول تجاري بحري يديره رجال قادرون على ادارته وَتُجَّارٌ يعرفون كيف ينهضون بالعمل التجاري الذي وضع لهم ولوطنهم مكانة مرموقة بين تجار المنطقة.
٭٭٭
جرى حديث كثير عن الكويت من حيث السكان ونشاطهم، واستعدادهم الفطري للعمل في الملاحة والتجارة، وكانت هذه البلاد موضع رصد لأعين عدد من الدول منها على الأخص بريطانيا التي كانت ترسل بين وقت وآخر عددا من رجالها المختصين لتقديم تصوراتهم للاوضاع الحالية والمستقبلية لهذا البلد الذي كان في طور النمو السريع، ومن هؤلاء ج..ب. بروكس الذي كلفته الحكومة البريطانية لهذه الغاية بل وطلبت منه بشكل عام أن يكتب بعد قيامه بزيارة الخليج تقريرا يتناول عادات أهله وتجارتهم ومصادر دخلهم وذلك في سنة 1859م، وقد أشاد كثيرا بمكانة الكويت التجارية، وذكر تميزها بموقع جغرافي جعلها تتاجر مع أبناء البادية ووسط الجزيرة العربية حيث تمد هؤلاء بالقمح والبن ومنتجات الهند، وذكر بروكس أن تجار الكويت لديهم سفن كبيرة بها تستورد الكويت كثيرا من البضائع مثل الأقمشة والأرز والسكر والتوابل والقمح، والقطن، كما تستورد البن من اليمن، والتبغ والفواكه من بلاد فارس، والقمح والتمور من البصرة وفي مقابل هذا فان الكويت تقوم بتصدير السمن والخيل التي تحصل عليها من رجال البادية ضمن عملية المقايضة التي تتم عن طريق امداد هؤلاء بما يريدون من انواع البضائع على ان يقوموا بتسليم ما يقابل ثمنها من الخيل.
وفي رحلة سابقة لرحلة جورج.ب. بروكس، كان ج.هـ. ستكويلر قد انطلق من بومباي في سنة 1831م على متن سفينة كويتية من نوع «البغلة» كانت تسمى «الناصرية» اتجهت بحملها من بشر وسلع إلى الكويت وكان ضمن ركابها ستكويلر الذي أفاد فيما بعد أن المسافرين دفعوا لقائد السفينة أجرة نقلهم إلى الكويت مبلغا وقدره خمسون روبية لكل واحد منهم، وفي طريقها توقفت في ميناء مسقط ونقلت جلودا وحصائر. وما أشار إليه الرجل هنا يدل على أن هذه السفن الشراعية الكويتية لا تترك فرصة دون الاستفادة منها فهي كما رأينا تنقل السلع والأفراد وتتوقف في طريقها ذهابا وإيابا عند عدد من الموانئ، ولاحظ أننا مع ستكويلر في سنة 1830م.
وبعد ثماني سنوات من هذا التاريخ قام الملازم فيلكس وهو من بحرية الهند البريطانية بزيارة الكويت وعرج على جزيرة فيلكا وذلك في شهر نوفمبر لسنة 1839م، وكتب تقريرا مهما عن تجارة الكويت وتحدث فيه عن مستورداتها من الفواكه والخضار والقمح والشعير والأرز والعدس ذاكرا مصدر كل مادة من هذه المواد. وبين أن مستوردات الكويت من الأخشاب التي يتم بها بناء السفن تأتي من الهند.
وفي اليوم الرابع والعشرين من شهر ابريل لسنة 1841م ورد إلى اللجنة السرية في مجلس مديري شركة الهند الشرقية الخطاب السري الذي كتبه القبطان هينل الذي زار الكويت في السنة المذكورة وكتب تقريرا مستفيضا تحدث فيه عن كل ما يتعلق بالكويت من الناحية الاجتماعية والسكانية، ومن ناحية النشاط البحري على اختلاف أنواعه، وعن الرخاء الاقتصادي الذي يسود البلاد على الرغم من عدم وجود موارد أخرى غير التجارة والأعمال البحرية المتفرقة وكل ذلك كان بفضل مقدرة الأفراد القائمة على تحدي الظروف الصعبة، والوقوف في وجه الأحداث العاصفة واكتساب الأرزاق من كافة الطرق المشروعة، وبفضل تعاون الأهالي وتكاتفهم، ومعيشتهم الخالية من الشقاق والعداء.
كانت زيارة هينل للكويت مختلفة عمن سبقه من حيث احاطته بكثير من الأمور الخاصة بالبلاد، ومن حيث توسعه في الحديث عن مشاهداته.
لقد زار هذا الرجل الإنجليزي الكويت في سنة 1841م كما ذكرنا ووصفها بأنها تمثل حالة من الازدهار الاجتماعي، وأن عدد سكانها قارب الخمسة والعشرين ألف نسمة، وأنهم يمتلكون من السفن حوالي ثلاثين (بغلة) و(بتيلا) تستخدم كلها في التجارة بشكل مستمر مع الهند، كما يمتلكون حوالي ثلاثين سفينة متوسطة الحجم تستخدم في مجال النقل بين موانئ الخليج، وهو ما يسمى (القطاعة) إضافة إلى ثلاثمائة وخمسين سفينة صغيرة تستعمل في مهنة الغوص على اللؤلؤ.
وفي هذا يقول هينل: «وتعطينا هذه البلدة نموذجا من الرخاء التجاري، وبها كل المميزات الأولى ولديها ميناء رائع، وتعداد سكانها كبير، حيث يمكنها توفر 6 آلاف رجل قادرين على حمل السلاح، وسكانها عددهم في المتوسط 25 ألف نسمة، ويمتلكون 31 بغلة وبتيلا، تستطيع أن تحمل من 150 إلى 300 طن من البضائع، وتتاجر باستمرار مع الهند، ويوجد لديها 50 سفينة صغيرة للاتجار مع دول الخليج، وحوالي 350 قاربا يعملون بصيد الأسماك واللؤلؤ، والسكان شجعان ولديهم طاقة كبرى ومتحدون تماما ومتكاتفون، وليست بينهم عداوات ولا شقاقات مما يجعل الفئات الأخرى تخشاهم.
وفي الحقيقة هم يردون الإهانة أو العدوان في التو واللحظة، وهم ليسوا متغطرسين ولا يعتدون على جيرانهم المسالمين، والقرصنة حدوثها نادر، وحكومة الشيخ جابر حكومة أبدية، وهو وأولاده يلبسون ملابس تشبه ملابس سائر المواطنين ويسكنون في مساكن تشبه مساكنهم، وقد فرضوا رسوما جمركية ضئيلة على مشتريات ومبيعات الذين يأتون إلى البلدة، ودخل البلدة الذي يستولي عليه الشيخ لا يزيد عن 300 دولار سنويا، بالإضافة إلى الأرباح التي يحققها من بواخره التجارية التي يرحب بالتجارة معها جميع الأفراد، ومثل هذه الحرية التي يتمتع بها الجميع مع عدم وجود أي تدخل من سلطة خارجية تجعل الشيخ جابر وأولاده محبوبين من رعاياهم إلى درجة كبيرة، والرعايا مخلصون لهم جدا بدرجة غير عادية ومستعدون لإجابة أي طلب منهم سواء أكان طلبا يخص أملاكهم أم أي شيء آخر».
وقد استمر النشاط التجاري في الكويت برا وبحرا وامتد تدفق التجارة عبر الكويت عن طريق البحر إلى شرق افريقيا عبر عدن إضافة إلى القارة الهندية، وامتد برا إلى شمال سورية ففي مدينة حلب كانت قوافل الجمال الكويتية تتوقف لتنقل البضائع والبريد ثم تعود من هنا ببضائع أخرى لها سوق في الكويت وما جاورها.
٭٭٭
كانت الامكانات الكويتية دافعا قويا إلى قيام نشاط تجاري واسع المجال، وكانت هذه الإمكانات تتمثل في موقع ممتاز، ومرسى ملائم، واسطول بحري قوي وكبير ومقدرة على القيادة، وفهم للأساليب التجارية التي دفعت إلى استغلال الوضع الجغرافي استغلالا مفيدا.
وقد كانت الكويت فيما سبق، وهذا هو ما أشرنا إليه، سوقا واسعا للمنطقة يأتي إليه تجارها لكي يقوموا بشراء ما يحتاجون إليه دون متاعب، فالكميات من جميع أنواع البضائع متوافرة، وحتى البضائع الخاصة التي يحتاج إليها أحدهم موجودة وإن كان أبناء الكويت لا حاجة بهم إليها. وقد لفت هذا الوضع التجاري المتميز الأنظار، حتى صارت الكويت ملتقى للتجار من كل مكان، وصارت العروض التجارية المتنوعة تقدم إلى تجارها، لأنهم اكتسبوا سمعة طيبة في اتقان العمل، وفي الأمانة والصدق اللذين هما رأس المال الحقيقي لكل تاجر.
لكن ذلك لم يمنع عنها نظرة الحسد التي كان ينظر إليها الجار الشمالي بها. وقد ذكرنا فيما مضى أن هذا النازع البشري البغيض قد بدأ في وقت مبكر عندما اعترض أهل البصرة وتبني العثمانيون إعتراضهم هذا على وصول البواخر التجارية البريطانية إلى الكويت مدعين أن هذا يؤثر في تجارتهم، وكأنهم يقولون لنا: إذهبوا إلى الجحيم، ولا يهمنا أن تحصلوا على فوائد هذا العمل مما اضطر الشيخ في سنة 1866م إلى الطلب من البريطانيين أن يوقفوا رحلات بواخرهم لهذا السبب رغبة في إيقاف الإثارة وكف ألسنة السوء الشمالية عن الكويت.
وقد استمر الحسد في نفوس هؤلاء – ولا يزال – ففي عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح، ومنذ سنة 1933 وما بعدها كانت الكويت تلقى العنت والظلم من هذا الجار الذي لا يعرف للجيرة حقها. وقد جاء في هذه المرة بنغمة أخرى، جعلها وسيلة من وسائل التدخل في شؤون البلاد مما تجده مبسوطا في كتابنا «الشيخ أحمد الجابر الصباح، ومسألة الحدود الكويتية» وهذه النغمة هي المتمثلة في ما كان يسمونه: التهريب، فقد كانوا يدعون أن الكويتيين يقومون بتهريب البضائع إلى بلادهم، وأن هذا يؤثر في واردات خزينتهم من الضرائب التي كانت باهظة ليس بالنسبة لما هو في الكويت فحسب، بل بالنسبة إلى كل الدول المجاورة لهم. ولكن همهم كان إيذاء الكويت. وقد جرت تعديات كثيرة، وتدخل الجانب البريطاني ليقدم حلا للطرفين، ولكن هذا الجانب – للأسف الشديد – منقسم إلى قسمين، أحدهما يعمل في العراق ولكنه لا يستطيع أن يؤدي أي خدمة للكويت لأنه مربوط إلى عدة جهات متنافرة وكلها مع ذلك بريطانية. ومما يدل على ذلك ما كتبه هارلد ديكسون، بعد لقائه في شهر يوليو لسنة 1933م مع السيد مونك مساعد مدير عام الجمارك في العراق، وهو بريطاني الجنسية. يقول ديكسون: «أخشى أن يكون موقفه موقف الانجليزي الذي أصبح عراقياً أكثر من العراقيين. فالكويت هي الآثمة وينبغي أن تعاقب، أما العراق، فهو الفريق المسكين البريء المتضرر، الذي يبذل جهده ليفعل ما هو الصواب. لذلك يتوجب اعادة الكويت الى رشدها، أما بحرمانها من مياه الشرب التي تحصل عليها من شط العرب، واما باتباع سياسة مرعبة ضد كل من يلقي القبض عليه متلبساً بالتهريب، وهذا يعني اطلاق النار على كل من يمسك بالجرم المشهود».
ومن خلال هذه المحاورات غير المجدية، التي لا تدل على حسن النوايا، ولا الرغبة في التعايش بين البلدين قدم العراقيون خلال الفترة المشار اليها عدة مقترحات هي اشبه ما تكون بالأوامر ، وقد رفضها الشيخ أحمد الجابر الصباح ومن ذلك:
-1 قالوا ان الكويت تستورد بضائع أكثر من حاجتها ولذا فانها لابد ان تقنن الاستيراد. وهم بذلك يبرهنون على انهم لا يعرفون حرية التجارة، ولا حتى حرية الفرد التاجر.
-2 طلبوا تطبيق التعريفة الجمركية العراقية في الكويت، مما يؤدي الى رفع المبالغ المحصلة من التجار وبالتالي رفع اسعار البضائع، ومن ثم كسادها.
-3 – طلبوا – اذا لم تر الكويت رفع قيمة التعريفة الجمركية - أن تبقى تعريفة الكويت كما هي على ان يقوم مسؤولون من الجمارك العراقية بادارة الجمارك الكويتية، وذلك مع الحد من الاستيراد. ولا أظن أن وقاحة في الدنيا يمكن ان تربو على هذه الوقاحة الواردة في البند الثالث.
ولقد جرت مهاترات كثيرة من جانب واحد يصعب هنا ادراجها كلها ولكن كتاب الدكتور حبيب الرحمن: «حرب تحرير الكويت وجذورها ومقوماتها» قد قدم تفصيلاً كاملاً لكل تلك القضايا السيئة السمعة.
٭٭٭
وبعد؛ فهذا عرض لتجارة الكويت في الزمن والماضي وهو كاف لمن يريد ان يعرف حال العمل التجاري، في الحقبة التي تحدثنا عنها. أما ما لحق من نشاط في هذا المجال فهو موجود في كتب كثيرة ودراسات وافرة وكلها مطبوع.
===============
ملحاق خير:
لا يشك أحد في أهمية سفن السفر الشراعي للكويت فهي كما ذكرنا في مقالنا هذا سبب من أسباب الرزق للبلاد في وقت الحاجة الماسة، وهي بما تجلب من سلع متنوعة وبكميات كبيرة حولت الكويت إلى مخزن تجاري كبير ترتاده أعداد كبيرة من الناس الذين يهمهم الحصول على سلع منوعة، وهي في الوقت نفسه غير مرتفعة الثمن وذلك لأن الحكومة هنا لم تكن تأخذ على البضائع رسوما تزيد على %2 من قيمتها.
تحدثنا عن جوانب العمل البحري هنا، وذكرنا أن هذا العمل قد فتح مجالات كثيرة للراغبين في كسب الرزق كما أتاح الفرصة لايجاد صناعات متعددة منها صناعة السفن والحدادة وغيرها مما يتعلق بالسفن.
في بداية أوبريت «الشراع الكويتي» حديث عن بناء السفينة منذ وضع أساسها الأول (البيص) إلى أن ينتهي (القلاف) من إنشائها، ثم يأتي الحديث عن إنزالها في البحر وهو يوم مهم في حياة الناس آنذاك، وذلك لأهمية السفينة لهم من حيث هي مورد مهم للرزق، أما بعد ذلك فيأتي مسيرها من البلاد إلى الاتجاه الذي يرغب نوخذاها بتوجهها إليه، أما باقي الرحلة فالحديث عنه يطول:
هذا هو – أولا – حديث بناء السفينة:
يا بومُ يا طيفاً تَجلَّتْ به
أطيافُ أحلامٍ لنا زاهيهْ
ويامُنًى نَشْوى تمادت بنا
مَالئةً أيامَنا الخاليهْ
يا بومُ جاءَ اليْومَ ما نَرْتجي
سوف تُرينا الأشْرعَ العاليهْ
ها هو نَجَّارُك في جدِّه
مَدَّلكَ اليومَ يداً حانيهْ
مُذْ كنتَ في شاطئنا هيكَلا
حتى سمَتْ منْ فوقك الساريهْ
يابومُ بحَّارُك لمَّا يزَلْ
منتظراً رحلتَكَ الآتيهْ
حَقِّق لهُ يابومُ آمالَهُ
وَهْيَ عليه كلُّها غاليهْ
وانهضْ بوجْه الريِّح لاَتنثني
أو تَنْحني للموجة العاتيه
يَحْرسُكُ اللهْ فتبْقى لنا
مَوْردَ أرزاق لنا جَاريهْ
وهذا هو – ثانيا – وصف انزال السفينة:
وَلْهانُ للبحْرِ قدْ تهادَى
يخْتالُ في شكْلِه العجيبِ
يستقبلُ الموجَ عارٍضاه
وقد دنَتْ ساعةُ المغيبِ
قد ملَّ مثْواهُ بعْدَ دهرٍ
وانْسابَ نحْو المدىَ الرَّحيبِ
تلْقاهُ في يَوْمِه المرجَّى
جَذْلانَ في موكبٍ مَهيبِ
قدْ قام بَّحارُهُ يُغنِّي
ويرتجي الفضْلَ في الغيوبِ
حَشْدٌ تدَاعَى بأغنياتٍ
تندْاحُ في لَحِنها الغريبِ
قدْ غاصَ في بحْرنا صداها
فارْتدَّ في جوِّنا القَشيبِ
يابُومَنَا هل علِمْتَ شيئا
عن الذي ضُمَّ في القلوبِ
وهل رأيت الألى تنادَوْا
إليكَ في يَومِكَ العصيبِ
كلٌّ على رِسْله ينُادي
يانعمةَ الخالقِ استجيبي
أَبْحرْ إلى الرِّزْق في المواني
وارجَعْ إلى الموْطن الحبيب
أما حديث المسير فهو:
هانحن نمضي في الطريق إلى مُلاقاة الخطرْ
بالأمس ودَّعْنا الأحبةَ عازمين على السفرْ
كَمْ قدْ تركْنا منْ خليل أو فَقَدْنا من وَطَرْ
البحُر ممتدٌّ يكا
دُ يُضُّل مرآه البصرْ
وقلوُبنا لَهْفى تُرا
قبُ ما يجيءُ به القَدرْ
نقضي الليالي جاهدينَ وَننثْني عنْد السَّحرْ
وتغادِرُ الأيامُ منا مُشْرفينَ على كَدَرْ
ندْعو الإلهَ ونرتجي
منه الرجاءَ المنتظرْ
البُومُ مِلْءُ شراعه
أمَلٌ كبيرٌ بالظَّفَرْ
يسري وقد مَلأَ الحشا
تمراً وأشياءً أُخَر
فاختالَ فوق خليجنا
نشوانَ يُعجبُ من نَظرْ
عَلَمُ الكويت على ذُراه،
وحوْلَهُ جَدَّ البشَرْ
|