السبب في بناء المدرسة المباركية
كان الشيخ محمد بن جنيدل يقرأ البرزنجي في محلنا وكان المجلس محتشداً بالمستمعين، فلما انتهى المولد قام المرحوم السيد ياسين طباطبائي وألقى كلمة خلاصتها: "ليس القصد من مولد النبي تلاوة المولد وإنما القصد الاقتداء بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الجليلة. ولا يمكننا الاقتداء به إلا بعد العلم بسيرته. والعلم لا يأتيكم اليوم إلا بفتح المدارس المفيدة، وإنقاذ الأمة من الجهل".
وبعد ما انتهى كلامه تدبرته فإذا هو الحق فأخذت أفكر في الوسيلة التي يكون بها فتح مدرسة علمية. فرأيت أن أكتب مقالاً أبين فيه فضل العلم والتعلم، ومضرات الجهل وقيمة التعاون على هذا المشروع فكتبت هذا المقال وابتدأت بالتبرع لهذا المشروع بمبلغ 50 روبية، ليست في ملكي حينئذ وإنما دفعتها بعد أن يسرها الله لي، ثم ذهبت إلى المرحوم سالم بن مبارك الصباح وتلوت عليه المقال، فأجابني بأنه لا يمكن أن يقوم بهذا الأمر إلا الحاكم وكان الحكم حينئذ بيد والده مبارك.
وخرجت منه قاصداً محل شملان بن علي بن سيف ولم أجد هناك إلا إبراهيم بن مضف فتكلمت معه عن المشروع فتبرع بمائة روبية، وبعد هنيهة جاء شملان وأخبرته فحبذ هذا العمل ولكنه لم يظهر لي غايته ولم يكتب شيئاً، فخرجت من محله منكسف البال، لأنه الصديق الحميم الذي يسمع كلامي ولا يخالفني في شيء. ولكنه حين قيامه من محله ذهب إلى دكان أولاد خالد الخضير، وأخبرهم بالخبر فاستبشروا به وتبرعوا بخمسة آلاف روبية وتبرع شملان بمثلها، وطلبوا من إبراهيم بن مضف الزيادة فتبرع بخمسمائة روبية.
ثم خاطبوا هلال المطيري فتبرع بخمسة آلاف روبية، ثم جرى الاكتتاب فحصل من بقية أهل الكويت 12500 روبية ثم كتب آل خالد وناصر المبارك وشملان وهلال إلى قاسم وعبدالرحمن آل إبراهيم فتبرع قاسم بثلاثين ألف روبية وتبرع عبدالرحمن بعشرين ألفاً فصار مجموع رأس مال المدرسة 77500 روبية، وتبرع أيضاً أولاد خالد الخضير ببيت كبير للمدرسة.
وعينت لمباشرة البناء، واشترينا بيت سليمان العنزي. وبيتاً آخر بقيمة زهيدة. وحصل بيت وقف خرب تحت إشراف آل خالد أدخلناه في المدرسة وتعهدت المعارف بدفع قيمة أضحيتين بحسب نص الموقف كل سنة، فصار مجموع قيمة البيوت التي ألحقت في بيت خالد 4000 روبية وشرعنا في البناء سنة 1329هجرية وانتهى في رمضان من هذه السنة وبلغ مجموع ما صرف على البناء والأبواب والأخشاب نحوه 16000 روبية، وفتحت المدرسة للتدريس أول المحرم سنة 1330هجرية وعينت ناظراً لها والمدير السيد عمر عاصم وسارت المدرسة سيراً حسناً نحو 3 سنوات ثم عزلني مبارك الصباح عنها.
وحجته أمام الأعضاء أن محلي مأوى للأجانب وهو لا يأمن مني.. وأما الحقيقة فإنه طلب مني أن يكون الأخ حسين كاتباً عنده فالتمست منه العفو عن ذلك. فعفى وفي خاطره شيء عن إبائي، ثم أمر ابنه سالماً أن يأخذ حسيناً معه في غزو العجمان لما حاصروا الاحساء، فرجوت من سالم أن يقنع والده بتركه. فلم يقصر وسعى بكل جهده حتى أقنعه.
ولما خرج سالم في غزوته هذه لمساعدة عبدالعزيز السعود أمر أعضاء المدرسة بعزلي، فجاءني المرحوم حمد الخالد ليلاً مشفقاً على وقال لي: أرجوك أن تذهب بكرة إلى مبارك الصباح أنت وأخوك حسين، وتطلب منه العفو والسماح وتقول له: ها أنا وأخي تحت أمرك للخدمة، وتكتب أيضاً لأعضاء المعارف الاستقالة كأنها منك لا بأمر مبارك فأجبته لو أعلم أني أخطأت على أدنى أحد لذهبت ألتمس منه العفو والصفح، ولكني لم أذنب فكيف أطلب عفواً بلا ذنب صدر مني. وأما الكتابة للأعضاء بأن الاستقالة صدرت مني فأعدها كذباً، ولا أفتري على الله، بل أقول: "مبارك عزلني بصراحة"، ثم أخذ يقول: "الله يهديك!.. الله يهديك!.. سلم النظارة للشيخ يوسف الحمود بالغد". فسلمتها له بنفس طيبة، فكان الخير فيما اختاره الله، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.
__________________
للمراسلة البريدية: kuwait@kuwait-history.net
|