النوخذة عبدالعزيز إبراهيم المشعل خاض أهوال البحر بشقّيه الغوص والسفر الشراعي

[IE]

كان البحر هو شريان أهل الكويت وهو الصلة لهم مع العالم الخارجي حين بحثهم عن سبل المعيشة وقد سطر رجالات الكويت اسمهم في هذا السفر العظيم نحن مع احد هؤلاء النواخذة ربان البحر وقد سافر... عبدالعزيز المشعل عانق امواج البحر، هو شاب يافع في مقتبل العمر ولا غرو في ذلك فهوابن عائلة عرف رجالاتها في مهن البحر سواء الغوص او السفر الشراعي واليوم نحن مع سيرة النوخذة عبدالعزيز المشعل:
كانت ولادة النوخذة عبدالعزيز المشعل في بيت اسرته في مدينة الكويت القديمة فريج سعود في الحي القبلي الذي كان يمثل جزءا كبيرا من هذه المدينة الساحلية التي تشكل النقع البحري قيدا على ساحلها (السيف) فقد فتح عيناه على هذه المعالم البحرية الصرفة البحر والنقع ترسو بها السفن ورجالات البحر تروح وتغدو عليها، وقد مشت رجلاه على حبيبات رمله الناعم، تارة تلهبها اشعة الشمس الحارقة، وتارة يثلجها شتاء الكويت القارس.

الدراسة
لم تكن وسائل التعليم حين ولادة النوخذة عبدالعزيز المشعل متوافرة كما هي اليوم بل كان جل اعتماد الناس في تلقي العلم على المدارس الاهلية والمساجد وهو ما كان يعرف قديما باسم الملا او المطوع وقد التحق النوخذة عبدالعزيز بمدرسة ابن شرهان حين كانت قريبة من مسكنه في منطقة الجبلة في مدينة الكويت القديمة ومنطقة جبلة كانت يبدأ حيها من قرب المستشفى الاميركاني على ساحل البحر حتى قرب قصر السيف ويفصلها عن الشرق السوق الداخلي.

الوالد
كان والده النوخذة ابراهيم له الاثر الاكبر في تحديد مصيره ولا غرو في ذلك فالأسرة كانت من رجالات البحر حيث كتبت اسمها في سجل المهن البحرية وتراثه البحري، ولقد خط هذا السجل الكثير من نواخذة البحر من هذه الاسرة وهم من الكويتيين القلائل الذين جمعوا مهن البحر بشقيه الغوص والسفر الشراعي، وقد كان البحر هو شريان الاقتصاد لأهل الكويت فتارة يذهبون الى الهند وتارة اخرى يصطحبون رجالات البحر وفرسانه معهم حيث يبحرون الى مغاصات اللؤلؤ في فصل الصيف حين يعودون من الهند، لذا اتسعت خبرة هؤلاء النواخذة وعرفوا طبيعة البحر داخل الخليج، وقد كان لعبد العزيز نصيب من هذه الخبرة حيث تدرب على يد والده الذي قال عنه الاستاذ محمد احمد الرشيد «النوخذة ابراهيم المشعل رجل فاضل، خبير بأمور السفر الشراعي والرياح والمجاري البحرية وهو حكيم وصائب الرأي، وهو نوخذة جريء وكان النواخذة يستشيرونه اثناء رحلاتهم البحرية لما يتمتع به من سمعة وخبرة».

بداية
حين بلوغ عبدالعزيز المشعل السابعة عشرة من عمره ركب البحر ودخل الغوص وهو نوخذة شاب في مقتبل عمره يافعا وبدأ يجول في الهيرات البحرية المترامية سواء منها العالي او القريب من غوص العدان وهكذا اخذ يمارس الغوص بكل جرأة وشجاعة وحين انكسار هذه المهنة وانحسارها بعد خروج اللؤلؤ الصناعي الذي اثر على اللؤلؤ الطبيعي واصبح غير مجد.

التحول
بعد انكسار الغوص على اللؤلؤ اخذ السفر الشراعي شريان الحياة الاقتصادية للكويت كل وقت النوخذة عبدالعزيز المشعل فاتجه الى قيادة السفن الشراعية وكان يذهب رحلتين او ثلاث في الموسم الواحد.

السفينة
اشترى النوخذة عبدالعزيز المشعل سفينة من التاجر حمد الصقر وقد كان حمال 1.600 منّ ولم تكن هي الوحيدة بل اشترى غيرها وكانت حمال 1.200 منّ وقد ذكرهما الاستاذ علي بن حسن في كتابه: «استادية صناعة السفن في التاريخ البحري الكويتي».

الشهامة
من قانون الغوص المعمول به هو التزام البحرية بدفع السلف الذي يقبضونه من النواخذة قبل دخولهم الغوص والمؤمل عند الغاصة هو الدخل وحساب الغوص هو معروف لدى من عمل في هذه المهنة، وعند حدوث نكبة الغوص خرج البحرية مطلوبين وكل انتظر سداد ما لحق به من دين لكن من كان من بحرية النوخذة عبدالعزيز المشعل إلا انهم امنوا المساءلة واطمأن فؤادهم ولاحت اسرة الفرح في محياهم حين اعفى جميع من ركب معه من دين المطالبة، وكل ذلك كرم منه وتفضل وبفضل الحب والتقدير الذي جمعه مع بحريته.

الأوصاف
جاء في كتاب نواخذة السفر الشراعي في الكويت للدكتور يعقوب يوسف الحجي: (النوخذة عبدالعزيز المشعل نوخذة صلب وجريء وقليل الكلام وذي شخصية قوية لدرجة ان البحارة لا يقتربون من مجلسه على سطح السفينة احتراما وهيبة له، ولقد وصفه احدهم بأنه «حكومة في محمله».

البحوث
جاءت شهادة من مركز البحوث والدراسات الكويتية... يعتبر النوخذة عبدالعزيز ابراهيم المشعل من اشهر نواخذة الكويت المشهود لهم في خدمة النقل الشراعي الكويتي والتجارة.

الحادثة
النوخذة ابراهيم المشعل والد النوخذة عبدالعزيز كان من عمالقة اهل البحر وهو رحيما برجاله حدث معه سنة 1939 في صيف هذا العام هبت عليهم عاصفة موسمية قاسية جعلت السفينة الكبيرة المسماة «يسر» كأنها علبة كبريت تتقاذفها الامواج والبحرية يهللون ويكبرون طالبين النجاة والسلامة وكانت السفينة محملة بأطنان التمور متوجهة للهند، لكن حكمة النوخذة ابراهيم وسداد رأيه ومحافظته على حياة رجاله البحرية امر بقذف ثلث المحمل في البحر من التمور لتكون خفيفة لا يستطيع البحر الهائج ابتلاعها ومن فيها وفعلا نجح في ذلك ووصلوا بسلام للمرسى المقصود بالهند.

الأخرى
وحادثة اخرى حين اندلاع الحرب العالمية الثانية ابحر النوخذة ابراهيم المشعل بسفينة من مسقط والحرب مشتعلة فأوصل السفينة للكويت.

روزنامات
ولقد ورد ذكر النوخذة عبدالعزيز المشعل في كثير من روزنامات النواخذة الكويتيين الذين التقوا به خلال رحلاته الطويلة والمتعددة التي وصل خلالها لمعظم البنادر التي وصل اليها زملاؤه من النواخذة على ساحل الهند الغربي وساحل اليمن الجنوبي وساحل افريقيا الشرقي، وقد وصفه الاستاذ جاسم عبدالرسول الذي ركب معه في احدى رحلاته بأنه نوخذة صلب وشديد وجريء ولا يهاب، ولعل افضل رحلة ذكر بها النوخذة عبدالعزيز ابراهيم المشعل هي التي ذكر تفصيلاتها النوخذة عيسى بشارة في روزنامته رحلة 10 العام 1941م، فقد التقى النوخذة عيسى بشارة بالنوخذة عبدالعزيز المشعل بالقرب من جزيرة «قيس» وهما في طريقهما الى بندر اليمن الجنوبية فقام النوخذة عبدالعزيز المشعل بزيارة الى زميله النوخذة عيسى بشارة في سفينته، ثم ابحرا معا حتى بندر اليمن حيث باعا ما لديهما ثم ابحرا معا الى الساحل الافريقي الشرقي بالقرب من الساحل الصومالي الشرقي مقابل جزيرة (سقطرة) ثم انقطعت حبال الشراع في سفينة النوخذة عيسى بشارة فقام النوخذة عبدالعزيز ابراهيم المشعل بجره ورائه حتى تم اصلاح الحبال ثم واصلا مسيرتهما حتى بندر (لاموه) حيث قابلا النوخذة محمد بورحمة هناك، وبعد ان شحنوا سفنهم بأعمدة (الجندل) خرجوا معا واحدا خلف الآخر من بندر (لاموه) في رحلة العودة الى الكويت وقد روى النوخذة عيسى بشارة تفصيلات هذه الرحلة.

الخشتي
وكذلك ذكر النوخذة احمد الخشتي في روزنامته بأنه شاهد النوخذة عبدالعزيز ابراهيم المشعل بالقرب من (جونيا) على ساحل (مكران) قادما من بندر كراجي في طريقه الى الخليج العام 1936م، كما ذكره النوخذة احمد الفهد العام 1945م، والنوخذة مفلح الفلاح العام 1948م، اما النوخذة عبدالوهاب العسعوسي فقد ذكر في روزنامته بأنه شاهد النوخذة عبدالعزيز المشعل في بندر جزيرة (هنيام) في موسم العام 1952م/1953م.
اما احد البحارة الذين ركبوا مع النوخذة عبدالعزيز ابراهيم المشعل فقد روى الحادثة التي حدثت في احدى سنوات الحرب العالمية الثانية العام 1943 كان النوخذة عبدالعزيز ابراهيم المشعل في قيادة السفينة وكان النوخذة عيسى بشارة في قيادة البوم وكان معه مجموعة من نواخذة الكويت بالقرب من مدخل شط العرب ينتظرون رياح الشمال لبدء رحلاتهم وقد تنوخذ النوخذة عبدالعزيز ابراهيم المشعل في ابوام عدة اخرى منها البوم «المثنى» والبوم «الممتاز» وقد كان يحمل امانتها على عاتقه كإخلاصه وحمله لأمانات سفنه وابوامه.

القلاطة
كما ذكر النوخذة عبدالعزيز ابراهيم المشعل في الدفتر المخصص لأهل الكويت واهل الغوص في عهد الشيخ مبارك الصباح والذي كان يسجل به تبرعات وارباح اهل الغوص والتي كانت تسمى (القلاطة)، فقد كانوا يمدون الخزينة بما تجود به انفسهم الكريمة من مالهم الخاص ومن ارباحهم في الغوص للمساعدة على استقرار كيان هذا البلد الكريم ونهضته وتقدمه، كذلك ذكر في دفتر حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح في شهر شعبان سنة 1330هـ الموافق شهر 8 من العام 1912م.

سعود الديحاني - جريدة الراي - 5/11/2010



النوخذة عبدالعزيز ابراهيم المشعل



النوخذة ابراهيم المشعل