أحد أوائل المعلمين الوافدين يروي لـ «الأنباء» ذكرياته على مدى نصف قرن في الكويت
عثمان أبوسيدو: كنت مسؤولاً عن إحصاء 1965 في الفروانية وجليب الشيوخ والعباسية والعشيش
د.أحمد أبوسيدو في لقاء مع الشيخ عبدالله الجابر رحمه الله
.
. ومع الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله (رحمه الله)
عثمان أبوسيدو في صورة مع صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد خلال إحدى المناسبات
عثمان أبوسيدو مصافحا العم صالح العجيري في إحدى المناسبات
وزير التربية الأسبق الراحل صالح الصالح خلال حصة للمعلم عثمان أبوسيدو
عثمان أبوسيدو يحضر مقابلة صحافية مع الراحل محمد العجيري
كلمة إلى معلمي التربية الإسلامية حينما كان موجها للمادة
أحمد أبوسيدو مشيرا إلى مجموعة من صور والده مع شخصيات كويتية وعالمية
عثمان أبوسيدو
كنـت أول مــن أطلـق الإذاعة المدرسيـة في فترة الصلاة فتلقـيت الشكر من المسؤوليـن وأهالـي الطلبة
أشعـر بمنتهى السعـادة عندما أرى طلابـي يتقلـدون الآن مناصب قيادية في الدولة
طلبت من أبنائي الانضمام إلى العمل التطوعي خلال شهور الاحتلال للحفاظ على اسم الكويت ورد الجميل لأهلها
شاركت في حملة محو الأميّـة وعملـت فـي تعليم كبـار السن لمدة 20 عاماً
مع بداية الغزو الصدامي في 2 أغسطس 1990 شعرت بأنني كويتي الولاء والانتماء
عملت مشرف جناح وكنت أذهب بسيارتي لجمع الطلبة المتغيبين من البيوت والشوارع
في حديث الذكريات يقف الإنسان أحيانا مع شخصيات كان لها دور كبير في تنشئة الاجيال وتربيتهم، ورعايتهم وتوجيههم، بل وإنقاذهم من طريق الشر والضلال في حقبة زمنية انتشر فيها الجهل والأميّة، إلا لمن رحم ربّي. اليوم نلتقي مع شخصية تربوية أمضت في الكويت أكثر من نصف قرن، وساهم بشكل فاعل في بناء النهضة التربوية والتعليمية، وله بصمات واضحة يحملها بكل فخر واعتزاز طلبته من وزراء وديبلوماسيين ورجال دين وعلم، وأطباء ومهندسين ومدرسين. نلتقي المربي الفاضل عثمان أحمد أبوسيدو الذي وهب نفسه لخدمة العلم وطلابه منذ العام 1960، أي منذ قبل الاستقلال وحتى الآن.
ولد في مدينة غزة بفلسطين التي نشأ وترعرع فيها وتعلم في مدارسها، حتى أنهى تعليمه الجامعي وفي عام 1960 حضر الى الكويت بعد ان نجح في المقابلة التي أجراها معه المرحوم عبدالعزيز حسين مدير معارف الكويت مع اللجنة المشكلة آنذاك برئاسته، وبعد ان تم اختياره حضر الى الكويت بواسطة طائرة من مطار العريش الى مطار الكويت القديم والذي كان موجودا في منطقة النزهة الحالية، وقد أدرك أبوسيدو بداية النهضة الحديثة في التعليم، وهو يحدثنا عن تلك المرحلة، حيث عين مدرسا في المرحلة الابتدائية بمنطقة خيطان. ولا شك ان الحديث مع رجل تربوي من هذا الطراز أمر شيق، حيث يكشف كيف كان التعليم قديما وكيف كانت العلاقة بين الطالب والمدرس والمدرسة منذ 49 عاما.
هذا اللقاء يتميز بأنه يركز على التعليم ورجال التعليم السابقين نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن على ضيفنا المربي عثمان أبوسيدو بالصحة والعافية فإلى التفاصيل:
يقول المربي عثمان أحمد أبوسيدو: حضرت الى الكويت في نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، حيث كان المرحوم عبدالعزيز حسين يقوم بإجراء مقابلات شخصية مع عدد من التربويين والمدرسين من أبناء قطاع غزة بفلسطين التي كانت تحت الرعاية المصرية للتعاقد معهم للعمل في مدارس الكويت.
وقد تم الاتفاق مع مجموعة من المدرسين الفلسطينيين وتم نقلهم من مطار العريش الى الكويت من خلال طائرات ترايونت التي تعمل بالمراوح على ما أذكر، وكانت الرحلة تستغرق حوالي 6 ساعات طيران متواصلة، وكانت الطائرات تهبط في مطار الكويت في منطقة النزهة، وكان ذلك المطار عبارة عن أكشاك من الشينكو.
مرحلة عبدالله الجابر
ويتحدث الحاج عثمان أبوسيدو عن تلك المرحلة فيقول كان المرحوم الشيخ عبدالله الجابر أول رئيس لدائرة المعارض في تلك الفترة، وللحق والتاريخ فقد عاصرت عددا من وزراء التربية لكن الشيخ عبدالله الجابر كان سابقا لعصره في تفكيره وطموحه نحو العمل التربوي والتعليمي وكان يمتلك بعد نظر في مختلف الجوانب التربوية والتعليمية والرياضية والثقافية، اضافة الى فنون وأساليب التعليم ووسائل التعليم، ونوعية المدرسين والاداريين والمنشآت التعليمية، وهذا يظهر بجلاء ووضوح من خلال متابعته الدقيقة لكل الأمور صغيرها وكبيرها.
ويمضي عثمان أبوسيدو قائلا: حرصت ادارة المعارف والتربية فيما بعد على نوعية المناهج المدرسية، وخاصة في المرحلة الابتدائية التي تعد الأساس والبنية الحقيقية للإنسان حيث صار المنهج يحاكي حياتنا الاجتماعية، وروح التحدي لأهل الكويت في الغوص والسفر والدفاع عن أرض الوطن وروح الأسرة الواحدة، والولاء الحقيقي لتراب الكويت والتضحية من أجله، وللأسف فقد افتقدنا لسنوات طويلة مناهج التربية الوطنية التي تجسد روح الولاء للوطن والمحافظة على انجازاته وممتلكاته العامة سواء في الحدائق والمدارس والمستشفيات والشوارع والباصات وغير ذلك، الا ان مثل هذه المناهج عادت من جديد منذ سنوات قليلة، كما ان المنشآت المدرسية التي أقرها المرحوم عبدالله الجابر في ذلك الحين، كانت تقام لخدمات طويلة المدى واستيعاب احتمالات المستقبل من ازدياد الطلاب والمدرسين فكانت الثانويات تمثل أرقى وأفضل المؤسسات التربوية والتعليمية والدليل مازال شاهدا حتى يومنا هذا في ثانوية الشويخ للبنين وثانوية الخالدية للبنات التي أصبحت جامعة الكويت منذ تأسيسها حتى يومنا هذا.
وكانت المدارس القديمة تضم مؤهلات علمية لدعم العملية التربوية وانتاج الشباب، وكانت غنية بالملاعب الرياضية المتنوعة والمدرجات، اضافة الى الصالات المغلقة لمختلف الألعاب والجمباز والمسرح المدرسي واحواض السباحة. ولا شك ان هذه المنشآت تؤهل وزارة التربية لتكون أم الوزارات لتخرج جميع احتياجات الدولة من مدرسين ومهندسين وأطباء ولاعبي كرة قدم وسلة وممثلين ومطربين وجميع احتياجات الدولة العصرية.
ويواصل أبوسيدو حديثه قائلا: كان الجدول المدرسي حافلا بكل ما يحتاجه الطالب ويكشف مواهبه لصقلها وتنميتها وتوجيه الطالب نحو هذه الهواية اضافة الى المناهج العلمية والأدبية والتاريخية المختلفة، وكان ضمن الجدول المدرسي ساعة أسبوعيا أو ساعتان ويطلق عليه اسم النشاط الحر، وكان كل طالب يسجل في ورقة أو كشف الهواية التي يود ممارستها خلال هذه الساعة وكان الأنشطة تضم المسرح – نادي اللغة العربية – نادي اللغة الانجليزية – النشاط الاذاعي – النشاط الفني (الرسم) – النشاط الموسيقي – نشاط الصحافة لتخريج الصحافيين – نشاط الكشافة – النشاط الرياضي – النشاط الاجتماعي – النشاط الديني، وغير ذلك من الأنشطة، وكانت إنجازات تلك الأنشطة رائدة ومميزة وتخرج من خلالها كبار الممثلين، ومن تلاميذي الذين اذكرهم في هذا المجال الممثل والمخرج فؤاد الشطي وعبدالرحمن العقل.
لقاءات أخوية
وعن علاقاته مع أبناء الوطن قال المربي عثمان أبوسيدو: لقد تحاورت مع عدد من الاخوة وتعاملت معهم وكنا نسعد بالجلوس معهم ساعات وساعات في الديوانيات وأوقات الفراغ منهم، المرحوم محمد العجيري الذي كان يسكن منطقة خيطان وكان مثالا للمربي الفاضل والوالد الحكيم وهو والد الفلكي المبدع د.صالح العجيري واخوانه.
كما اذكر المرحوم محمد البراك عضو مجلس الأمة الأسبق ووالد العضو مسلم وقد كانت له مواقف وطنية وإنسانية وخيرية، واذكر بالفخر والاعتزاز أيضا عضو مجلس الأمة الأسبق عباس مناور، وقد كان له دور فاعل أيضا في اثراء المجلس السابقة وكانت ولاتزال له مواقف وطنية وخيرية يشهد بها جميع أهالي المنطقة، ولا ننسى أيضا إخوانه وأولادهم فهم من شجرة المرحوم حبيب مناور طيب الله ثراه، ولانزال نلتقي بالعديد من الأحبة في ديوانيات منطقة اليرموك احترمهم ويحترمونني وأحبهم ويحبونني، وهذه نعمة من الله عزّ وجل.
الأب الثاني
وعن ذكريات المدارس القديمة قال الحاج عثمان أبوسيدو بتنهّد: لقد كانت المدرسة مؤسسة تربوية متكاملة، كان المدرس بمثابة الأب الثاني للطالب، يتابعه ويشرف عليه جسديا وعقليا وثقافيا ودينيا وأحيانا اجتماعيا. لم تكن مهمة المدرس تلقين المواد الدراسية، بل كان حريصا على ان يكون الطالب نظيفا في شكله وملبسه وأظافره وحذائه، وكان في كل مدرسة حلاق لقص شعر الطالب، وكان يتابعه صحيا حيث يتواجد ممرض دائم لمتابعة الطلبة وطبيب يزور المدرسة لعدة أيام في الأسبوع، وتحويلهم الى مستوصف المنطقة أو المستشفى في الحالات المستعصية.
وكانت الوزارة تهتم غذائيا بالطلبة فتوفر لهم وجبتي الافطار والغداء، كما توفر لهم الملابس والأحذية والكتب والقرطاسية، وكان المدرس حريصا علي متابعة الطلبة لتناول طعامهم تماما كوالدهم خوفا عليهم من الجوع والمرض، ويطالبهم بالبسملة قبل تناول الطعام والحمد لله بعد الانتهاء.
وابتسم قائلا: أما مدرسو اليوم، فحدّث ولا حرج، وللأسف فإن البعض ينظر الى التعليم كمهنة وهي بالأساس ليست مهنة بل رسالة، إنها رسالة الأنبياء والرسل.
واضاف: كنت مشرفا إداريا في المدرسة إضافة إلى عملي كمدرس، وكان المدرسون يرسلون لي أسماء التلاميذ الغائبين وعناوينهم، وكنت اذهب بسيارتي الخاصة واجمع التلاميذ من بيوتهم ومن أماكن تجمعهم، وأقوم بإرشادهم وانصحهم بعدم الغياب، فقد كانوا يتواجدون في الشوارع حتى موعد انتهاء الدوام المدرسي ليعودوا الى بيوتهم، ولم يكن هناك وعي اجتماعي لبعض الأسر بالشكل الكافي في تلك الفترة، اضافة الى عدم وجود وسيلة اتصال بالأهل.
وعندما نخبر أولياء الأمور بتغيّب الأبناء أو عدم الالتزام بالقوانين المرعية من نظام ومشاجرة، كان ولي الأمر إيجابيا بشكل منقطع النظير وكانت كلماتهم المشهورة «لك اللحم ولنا العظم» وابتسم قائلا: لم يكن هناك ما يسمى بقانون منع الضرب الذي يتمسك به الطالب اليوم قبل ولي الأمر، فالعصا من الجنة كما قيل ولولا المربي ما عرفت ربّي، ولكن وضع معايير ونظم عقلانية وتربوية.
الصلاة في المدارس
ويعود المربي الفاضل عثمان أبوسيدو لذكرياته فيقول: في عام 1960 كنت مدرسا ومشرفا في مدرسة أبرق خيطان الابتدائية، وكان ناظرها أبوجمال أحمد الصادق، وبعدها رشيد الحصان الذي أصبح فيما بعد ملحقا ثقافيا في سفارة الكويت بالقاهرة وقد تقدمت بطلب لتركيب مجموعة من حنفيات المياه في أحد جوانب المدرسة لتكون مكان وضوء للطلبة ليعتادوا على الوضوء والصلاة، وكان طلبي شبه مستحيل أو غريبا، ولكنني رجوته ان يوقع على الطلب وذهبت به الى دائرة الأشغال العامة الذين لبوا طلبي في الحال، وذهبت بعدها الى وزارة الأوقاف بطلب آخر وساعدوني فورا لتوفير البسط الخاصة بالصلاة.
وبعدها ذهبت الى أحد الأصدقاء في إذاعة الكويت وهو الأخ هاشم الخليلي الذي وفر لي أشرطة خاصة بالقرآن الكريم وأشرطة للإذاعة ولأول مرة في تلك الفترة ينطلق صوت الإذاعة من المدرسة في فترة الصلاة ليتم تجميع الطلبة وكنت إماما لهم.
وقد جلست مع الزملاء المدرسين حيث ناشدتهم إنجاح الفكرة لأنهم قدوة للتلاميذ، فمن غير المعقول ان يصلي الطلبة ولا يجدون مدرسيهم يؤدون الفرض معهم، وبالفعل كان منظرا يثلج الصدر حين أعلم الطلبة كيفية الوضوء، وكذلك الصلاة في جماعة بالمدرسة، وكانت مفاجأة حضور العشرات من أولياء أمور الطلبة يشكرون ادارة المدرسة على هذا العمل.
وقد تلقيت لهذه الجهود عددا من كتب الشكر من ناظر المدرسة ووكيل الوزارة.
وأنا اليوم أشعر بالفخر والاعتزاز والسعادة وأنا أرى العديد من مسؤولي الدولة من تلاميذي في مواقع مختلفة من وزراء ووكلاء ونواب وضباط شرطة وجيش، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر د.عبدالرحمن المحيلان وزير الصحة الأسبق والنائب مسلم البراك وإمام مسجد المشاري الشيخ محمد الفوزان وعبداللطيف العوضي في مكتب الجامعة الغربية بالقاهرة وغيرهم الكثير.
أعمال تطوعية
وعن الأنشطة الأخرى التي كان يقوم بها المربي الفاضل عثمان أبوسيدو في تلك الفترة قال: لقد عملت إماما لمسجد خيطان المقابل للمدرسة والمجاور حاليا لجمعية خيطان التعاونية لمدة 13 عاما دون راتب وكنت احضر جميع الصلوات ماعدا صلاة الظهر حيث كنت أصلي في المدرسة.
وكان مراقب الوزارة في ذلك الحين يحضر في فترات متقطعة لمراقبة الإمام، وكنت أقوم أيضا طوال تلك الفترة بإقامة صلاة القيام في شهر رمضان المبارك وصلاة العيدين، ونتيجة التزامي أرسلت لي الأوقاف لتعييني إماما براتب، فلم أقبل واستمررت في ذلك الى ان حضر الإمام المرحوم الشيخ محارب، وهو امام كويتي متميز ومتفرغ كما تم اختياري مسؤولا عن احصاء عام 1965 عن مناطق الفروانية وجليب الشيوخ والعباسية ومنطقة العشيش.
ويضيف عثمان أبوسيدو قائلا: كان التدريس في المرحلة الابتدائية يعتمد على نظام ما كان يسمى المدرس الشامل حيث يقوم المدرس بتعليم الطلبة اللغة العربية والحساب والدين والعلوم، وكان المدرس أكثر تقربا للطالب وأكثر عطفا عليه وأكثر تواصلا من خلال وجوده في فصل لفترات طويلة، وقد ابتكرت وسيلة لتدريس مادة الحساب للطلبة حيث أحضرت مجموعة من الألعاب والشوكولاته وغيرها في الفصل الذي قسم على شكل مجموعات حيث تتحول كل مجموعة الى بقالة ويقوم البائع (الطالب) بكتابة بطاقات بأسعار الألعاب والمواد الغذائية المختلفة، ويأتي الطلبة للشراء من هذه البقالات ويبدأون بالاستفسار عن الأسعار فيجيبهم الطالب البائع بالسعر المكتوب حيث يرفع الورقة بالسعر ويبدأ المشتري بتسليم البائع الروبيات والآنات عدا من الواحد حتى نهاية السعر ويجمع المشتري الآنات والروبيات وكانت العملة السائدة في ذلك الوقت الروبية.
وقد فوجئ الموجه بهذا الأسلوب عند حضوره لزيارتي في أول سنة وخرج على الفور وكأنه لا يعجبه الأسلوب حيث وجد الفصل على شكل سوق للبيع والشراء، قاصدا الذهاب الى ناظر المدرسة ولكنه تراجع وعاد وظل صامتا يراقب الموقف، وعندما استوعب الأسلوب العلمي للدرس النظري ابتسم وشد على يدي مباركا، وفي اليوم التالي كان مجموعة من الموجهين قد حضروا للاستماع لهذا الأسلوب الذي تم تطبيقه عمليا للعديد من المواد بعد أكثر من 10 أيام ووصلتني رسالة شكر وتقدير من المرحوم الشيخ عبدالله الجابر على هذا الأسلوب التربوي المميز في ذلك الحين حيث كانت أول تجربة للمفاهيم التربوية بأسلوب عملي.
رحلة جماعية
ويتحدث أبوسيدو عن العلاقة بين الوزارة والمدرسين الجدد قائلا: كانت وزارة التربية تخصص لنا زيارات رسمية لعدد من مرافق الدولة خلال عطلة الربيع حيث تقوم ضمن رحلات جماعية بزيارة اذاعة الكويت، ومواقع النفط في الأحمدي وبعض المناطق الزراعية في الجهراء، ومحطة التجارب في العميرية ومتحف الكويت القديم المقام بجانب قصر دسمان، وغيرها من الأماكن للتعريف بالكويت وحضارتها.
وفي منتصف الستينيات بدأت الوزارة في إعداد ما يسمى بإدارة النشاط المدرسي للإشراف على الأندية الصيفية، وكانت تلك الأندية تمثل النواة الحقيقية لانطلاق المواهب المختلفة للطلبة وكانت توجه الطلبة فعلا على الطريق الصحيح بعد اكتشاف مواهبهم وطموحاتهم. وقد قام بمسؤولية أول إدارة للنشاط المدرسي المرحوم عبدالوهاب الزواوي وكان يساعده المرحوم حامد الاضم وأخي المرحوم محمد أبوسيدو والأخ محمد مرعي أطال الله عمره وعدد من الأخوة لا اذكرهم، وقد انطلق من هذه الأندية المئات من مختلف التخصصات في مجال الصحافة منهم طارق إدريس وتوفيق العرج وابني أحمد، وفي مجال الفن والتمثيل المبدعون: فؤاد الشطي وعبدالله الحبيل وعبدالرحمن العقل وغيرهم في مجال الفن التشكيلي والإذاعة والرياضة وغير ذلك.
تعليم الكبار
ويمضي عثمان أبوسيدو في ذكرياته قائلا: انطلقت حملة محو الأمية للكبار مع بداية الستينيات حيث كنا نقوم بالتوعية ضمن برامج اذاعية، وبالاتفاق مع وزارات الدولة بضرورة تسجيل الموظفين في الشرطة والجيش والوزارات الأخرى في مراكز تعليم الكبار ومحو الأمية.
وكان الموظف التابع للوزارة يقوم بتسجيل اسمه في المراكز ويتسلم سندا يثبت تسجيله، كما وتم مخاطبة الوزارة التابع لها بكشف شهري عند حضور وغياب الموظف عن مركز تعليم الكبار ومحو الأمية معتمد من قبل وزارة التربية، وكانت تابعة لوزارة الشؤون وبعد ذلك تولت مسؤولية المراكز وزارة التربية.
وكان يتم مساءلة الموظف عن غيابه من قبل مسؤوليه في وزارته ويهدد بالخصم وعدم الترقية اذا لم ينه دراسته في محو الأمية التي كانت عبارة عن أربعة فصول دراسية.
وكانت تصادفنا مواقف طريفة وغريبة مع بعض كبار السن الذين كانوا يصرون على تسمية الأمور بالعامية وليس بالفصحى المطلوبة لتعليمهم، وكنت أقيم صلاة المغرب والعشاء للكبار أيضا في هذه المراكز.
وكانت متعة لا مثيل لها، حيث تقوم بأداء هذه المهمة الوطنية لتعليم من فاته قطار العلم في صغره، ويشعر أيضا الرجل بأنه أصبح يعي ويستوعب الأمور التعليمية في اللغة والحساب والعلوم، وقد عملت في مجال محو الأمية لمدة 20 عاما.
حقبة يعقوب الغنيم
ويضيف عثمان أبوسيدو: استطاع وكيل وزارة التربية في ذلك الحين الأخ الحبيب د.يعقوب الغنيم الذي كان وكيلا للإعلام قبل انتقاله للتربية، وبعد ذلك أصبح وزيرا للتربية استطاع أن يحقق نقلة نوعية في التعليم في الكويت من خلال قفزة نوعية في المناهج وتوسيع أجهزة الوزارة والإدارات المختلفة، وإدخال الوسائل التعليمية العصرية من مختبرات وكمبيوترات ودراسات عملية موسعة حققت نجاحا منقطع النظير، وأدرك أهمية تكثيف التخصصات الأدبية والدينية والعملية من خلال تقسيم التوجيه الفني لكل مرحلة دراسية على حدة واعتماد رئيس لكل توجيه.
وقد كلف المرحوم الأستاذ محمد الشيخ والفقير الى الله بعد انتقالي الى توجيه التربية الإسلامية ليكون مستقلا ولكل توجيه إدارته الخاصة بعد ان كانا من محبيه طوال السنين الماضية، ولم يكن توجيه التربية الإسلامية أو المادة تأخذ حقها بالكامل في خضم هذا الزخم الكبير من المواد الدراسية، وكان هدفها إحياء القيم الإسلامية الأصيلة والصحيحة النابعة من الكتاب والسنة.
وقد قمت مع المرحوم الأستاذ محمد الشيخ بإعداد دراسات مستفيضة وقمنا بزيارات ميدانية للمدارس، كما قمنا بمقابلات لأعداد كبيرة لاختيار مدرسين مختصين وفصلهم عن اللغة العربية.
كما تم وضع خطط ومناهج دراسية متكاملة لكل المراحل الدراسية، كما أعدت خطط خاصة للأنشطة الدينية في المدارس، وانطلق العمل بكل نجاح ولله الحمد.
وقد كان دور د.الغنيم واضحا في ترسيخ المفاهيم التاريخية والتراثية الكويتية من خلال المناهج الدراسية باجتماعاته المتواصلة مع كل مسؤولي التواجيه المختلفة.
الدروس الخصوصية
ثم تكلم أبوسيدو عن الدروس الخصوصية مؤكدا انها اليوم ليست تجارة، ولا شطارة، ولكنها ضحك على الذقون، وتحايل على القانون، مضيفا: لقد كنا نقوم بتقديم دروس خصوصية للطلبة الضعاف، ولكن خلال حصص النشاط، وخلال الفترة الصباحية قبل الدوام المدرسي، وخلال بعض الحصص مثل التربية الرياضية والفنية والموسيقية، ولم نكن نتقاضى عنها أي مبالغ، فهي رسالة مكملة لرسالة المعلم الذي يزرع البذرة، يسقيها ويحميها من أشعة الشمس ويحافظ عليها من الرياح الشديدة، أو الأمطار المغرقة، فما أجملها من ساعة ان نرى تلك البذرة قد أصبحت شجرة مثمرة تساهم في خدمة الوطن والمواطنين.
لا تتصور سعادتي، فالصحة على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى، وقمة السعادة لا يشعر بها إلا من تعب وأضاع سنوات عمره في زراعة هذا الجيل، أحمد الله سبحانه، انني أفخر وأبكي أحيانا وأنا أجد طلبتي تقلدوا مناصب قيادية في الدولة أو المؤسسات التجارية، د.عبدالرحمن صالح المحيلان وزير الصحة الأسبق يتصل بي باستمرار ويردد علي كلمته التي أشعر من خلالها بعظمة هذا الرجل وشهامته يهاتفني للاطمئنان علي ويقول: من علمني حرفا كنت له عبدا، وأنت علمتني جميع الأحرف والكلمات، فأبكي لوجود مثل هذا الرجل النادر في هذا الزمان.
كما أجد من يمسك بيدي ويقبل رأسي، وأنا أراجع بعض المعاملات في الجوازات والاوقاف أو في المرور من ضباط وعقداء وعمداء ويحتفون بي وكأنهم يحتفون بوالدهم بعد غياب طويل، والبعض يجمع موظفيه ليحدثهم عني وعن احتضاني له ولزملائه خلال الدراسة، وقد تقلدوا مناصب فمنهم الوزراء ومنهم الديبلوماسيون والأطباء والمهندسون وأصحاب الشركات والضباط وبعض الديبلوماسيين يتصلون بي من الدول التي يعملون فيها للاطمئنان علي، كما يزورني البعض في بيتي للسلام والاطمئنان، وقد فوجئت يوما وأنا أصلي الجمعة في احد المساجد من يقول في خطبته لقد غيرت موضوع الخطبة بعد أن رأيت احد الرجال يجلس في الصفوف الأمامية، فعدت الى أكثر من 30 عاما الى الوراء، ان أستاذي الذي علمني ووجهني ولولاه لما وجدت على هذا المنبر، وقد بكيت من هذا الوفاء، وبعد الخطبة نزل من على المنبر يريد تقبيل يدي ورفضت فقبل رأسي، هذا هو الوفاء، الذي يعوضني عن سنوات الجهد والإخلاص في العمل في الكويت لنصف قرن تقريبا.
ذكريات الاحتلال الغاشم
ثم يستطرد أبوسيدو لذكريات فترة الاحتلال الصدامي الغاشم قائلا: في 2/8/1990 شعرت لأول مرة أنني كويتي، نعم كويتي روحا ودما، الولاء ليس بالجنسية، انما الولاء للأرض والوطن الذي عشت فيه وأكلت من خيره واحتضن ترابه والدتي رحمها الله منذ عام 1972 والمرحومة زوجتي منذ عام 2006.
وقد اجتمعت مع أولادي في ذلك اليوم الأسود وقلت لهم بالحرف الواحد لأول مرة أقول لكم اذهبوا للعمل التطوعي للحفاظ على اسم الكويت ورد الجميل لأهلها، ولا داعي هنا لذكر ما قمت به وأبنائي طوال الشهور السبعة من مساعدة ودعم وحماية وخدمات وما تعرضنا له من مطاردة ضباط وجنود الاحتلال للامساك بنا، ولكن لن يصيبنا إلا ما كتبه الله علينا، وقد تلقينا دروعا وشهادات الشكر والتقدير من المسؤولين في المقاومة وعلى رأسهم العميد محمود الدوسري ورؤساء اللجان ومن د.عادل الفلاح ود.عبدالمحسن الخرافي وتسلمنا الدروع من وزير العدل الأسبق محمد السمار والحمد لله الذي أعاد الحق الى نصابه وتحررت الكويت وعادت الشرعية ونصر الله الكويت وأهلها.
ويكمل أبوسيدو: لقد بكيت مرتين في هذه المرحلة، الاولى عندما اعتلى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، منصة الأمم المتحدة وتحشرج صوته أمام زعماء العالم وممثليهم مطالبا العالم بالوقوف معه لتحرير وطنه وعودة شعبه فوقفوا جميعا يصفقون له وهي تعد أول بادرة في تاريخ الأمم المتحدة، وكانت بداية الأمل في النصر والتحرير. والمرة الثانية التي بكيت فيها ولكن من الفرح عندما سجد رحمه الله على ارض الكويت، شكرا لله على عودته الى ارض الوطن بعد تحريره.
وللعلم، فقد كان الامير الراحل الشيخ جابر الأحمد مثالا للقائد الفذ صاحب القرارات الشجاعة، وكان أيضا عطوفا حنونا كريما، وقد قابلته عدة مرات في مزرعته عندما كنت أزور أحد الأصدقاء هناك، وكان رحمه الله في كل يوم جمعة يأمر بذبح الخراف وطهيها وتوزيعها على أهالي منطقة العشيش قرب مزرعته. وكان يتميز بالشجاعة والكرم والحنان.
لا شك أن صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، أمير الديبلوماسية وصاحب المواقف التاريخية والوطنية من خلال ما قام به من مصالحات عربية وانجازات رائدة كان آخرها مؤتمر القمة الاقتصادية العربية والقمة الثلاثين لدول مجلس التعاون الخليجي، وقد حقق الأهداف، ويواصل السير للنجاح تلو النجاح. لذا ندعو له بالتوفيق وطول العمر والصحة والسلامة ان شاء الله.
وقد أصبح معروفا لجميع دول وشعوب وزعماء العالم ان أسرة الخير آل الصباح غرست منذ صباح الأول وحتى صباح الرابع، غرست بذور الخير ومفاهيم حب أبناء الشعب والشعوب العربية والإسلامية لما يقوم به حكماء وأمراء الكويت، لهذا ستظل الكويت واحة أمن وأمان وستبقى كذلك برعاية وحماية الله سبحانه وتعالى وحنكة حكامها وأمرائها لما يتمتعوا به من تسامح ومحبة وحنان. وتعد الكويت الاولى في العالم التي لا يوجد فيها سجين سياسي منذ إنشاء الدولة، وبقيت الكويت ذخرا ومنارة للعرب والمسلمين.
وحول التجربة الديموقراطية في الكويت قال المربي عثمان أبوسيدو:
ان الديموقراطية في الكويت نموذج يحتذى ومنارة إشعاع يحق للكويت وأهلها ان يفخروا بما وهبهم أمراء الكويت هذه الحرية. ديموقراطية الكويت لا مثيل لها في أي دولة في العالم حتى الدول التي تدعي الديموقراطية وحقوق الإنسان. وأود أن أؤكد أنه لا توجد دولة في العالم يشارك فيها الأمراء ورموز الدولة أفراح وأحزان شعوبهم سوى الكويت. وأشار الى ان الكويت سباقة مقارنة بمختلف دول العالم في العمل الخيري، فاللجان الخيرية الكويتية هي الاولى في هذا المجال، وقد وصلت أيادي الخير الكويتية الى جميع دول وشعوب العالم. وتعد لجنة العثمان اللجنة الخيرية الاولى في العالم الإسلامي.
لقطات من اللقاء
كانت هناك وقفات خلال اللقاء منها الأقوال التالية لضيفنا عثمان أبوسيدو:
> أقمت لأول مرة في مدينة الأحمدي وكنا ننتظر الساعات لقدوم سيارة تنقلنا الى الكويت.
> أول سيارة اشتريتها كانت من نوع انجيليا بريطانية الصنع عام 1963.
> كانت الشوارع شبه خالية من السيارات، وكانت تمر سيارة واحدة كل نصف ساعة في المدينة.
> ضاحية اليرموك كانت مقراً لسكراب السيارات وبعد ذلك أصبحت موقعا لاحتفالات الأعياد والسيرك المصري.
> كانت ساحة جمعية خيطان الحالية مقرا لاحتفالات الأعياد وإقامة العروضات وكانت أشهر الفرق هي فرقة الرندي.
> كانت منطقة الجهراء عبارة عن مزارع للخضار.
> كنا نشتري 10 خبزات تنور بروبية واحدة.
> سوق الخضار كان على شاطئ السيف قرب قصر السيف حيث اللنشات تنزل حمولتها من الخضار.
> رافقت أحد الزملاء المدرسين لإجراء «التراي» في المرور وكان في منطقة الشرق، وعندما طلب الشرطي من الزميل ان يقود سيارته الى الخلف «ريفرس» قلت له لا داعي يا عزيزي فمنطقة خيطان واسعة ولا يستخدم السيارة للخلف، فضحك الشرطي ووقع «الليسن».
> الرقي كان يباع بالوزن الذي يطلق عليه في ذلك الحين «المن» وهو يمثل مائة كيلو اليوم.
> قمت ولله الحمد بإعداد أول صلاة في مدارس الكويت لجميع طلاب المدرسة وقد أحضرت صوت الأذان من إذاعة الكويت وسجادة الصلاة من وزارة الأوقاف، وتابعت بناء مكان للوضوء عن طريق الأشغال في منطقة الفروانية.
> كبدة وقلوب الأغنام كانت لا تباع وليس لها سعر وكان الجزار يهديها مجانا للمشترين.
موقف لا ينسى
قال ضيفنا عثمان أبوسيدو منذ أكثر من 20 عاما وأنا أجلس في المسجد من صلاة المغرب وحتى انتهاء صلاة العشاء واقوم بختم القرآن الكريم كل 5 أيام وأدعو للأمة ولجميع المسلمين. وقبل سنتين كانت زوجتي رحمها الله وهي ابنة الشيخ محمد حمادة مفتي غزة في المشفى ولأول مرة طلبت من الأبناء أن أزورها في المشفى الآن، وحاولوا ان يقنعوني بالذهاب في الغد، ولكنني أصررت على ذلك وقمت بزيارتها ودعوت لها وطلبت منها السماح وأبلغتها بالسماح وبعد ساعتين توفيت رحمها الله.
رؤيا طيبة
قال المربي الفاضل عثمان أبوسيدو: رأيت في المنام انني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد المساجد القديمة التي يوجد فيها «جليب للمياه»، وقد لاحظت العديد من المسلمين فسألهم عن سبب تجمعهم فقالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيحضر بعد قليل، وما إن حضر حتى قمت باحتضانه وقام بغسل وجهي بالماء وأسقاني بيده الكريمة شربة ماء وصحوت من نومي وأنا أبكي.
الانباء السبت 30 يناير 2010 - الأنباء