«منعت وزارة الداخلية كل المظاهرات السياسية في الكويت بعد أن فرقت الشرطة مساء يوم الاثنين في إحدى ضواحي الكويت اجتماعاً سياسياً حضره عدة آلاف من المواطنين الذين طالبوا بعودة الحياة البرلمانية في البلاد. وقد صرح مصدر مسؤول في وزارة الداخلية بأن الوزارة قد اتخذت إجراءات لفض الاجتماع الذي دعي إليه في إحدى الديوانيات، ونشر هذا التصريح في الصحافة الكويتية يوم الثلاثاء. ويلاحظ أن الصحافة الخليجية قد غطت حدث المظاهرات بصورة واضحة، وقد استخدمت قوات مكافحة الشغب فيها القنابل الصوتية والعصي لمنع الناس من التجمع حول مكان الاجتماع في منطقة الجهراء، التي تقع على بعد 30 كيلومترا من مدينة الكويت».
الكويت في 10 يناير 1990 – وكالة الصحافة الفرنسية
لم يكن لاحتفالات رأس السنة في ذلك العام (1990) شكلٌ مختلف عن الأعوام الثلاثة التي سبقته، فكان منظر البلاد باهتاً ومواطنوها يتوجسون ريبة من تصرفات السلطة، وبدا جلياً خلال الأسبوعين الماضيين أن الانقسام في الرأي داخل الحكم قد حسم لمصلحة الجناح الأكثر تشدداً، والذي كان يرى ضرورة وقف التحركات السلمية لديوانيات الاثنين، وأصبح ذلك واضحا قبل عطلة رأس السنة بيومين في القرار الذي أصدره مجلس الوزراء في 28 ديسمبر 1989 قبل الموعد المقرر للتجمع في ديوانية أحمد نصار الشريعان في الثامن من يناير 1990، فنص القرار على «منع الدعوات العامة التي توجه لمناقشة موضوعات محددة في الدواوين الخاصة لما يمثله ذلك من خروج عن المفهوم التقليدي الإيجابي للدواوين والمستقر عليه عرفاً وقانوناً» بحسب نص بيان وزارة الداخلية الذي أصدرته في ذلك اليوم. وبعد أن رأى القائمون على الحركة الدستورية تراجع المتشددين بعد إغلاق ديوانية العنجري في 11 ديسمبر 1989 وسماح السلطة بانعقاد تجمعي مسجد فاطمة وديوانية المرشد، ساد الظن في أن التحركات الشعبية ستتم من دون منغصات أو عراقيل، لكن أحداث الجهراء في 8 يناير 1990 أثبتت عكس ذلك. التحضير
كان المدخل لكل قادم إلى ديوانية أحمد الشريعان يمر عبر دوار نادي الجهراء الذي تحول في ذلك اليوم إلى ثكنة عسكرية من الشرطة والقوات الخاصة والحرس الوطني بشكل لم يألفه أهالي الجهراء أو أهل الكويت. ففي صباح ذلك، فوجئ أهالي قطعة 4 (أ) في منطقة الجهراء الجديدة بوجود أمني كثيف في المنطقة، ومع حلول الظهيرة حضر المئات من أفراد القوات الخاصة بآلياتهم الكبيرة من ناقلات جنود وتناكر مياه وباصات، وتجمعت في مواقف السيارات التابعة لمدرسة أم ورقة الابتدائية للبنات القريبة من ديوانية أحمد الشريعان. أعقب ذلك انتشار لأفراد القوات الخاصة وآليات الحرس الوطني في جميع شوارع القطعة في ما بدا كتحرك لردع سكان المنطقة من المشاركة في تجمع السابعة مساءً. وطوّقت القوات القطعة كاملة، وأغلقت كل الطرق المؤدية إليها ومنها، ووضعت نقاط التفتيش على مداخل الجهراء كافة، ولم يسمح لأي سيارة بدخول المنطقة إلا بعد إثبات سكن سائقها فيها من خلال البطاقة المدنية. ومع حلول الظلام واقتراب الموعد المقرر للتجمع بعد صلاة العشاء في السابعة مساءً، طوّقت القوى الأمنية مبنى ديوانية الشريعان واحتجزته ومن معه في الديوانية ومنعتهم من الخروج.
الصدام
وقف حضور يقدر بسبعة آلاف مواطن في جو شديد البرودة ومعهم النواب على مقربة من الديوانية، بعد أن استطاعوا دخول المنطقة بمساعدة أهالي الجهراء من خلال بعض الطرق الداخلية وبين البيوت، في حين وضعت القوات الخاصة طوقاً أمنياً بشرياً على بعد 100 متر من الديوانية، وبقي بعض من حضر باكرا محتجزا داخل الديوانية. وبعد أذان العشاء صلى الموجودون صلاة الجماعة، وأمهم فيها النائب مبارك الدويلة. وبعد نهاية الصلاة، حاول الجمهور التوجه نحو الحاجز الأمني البشري بغية التحدث إلى الشرطة وطلب السماح للمواطنين بالمرور والتوجه إلى الديوانية. وهنا سُمح للنائب أحمد الشريعان بالخروج من الديوانية والتوجه إلى الحشد. تعالت صيحات الجمهور الكبير مطالباً بالدخول. وأخذ الحاجز الأمني يتراجع قليلاً وسط تقدم الجماهير، بينما كان واضحاً في إحدى زوايا الحشد محاولة النواب إقناع رجال الأمن بالسماح لهم بالمرور. وفجأة، ومن دون مقدمات أو تحذير، انهالت هراوات وعصي القوات على الحشد، فكانت تضرب كل من هو أمامها وتتقدم نحو المشاركين لتفريقهم ودفعهم بعيداً عن الديوانية. وسُمع صوت دوي عالٍ لما قد يكون قنابل صوتية. تفرق بعض المتظاهرين، فلجأ بعضهم إلى بعض المنازل المجاورة، بينما اختبأ البعض الآخر خلف الأشجار في الشارع المقابل، ولم يتبعهم رجال القوات الخاصة الذين عادوا إلى مواقعهم ليكونوا طوقاً أمنياً جديداً.
كان ممن تعرضوا للضرب في ذلك المساء أحد رموز الحركة الوطنية النائب السابق محمد الرشيد، وهو في السبعين من عمره آنذاك، إضافة إلى نائب مدير عام جامعة الكويت الدكتور أحمد بشارة، وعبدالمحسن الكليب وجمال النيباري وناصر الغانم ووائل عبدالله العمر ورباح الرباح وعبدالهادي العجمي ومحمد القديري والعديدين غيرهم.
كان البعض قد حاول في تلك الفترة وبعدها تحليل إقدام السلطة على الاعتداء على المواطنين في تجمع الجهراء السلمي في تصعيد مفاجئ وغير طبيعي شكل علامة فارقة في التحرك الشعبي، فرأى فريق أنه كان بسبب نجاح الطرف المتشدد في أسرة الحكم بتسويق أفكاره وانتصاره في صراع الأجنحة، في حين رأى فريق آخر، أنه بالإضافة إلى ما سبق، كان بسبب ما لمنطقة الجهراء تحديداً من أهمية للسلطة، إذ كانت تعتبر ما اصطلح على تسميته بالمناطق الخارجية مناطق موالية لها، ويأتي وصول تحركات المعارضة السياسية إلى هذه المناطق إثارة لجمهور هذه المناطق ضد السلطة، وهو أمر لم يكن مقبولاً لديها مما أدى إلى استخدامها العنف.
ميكروفون الشرطة
بعد كر وفر بين قوات الأمن والمواطنين، ومداولات واتصالات من قبل الشرطة، توجه رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون وعدد من النواب إلى العميد يوسف المشاري قائد القوات الموجودة، محاولاً حث الشرطة على التهدئة، ومحذراً من مغبة أن تتطور الأمور لتصل إلى ما لا تحمد عقباه، وتبين أن المشاري كان حريصاً على ألا تتأزم الأمور، فسمح للسعدون أن يتحدث إلى الجموع مستخدماً مكبر الصوت الخاص بدورية الشرطة قرب دوار نادي الجهراء على مقربة 500 متر من الديوانية، حيث بدأ المواطنون بالتجمع مجدداً. وفعلاً، توجه السعدون إلى الدورية وتناول المكبر محدثاً آلاف المواطنين المتجمهرين في الشارع، فشكرهم على تفاعلهم وحضورهم واستنكر، عبر مكبر الصوت الخاص بالشرطة، الاعتداءات التي بدرت من رجال الأمن على المواطنين المسالمين. وطلب من المشاركين الذين افترشوا الأرض مقابل نادي الجهراء الانصراف بهدوء لتفويت الفرصة على المندسين الذين ربما كانوا يريدون تحويل التحرك السلمي إلى شيء آخر، مع وعد باللقاء يوم الاثنين المقبل في ديوانية النائب فيصل الصانع في منطقة كيفان.
يوسف المشاري ينتصر لوطنه
لا يستطيع أحد من الذين حضروا أحداث الجهراء أن ينكر الدور الذي لعبه الأسير الشهيد العميد يوسف ثنيان المشاري في تخفيف حدة التوتر بين المواطنين ورجال الأمن في تلك الليلة، فتعرض في ذلك للوم من القيادة العليا في وزارة الداخلية، فهو من قرر إعطاء رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون الفرصةَ للتحدث من خلال مكبر الصوت الخاص بدورية الشرطة لتهدئة الجمهور ودعوته إلى الانصراف.
المشاري، الذي كان رئيساً لنادي القادسية عام 1985، كان أحد قادة المقاومة الكويتية أثناء الاحتلال. فدخل البلاد بعد وقوع الغزو العراقي آتياً من فرنسا حيث كان يقضي إجازته الصيفية، وشكل قيادة لمقاومة الاحتلال إلى أن أسر مع مجموعة من رفاقه بمنطقة النزهة في أكتوبر 1990، بعد عشرة أشهر من أحداث الجهراء.
واليوم إذ نتذكر دور المشاري في تلك الأحداث، ودوره البطولي إبان الغزو، نتذكر ذلك الرجل المبتسم كما في الصورة أعلاه، التي التقطت أثناء تجمع الجهراء، فهو بينما كان يمارس دوره كرجل أمن، سعى جاهدا -خلافاً للاتجاه العام للسلطة- إلى التخفيف من احتقان الأجواء في ذلك اليوم، الذي نعلم أنه لولا يوسف المشاري لربما كانت نهايته مختلفة عما آلت إليه.
الرشيد: تحدثت مع رجال الأمن فضربوني من الخلف
بعد أربعة أيام من اصطدام السلطات الأمنية مع المواطنين في ديوانية الاثنين الخامسة عند النائب أحمد نصار الشريعان في الجهراء، روى النائب السابق محمد الرشيد قصة الاعتداء عليه (وهو في السبعين من عمره آنذاك) لرواد ديوانيته، وقد صُوِّرت الرواية التي ننقلها بتصرف:
وصلنا ديوانية الشريعان وإذا بالقوات الخاصة موجودة هناك، فطلب منا أحد الضباط الانتظار على الرصيف، وأثناء انتظارنا صلينا جماعة في الساحة، وبعد انتهائنا من الصلاة رأينا أفراد القوات قد لبسوا الخوذ على رؤوسهم، فتوجهت إلى أحدهم وقلت له إن الضابط طلب منا الانتظار واعتقدنا أنه سيسمح لنا بالمرور، وأثناء حديثي فاجأتني ضربة هراوة أصابتني من الخلف، فالتفت فوراً فتلقيت ضربة أخرى على كتفي، ثم انقض أفراد القوات الخاصة على الناس وحصل اشتباك بينهم.
وبعد أن هدأت الأوضاع نصبت القوات سياجاً حديدياً حول المكان، فأتى العميد يوسف المشاري، وهو أحد قادة الأمن، وجزاه الله خيراً، وأمر بانصراف القوات، وطلب من رئيس المجلس أحمد السعدون تهدئة الجمهور، وأعطاه مكبر الصوت الخاص بدورية الشرطة لإيصال صوته عالياً، وبدأ الناس ينصرفون.
ثم قلت للعميد المشاري: أسلوب الشريعان سليم في التعامل مع الحدث، إذ توجه مسبقاً إلى المخفر طالباً منهم التوقيع على أمر رسمي بإغلاق ديوانيته من قبل وزارة الداخلية، لكنهم رفضوا، وذلك يعني أن الديوانية لم يصدر ما يغلقها رسمياً، لذلك فإن ما جاءنا من القوات هو بمنزلة غدر.
بعدئذ قررت أن أثبت حالة الاعتداء علي حتى أحفظ حقي تحسباً لأي إجراء قضائي يتعلق بالحادثة، فآثرت تخطي المخفر والتوجه مباشرة إلى النيابة العامة، إذ كنت متيقناً أنني إنْ ذهبت إلى المخفر فسيماطل في القضية. فأحالتني النيابة العامة إلى الطب الشرعي، وتم إجراء أشعة وكتابة تقرير طبي لإثبات الإصابات.
ضرب على الرأس... ونزف... واعتقال
من ضمن المواطنين الذين اعتدت عليهم القوات الخاصة في الديوانية الخامسة عند النائب أحمد الشريعان في الجهراء، النائب السابق محمد الرشيد، وكان حينئذ في السبعين من عمره، ونائب مدير جامعة الكويت السابق د. أحمد بشارة، ورباح الرباح وعبدالمحسن الكليب وناصر الغانم ووائل العمر وجمال النيباري وعبدالهادي العجمي ومحمد القديري، ولربما كان هناك غيرهم، ولكن هذه هي الأسماء التي وُثِّقت على الأقل. وقد وصف النائب أحمد باقر في إحدى الديوانيات الإصابات التي تعرض لها المواطن رباح الرباح، إذ ضرب بشدة على رأسه ووجهه، وكان فمه ينزف دما ويده مجروحة، وعولج في المستشفى، ثم اقتيد إلى المخفر، وأمضى الليلة هناك بجراحه إلى اليوم التالي، عندئذ توجه نواب منهم مبارك الدويلة وعباس مناور وأخرجوه.
من أشعار ديوانيات الاثنين
هموم الوطن
الكل لاجل الوطن يجري نهر ... دمه
والحر لو يركبه ضيم سفح ... دمه
يحيا شباب الوطن جهراوي في ... دمه
كيف يا صحيح البدن ترضى لأهلك ... ربو
احنا أهل والأهل هم عيب يتحا ... ربو
كلما خطف محملك اشراعنا سا ... ربو
للموج لو يعترض يركس ويرم ... دمه
«غير معروف»
(يتبع)
الأسير الشهيد العميد يوسف المشاري في لقطة نادرة من ذلك اليوم وعلى يمينه أحمد الربعي وحمد الجوعان وعباس مناور وبدا عبدالله الرومي جالساً
لقطة للجماهير المتجمعة قرب دوار نادي الجهراء يلوحون براية النصر وبدا مبارك الدويلة وأحمد باقر أسفل الصورة
لقطة للقوات الخاصة التي حضرت بكثافة منذ ظهيرة ذلك اليوم
كانت «موقعة الجهراء»، إن جاز التعبير، مؤشراً واضحاً على أن التصعيد أصبح هو النهج الذي قررت السلطة انتهاجه فتوارى صوت العقل والتهدئة والحوار، فكانت تلك الأحداث بمنزلة الصدمة للمواطنين فشكلت حدثاً لم يكن مألوفاً للكويتيين وتحولاً واضحاً في تعاطي السلطة مع الحركة الشعبية المطالبة بعودة العمل بالدستور، وقد كانت عملية الضرب التي تعرض لها المواطنون في ذلك اليوم رسالة واضحة من السلطة بعدم سماحها لاستمرار هذه التحركات، إلا ما كان واضحاً في الجانب الآخر من الصراع لعودة الدستور هو إصرار «الحركة الدستورية» على مواصلة عملها السلمي، فأرسل تكتل النواب برقية إلى ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله مستنكرين فيها الاعتداء على المواطنين ومؤكدين مواصلتهم عقد لقاءات الدواوين، في ما بدا تحدياً للسلطة وإصرارا على المطالبة بعودة العمل بالدستور.
برقيات
كما نتج عن أحداث الجهراء سيل كبير من برقيات الاستنكار والاحتجاج الموجهة إلى سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد وإلى ولي العهد، فبالإضافة إلى برقية النواب التي أشرنا إليها، أرسلت مجموعة الـ 45 والعديد من جمعيات النفع العام برقيات مماثلة، إلا أن البارز من بين هذه البرقيات هي برقية استنكارية أرسلها المواطن محمد المرزوق إلى وزير الداخلية آنذاك الشيخ سالم الصباح إذ اختلفت عن غيرها من البرقيات فذيلها المرزوق بتوقيعه واسمه وعنوانه وقد انتشرت البرقية في دواوين الكويت وتم ترديدها وقراءتها في العديد من اللقاءات الشعبية اللاحقة إذ شكلت نموذجاً لتفاعل المواطنين مع الحركة الشعبية. وبالإضافة إلى برقية المرزوق فقد تم تداول برقية أرسلتها ابنة النائب السابق محمد الرشيد الذي تعرض للضرب في ذلك اليوم، وقد أرسلتها ابنته لولوة إلى أمير البلاد تطلب منه العودة للعمل بالدستور. وإضافة لما سبق فقد كان لأحداث الجهراء أصداء واسعة في الإعلام العربي والأجنبي، فقامت الحركة الدستورية بجمع ما تيسر لها عما نشر في الإعلام الخارجي وتوزيعه على المواطنين.
لاعودة
وعلى الجانب الحكومي، أصدرت وزارة الداخلية بياناً بعد الأحداث، نشرته الصحف المحلية، أكدت فيه أن تجمع الجهراء جاء مخالفاً للقانون، في حين أدلى وزير الإعلام آنذاك الشيخ جابر المبارك بتصريح صحافي لوكالة أنباء رويترز منعت الصحافة المحلية من نشره أكد فيه «ان المجلس القديم لن يعود، فلا يمكننا العودة إلى شيء فشل»، مبيناً أن مجلس الأمة المعطل خلق توترات بين الجماعات العرقية في الكويت، وعزز المشاعر القبلية، وأثار مشاكل مع الدول المجاورة، وكان يجري استغلاله لخدمة أغراض شخصية.
وأشار المبارك في التصريح ذاته «ربما يكون بوسعنا التوصل إلى شيء أكثر ملاءمة لطبيعة بلادنا، وإذا كان هناك مفهوم جديد فليس لدينا مانع»، مؤكداً في الوقت ذاته إطلاق قوات الأمن قنبلتين صوتيتين في تجمع الجهراء، مبيناً أن الشرطة لم تلجأ إلى ذلك إلا بعد أن حاولت الحشود اقتحام نطاق أمني فرضته الشرطة حول الديوانية، نافياً وجود أي معلومات لديه بضرب أي من المتظاهرين، مبيناً أنهم لا يمثلون سوى أقلية ضئيلة من الرأي العام الكويتي، قائلاً إنه لم يكن هناك أكثر من 1000 شخص وأن نصفهم كانوا من المارة الذين وقفوا لمشاهدة ما يجري. اعتقال
في غضون ذلك، وفي تمام الساعة الثالثة والربع من يوم الأربعاء 10 يناير، أي بعد تجمع الجهراء بيومين، رن هاتف سيارة رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون وكان الاتصال من النائب أحمد الشريعان يقول فيه: «جوني اثنين من الشرطة إلى البيت وطلبوا مني الحضور لمخفر الفيحاء وقالوا لي ان الموضوع بسيط، وأنا الآن مع السائق في سيارتي الآن متوجه للمخفر بس قلت أبلغكم حتى يكون عندكم علم». فرد عليه السعدون «تأكد لما تروح أنك ما تتحدث حتى يجيك أحد الأخوة المحامين، وأنا راح أقوم ببعض الاتصالات». وبعد انتهاء المكالمة، اتصل السعدون بالنائب حمد الجوعان، وهو محام، وأبلغه القصة وتوجه الجوعان إلى مخفر الفيحاء، كما اتصل السعدون برئيس جمعية المحامين وعضو مجموعة الـ45 مشاري العصيمي يفيده بالواقعة، فاتضح أن مجموعة الـ45 كانت تعقد اجتماعاً في تلك الأثناء للتنسيق حول تجمع يوم الاثنين المقبل في كيفان، فتوجه العصيمي ومعه المجتمعون إلى مخفر الفيحاء، وتم إبلاغ بقية النواب الذين توجهوا جميعاً إلى المخفر.
النواب لولي العهد: نعلن لكم استمرارنا في لقاءاتنا مع المواطنين ولن نسعى إلى الصدام
أرسل نواب «الحركة الدستورية» البرقية التالية مباشرة بعد أحداث الجهراء:
إلى سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر
قصر بيان- محافظة حولي
بعد التحية،
نستنكر نحن الموقعين أدناه وبشدة ما اتخذته السلطات المسؤولة من اجراءات غير مسؤولة ليلة الثامن من يناير 1990 في منطقة الجهراء ضد المواطنين العزل الا من إيمانهم بالله واخلاصهم لوطنهم وتمسكهم بدستورهم من إغلاق لديوانية الأخ الكريم احمد نصار الشريعان، وإغلاق جميع المنافذ المؤدية إليها وإلى المناطق المجاورة واستخدام القوة ضد بعض المواطنين، ومن بينهم رمز من رموز العمل الوطني وهو العم الفاضل محمد أحمد الرشيد. اننا اذ نشجب استخدام القوة ضد المواطنين فإننا نود أن نؤكد لسموكم أنه لولا عناية الله ومن ثم حكمة المواطنين وسعة صدورهم وحرصهم الشديد في المحافظة على أمن البلاد واستقرارها لحدث ما لا يحمد عقباه.
لذلك فإننا نعلن لكم استمرارنا بالالتقاء بالمواطنين في مختلف دواوين الكويت وفي مختلف مناطقها، مؤكدين على أننا لن نكون الساعين الى الصدام مع أجهزة الأمن ونحمل الحكومة مسؤولية ما ينتج عن استخدام القوة في المستقبل بعد أن نسفت اجراءاتكم في الجهراء كل ما أكدته الحكومة على حرمة الديوانية الكويتية ورغبتها في استخدام الحوار اسلوباً لمعالجة أوضاع البلاد.
حفظ الله شعب الكويت أميناً على دستوره وحرياته.
8-1-1990
تواقيع النواب: أحمد السعدون- صالح الفضالة- خالد العجران- د. أحمد الربعي- د. ناصر صرخوه- سامي المنيس- حمود الرومي- مشاري العنجري- خميس عقاب- عبدالله الرومي- سالم الحماد- عبدالعزيز المطوع- راشد الحجيلان- فيصل الصانع- جاسر الجاسر- ناصر البناي- مبارك الدويلة- حمد الجوعان- احمد باقر- عباس مناور- د. يعقوب حياتي- جاسم القطامي- محمد المرشد- سعد طامي- أحمد الشريعان- د. أحمد الخطيب- د. عبدالله النفيسي- جاسم العون.
لولوة الرشيد في برقية للأمير: بيدك تستطيع إعادة البسمة وحقن الدماء
بعثت ابنة النائب محمد الرشيد ببرقية إلى سمو أمير البلاد بعنوان «من ابنة الديرة إلى أبيها» بعد أحداث الجهراء هذا نصها:
سمو الشيخ جابر الأحمد أمير دولة الكويت
قصر بيان
الكويت
أنا إحدى بنات الديرة الذي انتخيت بهم يوم الاعتداء الغاشم عليك فهبوا لنجدتك واستنكروا ذلك الاعتداء وأحاطوك بحبهم ورعايتهم وتأييدهم الصادق ومشاعرهم الصادقة النابعة من القلب التي لا تعرف الزيف ولا النفاق. ومثلما اعتدي عليك من أيد حاقدة غريبة اعتدي على أبي وغيره من الشرفاء اليوم، ولكن للأسف على يد أحد أبناء الديرة الذي نفذ الأوامر التي صدرت له. أستمد كلمتي هذه من خطابك يوم افتتاح مؤتمر المحامين العرب الذي عقد على أرض الكويت العربية، وهو أن على المحامي أن يقول كلمة الحق وأن يدافع عن حقه، ومن لم يستطع الدفاع عن حقه فإنه عاجز عن الدفاع عن حق الآخرين. كلمتي هذه نابعة من القلب راجية أن تصل إلى القلب. إنها صادرة من ابنة الديرة المخلصة التي لا تخشى في الحق لومة لائم همها الأول والأخير سلامة هذا البلد الطيب الآمن بأرضه وحكامه وشعبه، ومثلما اجتمع أبناء الديرة في السابق وبنوا السور الذي أحاط بالديرة ليحميها، وكان أهل الديرة وحكامها قبل السور وبعده يداً واحدة مجتمعين على الخير والشر، الصراحة طبعهم والشهامة والنخوة والتآزر والمساعدة لا نجد فرقاً بين حاكم ومحكوم. الحاكم ينتخي بأبناء شعبه عند أي خطر يهدد البلاد وأبناء الشعب يلجأون إلى الحاكم ينشدون نصرته عند تعرضهم للظلم، فمن لابن الشعب من بعد الله سبحانه وتعالى غير حاكمه ليرفع عنه الظلم إذا ظلم؟ وبعد هدم السور، ويا ليته لم يهدم، رفع مكانه سور آخر عال، هذا السور لم يبن لحماية الكويت كما السابق، ولكن بني للفت في عضد الكويت وتخريبها وإشاعة الفرقة بين أبنائها حكاماً ومحكومين. هذا السور وضع للحيلولة بين الحاكم وأبناء شعبه المخلصين. وابتدأت اليد الآثمة التي يحركها الحقد والكراهية تحرض الحاكم على شعبه وتحرض الشعب على حكامه. وابتدأت الفجوة تكبر والسور يعلى والبلد الآمنة آخذة بالتقهقر إلى الخلف في جميع المجالات. فلنمسك المعاول ونبدأ في هدم هذا السور لنرتاح جميعاً.
واليوم الابنة تنتخي بأبيها ليرفع الظلم عن إخوانها وأهل ديرتها الحبيبة.
بيدك وحدك وبكلمة منك تستطيع إعادة البسمة إلى الشفاه وحقن الدماء وعدم إشاعة الفرقة بين أبناء الديرة مدنيين وعسكريين، فالكويت هي الوحيدة التي لم تلطخ يد حكامها بدماء أبنائه الزكية فلا نريد لها في هذا الزمن أن تلطخ. والكويت عرفت بدبلوماسيتها العريقة والتي أخذت لها مكانة عالية في العالم أجمع. أين هذه الدبلوماسية داخل الديرة؟ أم أن دبلوماسية الكويت تقتصر على الخارج؟ إن مطلب الشعب بسيط وواضح وصريح وحق من حقوقه كفله الدستور، فبالديمقراطية ينعم الجميع ويرتاح فالحرية مطلوبة في كل أوان ومكان وخير مثل على ذلك ما يجري مؤخراً في أوروبا الشرقية. لقد وفرت لهم الدولة جميع سبل الراحة ولكنها سلبتهم الحرية، فهبوا مطالبين بالحرية.
أما بالنسبة للاعتداء على أبي يوم الاثنين الأسود 8/1/90، أسود لأنه أول يوم يصطدم به أبناء الديرة ببعضهم مدنيين وعسكريين، وحكمة المدنيين جنبت الديرة ويلات كثيرة. فالضرب الذي تعرض له والدي وغيره يعتبر وساماً شريفاً من أعلى المستويات، فالوسام طبع على ظهره ويده. اعتدي عليه لأنه ابن مخلص لهذا الوطن ورمز من رموز العمل الوطني.
بيدك وحدك يا أبي يا ابن الديرة البار حقن الدماء وإعادة الديمقراطية إلى البلاد من خلال العمل بالدستور وسيادة القانون وكفالة حرية المواطن وحقوق الإنسان. مطلبنا عادل وبسيط وهو سيادة القانون.
ابنتك
بنت الديرة البارة
لولوة محمد الرشيد
محمد المرزوق لوزير الداخلية: لن نقبل تكميم الأفواه وإغلاق الديوانيات
بعث الأسير الشهيد محمد المرزوق بالبرقية التالية عقب احداث الجهراء:
السيد/ وزير الداخلية،
إنه من المؤسف حقاً أن يحدث ما تم مساء الأمس الاثنين 8/1/1990م في منطقة الجهراء، من تجاوز وتطاول من قبل أفراد القوات الخاصة المدججة بالسلاح من رشاشات وهراوات وعصي كهربائية على أفراد عزل من المواطنين لا يحملون أي سلاح سوى سلاح الإيمان بقضيتهم، علماً بأن من بين الذين تم الاعتداء عليهم بالضرب النائب الفاضل/ محمد الرشيد، حيث لم يستحِ أفراد القوات الخاصة من الاعتداء ضرباً على رجل في مثل سن ومكانة هذا الرجل القدير، بالإضافة إلى الأستاذ أحمد بشارة نائب مدير الجامعة الذي لم يقدروا مكانته العلمية أيضاً دون خجل أو وجل، علاوة على ما تم من إهانة للنائب الشريعان برد ضيوفه بالقوة وضربهم وتطويق ديوانيته والطرق المؤدية اليها وإحراجه وهو الرجل القبلي المتمسك بعاداته وتقاليده، والذي لم يقم سوى بدعوة بعض زملائه النواب، ومن حرص من المواطنين بالالتقاء بهم لتدارس الآراء والخطوات اللازمة للمطالبة، وبالطرق السلمية باستعادة الشعب حقه بعودة الحياة النيابية في البلاد (والذي هو حق متفق عليه مسبقاً بين الحاكم والمحكوم، وليس لأحد نقضه حيث نقض جزئية منع يعتبر نقضاً وخرقاً للاتفاق بأكمله). لذا فإنني وبصفتي مواطناً من أبناء هذا البلد حريصاً على المصلحة العامة، وحقوق مواطنيه كوني فرداً منهم، فإني أستنكر وبشدة ما تم من تصرفات استفزازية وتصعيد للمواقف ومحاولة للصدام من أفراد مسلحين بأفراد عزل وضربهم دون وجه حق، كما يجب ألا يمر هذا الموقف دون تحديد للمسؤوليات ومحاسبة للمتجاوزين لحدودهم والمتحدين لإرادة الشعب المطالب بأبسط حقوقه وهو حق التعبير عن الرأي، لذا يجب اتخاذ اللازم بحق هؤلاء وإعلانه رسمياً على الجميع رداً لكرامة واعتبار من تم الاعتداء عليهم، علماً بأنه من غير المعتقد أن يتنازل الشعب عن حقه في ما وقع من تعد على أفراده من إهانة وضرب، كما لن يقبل بسياسة تكميم الأفواه وإغلاقها كإغلاق الديوانيات، كما أنه من الصعب تحدي إرادة الشعوب، والأمثلة كثيرة سواء من الماضي البعيد أو القريب والقريب جداً، ومن لم يتأكد من صدق ذلك فليراجع نفسه مراراً، فنزع الفتيل يكمن في أول اعتقال أو إسالة أول قطرة دم في سبيل الحق، وعلى الله نتوكل وحسبنا الله ونعم الوكيل.
محمد مرزوق محمد المرزوق
9/1/1990م
اليرموك - قطعة 3 - منزل 17
من أشعار ديوانيات الاثنين
قال منهو يبدع القاف الطريفة
من هزيع القلب لجّن القوافي
إرفع الفنجال لليمنى الشريفة
لأحمد النصار درعنا وضافي
عند حقه بايع نفسٍ عفيفة
ودون ربعه ما تذرّا باللحافي
وإثنها للي حضر يوم الوقيفة
ربعنا اللي لا تخاف ولا تهابي
وخبّر اللي صابته رجفة خفيفة
من حضر مشكور والغايب عوافي
وجماعة المضاحكة* عقب الوظيفة
قام ينبح صايبه مثل الخفافي
وكل كلب لازمن يتبع وليفه
مثل عبد في مقام البيت طافي
وارتعى يا دهيم اديارك مريفة
ما دريتي بالعواقب والقوافي
ويقطعك يا داعي النفس الضعيفة
عقب منته عالي عودت هافي
والبحر لا جاك ما تقوى صريفه
والخبل من ينطحه والموج زافي
وحقنا ناخذه ما نقبل نصيفه
وعقّب اللي يقبل حلول انصافي
نبغي الدستور والمجلس رديفه
يصلّح اللي مايل فيه انحرافي
ما حلا مرباعنا لاذان كيفه
وأخضرت ريضانا عقب الجفافي
جهراوي
* يقصد عبدالرحمن عبدالعزيز المضاحكة رئيس مجلس محافظة العاصمة، أحد مجالس المحافظات التي أنشأت في 1989 كإحدى البدائل عن مجلس الأمة. وكان المضاحكة قد قال للشيخ سعد العبدالله في أحد اللقاءات التي بثت في التلفزيون واصفاً التحركات الشعبية للعمل بالدستور قائلاً «القافلة تسير...» مما أثار سخطاً شعبياً.
(يتبع)
صورة لمنشور الدعوة الذي وزع على المواطنين لتجمع كيفان
صورة لتفرق الجمع بعد أحداث الجهراء
الأسير الشهيد محمد المرزوق في صورة مع المرحوم سامي المنيس
الشعب يحرر أحمد الشريعان في مسيرة شعبية انطلقت من الفيحاء إلى الجهراء
في الساعة الثالثة والنصف من عصر الأربعاء 10 يناير 1990 وصل عضو مجموعة الـ45 المحامي مشاري العصيمي إلى مخفر الفيحاء قبل قدوم أحمد نصار الشريعان، الذي كان في طريقه إليه من الجهراء بعد استدعائه «لأمور إجرائية وتقارير بسيطة» كما قيل له. فوصل الشريعان في الساعة الرابعة قادماً من منزله في الجهراء. ودخل الاثنان إلى غرفة محقق المخفر.
وفي الخارج وصل النواب حمد الجوعان وأحمد الربعي ومبارك الدويلة الذين كانوا مجتمعين كلجنة ثلاثية ظُهر ذلك اليوم للتجهيز لتجمع الاثنين القادم عند فيصل الصانع بكيفان، ووصل بعدهم بقليل أحمد السعدون الذي أجرى العديد من الاتصالات التي أدت إلى حضور بقية النواب وأعضاء مجموعة الـ45 التي كانت تعقد اجتماعاً هي الأخرى في ذلك الوقت.
في غرفة التحقيق، بدأ المحقق بأسئلة روتينية للشريعان. فطلب اسمه وسنه وعنوان سكنه، ثم سأله عن مهنته، فتدخل مشاري العصيمي بصفته محامي الشريعان، قائلاً: «عضو مجلس أمة»، وهو ما كرره الشريعان بعده.
طرد المحامين
بدا أن المحقق لم تعجبه إجابة الشريعان، فنظر إلى العصيمي نظرة كشفت عن ضيق نفسه بوجود المحامي في غرفة التحقيق، فقال له: «لو سمحت، تفضل برة». فاستغرب العصيمي وامتثل لطلب المحقق على مضض، طالباً إثبات طرده من غرفة التحقيق في المحضر، وهو ما تم، ليبدأ بعد ذلك مسلسل طرد المحامين من غرفة التحقيق، إذ دخل بعد العصيمي النائب والمحامي عبدالله الرومي، الذي طلب إليه الخروج بعد 5 دقائق من دخوله، ليتوالى بعد ذلك دخول 14 محامياً هبوا للدفاع عن الشريعان الذي بدا هادئاً أثناء التحقيق، ورافضاً الإجابة عن أسئلة المحقق بحكم أنه نائب في مجلس الأمة، ولا يجوز استجوابه والتحقيق معه إلا بعد رفع الحصانة التي تتطلب انعقاد مجلس الأمة.
خارج المخفر، بدأ العديد من المواطنين في التوافد، بينما بدأ الظلام يخيم في ذلك الأربعاء البارد، ثم حضرت سيارة عُرف أن من بداخلها هو مدير إدارة التحقيقات يعقوب يوسف المهيني، الذي حضر لتولي التحقيق بنفسه. توقف التحقيق فترةً أتاحت لبعض النواب الدخول للحديث مع الشريعان، فعلموا أنه رفض الإجابة عن أي سؤال، وظل متمسكاً بذلك، إلا أن المحقق هدده بالقول إن عدم إجابته عن الأسئلة سيؤدي إلى احتجازه 21 يوماً على ذمة التحقيق، فرد الشريعان: «فدوة للي ساندوني».
كفالة
كان التحقيق يتركز على الدعوة إلى «تجمع الجهراء» قبل يومين، والذي كان مقرراً أن يقام في ديوانية الشريعان، فكان رد المحامين أن الشريعان ليس صاحب الدعوة، بل كانت الدعوة موجهة من قبل الجميع، سواء مجموعة النواب أو مجموعة الـ45، مبينين أنه إذا تم احتجاز الشريعان فسيبقى الجميع في المخفر معه.
جرت بعض المشاورات بين المحامين ومدير الإدارة العامة للتحقيقات، دعت إلى إخلاء سبيل الشريعان، واستقر رأي المدير على إخلاء سبيله بكفالة قدرها 500 دينار. فرفض الشريعان دفع الكفالة مُصراً على خروجه دون كفالة ودون شروط، كونه نائباً في مجلس الأمة، وأمام هذا الإصرار تواردت أنباء لدى الموجودين خارج المخفر بحضور شقيق الشريعان مطلق عارضاً دفع كفالة أخيه، إلا أن أحمد الشريعان اعتذر عن ذلك، طالباً إما إخلاء سبيله دون كفالة أو احتجازه على ذمة التحقيق، الأمر الذي قوبل بإصرار الجماهير التي بدأت تتزايد خارج المخفر من مواطنين ونواب وأعضاء لجنة الـ45 على أن يبقوا جميعاً خارج المخفر إلى حين إخراج الشريعان، حتى لو عنى ذلك بقاءهم طوال مدة احتجازه. ثم عرض على الشريعان الخروج بكفالة 200 دينار، إلا أنه أصر على موقفه السابق، مبيناً هو ومحاموه أن المسألة ليست مسألة أموال بل مسألة مبدأ.
وفي التاسعة والنصف من مساء تلك الليلة، أُقفل محضر التحقيق مع النائب أحمد نصار الشريعان، وتم الإفراج عنه دون كفالة بعد أن اتضح أن لا طائل من وراء التحقيق وسط تمسكه بحصانته البرلمانية، فكان الإفراج عنه بمنزلة اعتراف ضمني من جانب السلطة بشرعية امتناعه عن الإدلاء بأية أقوال استناداً إلى حصانته البرلمانية كعضو في مجلس الأمة. الزفة
خرج الشريعان من المخفر ليواجه المئات من المواطنين الذين حضروا منتظرين لحظة الإفراج عنه، فرفعوه على الأكتاف في أجواء احتفالية بددت أي شعور آخر موجود عند أي من الحضور بعد أحداث الجهراء قبل يومين. حمله الجمع من باب المخفر إلى سيارة مرسيدس كانت تنتظر، في حين تعالت الصيحات من كل جانب «هذا انتصار ما صار... تسلم يا أحمد نصار»، وركب معه رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون ونائبه صالح الفضالة وخرجوا جميعاً من فتحة السيارة العلوية يلوحون للجماهير الذين حاصروا السيارة مشياً على الأقدام وهي تخرج من الفيحاء في اتجاه الجهراء.
وفي الطريق إلى الجهراء، أحاط بسيارة الشريعان العديد من سيارات المواطنين في مسيرة احتفالية أخذت تتباطأ عند دوار نادي الجهراء القريب من ديوانية الشريعان، وهو الموقع نفسه الذي تجمع فيه المواطنون يوم الاثنين الماضي، فأوقف الناس سياراتهم في ذلك المكان وترجلوا ليحيطوا بسيارة الشريعان من كل جهة لدرجة لم تتح لها التحرك. وبينما كان الشريعان يرد على تحيات المواطنين واقفاً من فتحة السيارة، حاول بقية النواب إفساح المجال للسيارة كي تتحرك. ولم تتوقف الصيحات من كل جانب، وضحكات ابتهاج من الجميع تفصح عن الشعور بانتصار كبير، وإنْ كان رمزياً، في التاريخ القصير للحركة الدستورية.
فلاشات بعض الكاميرات تضيء الليل، بينما يواصل المتجمعون هتافاتهم الموجهة إلى الشريعان، ويضيفون عليها «نواب المجلس يحكون... تسلم يا أحمد سعدون» فيرد السعدون من على سقف السيارة التحية مبتسماً. وفي خلفية كل هذه الضجة الاحتفالية، برزت زغاريد النساء وتصفيقهن من منزل الشريعان، فكان العشرات منهن واقفات عند الباب ليشهدن هذه اللحظة التاريخية، فتوجه إليهن الشريعان رافعاً عقاله لتتعالى الزغاريد والصفقات وضحكات الابتهاج. الديوانية رجعت
كان الآتون مبكراً إلى ديوانية الشريعان يراقبون من نوافذها ما يجري في الخارج من تظاهرة احتفالية، إلى أن بدأ الحدث يقترب. فدخل مجموعة من النواب، فذاك أحمد الربعي مبتسماً وعلى رأسه «التشريمبة»، وهذا حمد الجوعان يدخل الديوانية وقد وقع عقاله فهو يعدل الغترة في حين تعلو وجهه ابتسامة كبيرة، ويدخل أحمد السعدون مبتسماً فيقبل الربعي ويحتضن الجوعان ويبارك ليعقوب حياتي وناصر صرخوه وبقية النواب فرداً فرداً، فيسأل الربعي منبهاً «بو شريعان وينه؟»، ويأتيه الجواب من بوابة الديوانية التي دخلها الشريعان مصحوباً بصيحات الجماهير. ويجلس بجانب الربعي وعباس مناور، فينهض الربعي من مكانه مرة أخرى ليقول للموجودين: «الديوانية رجعت يا شباب! الديوانية ردّت!» فيضج المكان بالتصفيق بعد أن لاحظ الجميع أنهم في نفس المكان الذي منعوا من دخوله قبل يومين.
واستمع النواب إلى فاصل من الجمهور يطلق صيحاته باسم كل واحد منهم، فيشير السعدون إلى الجمهور مبتسماً «لا تنسون عباس مناور»، فيرتجل أحد الحاضرين صيحة ويردد الجمهور وراءه «شعبنا ثابت ما يناور... تسلم يا عباس مناور»، وينهض مناور من مكانه المجاور للشريعان ويلوح للجماهير ببشته ابتهاجاً. ويسود الهدوء في الديوانية التي غصت بالحضور، بينما تسلق العشرات نوافذ الديوانية من الخارج محاولين الاستماع ومشاهدة ما يدور داخلها، ويقف الشريعان مخاطباً الجمهور شاكراً «كل خطوة خطيتوها هذا اليوم»، شاكراً زملاءه النواب والمحامين والمواطنين الذين ساندوه، وذكر أنه قال للمحققين: «أمتنع عن الإدلاء بأي أقوال في التحقيق حتى ينعقد مجلس الأمة وترفع عني الحصانة البرلمانية بحكم أني عضو في المجلس، لذلك أبشركم بأنني خرجت من دون شروط أو كفالة، ما يؤكد صفتي الدستورية كنائب.» فتعالى التصفيق والهتافات.
كلام خطير
ثم خاطب رئيس المجلس أحمد السعدون الجمهور قائلاً: «قبل 48 ساعة فقط منعنا وبقوة السلاح من دخول هذه الديوانية، وقد ووجهنا بآلاف من قوات الأمن على الرغم من أننا لم نتجاوز الألف شخص نصفهم من المارة حسب تصريح وزير الاعلام، ولكن تشاء إرادة الله وإرادة الناس أن يلتقي هذا الجمع الآن ويتحدث عن عودة الديمقراطية والدستور والمجلس في نفس المكان الذي منعنا منه». وأشار السعدون إلى لقاء وزير الاعلام الشيخ جابر المبارك مع وكالة رويترز الاخبارية، الذي لم تنقله الصحف المحلية، بينما نقلته جميع وسائل الإعلام العالمية والخليجية، فقال: «لقد ورد في حديثه كلام خطير ولم تسمح الحكومة بنشره في الصحف المحلية، فقد ألغى الدستور عندما قال لا عودة لمجلس الأمة بتلك الصيغة، وهو يعلم أن لا عودة للمجلس إلا بصيغته الدستورية، الدستور باق»، لافتاً إلى أن الوزراء كافة قد باشروا أعمالهم في هذه الحكومة بعد أن أقسموا على احترام الدستور، مضيفاً «نقول للأخ الفاضل وزير الاعلام لقد تلفظت بما لا تملك، وأعلنت إلغاء الدستور وأنت لا تملك ذلك.» مشيداً في الوقت ذاته بما قام به الشريعان في التحقيق، مبيناً أن الشريعان حاولت السلطة اعتقاله «وحرره الشعب»، فضجت القاعة بالتصفيق. ورد الديموقراطية
وفي غمرة الهتافات نهض النائب حمد الجوعان من مكانه والتقط باقة ورود وجدها أمامه وأخذ يلقي الورود على المتجمعين قائلاً: «هذا ورد الديموقراطية»، ليطلق بعدها صيحة حماسية ويردد الجمهور من ورائه «وحدة وحدة وطنية... مجلس أمة وحرية». ثم شكر السعدون جمعيات النفع العام التي وجهت برقيات إلى رئيس الوزراء تستنكر أحداث الجهراء قبل يومين، لافتاً إلى برقية محمد المرزوق إلى وزير الداخلية، قائلاً: «نحن كنواب أو جمعيات نفع عام دورنا أن نرسل برقيات ونستنكر، لكن أن يقوم مواطن بذلك فهذا الغير متوقع». وتلا حمد الجوعان برقية المرزوق على الحضور، فغصت القاعة بالتصفيق ووصفه البعض بالبطل، فنهض المرزوق من مكانه وطلب منه النواب أن يأتي ناحيتهم ليراه الجمهور ويحييه. ثم شكر السعدون الموجودين، مذكراً بلقاء الاثنين المقبل في ديوانية فيصل الصانع بكيفان، فانصرف الجمهور في الحادية عشرة مساءً بعد ليلة احتفالية لم يعش مثلها منذ سنوات.
صيحات ديوانية الشريعان
بعد التجمع في ديوانية الشريعان عقب الإفراج عنه، سادت أجواء احتفالية شهدت صيحات متواصلة من قبل جموع المواطنين الموجودين، فراحوا يهتفون بأسماء النواب بصيحات ارتجلوها في تلك اللحظات:
هذا انتصار ما صار ... تسلم يا أحمد نصار
وحدة وحدة وطنية ... مجلس أمة وحرية
لا شرطة ولا حراس ... يطقون عيال الناس
أعضاء المجلس يحكون ... تسلم يا أحمد سعدون
هذا الكويتي يدافع ... مجلس الأمة راجع
لا ظلم لا جور ... عاش عاش الدستور
عدو المجلس يا ويله ... تسلم يا مبارك الدويلة
الكل للمجلس ولهان ... تسلم يا حمد جوعان
المجلس ياي يا ربعي ... تسلم يا أحمد الربعي
المجلس خير من يشهد ... تسلم يا محمد المرشد
مطلبنا مطلب سامي ... تسلم يا بن قطامي
أحمد أحمد يا خطيب ... مجلسنا هو الطبيب
مجلسنا راجع باكر ... تسلم يا أحمد باقر
المجلس راجع يا قومي ... عاشوا عيال الرومي
مجلس رابح مو خسران ... يسلم خالد العجران
مجلس رابح مو خسران ... تسلم يا ابن حجيلان
شعبنا ثابت ما يناور ... تسلم يا عباس مناور
ناصر ناصر يا صرخوه ... مجلسنا وين ودوه
البرقية تأتي تأتي ... عاش دكتور حياتي
مطلبنا نافع نافع ... تسلم يا فيصل صانع
لجنتنا ما ننساها ... وكل الشعب وراها
بوشريعان يا بوشريعان ... انت عزيز لا ما تنهان
من أشعار ديوانيات الاثنين
تقول الشعب عزويتي وهمي من .... همه
وصديت عن مطلبه ما بديت لك ..... همه
كل شي وضح واتضح ما همكم ... همه
دستوره لما انكتب محد رفض أو .... ثار
صدر الشعب يحضنه ويصير حقه اد ... ثار
احذر شباب الوطن لمعزته لو ... ثار
حتى الرضيع بالوطن يرضع لبن ... همه
«غير معروف»
أحمد الشريعان في سيارته تحيط به الجماهير
النواب خالد العجران ومبارك الدويلة ويعقوب حياتي وناصر صرخوه
قوات الأمن تعود مجدداً من دون صدام في ليلة باردة بتجمع الصانع في كيفان
كانت عطلة نهاية الأسبوع التي بدأت الخميس 11 يناير 1990 نشيطة على غير العادة، فبعد ليلة الانتصار بالإفراج عن أحمد الشريعان يوم الأربعاء، أرسلت السلطة رسالة تهدئة مختلفة عن رسائلها التي تجلت بمنع الديوانيات ومحاولة اعتقال أحمد الشريعان، فأتت الرسالة من القاهرة عبر مؤتمر صحافي عقده ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله الصباح بمناسبة زيارته لها، إذ أكد الشيخ سعد وجود «أنباء طيبة» خلال أيام حول إلغاء الرقابة المسبقة على الصحف، في ما أشار إلى أن الحكومة «تبحث الآن عودة الحياة النيابية بصيغة تمنع الكويت من التعرض لأزمة أخرى، معرباً عن تفاؤله بهذا الصدد»، بينما كانت «الحركة الدستورية» في ذات الوقت تعمل على حشد الحضور لتجمعها يوم الاثنين في ديوانية فيصل الصانع بمنطقة كيفان.
لقاءات مهمة
وفي يوم السبت، 13 يناير عقد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد سلسلة لقاءات مهمة، كان أولها مع عبدالعزيز الصقر وحمود النصف وبدر الخالد ويوسف ابراهيم الغانم وعبدالله المفرج وأحمد السرحان وعبدالرزاق الخالد، وفي لقائه الثاني التقى عبدالمحسن المرزوق ومحمد الحميضي ويوسف النصف وجاسم الصقر وبدر السالم ومحمد الخرافي وسليمان العيبان وعبدالعزيز الصرعاوي وعبدالعزيز الشايع، وحملت اللقاءات تأكيدات المجتمعين على تمسكهم بإعادة الديمقراطية وفق دستور 1962، فأكد لهم الشيخ صباح الأحمد أنه سيرفع الأمر ويوصل وجهة نظرهم الى الأمير.
كان يوم الاثنين يوماً بارداً للغاية على عكس الأيام التي سبقته والتي كانت برودتها أقل حدة. وفي صباح ذلك الاثنين البارد، استدعى مدير أمن محافظة العاصمة أحمد الرجيب النائب فيصل الصانع ليطلب منه إلغاء «ندوة الليلة» كما أسماها، فرفض الصانع قائلاً «اللي عندي اليوم ديوانية مفتوحة للناس»، فقال الرجيب ان سبب طلبه إلغاء الندوة هو ألا يقال ان السلطات الأمنية تمنع الديوانيات.
القوات مجدداً
وبخلاف ما قاله الرجيب للصانع، فقد بدأ لقاء الاثنين باكراً لسكان منطقة كيفان، حيث وجدت قوات الأمن في محيط الديوانية منذ الظهيرة عازمة في ما يبدو تكرار أحداث الاثنين الماضي بالجهراء، ففرضت سياجاً حديدياً من الأسلاك حول الديوانية لتمنع الدخول إليها، فاحتجز بفرض الحاجز النائب فيصل الصانع وعضو مجموعة الـ45 خالد الوسمي و40 شخصاً آخر غيرهم ممن وجدوا باكراً داخل الديوانية ولم يستطيعوا الخروج. وانتشر أفراد الأمن في الشوارع المحيطة، في تكرار للسيناريو الذي حدث في الجهراء، مما أرسى مخاوفاً لدى بعض الموجودين من صدام جديد مع السلطة.
ومع مغيب الشمس واقتراب الموعد، وكما جرى في الجهراء، أغلقت قوات الأمن كل مداخل ومخارج المنطقة لمنع دخول غير قاطني كيفان، وكما حصل في الجهراء أيضاً، فقد وجد الناس ضالتهم وبدأوا بالتوافد إلى مقر الديوانية ليفاجأوا بالاسلاك الشائكة تحول بينهم وبينها، فتوجه النواب صالح الفضالة ومبارك الدويلة وأحمد الربعي وأحمد باقر ود. يعقوب حياتي إلى أحد ضباط القوات الخاصة وهو النقيب أحمد مال الله طالبين منه السماح للمواطنين بالوصول الى الديوانية فرد عليهم بالقول «عندي تعليمات بمنع الناس من الوصول الى الديوانية»، ورفض تلبية طلبهم.
حضور نسائي
بدأ الليل يخيم فازدادت برودة الجو، واخترق برودته صوت عوض دوخي الشجي آتياً من سماعات وضعت على سطح الديوانية وهو يشدو «وسط القلوب يا كويتنا»، فازداد الجو دفئاً بفعل الحماس الذي اشتعل فجأة، وبدا أن سيل الناس الذين بدأوا بالتقاطر على مقر الديوانية كان هائلاً، قدر في ذلك الوقت بنحو 9000 مواطن، كان معهم ما يقارب 150 امرأة، وهو أكبر وجود نسائي في أي من تجمعات الاثنين. واتفق النواب على تجميع الناس في الشارع الموازي للديوانية ونقل التجمع من الديوانية إلى الساحة، وهو ما تم فعلاً فاصطف آلاف الأشخاص في مساحة ترابية صغيرة إلى أن أغلقوا الشارع بسبب كثافة عددهم.
«رجاء يا شباب قعدو»، أتى صوت رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون من مقدمة الجماهير عبر مكبر يدوي للصوت، وتوقفت موسيقى عوض دوخي، «الإخوة النواب يطلبون منكم الجلوس»، فكان في طلبه هذا يعلن بداية اللقاء، الذي استهلّه بالأسف على منع الحضور من دخول الديوانية، مبيناً أن هذه هي المرة الثالثة التي يتم بها ذلك بعد تجمع ديوانيتي العنجري والشريعان، وموضحاً أن ما يجمع الحضور لهذه التجمعات هو حب الكويت «فحب الكويت لا يمكن أن يكون مجرد شعار يرفع أو كلمة تردد، وإنما حب الكويت يكون بحب دستورها والتعلق بدستورها وحب نظام حكمها»، ومؤكداً أن «شكل الدولة في الكويت وراثي في ذرية المغفور له مبارك الصباح»، فصفق الجمهور لذلك، وأكمل السعدون «وأؤكد أيضاً أنه لا يمكن القبول ولا التجاوز ولا بأي شكل من الأشكال على المادة السادسة التي تقول إن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً»، فصاح أحد الموجودين «صح لسانك يا السعدون!» وصفق الجمهور. وأضاف السعدون «هذا الكلام لا نقوله خشية أو مجاملة أو نفاقا وإنما نقوله التزاماً بعهد ووعد، ونقوله التزاماً بميثاق»، مبيناً أن ما يقال في تجمعات الاثنين هو نفسه ما يتحدث فيه الناس في كل ليلة.
وكشف السعدون عما شهده اجتماع كتلة النواب في اليوم السابق لتجمع كيفان، موضحاً أن «أحد النواب جاء للاجتماع وقال إن الأخ وزير الداخلية طلب منه الحضور لينقل له ما يدور في اجتماعنا، وقد أبلغنا زميلنا أننا نتمنى عليك أن تنقل للأخ الفاضل وزير الداخلية دعوة صادقة من إخوانه وزملائه لحضور جميع اجتماعاتنا»، فضج الحضور بالتصفيق، وأكمل السعدون «وإن لم تكن هذه الدعوة قد وصلت إليه فنحن نريد لكل من يسمعها أن يوصلها إلى الأخ الفاضل والأخ الكريم وزير الداخلية وهي والله دعوة صادقة له، ولعل أقرب لقاء لنا ندعوه إليه هو يوم غد على الغداء بإذن الله في الديوان عندي»، وتواصل تصفيق الجمهور. شعب واحد
كان واضحاً أن أجواء التجمع كانت مشحونة، وتحمل بعض روح الانتصار لدى الموجودين بعد أحداث الأربعاء الماضي وإطلاق سراح أحمد الشريعان، فحرص السعدون على تهدئة الجمهور الكبير الموجود وطلب منهم الإذعان للإجراءات الأمنية، قائلاً: «بينما نرى هذه المظاهر غير المستحبة، وأقصد بها الأسلاك الشائكة ووراءها إخوة أفاضل لنا يلبسون الزي العسكري ويؤلمنا ذلك لأنهم إخوة أفاضل، إلا أن ما يسعدنا هو التزامكم والتزامنا جميعاً بالرغم من قناعاتنا بأن هذا الأمر غير مستحب، إلا أن المهم جداً أن نلتزم بألا يتجاوز أي واحد منا ما منعنا عنه، لأننا إذا كنا نطالب بالدستور فإننا أيضاً نحترم بعض الإجراءات حتى وإن كانت هذه الإجراءات غير مستحبة وحتى وإن كانت هذه الإجراءات نعتبرها غير قانونية»، مشيراً إلى أن المطلوب هو إيصال رسالة لمن اتخذ مثل هذا القرار «ولمن اعتقد أنه يمكن أن يصطدم الكويتي بالكويتي المدني بالعسكري» بأن ذلك بإذن الله لن يقع وكلنا شعب واحد.
وحرص السعدون في نهاية كلمته على إعلان أن لقاء النواب المعتاد يوم الاثنين في الأسبوع القادم «سيكون عند الأخ الكريم عباس بن حبيب مناور السويلم في منطقة الفروانية، خلف مجمع مناور، قطعة ثلاثة».
السلطة غير المقيدة
ثم جاء دور المتحدث الثاني في اللقاء الدكتور عبدالله النفيسي، الذي أشار إلى الخيارات التي تواجهها البلاد، «فالخيار الأول هو خيار السلطة غير المقيدة حيث يتركز القرار بيد أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة، يمنحون ويمنعون، ينهون ويأمرون، ويوزعون النفوذ والثروة على من يشاؤون دون رقيب ولا حسيب»، فضج الجمهور بالتصفيق، وأكمل النفيسي «أيها الإخوة، في ظل السلطة غير المقيدة ينتهك المال العام، ويتمهد الطريق للتفاوت الكبير بين فئات الناس في الدخول والممتلكات والامتيازات، ويأخذ من لا يستحقون مالاً ويحرم من يستحق، وفي ظل السلطة غير المقيدة تنمو طبقة من الطحالب والمنافقين والسحرة الذين يزينون كل قبيح ويقبحون كل جميل، في ظل السلطة غير المقيدة تنتهك حقوق الإنسان وحرياته، وفي ظل السلطة غير المقيدة تتعطل استقلالية القضاء وتجرح حرمته وحياديته، ويتوقف تنفيذ الأحكام إن كانت تنصف الضعيف من القوي، في ظل السلطة غير المقيدة تتحول الصحافة من وسيلة إعلام للناس إلى وسيلة دعاية للنظام، وفي ظل السلطة غير المقيدة تتحول عملية التشريع من سن للقوانين التي تحمي المصالح العامة إلى سن للقوانين التي تحمي المصالح الخاصة. أما الخيار الثاني وهو الخيار المضيء المنير الذي يبشر به هذا التحرك الشعبي السلمي العلني، فهو خيار السلطة المقيدة بدستور 1962 الذي وضعه المجلس التأسيسي المنتخب مباشرة من الشعب الكويتي صبيحة 30/12/1961 وذلك في عهد المرحوم عبدالله السالم الصباح»، فقاطعه الجمهور بالتصفيق والهتاف «صح لسانك يا دكتور... عاش عاش الدستور».
وبيّن النفيسي أن أي عبث بالدستور هو عبث باستقرار الكويت، معرباً عن اعتقاده أن الأزمة الحالية لا تحل إلا بالدعوة إلى انتخابات يقرر فيها الشعب الكويتي مصيره بيده من دون العبث بقانون الانتخابات أو بالدوائر الانتخابية. ثم حيا النفيسي جمعيات النفع العام التي أرسلت برقيات استنكار لإجراءات السلطة، شاكراً الجهور على حضوره، ومؤكداً اللقاءَ المقبل «في ديوانية الأخ أبومطلق (النائب عباس مناور) في الفروانية».
راحة العسكر
وعاد السعدون ليستلم الميكروفون الأحمر من النفيسي، بينما كان الجمهور ينصت بصمت، موجهاً الشكر «للأخوة العسكريين الذين اضطروا وبكل أسف أن يتواجدوا قبلنا بساعات ولكن ليس هذا منا، فلعلهم سمعوا ما قلنا... والله لو كنا داخل الديوان لأرحناهم أو لأراحوا من كلفهم، فما كان سيقال ليس أكثر مما قيل في هذا المكان»، شاكراً كذلك النائب فيصل الصانع «الذي لا يستطيع أن يقف معنا لأنه محاصر داخل الديوان»، كما وجه الشكر «لنسائنا من أخوات وزوجات وأمهات فاضلات»، فصفق الجمهور طويلاً للتواجد النسائي اللافت. ثم ختم قائلاً «نشكر الله الذي من علينا بعد البرد القارس صباح اليوم بهذا الجو الجميل في تجمعنا.. شكراً لكم جميعاً وإلى اللقاء الأسبوع القادم».. لتعود أهازيج عوض دوخي من داخل الديوانية المحاصرة ويردد صوته «سطَّر الدستور كفاحنا... مجلس الأمة أملنا» فينصرف الحضور بهدوء.
صيحات الجماهير في تجمع كيفان
• وحدة وحدة وطنية... مجلس أمة وحرية
• الكرامة والأفكار... ما تنشرى بالدينار
• لا تعديل ولا تنقيح... إن طاح الدستور نطيح
• ما نلف ولا ندور... ما نبي غير الدستور
• قالو عنا قوم مكاري... يابوا قوات الطواري
• لازم يرجع لنا الحين... دستور اثنين وستين
• شعبنا ويا نوابه... مجلس بانت ابوابه
• تطالبونا بالقانون... وانتو عطلتوا الدستور
• ديمقراطية الكويت... تراها مطلب كل بيت
• لا شرطة ولا حراس... يطقون عيال الناس
عوض دوخي ألهب المشاعر من ديوانية الصانع
سرى في تجمع تلك الليلة جو احتفالي أطلق المشاعر الوطنية الملتهبة بين الجمهور، فقبل بدء الخطب، وبينما كان الجمهور يكتمل، لوحظ فتح سماعات فوق سطح منزل الصانع المحاصر، ليأتي عبر أثيرها صوت موسيقى جميلة أعقبها عوض دوخي ينشد أغنيته الشهيرة:
وسط القلوب يا كويتنا وسط القلوب
نلتي المطلوب هنيالك نلتي المطلوب
ألف سهلة وألف مرحى
بيوم العيد والفرحة
شيد الكويت صرحه وسط القلوب
رافع البيض الصنايع
يرعى للخضر المرابع
سود أيام المواقع حمر العطوب
سطر الدستور كفاحنا*
بمجلس الأمة أملنا
والأمير توج نصرنا وعدى الخطوب
*مقطع تكرر أكثر من مرة خلال الأغنية.
(يتبع)
السعدون متحدثاً في كيفان وحوله النواب ومجموعة الـ «45»
جانب من الحضور الجماهيري ويبدو الأستاذ يحيى الربيعان
لم تنتهِ ليلة تجمع الفروانية بعد تفريق الجماهير من ديوانية عباس مناور وقرب مسجد الخرينج، إذ انتقل المواطنون إلى ديوانياتهم أو ديوانية النائب أحمد السعدون التي شهدت تجمعاً كبيراً بدأ بعد الساعة التاسعة مساءً واستمر عدة ساعات، استمع خلاله المجتمعون بعضُهم لشهادات بعض، وأين كانوا في التجمع وماذا واجهوا.
وفي الفروانية، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلاً. لا أثر لصوت طائرات الهيلوكوبتر أو للصراخ الذي كان يعلو قبل ساعات في نفس ذلك المكان، ولم يخترق هدوء تلك الليلة الباردة سوى أحاديث رجال الأمن الذين مازالوا هناك، بينما لم يبقَ أحد من الجماهير التي عادت أدراجها بعد ليلة صدام حامية مع السلطة، فكان في المشهد بقايا حراك شعبي، غترة على الأرض هنا، وحذاء هناك، فأبلغ رجال الشرطة قيادييهم أن الأوضاع مستتبة وطلبوا الأمر بالانصراف، وهو ما تم، فهموا بفك الأسلاك الشائكة وتحركت الآليات وأُخليت المواقع.
عودة إلى التجمع
داخل الديوانية كان عباس حبيب مناور ومعه مجموعة من صحبه المحتجزين منذ صباح ذلك اليوم، فلاحظوا جميعاً تحرك آليات الشرطة وإزالة الأسلاك المحيطة بالديوانية. ودعا بعض الموجودين مناور إلى عقد التجمع الآن بعد أن ذهب رجال الأمن، فتردد مناور ثم قبل ذلك، وأجريت بعض الاتصالات فوصل الخبر إلى الموجودين في ديوانية السعدون وبعض الديوانيات الأخرى، كما تم إبلاغ النواب الآخرين، ليلتئم الجمع مرة أخرى في ديوانية عباس مناور نحو الساعة الحادية عشرة والنصف مساءً.
لم يكن الحضور بحجم ذاك الذي حضر بعد صلاة العشاء والذي قدر بالآلاف، كما لم يكن بحجم الجمهور الأقل الذي تجمع قرب مسجد الخرينج، لكنه ملأ الديوانية ليعود شعور نشوة الانتصار إلى الجمهور.
في صدر الديوانية جلس عباس مناور، وعلى يمينه رئيس مجلس الامة أحمد السعدون مرتدياً بشتاً يقيه برودة الجو وبجانبه جاسم القطامي، في حين جلس على يسار مناور أحمد الشريعان وسعد طامي وأحمد الربعي وآخرون.
مناطق خارجية
بدأ الحديث النائب سعد طامي قائلاً: «ان ما جاء في هذه الليلة العظيمة من قطرات ماء على أي شخص نعتبره وسام شرف على صدره»، مبيناً أن النواب والمواطنين لا ينافقون أو يجاملون لمصالح أشخاص معينين بل يعملون من منطلق الصدق والوفاء، وليسوا كالذين قبلوا البديل عن الدستور فهم مدسوسون ومأجورون. وأشار إلى أن الجميع الآن رأى ما تفعله السلطة في أهل المناطق الخارجية «ويطلقون عنهم أنهم فداوية وكلامهم مرفوض فالناس ولدتهم أمهاتهم أحرار... يقولون إن نحن على طول نعمل على طاعتهم العمياء ثم يأتي واحد ويضربون أخوه أو ولده وهذا ما يصير، فأولادنا تعلموا ووصلوا أعلى شهادات العلم ولازم نعطى حقنا مثل غيرنا ولازم الحكومة تحسب لنا حساب، وتعرف أننا صادقين ومخلصين معها لكن باحترامنا واحترام شعبنا».
ثم تلا عباس مناور خطابه المكتوب الذي قرأه أحمد السعدون للجمهور في مسجد الخرينج، فحياه الموجودون في الديوانية، ثم قال إن الرجال يقاسون بالأزمات وأنتم لم تقصروا وأديتم واجبكم تجاه بلدكم، فهب الجمهور يردد «احنا جنودك يا عباس... كرامتنا ما تنداس». ثم قرأ النائب مبارك الدويلة البيان الصحافي للنواب يوم الأحد والذي يرحب بالحوار ويعلن إيقاف تجمعات الاثنين بعد تجمع الفروانية، وهو البيان الذي رفضت الرقابة نشره في الصحف المحلية.
أسس قانونية
وبعد انتهاء الدويلة، طلب الجمهور من السعدون الحديث قائلين: «تكلم يا ريّس... تكلم يا ريّس»، فتحدث السعدون عن شعوره بالألم لأن تصل البلاد إلى ما وصلنا إليه هذه الأيام، مستذكراً تدخل السلطة في التجمعات منذ تجمع مشاري العنجري وإصرارها الدائم على أنها لن تمنع الديوانيات، قائلاً: «الغريب أنهم يقولون إنهم لا يمنعون الدواوين ولكن يعملون ما هو أشنع وأفظع من ذلك، فيأتون ويحوّطون البيوت بقوات عسكرية مثل ما حصل عند الأخ أحمد الشريعان، ويمنعون المدعوين من الدخول وحجتهم بذلك أن هذه التجمعات مخالفة للقانون وينسون أن الدستور بأكمله منتهك، لكن أن يمنع الناس من الوصول وبقوة السلاح فهذا هو الأمر المخالف للقانون أساساً أو فليقولوا لنا مستندين على أيش؟ على أي نص بالقانون يمنع دخول الناس إلى الديوان أو إلى أي بيت؟»، مشيراً إلى أن التجمع في ديوانية عباس مناور كان له بعد آخر لا نعرفه لأنهم قاموا بمحاصرة المنطقة كلها، مستنكراً احتجاز إقامة عباس مناور ومن معه وفيصل الصانع من قبله ومنعهم من الخروج من الديوانية، موضحاً وجود توجه استفزازي واضح لكن المواطنين واجهوه بالحكمة.
وعن الحوار، قال السعدون إن أي حوار لن يكون بعيداً عن الجماهير «كل ما سيقال سوف تعلمونه، ومالنا حق نتحاور إلا حول أمر واحد وهو المطالبة بعودة الشرعية الدستورية وعودة العمل بالدستور وأي كلام آخر يصلكم حول أي أمر آخر تم التحاور عليه قولوا ان هذه مجرد إشاعة»، شاكراً الجمهور على حضوره وحرصه الذي يثلج الصدر، مختتماً كلامه بالقول «نسأل الله أن يعيد الصواب إلى كل من أصدر هذه الأوامر اليوم».
حرمة المسجد
وتحدث النائب جاسم القطامي مشيداً بالروح الوطنية لدى المواطنين، مبيناً أن هذا التجاوب من الناس يعني أننا على طريق المجتمع الفاضل الذي يقود فيه الشعب نوابه، مضيفاً «هذا أول الطريق اللي احنا من زمان نحلم فيه لأني أنا شايب وصار لي 40 سنة بالعمل الوطني، وكنت أتطلع لهذا اليوم اللي أجد فيه هذا الشعور وهذا الوعي الشعبي وهذه الجبهة الواحدة، إخواني وسلف وقومي وتقدمي فكلنا اليوم جبهة واحدة ويد واحدة وصف واحد»، مبيناً أن السلطة أثبتت اليوم أن ما تقوله حول الإيمان بالدستور في بياناتها هو مجرد كلام إذا لم يتم إثباته، فالمهم ليس البيانات ولا الشعارات بل التصرف، مبدياً استغرابه بالقول «شلون يمشون يدوسون المسجد ويضربون فيه قنابل، فالمسجد له حرمته والتجأ له الإخوان فسلطوا عليهم خراطيم المياه وضربوا أربعة قنابل داخل المسجد... احنا تربينا ونعرف أن المسجد له قدسية وله حرمة وما نرضى ندوسه بأرجلنا وآباؤنا ربونا على هذا، مو نضربه بالغاز القنابل، هل هذا صحيح يحصل في الكويت؟ وهي البلد اللي تقود العالم الإسلامي؟» وذلك في إشارة لترؤس الكويت مؤتمر القمة الإسلامي.
كما تحدث النائب عبدالله النفيسي، مبيناً أن السلطة لم تبر بقسمها وعهدها وتطالب بالباطل بينما يطالب المواطنون بالحق، قائلاً: «نحن معسكر الحق وهم معسكر الباطل، ولن نسمح أن يكون الحوار على حساب الحق، فنحن دعاة حق يا إخوان فلا تخافوا ولا تهابوا وامضوا حيث ترون الحق». بينما قال النائب أحمد الربعي «يبدوا أن البعض يخلط بين أن نتصرف بحكمة وبين أن نتصرف بخوف، فيعتقدون أن استخدام القوة مقابل المواطنين العزل والاعتداء عليهم يمكن أن يوقف حركة المقاومة الشعبية، وأنا أعتقد أنهم مخطئون لأنهم لم يقرأوا التاريخ، ومخطئون لأن فكرتهم عن الشعب الكويتي خطأ»، مشيراً إلى أن ما جرى اليوم يعني أن هناك من يريد أن يتحدى هذا الشعب، وهذه مشكلة في كل بلد في العالم لأنه لا يستطيع أحد أن يتحدى الإرادة الشعبية في أي بلد، وهذا ما تدل عليه تجارب التاريخ.
حماس
ولاحظ الربعي أن الموجودين في لقاء ديوانية أحمد السعدون بعد الأحداث مباشرة كانوا يرددون أنهم لم يكونوا يتوقعون ما حدث، مضيفاً: «وفعلاً لا يتوقع أحد أن يصدر هذا من حكومة عاقلة أو حكومة مسؤولة أن تتصرف بهذه الطريقة أمام مواطنين عزل. كل هذه الأسلحة، كل القوات، بدلا من أن تقف على الحدود لمنع تهريب المخدرات وحماية شعبنا من السرقات والجرائم، تحشد كل هذه القوات ضد شعبنا اللي جاء لقضية واحدة هي الدفاع عن الدستور»، موضحاً أن من يعتقد أن الدفاع عن الدستور هو دفاع عن مجلس الأمة مخطئ «فالدفاع عن الدستور هو دفاع عن النظام السياسي ولا يجوز أن نأخذ شيئا ونترك شيئا، إما أن نأخذ الدستور كاملاً أو نتركه كاملاً... وأنا لا أريد بهذا الجو المتحمس أن يأخذني الحماس لأن أقول شيئا قد يكون الوقت مبكراً عليه، لكن إذا استمرت السلطة في تصرفاتها فأعتقد أن لغة الناس تتغير وتتطور... تنخفض وترتفع بقدر ارتفاع ما يحدث بالشارع، فالناس قد تتراجع لكنها لا تتراجع لأنها تخاف خصوصاً إذا كانت المسألة مسألة تحدٍ، وأقول هذا الكلام بشكل صريح فلا أحد منا خائف، ولكن لا أحد منا يريد التحدي، بل نريد أن نكون عقلانيين وهذه العقلانية تتطلب عقلانية من الطرف الآخر، وروح المسؤولية عندنا تتطلب روح مسؤولية من الطرف الآخر، وإلا فهم يهددون البلد بالخراب»، معرباً عن أمله أن يكون ما حدث اليوم بمنزلة الرسالة الأخيرة للنظام حتى يعيد النظر في طريقة معاملته للشعب.
ثم تحدث النائبان محمد المرشد وحمود الرومي مشيدين بحكمة الجماهير وداعين إلى إعادة العمل بالدستور، ولفت الرومي إلى أن السلطة اعتقلت عدة أشخاص منهم مندوب وكالة رويترز باتريك وير، إذ تم التحقيق معه ونقله إلى مكان آخر إلى أن أفرج عنه بعد أخذ كل أوراقه وحاجياته.
بيان الداخلية
وقبل انفضاض الجمهور، قام أحد المواطنين ليعلن أن وزارة الداخلية قد أصدرت بياناً بينت فيه أنها سبق أن حذرت المواطنين من تجمع اليوم وأمرتهم بالتفرق لكنهم لم يتفرقوا فقامت الوزارة بمعالجة الموقف، مشيراً إلى أن البيان أعلن اعتقال خمسة أشخاص أحدهم كان يحمل آلة حادة وهي سكين، وأنه حاول الاعتداء على أحد رجال الأمن، فصدرت صيحات استنكار من الجمهور الذي رفض ذلك نافياً الكلام، فأكمل المواطن محاولاً الرد على بيان الداخلية قائلاً: «إذا كانوا يرشون الماء فالمواطنين ما راح يتحركون من المكان اللي هم فيه... وإذا بتضربهم ماراح يطقونك ولا هم رادين عليك أصلاً ولا هم رافعين إيدهم عليك... لكن عيب ينقال هالكلام»، فصفق الجمهور وراح يطلق الصيحات «مطلبنا عالمكشوف... مجلس أمة نبي نشوف، شعبنا كله ينادي... عاش دستور بلادي، مجلسنا مافي عليه... واللي غيره ما نبيه»، فانفض الجمع بهدوء.
مجموعة الـ 45 لولي العهد: نستنكر بشدة الاعتداءات على بيت الله والمواطنين ونناشدكم إطلاق المعتقلين
فيما يلي نص البرقية التي أرسلتها مجموعة الـ45 إلى ولي العهد عقب أحداث الفروانية التي جرت في 22 يناير 1990:
إلى سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الموقر
قصر بيان - محافظة حولي
التاريخ 23-1-1990
بسم الله الرحمن الرحيم
في مساء يوم الاثنين 22 يناير 1990 هجم أرتال من العسكر المدججين بالسلاح والمزودين بمختلف الوسائل القمعية على جموع المصلين في بيت من بيوت الله في منطقة الفروانية، وأطلقوا عليهم القنابل الصوتية وتلك المسيلة للدموع والمياه الرغوية الكيماوية، وانتهكوا في ذلك حرمة بيت الله، في الوقت الذي تتشرف فيه الكويت برئاسة المؤتمر الإسلامي الخامس.
وقد قامت قوات الأمن باعتقال مواطنين أبرياء،÷ كما أدخل العديد من المواطنين المستشفى لعلاجهم من إصاباتهم باختناقات حادة سببتها قنابل الغاز المسيل للدموع ولفقت لهم تهم باطلة.
ولم يكن هذا التعدي على المواطنين العزل هو الأول من نوعه، فقد حدث قبل ذلك في منطقة الجهراء كما استخدمت الأسلاك الشائكة في منطقة كيفان. جرى ذلك كله ضد مواطنين عزل ما اجتمعوا إلا طلباً لعودة الشرعية الدستورية والحياة النيابية وفق دستور عام 1962 الذي أقسم جميع المسؤولين في الدولة على احترامه، لذا فإننا اذ نستنكر بشدة هذه الاعتداءات والأفعال اللامسؤولة ضد بيت من بيوت الله وضد المواطنين، فإننا نناشدكم التدخل الفوري لإطلاق سراح المتعقلين واتخاذ الإجراءات الحاسمة لمنع مثل هذه التعديات حفاظاً على الوحدة الوطنية ومفهوم الأسرة الواحدة وحرية وأمن الوطن والمواطنين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموقعون: جمال الشهاب - مسلم البراك - حمد الصقر - سعد العجمي - عبدالعزيز الدوسري - عبدالمحسن الجارالله - محمد المهيتي - مشاري العصيمي - وليد النصف - يوسف البدر - عبدالله البكر - ناصر العنزي - خالد الوسمي - ناصر القنور - خالد الصانع - صلاح المرزوق - عبدالله الطويل - علي الغانم - محمد العازمي - مشعل المقبول - يحيى الربيعان - أحمد النفيسي - ناصر الهاجري - ثابت البالول - عبدالمحسن الخرافي - حسن العيسى - خليفة الوقيان - عبدالعزيز العيسى - عبدالمحسن المدعج - محمد الرومي - محمد القلاف - مصطفى الصراف - يوسف الإبراهيم - عبدالرزاق معرفي - بدر السميط.
قصة تجمع الفروانية التجمع نُقل من ديوانية طامي إلى ديوانية مناور بعد ما قاله الشيخ سعد
كان من المقرر أن يكون التجمع الشعبي السابع في ديوانية النائب سعد طامي النائب عن منطقة الرقة، لكن الأحداث التي سبقته بأسابيع تطلّبت أن يكون التجمع في ديوان النائب عباس مناور.
كان مناور، الذي تربطه علاقات شخصية قديمة بولي العهد رئيس مجلس الوزراء آنذاك الشيخ سعد العبدالله، يزور ولي العهد في ديوانه بعد عودته من زيارة للقاهرة ليسلم عليه. وبحسب ما نقله الموجودون آنذاك وما رواه نجل النائب فواز عباس مناور، فإن الشيخ سعد قال لمناور: «حتى إنت يا عباس يا ولد أم عباس... يقولون قاعد تهوّس»، في إشارة إلى تلويح مناور ببشته للموجودين في ديوانية الشريعان، فرد مناور: «أنا إذا هوّست فهو لصالح هذه البلد وليس ضدها أو ضد شعبها»، وخرج من ديوان ولي العهد. وانتشرت القصة بين الكويتيين الذين استنكروا ذلك، في حين رآها البعض إهانة لعباس مناور، لكن الأخير بيّن أن قول ولي العهد ذلك هو للصلة والمحبة التي تجمعه وولي العهد. وعلى إثر ذلك، قرر النواب نقل التجمع السابع من ديوانية طامي إلى ديوانية عباس مناور في الفروانية لتعزيز موقفه كأحد رواد التحرك الشعبي. وفي تجمع كيفان، لوح مناور للجمهور مرة أخرى ببشته، في إشارة إلى ثباته على موقفه الداعم للعودة بالعمل بدستور 1962. وانتشرت في تلك الفترة القصيدة التالية بعنوان «تجديد الولاء»: التي كتبها أحد الشعراء تحت اسم مستعار:
ياشيخ حنا كلنا ربع عباس
وخوان مريم ربعنا دايم الدوم
زارك يسلم وانقلب منك منحاس
عندك لحق الضيف تقدير وسلوم
أصله رشيدي والرشيدي من الناس
اللي تحاميلك ليا ثاروا القوم
كلمتك في ربعك ترى تجرح احساس
ما قلتها للي لحق فعله اللوم
اللي ظهر من لابته ريحة خياس
يدخل وزارتكم معزز ومحشوم
ماضي الرشيدي بالوفا يرفع الراس
دون الصباح العمر نرخص به السوم
حضر وبدو وليضرب أخماس بأسداس
يشهد لنا التاريخ في صادق اعزوم
اللي عليكم في يده يرفع الفاس
تلقاه بيدينا على الوجه ملطوم
حنا لكم جند وللدار حراس
شرع الصباح اللي نطالب به اليوم
رضيتم الدستور للعدل مقياس
نشوف بالقانون ظالم ومظلوم
أحدٍ يكوح من الدنانير بأكياس
وحدٍ يقطع من معاشه ومحروم
الله أمر بالعدل يا طيب الساس
وكل يحب العدل والظلم مذموم
كلمة صراحة واضحة ما بها باس
خوفك من اللي يطبخ الزاد مسموم
فعل الرشيدي والشريعان نوماس
الفعل الاكشر عندكم عنه معلوم
العنجري محشوم عن درب الأدناس
وبربع أحمد السعدون صحّوا من النوم
اللي لثوب الكذب بالوجه لبّاس
الكشف عن مثله وشرواه محتوم
إسم الصباحي نفتخر به كما الكاس
بين الأمم نفخر بحاكم ومحكوم
وصلاة ربي عد ما هب نسناس
على رسول عن خطاياه معصوم
الشاعر الرشيدي
(يتبع)
ولي العهد بادئاً الحوار: مَن وراء تجمعات الاثنين يهدف إلى غايات تتجاوز عودة الحياة ال
كان خطاب صاحب السمو الشيخ جابر الاحمد في 20 يناير 1990، الذي دعا فيه الى الحوار بداية لمرحلة تهدئة، بداية لمرحلة جديدة في مسيرة «الحركة الدستورية»، إذ أعلن تكتل النواب استجابته لتلك الدعوة، وقرر تعليق تجمعات الاثنين، والتزم ذلك القرار رغم رفض الحكومة عبر رقابة وزارة الاعلام المزورعة في الصحف اليومية ورغم استخدامها للعنف البالغ واعتدائها على المشاركين في ديوانية عباس مناور في الفروانية في 22 يناير 1990، وهو الخبر الذي لم تشر إليه الصحف المحلية باستثناء صحيفة الأنباء المؤيدة لإجراءات السلطة، والتي وصفت تجمع الفروانية بأنه «عمل أخرق لا يقدم عليه محب لهذا الوطن ولا مخلص له (...) وأنه خرق صريح للقانون وانفعال أحمق ليس له ما يبرره، وأنه ينبع من عقلية التحدي»، مما يوحي بوجهة نظر السلطة تجاه ذلك التجمع.
منحى تصعيدي
انطلق الحوار في أواخر يناير، بعد تجمع الفروانية مباشرة، إذ بدأ ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله بتنظيم لقاءات مع قطاعات واسعة من المجتمع، فالتقى في اليوم التالي لتجمع الفروانية مع 37 شخصية من أعضاء سابقين وفعاليات اقتصادية للاستماع لآرائهم في موضوع الديموقراطية وإعادة الحياة النيابية، لكن ما بدا لافتاً هو أن اللقاءات كانت تتم مع بعض المقربين من السلطة، ولم تضم أياً من قادة التحرك الدستوري الداعين إلى عودة العمل بدستور 1962، والذين تم تحديد موعد معهم للقاء يوم الأربعاء 7 فبراير 1990.
وفي يوم الاثنين 29 يناير، بعد أسبوع من تجمع الفروانية، عقد ولي العهد لقاءً مع رؤساء تحرير الصحف المحلية تطرق من خلاله إلى تجمعات الاثنين، واصفاً إياها بأنها «بدأت أخيراً تأخذ منحى تصعيدياً يتسم بالتحدي والاستفزاز والتحريض»، مبيناً أنه قد «اتضح أن البعض يهدف إلى غايات تتجاوز في حقيقتها موضوع الحياة النيابية وتعرض للخطر أمن البلاد واستقرارها وتماسك مجتمعنا ووحدتنا الوطنية»، مشدداً على أن الحكومة لن تتساهل تجاه المس بأمن البلاد واستقرارها في أي حال من الأحوال، مجدداً جدية الدعوة إلى الحوار لحل جميع المشاكل والقضايا.
الوفد الإسلامي
وفي اليوم التالي للقائه رؤساءَ التحرير، التقى ولي العهد ما اصطلح على تسميته بعد ذلك بـ«الوفد الإسلامي» في يوم الثلاثاء 30 يناير بقصر الشعب، الذي ضم ممثلين عن جمعيات النفع العام الإسلامية، وهم: يوسف الحجي عن جمعية عبدالله النوري الخيرية، وأحمد الجاسر وأحمد بزيع الياسين عن جمعية النجاة الخيرية، وعبدالله العتيقي عن جمعية الإصلاح الاجتماعي، وخالد السلطان وراشد المسبحي عن جمعية إحياء التراث الإسلامي، وعمر الغرير عن جمعية المعلمين الكويتية، إضافة إلى مجموعة من الشخصيات الإسلامية العامة، وهم: حمد المشاري وعبدالعزيز عبدالرزاق المطوع وحمد يوسف الرومي وعبدالوهاب الفارس وعبدالله أحمد الشرهان. كما التقى ولي العهد وفدا من منطقة الصليبيخات برئاسة النائب السابق خلف دميثير ضم 80 مواطناً يمثلون المنطقة المعروفة بتأييدها لوجهة نظر الحكومة.
وحرص الوفد الإسلامي بعد لقائه ولي العهد على إصدار بيان يوضح فيه ما دار في اللقاء الذي أتى امتداداً لحوار بدأه الوفد بلقاء مع سمو الأمير في الأسبوع السابق، وأشار البيان إلى أنه كان قد «نما إلى علم الوفد أنه من المحتمل أن يكون معه في نفس اللقاء وفد الصليبيخات الحكومي برئاسة خلف دميثير، فاتصلوا بقصر الشعب يستفسرون عن ذلك حيث تم التأكيد لهم أن اللقاء مخصص لهم فقط». وطرح الوفد في لقائه ثلاثة أمور رئيسية، وهي: ضرورة دعوة أفراد التكتل النيابي للحوار ومحاولة الوصول معهم إلى نتيجة وقرار واضح كطرف شعبي يحظى بتأييد الجماهير الكويتية، بالإضافة إلى السعي الحثيث لعودة الحياة النيابية في أسرع وقت وفق الإجراءات التي ينص عليها دستور 1962، كما شدد على ضرورة عدم المساس بقانون الانتخابات الذي قد يؤثر في مسيرة الحياة النيابية وتحقيق مبدأ المشاركة الشعبية.
وأشار بيان الوفد إلى أن الاجتماع شهد إثارة احتمال تعديل الدستور، فطلب الوفد -بحسب البيان- أن يكون ذلك ضمن المجلس القادم بطريقة دستورية ووفق الإجراءات الدستورية، كما أكد أحمد الجاسر خلال اللقاء أن الأولوية في تعديل الدستور هي لتعديل المادة الثانية لتكون الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع «وذلك إن كان هناك تفكير في تعديل مادة من مواد الدستور».
7 فبراير
كان واضحا ان الهدف من فتح باب الحوار على مصراعيه هو اظهار الحوار وكأنه لا يقتصر فقط على الحوار مع تكتل النواب، وذلك في محاولة لتهميش دورهم كممثلين للرأي العام الشعبي. فجاء الموعد المحدد يوم الأربعاء 7 فبراير الساعة الواحدة ظهراً بقصر الشعب. وسعى النواب قبل لقاءهم وليَّ العهد إلى تنسيق الأدوار فيما بينهم، فاجتمعوا في التاسعة من صباح ذلك اليوم، واتفقوا على ثلاثة ثوابت محددة لطرحها على ولي العهد، وهي: عودة العمل بدستور 1962، وعودة الحياة النيابية كما نص عليها الدستور، إضافة إلى عدم المساس بقانون الانتخابات حتى لا يتم التلاعب بنتائجها لمصلحة السلطة، كما تم الاتفاق على أن يكون رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون هو المتحدث باسم النواب خلال اللقاء. ومن مكان اجتماعهم، انطلق النواب بسياراتهم إلى قصر الشعب لبدء أول لقاء بين السلطة والنواب منذ ثلاث سنوات.
نساء الكويت لولي العهد: نأمل أن يفضي لقاؤكم بالنواب إلى تحقيق تطلعات شعبنا للديموقراطية
كان الدور النسائي خلال الحركة الشعبية، وكما أشرنا خلال حلقاتنا، دوراً فاعلاً، وإن كان محدوداً بحكم عدم حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية في ذلك الوقت، إلا أن النساء كنَّ قد حرصن على إبراز دورهن في تلك التحركات الشعبية. ومن تلك الأمثلة البرقية التي أرسلتها مجموعة من نساء الكويت إلى ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء قبل لقائه مع النواب، وهذا نصها:
سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الموقَّر
قصر بيان - محافظة حولي
تحية طيبة،،،
لقد عبر الشعب الكويتي عبر الأحداث التي شهدتها بلادنا في الفترة الماضية أن كل هذه التظاهرات وكل تلك الحشود لم تخرج عفوياً، وإنما خرجت لسبب عميق هو إيمانها بالديموقراطية البرلمانية وتمسكها بدستور البلاد لعام 62 والذي يمثل الحد الأدنى من تطلعات شعبنا. ونحن إذ نثمن لقاءكم بنواب الشعب لمجلس 85 بحكم كوننا جزءا من هذا الشعب الكريم المتطلع إلى الحرية والديموقراطية، نأمل أن يفضي هذا اللقاء إلى تلبية تطلعات وآمال شعبنا في صيانة دستور 62 وإعادة الحياة البرلمانية وإطلاق الحريات العامة.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
مجموعة من نساء الكويت
ضوء معارضة ثقافية
في فبراير من عام 1988، خطّ الكاتب ورئيس رابطة الأدباء الحالي حمد عبدالمحسن الحمد قصة قصيرة بعنوان «الطائر الجميل» أتت ضمن مجموعة قصصية حملت عنوان «مناخ الأيام»، ليطلق بذلك أحد أوجه «المعارضة الثقافية» إن صح التعبير.القصة التي لامست موضوع حل مجلس الأمة عام 1985 بأسلوب رمزي لتتحاشى رقيب وزارة الإعلام، تحكي قصة طائر جميل أتى به أب إلى بيته، وقال إنه ببغاء، ففرح به الابن «أحمد» كثيراً، ونأخذ من القصة الفقرة التالية لضيق المساحة:
«في مرات كثيرة أعرج على سوق الحمام لأشتري بعضاً من الحبوب... وما إن أصل إلى المنزل حتى أسمعه... وهو يستقبلني بفرح وسعادة... وأفتح كيس الحبوب بهدوء وأضع بعضاً منها في قفصه المطلي بالذهب. ولا أعرف لماذا تلون هذه الأقفاص رغم أنها مقيدة للحرية. ودائما ما أتخيل... لو تطلى السجون باللون الذهبي هل يعشقها السجناء... لا أعتقد لأنها قد تتيح استنشاق الهواء... ولكنها مقيدة للحركة والانطلاق وتقود دائماً للموت البطيء.
(...)
والببغاء كان يتحدث بطلاقة... ولكن للأسف حدث انقلاب في حياته... ولم يعد جميلاً كما كان من قبل... أراه قد تبلد تفكيره يقف بين قضبان القفص ساكناً لا حراك فيه... ينظر إلى الأمام دائماً فاقداً تلك الحيوية والانطلاق الذي عهدناه به.
(...)
وتمكنت من الولوج في ذلك الغموض الذي يعتري هذا الطائر... عندما سألت والدتي عن ذلك التغير الذي طرأ على هذا الكائن الجميل. أجابت بتحفظ وكأنها تعلن سراً عظيماً... يا بني إن والدك قد منعه من الحديث أو إبداء الرأي لأنه أصبح يتدخل في شؤون لا تعنيه».
ويقول حمد الحمد في رسالة لـ«الجريدة»، إن شخصاً اتصل به آنذاك يتحدث بلهجة عربية، وادعى أنه من مجلس الوزراء، وأنه أعجب بقصة «الطائر الجميل» ويود نشرها بمجلة تصدر عن المجلس، وقد استغربت أنها اختار تلك القصة بالذات، ولم يحدثني بعد ذلك!
من أشعار ديوانيات الاثنين
كل الشعب يقول يعيد
والحكي الزايد ترديد
هَمْ الشعب بروحة بإيد
وبالإيد اليسرى الدستور
حكومتنا حاور زاور
إشبع ذل وتالي حاور
في مكانك راوح داور
حكومتنا ليش تدور؟!
العالم داير ما داير
يفتح للنور الستاير
إشمعنا بلدنا صاير
من دود الظلمة منخور
الحرية ماهي مِنَّة
يعطيها وياخذها منا
يوعدنا بِندِش الجنة
والجنة عنده تنّور
يوعدنا في طيبة خاطر
ويامرنا ونقول له حاضر
لكن بعض الناس اتّاجر
في عز الوطن المغدور
ياويلي من جنة نارك
عقرب تلدغني في دارك
بالشورى ودِّك نتشارك؟
هذا كلامٍ مخطور
يعني اشلون نقول ما لازم؟!
وبسلب الحرية جازم
كانِك يا عشيري عازم
إسمع مني بعطيك شور
لا تكيل إلا في ميزانك
ولا تسمع هرجة جيرانك
اللي ما ضاقوا لاحزانك
واللي مثل الوقت يدور
ورِدْ أمواج لك منطلقة
من غرب الدار ومن شرقه
حسَّت من هالليل بحرقة
حست من هالضيم بْجور
عبدالله السالم في قبره
مكسور ويا مصعب جبره
جرحه قامِت ناس بنَبْرة
محَّت تاريخه بسطور
عبدالله السالم لبّينا
نداك، ومهما ضحينا
ما يهدم شي بنينا
لو صار الدم منا بحور
ديمقراطية ونرددها
نوقف معها نساندها
رغبة شعب اللي يعاندها
من شعبه ما هو معذور
ثورة شعبية سلمية
راح تنجخ ميّة بالميّة
رغماً عن كل الحرامية
اللي باقوا منا النور
«بدوي ديموقراطي»
(يتبع)
الدكتور أحمد الخطيب في ديوانيته يعطي موجزاً لآخر الأخبار والتحركات
كانت صحف يوم الأربعاء 7 فبراير 1990 تشير، لأول مرة منذ حل المجلس، إلى نواب مجلس عام 1985 وأنهم يلتقون رئيس الوزراء اليوم، واصفة إياهم بـ«النواب السابقين». وفي الموعد المحدد، وصل 28 نائباً إلى قصر الشعب للقاء ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، في حين تخلف عن الحضور 4 نواب لوجودهم خارج البلاد.
صيغة جديدة
جلس الشيخ سعد وحيداً مع النواب في إحدى قاعات قصر الشعب، فبدأ الحديث بالقول «احنا أبناء اليوم ولا ننظر إلى الوراء، وكنا نتمنى أن يكون هذا اللقاء قبل شهرين، لكن لن نتحدث عن ذلك اليوم»، مشيراً إلى ضرورة المحافظة على تماسك الجبهة الداخلية والعمل على توحيدها وترسيخ الوحدة الوطنية وأن ذلك يكون من خلال الحوار، كما تساءل عن مصير تجمعات الاثنين، متطرقاً إلى التجمع الأخير في الفروانية قائلاً: «ما يصير حوار وفي تجمعات شعبية» ثم تحدث عن وجود مآخذ على التجربة النيابية، وأن هذا هو ما أدى إلى حل المجلس، والمطلوب الآن صيغة متفق عليها.
من جانب النواب، كان رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون هو المتحدث الرئيسي في حين شارك النواب الآخرون في تعقيبات من جانبهم، فبيّن السعدون أن تماسك الجبهة الداخلية هو حرص مشترك، مشيراً إلى أنه لا يكون بالقول فقط، وأنه لن يتحقق ما لم يحس المواطن بأنه جزء من هذا الوطن وأن له حق في المشاركة الشعبية. وأكد على ثوابت النواب الثلاثة، وهي: عودة العمل بالدستور، وإعادة الحياة النيابية، وعدم المساس بقانون الانتخاب، مشيراً أثناء حديثه بما حصل سنة 1980 حين أقدمت الحكومة على تعديل الدوائر الانتخابية وكأنها أرادت أن تأتي بتركيبة معينة. مبيناً أن النواب يرغبون في التوصل إلى صيغة بحسب نصوص الدستور لتحقيق التعاون بين السلطتين، موضحاً أنه إذا كان لدى الحكومة مآخذ على التجربة أو بعض الممارسات البرلمانية فلدى النواب كذلك مآخذ على التجربة الحكومية ولا يجوز تحميل سلطة وزر أخرى.
حاجز نفسي
وعن تجمعات الاثنين، قال النواب إن هذه التجمعات كانت لأجل هدف محدد، مشيرين إلى أن السعي إلى الحوار كان مطلباً للنواب منذ حل مجلس الأمة عام 1986، فكان الناس يتجمعون من أجل هدف، فإذا كان الحوار يؤدي هذا الهدف فلا مشكلة من إيقاف التجمعات. ولم يلمس النواب رفضاً ولا قبولاً من قبل الشيخ سعد لدستور 1962، إذ كان حريصاً على عدم الدخول في التفاصيل، مؤكداً أكثر من مرة أن هذا هو اللقاء الأول وسيكون هناك لقاءات أخرى تعالج التفاصيل، مبيناً أن هذا اللقاء هو لكسر الحاجز النفسي بعد 3 سنوات من غياب الحياة النيابية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه قد يستعين بفريق عمل معه لحضور اللقاءات مع النواب، مازحاً بالقول «انتوا ماشاء الله 28».
كانت أجواء اللقاء ودية بين النواب وولي العهد، وساهم في زيادة ذلك توقف الاجتماع بعض الوقت لتناول الغداء، لينتهي بعد ذلك في الرابعة والربع عصراً، بعد أكثر من 3 ساعات، مع اتفاق على لقاء ثان يوم الأحد أو الثلاثاء المقبل، وقال ولي العهد للنواب «لقاؤنا القادم راح يكون على العشاء حتى نسهر لنهاية الليل والمرة الجاية يكون معاي جماعة حتى ندخل في التفاصيل».
خرج النواب من اجتماعهم بانطباعات إيجابية، في حين سيطر الحذر على بعضهم، وانعكس ذلك في اجتماعهم الذي تلا اللقاء مباشرة، واستمر نحو ساعتين، وتداولوا خلاله ما جرى في لقائهم بولي العهد، فاتفقوا على أن أجواء اللقاء كانت إيجابية إلا أنها لم تكن كافية، إذ لم يتم الاتفاق على شيء سوى أن هناك المزيد من اللقاءات المستقبلية، كما لاحظ بعضهم أنه لم يتم حتى الآن الاتفاق على الثوابت الثلاثة التي حددها النواب، والتي تعتبر أساساً ينطلق منه الحوار. وانفض اجتماعهم في السادسة مساءً على اتفاق على أن ينقل كل منهم ما دار في الاجتماع إلى قواعده الشعبية من خلال ديوانيات النواب حتى يكون المواطنون على بينة بما جرى.
في اليوم التالي تناقلت الصحف المحلية ما دار في اللقاء، فنشرت مقتطفات من آراء النواب في جلسة الحوار، وأشاع ذلك أجواء تفاؤلية في البلاد سعى النواب إلى تطويقها من خلال لقاءاتهم بديوانياتهم، فأشاروا إلى أن التفاؤل لا داعي له إذ لم يحصل شيء. وفي الأسبوع التالي، لم يتلق النواب أي اتصال من ديوان ولي العهد حسب الموعد المتفق، فقدروا أن ذلك قد يكون نتيجة ارتباطات أخرى.
رسائل السلطة
وفي الأسبوع ذاته الذي كان مقرراً فيه عقد اللقاء الثاني مع النواب، سعت السلطة إلى إطلاق بعض الرسائل بطرق غير مباشرة، فأجرى وزير الإعلام الشيخ جابر المبارك في يوم الثلاثاء 13 فبراير 1990 لقاء صحافياً مع مجلة «المجلة» تحدث خلاله عن أحداث الفروانية، قائلاً -رداً على سؤال عما يشكله المشاركون في تجمعات الاثنين- «نحن لا نعتقد فقط ولكننا نعرف جيداً بأنهم أقلية وأعدادهم في التجمعات توحي بذلك»، مشيراً إلى أن ما حصل في الفروانية «كان مؤشراً خطيراً لمعطيات لم نعهدها من قبل في تعاملنا ككويتيين»، مبيناً أنه كان الأمل أن تكون الدعوة إلى الحوار هي الفيصل بين ما كان وسيكون «وأن يضع الإخوة الذين يدعون لمثل هذه اللقاءات حداً لسلوكهم هذا، لكن ما حدث كان خلاف ذلك، فقد دعوا للتجمع من جديد في هذا التجمع بالذات تم الاعتداء على رجال الأمن»، وهو ما ادعته وزارة الداخلية في بيانها عقب أحداث الفروانية، وأشارت إلى أنها اعتقلت أشخاصاً كان مع أحدهم سكين، الأمر الذي علق عليه النائب سامي المنيس في أحد لقاءاته مع رواد ديوانيته فقال: «وزارة الداخلية قالت إن هناك خمسة معتقلين وأحدهم عنده سكين، يعني بمعنى آخر يحاولون يقولون للعالم أن شخص عنده سلاح، ولكن وكالات الأنباء ستقول بأنه كان هناك آلاف الأشخاص وبالمقابل كان هناك قنابل وماء، بالأخير تطلع النتيجة أن كل القنابل والقوات بسبب واحد عنده سكين!». وبين المبارك في لقائه أن تصرفات البعض «لم تخل من الاستفزاز، لكن الأوامر كانت واضحة وصريحة لكل من يعنيه الأمر بأخذ الأمور بمنتهى الحلم والروية».
كما أكد المبارك خلال اللقاء أن «الديموقراطية قائمة فعلاً في وجود مجلس الأمة وفي غيابه، فالمجلس ليس الشكل الوحيد للديموقراطية»، مشيراً إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية أوصل العديد من الناس آراءهم «التي تجد طريقها بسهولة ويسر إلى مراكز اتخاذ القرار»، مضيفاً: «ولا أكون مبالغاً إن قلت أن من بين هؤلاء حوالي أربعين شخصية ممن شغلوا مقاعد في مجلس الأمة المنحل، أي 80 في المئة من أعضائه ظلوا يشاركون في الرأي والمشورة في اقتراح ما يرون فيه مصلحة الشعب والوطن، وهذه خصوصية كويتية»، مع العلم أن التكتل النيابي الداعم للعودة بالعمل بالدستور كان يضم 32 نائباً من نواب 1985 في صفوفه. كما وضع الشيخ جابر المبارك أسساً للحوار القائم في البلاد، مبيناً أن الحكم «لا يتفاوض بل يتحاور دون شروط مسبقة».
وفي اليوم التالي للقاء وزير الإعلام، 14 فبراير 1990، نشرت صحيفة «القبس» لقاءً مطولاً مع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، تطرق خلاله إلى موضوع الحوار، مشيراً إلى إطالة الحوار للاستماع لوجهات النظر المختلفة والسعي إلى إشراك المزيد من القطاعات وتوسيع قواعدة الحوار، مبيناً كذلك أن على جميع الأطراف المعنية الاستمرار في تبادل الحوار «لكن إعادة البرلمان مرة أخرى ستستغرق وقتاً طويلاً»، وهو ما رأى فيه البعض محاولة لتهدئة أي تقدم قد ينجم عن الحوار ومحاولة تعويمه.
اللجان الشعبية
خلال فترة الانتظار، ساد شعور لدى النواب بجمود الحركة الدستورية، إذ أصبح موضوع الحوار هو المهيمن على تحركات النواب، فلم يعد هناك تواصل كبير مع الجماهير كما كان أثناء ديوانيات الاثنين، واقتصر التواصل على ديوانيات النواب الأسبوعية. من هنا، برزت فكرة إنشاء اللجان الشعبية ولجان المناطق حتى لا ينتظر المواطنون قراراً من النواب بالتحرك، بل تكون المبادرات من المواطنين من خلال هذه اللجان التي تقام في جميع المناطق الانتخابية، فشكل النواب لجنة مصغرة منهم لدراسة الموضوع وإعداد صيغة موحدة للتحرك الشعبي في المناطق، في حين تواصلت في غضون ذلك لقاءاتهم شبه اليومية مع المواطنين في الديوانيات.
وفي عصر يوم الأربعاء 28 فبراير، تلقى النائب أحمد السعدون اتصالاً من عبداللطيف البحر في ديوان ولي العهد ليحدد موعداً للقاء النواب يوم السبت 3 مارس 1990 في تمام السابعة مساءً، فأبلغ السعدون النواب أن اجتماعهم المقرر عصر السبت لبحث آلية عمل اللجان الشعبية يجب أن يؤجل لتضاربه ولقاء ولي العهد على العشاء.
الرقيب يمنع «الحوار المثمر»
في ما يلي نص مقال بعنوان «فليكن حواراً مثمراً» للدكتور غانم النجار، منعه رقيب جريدة «الوطن» آنذاك من النشر في يوم لقاء النواب بولي العهد في 7 فبراير 1990:
يتم اليوم اللقاء المرتقب منذ 3/7/1986 أي منذ تم حل مجلس الأمة الكويتي في يوم خميس صيفي لزج.
واللقاء الذي يتم اليوم بين ولي العهد رئيس مجلس الوزراء و32 نائباً لن يكون لقاء عادياً، ولا ينبغي له أن يكون كذلك، حيث إنه لقاء يحسم كثيراً من التخرُّصات والتكهنات التي كانت تؤكد أنه لن يتم.
وحيث إن هذا اللقاء قد تم -بإذن الله- فإن لدينا جملة من الملاحظات والنقاط على هامشه وحواشيه.
أولاً: ليس من المطلوب ولا من المفيد أن يتم الحوار خلال غرف مغلقة ودهاليز ضيقة، بل إنه بات من الضرورة بمكان أن تُفتح الآفاق الرحبة على مصاريعها، لكي يتحاور الناس علناً بما يدور في أذهانهم، دون خوف أو وجل، أو تعدٍّ أو اتهام من أحد لأحد، بسبب انطباعات خاطئة أو افتراضات ظنيَّة قد لا تسمن ولا تغني من جوع.
ثانياً: ليست القضية قضية أشخاص على الإطلاق. فالمؤسسة باقية والأشخاص زائلون، وكما أن لكل حادث حديثاً، فإنه لكل مقام مقال. وسلبيات أية مؤسسة كانت بالتأكيد لا يتحملها ولن يتحملها طرف واحد، بل إنه من مستلزمات الإنصاف والحَيْدة والموضوعية أن تحلل الظاهرة برمتها، وتحدد أدوار جميع الأطراف، ونحن هنا لا نزكي أحداً على أحد.
ثالثاً: لا يبدو أن هناك مخرجا منطقيا ومقبولا كالدستور الكويتي والبرلمان وحرية الصحافة، فهي الوسائل الوحيدة التي تضمن حياة مستقرة لهذا المجتمع الصغير بحكم الأسرة الحاكمة، وبتحديد وتقنين ماكينة اتخاذ القرار وأسلوبه.
رابعاً: لم يعد هناك متسع من الوقت لإضاعته في قيل وقال، وتبادل اتهامات واتهامات مضادة، وافتراض سوء النية، أو التعامل مع الأمر على أساس صراع القوة. فمفهوم القوة في بناء المجتمع لم يعد ذلك المفهوم القديم القائم على القوة المادية البحتة، فليس هناك أقوى من مجتمع متماسك مهما كان صغيراً، ولا أضعف من مجتمع مفكك مهما كان كبيراً.
خامساً: إن الحياة البرلمانية -وأقولها بكل تجرد وموضوعية ودونما تحيز لأي طرف ولكن استناداً على دراسة موثقة متعمقة للتطور السياسي الكويتي منذ 1921 حتى اليوم- هي النموذج الأمثل الذي يساعد الحكومة قبل أي طرف آخر على الحكم، والتصدي للتدخلات الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي.
سادساً: هناك احتمالات عديدة لهذا اللقاء المرتقب، فإما أن يعود المجلس، أو تستمر اللقاءات، أو أن يحدث خلاف، ولكل من هذه الاحتمالات يفترض أن يكون هناك تقييم وتحليل خاص. ولكننا نعتقد أن الحوار مطلوب ليس لذاته، وإنما لتحقيق نتائج إيجابية تنعكس على مسيرة المجتمع. فتحيةً منا كمواطنين كويتيين لأولئك المجتمعين، متمنين لهم تحقيق ما نتمناه، ألا وهو عودة الدستور والحياة النيابية والحرية التي كنا نفاخر بها العالم.
إن الربيع في الكويت جميل، والأمطار تدل على مؤشرات خير، وفبراير كذلك دوما كان شهراً جميلاً، والشعب الكويتي كله جميل، فهل يكتمل الجمال قريباً؟ أم نظل غرقى الوحل الذي خلفه المطر؟.
بقلم: د. غانم النجار
من أشعار ديوانيات الاثنين
الشعب صام الدهر ما فطر وصلى و... جام
ظل يشتكي من الصبر لا عيد ولا حـ... جام
أنظر شباب الوطن خيله تشد الـ... جام
إسأل وجس النبض الشعب كيف... حاله
واترك نفاق البعض واعرف سبب... حاله
البحر ليمن سقى يطغي على الـ... حاله
قال المثل لا اتحصب غيرك وبيتك... جام
«غير معروف»
(يتبع)
لوحة حملت الثوابت الثلاثة للحركة الدستورية معلقة في ديوانية أحمد الخطيب بالروضة
الحوار ينقلب إلى جلسات استماع... وولي العهد للنواب: حتى قواعدكم ليست معكم
كان اللقاء الثاني في السابعة من مساء السبت 3 مارس 1990، واتفق النواب قبل دخول الاجتماع على أن يسعوا خلاله إلى الاستماع لوجهة نظر الحكومة، خصوصاً في ما يتعلق بالسلبيات التي لديها بشأن التجربة النيابية حتى يكون هناك حوار، إذ إن النواب قد قالوا ما لديهم في الاجتماع السابق.
دخل النواب إلى قصر الشعب مساء ذلك اليوم، فاستقبلهم ولي العهد رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ سعد العبدالله بابتسامته البشوشة كالعادة، وكان الاستقبال طيباً والجلسة مريحة. وفي بداية الاجتماع طلب الشيخ سعد من النواب أن يتكلموا، فتحدث رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون فأعاد وجهة نظر النواب التي أوصلوها في الاجتماع الأول، والمتمثلة في الثوابت الثلاثة، وهي: عدم المساس بالدستور، وعودة الشرعية الدستورية ممثلة في مجلس الأمة، وعدم المساس بقانون الانتخاب، تلاه نائب رئيس مجلس الأمة صالح الفضالة الذي أكد الثوابتَ ذاتها، وبيّن أن النواب أتوا ليستمعوا إلى وجهة نظر الحكومة في السلبيات التي تراها في التجربة النيابية. هنا، رد الشيخ سعد قائلاً: «أنا جاي أستمع ماني جاي أحاور، وسأنقل ما تقولونه لسمو الأمير، أنا مهمتي أن أتصل في الناس واتصلت في ناس كثيرين وصاحب السمو لديه خيارات سيقرر على إثرها ما هي الخطوة التالية».
ضوابط المجلس
وطال النقاش، الذي تخلله عشاء، فقال بعض النواب ما لديهم من ملاحظات واستشفوا أن هناك أمورا إيجابية وأخرى سلبية، فكان الإيجابي هو تلميح ولي العهد إلى أن هنالك مجلسا قادما، مؤكداً أنه سيكون مجلساً منتخباً لا معيناً وله صلاحيات الرقابة والمحاسبة، فتأكد للنواب عدم صحة ما يُتداول لدى بعض الأوساط عن وجود مخطط لإنشاء مجلس للشورى. أما المؤشرات السلبية فكانت في تأكيد ولي العهد أن المجلس الجديد «يجب أن تكون له ضوابط وحدود معينة حتى لا يتكرر ما حصل مرة أخرى»، من دون أن يوضح ما هي الضوابط. كما طرح موضوع العودة إلى العمل بدستور 1962 ثلاث مرات من قبل النواب في الاجتماع الذي استمر حتى الساعة الحادية عشرة مساءً، إلا أن ولي العهد أكد لهم «رجاءً لا ينقل عني أني وافقت على عودة المجلس حسب دستور 1962»، مما أشاع مخاوفَ لدى النواب بأن الثوابت التي طرحوها غير متفق عليها.الشيخ سعد الذي بدأ الاجتماع مستمعاً، بدأ في الحديث وإرسال رسائل وصفها النواب بأنها غير موفقة، فقال لهم: «انتوا تبون تردون أعضاء، هل هي مسألة مناصب تريدونها؟»، فرد عليه الدكتور أحمد الخطيب «بوفهد أنت تعرفني زين، لو أبي مناصب لكنت قبلت فيها لأنها عرضت علي أكثر من مرة، لكن الموضوع يتعلق بمستقبل البلد ومستقبل أبنائنا»، كما حاول الشيخ سعد خلال اللقاء أن يوصل رسالة إلى النواب بأنهم ليسوا ممثلي الشعب قائلاً: «أنتم لستم الجهة الوحيدة اللي قعدت معاها، حالكم حال بقية الناس، وأنا استمعت لوجهات نظر كثيرة كلها تبي مجلس بضوابط».
بيان صحافي
كان هناك من بين النواب من يسجل على ورقة ما يدور في الاجتماع من ملاحظات، في حين كان لولي العهد بعض المعاونين من ديوانه الذين تولوا تسجيل ملاحظاتهم، فطرح النواب تشكيل لجنة مصغرة للحوار بين النواب والحكومة، إلا أن ولي العهد قال «ما في داعي»، فساد انطباع لدى النواب بأن هذا اللقاء قد يشكل نهاية الحوار، فرسائل ولي العهد كانت واضحة بأنه قابل النواب واستمع لوجهة نظرهم وانتهى الموضوع. وقبل نهاية اللقاء، قال النواب إنهم سيصرحون للصحف بما دار في الاجتماع، فقال لهم ولي العهد: «ما في مشكلة، لكن إذا قيل كلام لم أذكره خلال الاجتماع فسأقيم مؤتمرا صحافيا أوضح فيه كل ما دار»، فأكد له النواب أنهم سينقلون ما جرى فقط. بعد نهاية الاجتماع الساعة 11 مساءً، غادر النواب متجهين إلى ديوانية أحمد السعدون في الخالدية ليتداولوا انطباعاتهم عن الاجتماع، فتم الاتفاق على استكمال الاجتماع في اليوم التالي، على أن يتم تكليف لجنة لصياغة تصريح صحافي باسم الرئيس السعدون بدلاً من أن يصرح النواب كل من تلقاء نفسه بشكل قد لا يعكس حقيقة اللقاء كما جرى بعد اللقاء الأول الذي عكس أجواءً إيجابية.
وفي اليوم التالي واصل النواب اجتماعهم التقييمي وتم الاتفاق على ذكر حقيقة ما دار في الاجتماع في بيانهم الصحافي، لكن البيان لم ينتهِ إلا في ساعة متأخرة من مساء ذلك اليوم بعد إغلاق الصحف، فكُلِّف النائب سامي المنيس بالاتصال بالصحف في اليوم التالي وإيصال البيان على أن يؤكد للصحافة أنها إذا حذفت أي جزء من التصريح فالرجاء عدم نشره.
دعوة مفاجئة
في يوم الاثنين، تلقى خمسة نواب اتصالا مفاجئا من ديوان ولي العهد في الساعة العاشرة صباحاً يدعوهم إلى لقائه في تمام الساعة 12 ظهراً، فاتصل النواب الخمسة بعضهم ببعض، واتفقوا على الاجتماع في ديوانية السعدون. وبحضور السعدون، جلس النواب الخمسة، وهم: حمود الرومي وصالح الفضالة وجاسم العون وفيصل الصانع والدكتور أحمد الخطيب محاولين معرفة سبب الدعوة المفاجئة وتداول الاحتمالات، فتم الاتفاق -وهو اتفاق قديم بين النواب- على أنه إن استُدعي أحدهم أو بعضهم فقط ألا يقولوا شيئاً إلا بعد الرجوع إلى زملائهم النواب الآخرين.
في مكتب الشيخ سعد، استقبلهم بابتسامته كعادته فسرى شعور إيجابي بين النواب، ثم قال لهم: «أنا اخترت أسماءكم وناديتكم، ورجاء لا تعتقدون أنكم لجنة تمثل النواب لكني اخترتكم لأني أريد طرح موضوع كنت سأطرحه في الاجتماع الموسع مع النواب أول أمس لكني ارتأيت أن أطرحه على مجموعة صغيرة»، وكان النواب في حيرة من أمرهم بشأن ما سيطرحه الشيخ سعد، الذي أكمل قائلاً وهو يلتفت إلى النواب الرومي والفضالة والعون والصانع الذين جلسوا على يمينه، في حين جلس الخطيب بجانبه على اليسار: «ما أريد أن أقوله لا تعتبرونه إنذار أو تهديد، بل هو نصيحة مني لكم ولبقية النواب، وهو يتعلق بموضوع دواوينكم... دواوينكم الشخصية بعضها فيها تسجيل لأشرطة كاسيت وأشرطة فيديو وهذا لا يجوز أن يتم في فترة الحوار».
فقاطعه الدكتور الخطيب قائلاً: «بو فهد ليش تطالعهم، هذا الكلام موجه لي»، في إشارة إلى أن الخطيب هو من القلة من النواب الذين يسجلون لقاءاتهم الأسبوعية عبر الفيديو والكاسيت ويوزعونها على المواطنين، فرد عليه الشيخ سعد قائلاً: «لا دكتور، هذا الكلام ليس لشخص معين بل للكل، وهذا لا يجوز ومع أنه ضد قانون المطبوعات فأنا أقوله لكم كنصيحة وأفضل أن يتوقف». وتحدث النواب قائلين: «إحنا 32 نائب، من لديه ديوانية ويسجل ما يدور فيها قليلين، استدعي هؤلاء وأبلغهم بوجهة نظرك»، فقال الشيخ سعد «أنا استدعيتكم وأنتوا وصلوا لهم الكلام».
وأدرك الخطيب أنه من أكثر المعنيين في الموضوع فرد قائلاً: «أنا ديوانيتي من أكثر من عشر سنوات وهي تقام كل يوم ثلاثاء وما فيها شيء جديد، الجديد الآن هو أن الناس كثرت بسبب الأوضاع الحالية، فأصبح بعضهم يجلس في البيت المجاور وبعضهم في الحوش الخارجي وبالتالي لازم يعرفون ويشاركون في الحوار، لأن موضوع الديموقراطية في غاية الأهمية وأمر مصيري بالنسبة لي فهي ما يحقق الوحدة الوطنية، فإذا كان هناك خلافات وصراعات تطرح بطريقة حضارية داخل مجلس الأمة وذلك لحماية الكويت، ولو كان المجلس موجود لما حدث ما حدث... أما الأمر الآخر فأنا ملتزم أمام ناخبيني، فقد أخطئ في عملي والناس يصلحوني، ولا أقدر أقطع صلتي بالناس فأنا أحس بمسؤوليتي أمامهم».
رأي الناس
وتدخل النائب فيصل الصانع قائلاً: «نحن الآن نناقش عوارض المرض في موضوع الكاسيت والتسجيل، لماذا لا نشخص المرض نفسه ونناقش موضوع الديموقراطية»، وذلك ما أيده النواب الأربعة الآخرين. استمر النقاش مدة ساعتين، وتحول من موضوع التسجيلات الصوتية والفيديو إلى أكثر من ذلك، فأثار الشيخ سعد موضوع القصائد التي تُوزَّيع، متسائلاً كذلك: «ليش تتصلون بالطلاب؟» كما أثار موضوع الاتصال بجمعيات النفع العام، مبيناً أن هذه الأمور يجب أن تتوقف. وأضاف: «أنا في لقاءاتي أشوف الناس كلها، حتى رواد ديوانياتكم وقواعدكم، وكلهم يجوني بدون دعوة، وكلهم يأتون ويأكدون أنهم لا يريدون تكرار ما حصل في 1976 و1986 وأنه يجب وضع قيود وضوابط للمجلس، والكويت كلها تتحرك على هالأساس وهذا رأي أهل الكويت... حتى قواعدكم مو معاكم، وإذا هناك ناس غيركم أرسلوهم لي خلوني أشوفهم».
تجميد
أيقن النواب في تلك اللحظة أن موضوع الحوار لم يكن إلا لكسب الوقت وتجميد الحركة الدستورية، إذ كانوا يعلمون من خلال رصدهم للقاءات ولي العهد مع مجاميع المواطنين أن ما يقال غير صحيح، فالوفد الإسلامي الذي مثل جمعيات نفع عام إسلامية على سبيل المثال قد تقدم بورقة مكتوبة تطالب بالعودة إلى الدستور وتم توزيع هذه الورقة، كما أن بعض المجاميع من ممثلي القبائل ممن قابلوا ولي العهد حرصوا على وجود شهود معهم في اللقاءات ليتأكدوا من موقفهم الداعم لعودة العمل بالدستور وإعادة مجلس الأمة. وفي ظل ما تبدى، وقبل أن ينفض الاجتماع، بيّن النواب لولي العهد أنهم سينقلون ما قاله إلى زملائهم، مبينين أن هناك تصريحا صحافيا سيوزع على الصحف اليوم بشأن اجتماع النواب به يوم السبت الماضي، طالبين ألا يمنع الرقيب بيان النواب، فأكد لهم أن البيان سينشر.
وفي صباح اليوم التالي، اجتمع النواب ليفاجَأوا أن بيانهم قد نشر في صحيفتي الرأي العام، القريبة من السلطة، والسياسة، وقد شوهته الرقابة وحذفت بعض المقاطع وأضافت أخرى بديلة رغم طلبهم بألا ينشر التصريح إن حُرِّف. وساد شعور خلال الاجتماع الذي استمر حتى الثالثة عصراً بأن الوضع بات صعباً وليس مريحاً، خصوصاً في ظل تعطش واضح من قبل المواطنين باتوا يلمسونه من خلال ديوانياتهم بأنهم يريدون عودة التحركات الشعبية وديوانيات الاثنين، فرأى بعض المواطنين أن النواب أصبحوا يتنازلون عن أدواتهم ووسائل تأثيرهم لمصلحة حوار غير مجدٍ مع السلطة، لكن النواب كانوا حريصين ألا يقال عنهم أنهم كانوا السبب في عدم استمرار الحوار، فكانوا بذلك بين سندان قواعدهم ومطرقة حوار السلطة الذي أضحى أقرب ما يكون إلى جلسات استماع من كونه حواراً.
حل الخطيب للشيخ سعد
في نهاية لقاء النواب الخمسة مع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، وقبل خروجهم من مكتبه وفي ظل تأكيد الشيخ سعد المستمر أن النواب لا يمثلون الكل بل هم قلة، قال الدكتور أحمد الخطيب للشيخ سعد «بو فهد الكويتيين نص مليون، هل معقول أنك راح تقعد معاهم كلهم وتسمع رأي كل واحد فيهم؟»، مضيفا وهو يبتسم «أنا عندي لك حل، سوْ انتخابات، يطلعون لك خمسين نائب... تقدر تشوفهم بيوم واحد وتسمع رأي الشعب الكويتي وتخلص القصة». فرد الشيخ سعد بشكل جدي «إنت تبي يصير كلاش (أي تصادم) بين الناس اللي مع المجلس واللي ضده!».
رقابة الصحف تحوّر بيان النواب
فوجئ النواب بأن الرقباء المعينين في الصحف اليومية قد منعوا نشر بيانهم الصحافي بعد لقائهم الشيخَ سعد، على الرغم من تأكيد الشيخ سعد لهم أن الرقابة لن تمنع البيان. وعلم النواب لاحقاً أنه بعد منع نشر بيانهم عدّلت جهة ما البيان وأرسلته مرة أخرى إلى الصحف، إذ امتنعت عن نشره صحف الوطن والقبس والأنباء، تلبية لرغبة النواب، في حين نشرته صحيفتا السياسة والرأي العام القريبتان من السلطة خلافاً لرغبة النواب بعدم نشر التصريح المشوه. وفيما يلي نص التصريح كما أرسله النواب إلى الصحف، مع بيان الأجزاء التي حُذفت (تحتها خط) والعبارات التي أضيفت (بين قوسين):
بسم الله الرحمن الرحيم
تصريح صحافي
صرح السيد أحمد عبدالعزيز السعدون بما يلي:
بناء على دعوة كريمة من سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح التقيت و27 من (أضيفت كلمة «بعض» بدلاً من العدد) زملائي من أعضاء مجلس الأمة لعام 1985 مع سموه في قصر الشعب مساء السبت 3/3/1990، ولقد بدأ سمو ولي العهد اللقاء برغبته بالاستماع لآراء الإخوة الحضور حول موضوع عودة الحياة النيابية وبأنه سيضع بين يدي سمو الأمير، حفظه الله، كل الآراء والأفكار التي استخلصها من لقاءاته بهذا الشأن. كما بيّن في حديثه عن قناعته بأهمية وجود مجلس منتخب يراقب الحكومة وليس يحاسبها فقط ووفق صيغة معينة. وقد بدأنا حديثنا بالتأكيد على ما ذكرناه لسموه في لقائنا السابق مع سموه يوم الأربعاء الموافق 7/2/1990 حول ضرورة العمل بدستور 1962 وإعادة الحياة النيابية دون المساس بقانون الانتخاب، كما طلبنا من سموه توضيح ما يثيره من ملاحظات بشأن الممارسات السلبية للحياة النيابية حتى نتمكن من مناقشتها وإبداء الرأي حولها وفق أحكام الدستور، ولكن سموه رغب في الاستماع إلى الآراء دون التعليق على هذا الموضوع.
ونأمل مخلصين أن تتوج اللقاءات القادمة في القريب العاجل لما يحقق الرغبة الشعبية في الكويت بإعادة الحياة النيابية وفق أحكام دستور عام 1962 (أضيف بدلاً من السطر المحذوف عبارة «بما فيه الخير لمصلحة البلد»).
صورة لأحد اللقاءات في ديوانية أحمد السعدون وبدا جاسم القطامي ومحمد الرشيد وعبدالمحسن الفارس وأحمد السعدون وخلفهم الصورة الشهيرة في ديوانية السعدون لدستور 1962 والشيخ عبدالله السالم.
بدأ شهر رمضان عام 1990 في نهاية مارس، لتبدأ معه حركة التهاني والدواوين التي كسرت جمود الحركة الدستورية الذي فرضته مرحلة ما سمي بالحوار واتضح أنه غير ذلك، فباتت نقاشات الناس في الدواوين تتمحور حول الدستور والديموقراطية، بينما أعد النواب لشهر رمضان مجموعة من التحركات بعد أن تبين لهم عدم جدية السلطة في الحوار، خصوصاً أن معلومات قد تواردت لهم من مصادر عدة تشير إلى دعوة مجموعة من الخبراء الدستوريين أتوا الكويتَ من جمهورية مصر العربية لوضع تصور لدستور جديد، وأشارت المعلومات إلى أن من معالم التصور الجديد زيادة عدد الوزراء إلى 32، إضافة إلى زيادة عدد أعضاء المجلس، على أن يكون من الوزراء الـ 32 عشرة وزراء «أساسيين» لا يحضرون جلسات المجلس ولا يعتبرون أعضاءً فيه مما يعني أنهم لا يحاسبون، ويكون تحت هؤلاء الوزراء العشرة وزراء دولة يكونون أعضاء في المجلس الجديد على أن يكون النقاش والمحاسبة لهؤلاء الوزراء في إطار لجان المجلس لا في قاعته الرئيسية، كما أشارت المعلومات أنه لا يحق للمجلس مناقشة القانون بعد رده من سمو الأمير إلا بعد مضي سنة على رده وليس مباشرة بعد رده كما ينص دستور 1962.
معالجة جديدة
ورأى النواب في تلك المؤشرات خطورة تستوجب معالجة جديدة، كان أولها تلبية دعوة ولي العهد عندما قال للنواب الخمسة في لقائه معهم: «إذا تعرفون أحد يتفق معاكم قولوا لي عنه وأنا مستعد أقابله». واتفق النواب على ثلاثة قرارات، أولها وضع عريضة واضحة يوقع عليها المواطنون بشكل واسع وسريع، وتعبر عن رأيهم، وترسَل إلى سمو ولي العهد، أما القرار الثاني فهو أن يرسل النواب برقية إلى الأمير يعربون من خلالها عن قلقهم لما يتردد عن محاولة تجاوز دستور 1962، والقرار الثالث هو أن تتغير طبيعة عمل «الحركة الدستورية» في الديوانيات خصوصاً خلال شهر رمضان، فيتم إنشاء مجموعات تغطي الكويت كلها، وتكون زياراتها ليست للتهنئة فحسب بل للنقاش. وكان النواب حريصين في الوقت ذاته على ألا يقال إنهم هم من قطعوا الحوار، ومبينين أنه متى ما كان هناك حوار جدي فهم معه. في حين قررت مجموعة الـ45 عقد لقاء جماهيري موسع لإطلاع المواطنين على ما آل إليه الوضع بعد مضي ما يقارب الشهرين منذ إعلان الحوار والإجابة عن تساؤلاتهم والتعرف على وجهات نظرهم. بيان النواب
وأرسل النواب برقيتهم إلى سمو الأمير، مؤكدين خلالها خيبةَ أملهم في الحوار، مبينين أنه «لم تتح لنا فرصة الدخول في حوار حقيقي، بل اننا لا نبتعد عن الحقيقة أو نتجنى عليها حين نؤكد أن كل ما وجدناه هو استعداد للاستماع، فقد أبدينا وجهة نظرنا حول ثوابت معينة (...) ولكننا لم نستمع إلى أي رأي بشأنه كما لم تحدد لنا نوعية أو ماهية الممارسات التي ينسب إليها دائماً أنها السبب الرئيسي لحل مجلس الأمة وتعطيل الحياة النيابية وايقاف العمل بالجوهري من أحكام الدستور وان عودة الحياة الديموقراطية رهن بإيجاد الحلول الناجعة لها». وأعرب النواب عن مشاعرهم التي بدأت تتضح من أن «الدستور نفسه كسياج قانوني ضابط لأمور الدولة، ليس في مأمن من الإلغاء أو التنقيح بطريقة لا تتفق ومبدأ سموه وسيطرة أحكامه» مشيرين إلى أن الدستور من خلال تطبيقه «لما يربو على ربع قرن من الزمان لا يشير إلى أن هناك أي أزمة دستورية مردها إلى حكم من أحكامه الصريحة أو الضمنية... وإن عثرات التجربة الديموقراطية -ان وجدت- هي عثرات لا دخل لأحكام الدستور في وجودها، بل إن مردها لسوء تطبيق هذه الأحكام ولممارسات الواقع العملي، وهي ممارسات ليس من العدل أن تُلقى مسؤولياتها على المجالس النيابية فحسب.. ذلك لأن للحكومة النصيب الأوفر في أحداثها وليست منها ببراء». مشيرين إلى أن تعديل أو تبديل أو تنقيح الدستور من دون مراعاة أحكام المادة 174 يمثل مخالفة دستورية صريحة ومتعمدة ولم تعد فكرة الدستور قادرة على تحملها وهو أساس نظام الحكم، محذرين من أن «يهتز ما تبقى من استقرار في النفوس يغذي هذه الفكرة ويدور في فلكها، وتفتح أبواباً لسنا على يقين بأنها أبواب خير وصلاح لهذا الشعب الوفي وهذا البلد الأمين، في ظل ما يحيط بالمنطقة من حماس وانفعال وما يعصف في أرجاء العالم من زوابع وما يهب في بلدانه من رياح».
ولمواكبة المعالجة الجديدة التي اقترحها النواب، فقد التقت مجاميع ممثلة لجمعيات النفع العام والأندية الرياضية مع ولي العهد لإيصال وجهة نظرها، فكان ولي العهد ينفي ما يتردد عن نية السلطة تعديل الدستور واصفاً ذلك بأنه شائعات، في حين شهد لقاء الشيخ سعد بالأندية والاتحادات الرياضية أجواءً متوترة، إذ حضر رئيسا مجلسي إدارة ناديي القادسية والكويت عبدالمحسن الفارس وعلي الغانم مؤيدين للتمسك بالدستور، في وقت كان الآخرون يحملون آراءً مؤيدة للسلطة، فأكد الشيخ سعد في بداية اللقاء أنه يريد مجلسا يراقب الحكومة ويحاسبها، ولكن ضمن ضوابط لتحاشي السلبيات السابقة، فتحدث رئيس اتحاد السباحة، مبيناً أن الرياضيين أجمعوا على تكليف رئيس اللجنة الأولمبية الشيخ فهد الأحمد بالتحدث عنهم، فاعترض الغانم قائلاً: «أنا لم أكلف أحدا، وأمثل نادي الكويت وعندي لسان»، فأثنى على كلامه الفارس، ورد رئيس اتحاد السباحة: «ما كنت أقصدكم أنتم الاثنين»، ثم تحدث الشيخ فهد الأحمد قائلاً «إن اللجنة الأولمبية متفقة على ان التجمعات الشعبية التي كانت تقام أيام الأثنين لا تمثل أغلبية الشعب الكويتي، وإن اللجنة الأولمبية تريد أن تتحاشى ممارسات مجلس الأمة السابق وترفضها وتصر على وجود ضوابط لأي مجلس قادم»، في حين تحدث الغانم مؤكداً أن «الرأي الأول والأخير يجب أن يكون للشعب، وذلك لا يكون إلا عن طريق الدستور وانتخابات حرة، وإذا كان هناك أي تعديلات فهي تكون عن طريق المجلس وأنتم الآن تتحدثون عن ضوابط ولا نعرف ما هي هذه الضوابط»، فقاطعه الشيخ فهد الأحمد متسائلا:ً «أنت تمثل نفسك أم نادي الكويت؟»، فرد الغانم «أنا أرفض أن يوجه لي أي سؤال إلا من ولي العهد». وكانت اللجنة الإعلامية للحركة الدستورية قد سعت إلى رصد المقابلات التي كان يجريها ولي العهد في إطار «الحوار»، فتبين لها أن نحو 80 في المئة ممن قابلهم قد أكدوا تمسكهم بالدستور وعودة الحياة النيابية.
وفي المقابل، زار تكتل النواب جمعيات النفع العام للنقاش والتحاور وحشد التأييد لمطالبه بعودة دستور 1962، فكان له في ذلك تأييد من الجمعيات التي زارها. ومع اقتراب عيد الفطر، قرر النواب، كخطوة لإعادة أجواء الحراك الشعبي، أن يتلقوا تهاني المواطنين بشكل جماعي صباح يوم العيد في ديوانية أحمد السعدون بالخالدية.
العشر الأواخر
كان خطاب الأمير ليلة الأحد 22 ابريل بمناسبة العشر الأواخر من رمضان خطاباً مرتقباً، إذ كان من المتوقع أن يحمل توجهات جديدة في ما يخص مستقبل الحياة السياسية وما أفضت إليه مرحلة الحوار، وهو ما حصل. فبينما تجمع الناس بعد الإفطار حول شاشات التلفزيون، نواباً ومسؤولين ومواطنين، كان الخطاب كله مخصصاً لتناول موضوع الحوار وقرار الأمير إنشاء مجلس وطني «يكون بمثابة فترة انتقالية، ويتولى تقييم تجربتنا النيابية واقتراح خطواتها المستقبلية ودراسة مسارات نقلتنا النوعية وصيانة مسيرتنا الديموقراطية وتأكيد وحدتنا الوطنية» حسب نص الخطاب. وفي الليلة ذاتها، صدر المرسوم الأميري بإنشاء المجلس الوطني. وهكذا استكملت صورة الانقلاب على الدستور بإنشاء المجلس الوطني، فلا رغبة في العودة إلى دستور 1962 أبداً، ولم يكن مسلسل الحوار الا ذرا للرماد في العيون.
الصقر في جمعية الصحافيين: ولي العهد قال لنا عن الرقابة «كلام الليل يمحوه النهار»
في زيارة النواب لجمعية الصحافيين، تحدث رئيس تحرير جريدة القبس آنذاك محمد الصقر عن حادثة جمعته ورؤساء التحرير مع ولي العهد، فقال: «اصطحب سمو ولي العهد الشيخ سعد العبدالله بعض رؤساء التحرير في مهمة رسمية إلى القاهرة، وفي الطائرة دار نقاش مع سمو ولي العهد عن الأوضاع في الكويت، وكان لديه عتب على الطريقة التي تعايش فيها الصحافة الأحداث وخصوصا ديوانيات الاثنين، فقيل له إن كنت مستاء من ذلك فالصحافة مكبلة أيضاً، فعلى الأقل فليفسح المجال لوجهات النظر الأخرى، وبعد نقاش قال ستسمعون مني كلاماً طيباً بعد العودة إلى الكويت. وبعد 48 ساعة أعلن في مؤتمر صحافي في القاهرة رفعَ الرقابة عن الصحافة الكويتية.
وفي طريق العودة في الطائرة، قال لنا: «كلام الليل يمحوه النهار» وكان مازحاً، ثم دعانا إلى اجتماع بعد أسبوع في الكويت، وقلنا له إنك وعدتنا برفع الرقابة خلال أيام معدودة، فرد لا أنصح الآن برفع الرقابة لأنها ليست من مصلحتكم والأوضاع لا تحتمل، وأضاف أنه إذا رُفعت الرقابة فسيكون ذلك بناءً على الأوامر الأميرية، ويقصد بذلك المادة 35 مكرر من قانون المطبوعات، فقلنا له إن الصحافة بذلك تكون خاضعة لرقابة وزارة الإعلام، وهذا غير مقبول لأنه قفز في المجهول، فقد يترتب عليه سحب ترخيص أو سجن رئيس تحرير.
عبد الله المطوع يدعو النواب إلى التهدئة... والسعدون والخطيب يردان: السلطة هي التي اعتدت
في الفترة من 8 إلى 11 أبريل 1990 قامت كتلة النواب بجولة على جمعيات النفع العام الكويتية لإطلاعها على تطورات الموضوع وحشد تأييد أكثر، فزاروا رابطة الاجتماعيين ورابطة الأدباء والجمعية الاقتصادية وجمعية المحاسبين والمراجعين وجمعية إحياء التراث الإسلامي والجمعية التعاونية لموظفي الحكومة الكويتيين وجمعية المعلمين وجمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت، وكان الحوار متشابها في معظم الزيارات، حيث يلقي رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون كلمة، ثم يرد عليه أعضاء الجمعية بتأييدهم للمطالبة بالتمسك بالدستور وعودة الحياة الديمقراطية بصيغتها الدستورية. ومن بين الزيارات التي تخللها بعض الحوارات المثيرة كانت الزيارتان إلى جمعية الإصلاح الاجتماعي وجمعية الصحافيين، ففي جمعية الإصلاح جرى السجال الآتي بين السيد عبدالله العلي المطوع والنائبين د. أحمد الخطيب وأحمد السعدون.
تحدث المطوع وهو أحد رموز جمعية الإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين بإسهاب عن دور الجمعية في الأزمة، وقال: «اننا أول جمعية تنادي بفتح باب الحوار مع التأكيد بأن أي تعديل للدستور لا بد أن يكون من خلال مجلس الأمة، مع العلم بأننا جماعة مسلمة لدينا تحفظ عن بعض مواد الدستور، ومنها المادة الثانية، إذ نسعى إلى تعديلها لتكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ولكن نسعى إلى تحقيق ذلك من خلال المجلس، وسنطرحها في المجلس القادم». وأضاف العلي: «علينا أن نضع في اعتبارنا الأوضاع السياسية الإقليمية، فهناك مطالب من دول كبرى، فأميركا تطالب دول الخليج بضخ النفط بكميات كبيرة وبلا ثمن، لذلك علينا أن نستمر في المطالبة ولكن بالكلمة الطيبة والحوار الهادئ وبلا تجريح، يجب أن تكون هناك ضوابط للمطالبة وأن تسود روح الأخوة والمحبة».
• الخطيب مقاطعاً: «يا بوبدر أرجوك لا تسترسل في موضوع غير صحيح، هم الذين جرحوا فينا، الذين سمونا كلاب في التلفزيون، هم الذين جرحوا وقالوا عنا هؤلاء حاقدين، هم الذين جرحوا وقالوا عنا في مسجد فاطمة هؤلاء غير كويتيين هم الذين جرحوا...».
• المطوع: من قال ذلك؟
• الخطيب: هم قالوا!
• المطوع: أثبت كلامك. أثبت كلامك.
• الخطيب: يوجد شهود! يوجد شهود!
• المطوع: دكتور يجب أن نترفع...
• الخطيب: هم يدوسون ببطننا وتريدوننا أن نسكت! ثانياً احنا ما نطر منهم،
• المطوع: أنا أقول لك هذه الطريقة وهذا الأسلوب لا يمكن أن يحققا شيئا.
• الخطيب: يكلمونا نكلمهم، أما يدوسون ببطننا ما راح نسكت.
• المطوع: أنا أدعو إلى أن الاحترام واجب بين كل الأطراف، ولكن دكتور التسجيلات في ديوانيتك فيها كلمات بحق بعض الطيبين وتجريح لا نقره، أقول لك بصراحة وأمانة، وهذه لا توصل لهدف، يجب أن نكون رجالا، وتكون نظراتنا بعيدة للأمور، ويجب أن يكون تقييمنا موضوعيا للمسائل. بالأسلوب الطيب والتعامل الحسن والخلق الفاضل.
• الخطيب: ثلاث سنين ونصف أسلوب طيب.
• المطوع: ما عليه خل يكونون أربع سنين. أنت تطالب بأمر مشروع حطه بإطار العقلانية.
• إسماعيل الشطي: أنا أتوقع ما فيه خلاف بين الدكتور أحمد وبوبدر...
• المطوع مقاطعاً: إلا الأسلوب.
• إسماعيل الشطي: حتى في الأسلوب.
• المطوع: لا لا لا. أنا اختلف مع الدكتور في الأسلوب.
• الخطيب: أنا أتحدى أي واحد يقول اني شتمتهم، الحمد لله أن أشرطتي مسجلة. استفزاز ممكن نستفز، ولكن أن نغلط بالكلام فلا.
• المطوع: الأخ عبدالله النفيسي كان في يوم من الأيام محسوبا على هذه الجمعية، وهذه الجمعية هي التي جاءت به إلى الانتخابات، وكان في طروحاته في المجلس السابق شيء من التشنج الذي لا نقره كجمعية، فاتصلت به وقلت له إن عليك أن تلتزم بخط ولا تستفز الناس، هذا أحد مبادئنا كتجمع إسلامي وهو الالتزام بالكلمة الطيبة والخلق السليم وألا نجرح حتى من نحن خصوم معه ويخاصمنا في الرأي والفكر والاتجاه، نحاول أن نكسب ود الناس.
وهنا تدخل أحمد السعدون قائلاً: أنا أخشى أن تتحول قضيتنا إلى ما يقال في الأشرطة وبالتالي نحيد عن القضية الأساسية، مع تقديري لمن يقر أو لا يقر ما يقال، ولكن تبقى ليست القضية، الكلام يجب أن يوجه إلى السلطة أولاً لأنها هي التي اعتدت على حقوق الناس والدستور وعطلت الحياة النيابية وتقولنا ما لم نقله...
• المطوع يحاول المقاطعة.
• السعدون يكمل: لذلك لا تصبح هذه القضية قضيتنا.
• المطوع: أنا أقول حتى نحقق قضيتنا لازم...
• السعدون رافضاً مقاطعته: رجاءً... رجاءْ،.. أنا أعتقد أننا نحاول إيصال رسالة للسلطة بأننا نهدئ الأجواء حتى تعطينا ما نريده، هذا أيضاً كلام مو سليم، ما نطالب به بضرورة عودة الشرعية الدستورية ليست مطالبة، ليس استجداء، هذا كان قبل، في عام 1962 كانت هناك مطالبة، ولكننا الآن نتحدث عن حق وعقد وميثاق، نتحدث عن طرف في الميثاق أخل به وحنث بالقسم، لذلك أي خطأ يرتكبه أي منا يبقى لا يرقى إلى مرتبة الخطيئة.
• المطوع مقاطعاً: هو....
• السعدون: بوبدر رجاءً...
• المطوع: ما هي الوسيلة إلى تحقيق ذلك؟
• السعدون: أرجوك أرجوك... سلطة عطلت الدستور بإجراء غير دستوري وحلت مجلس الأمة غير دستوري، ومنعت التعبير عن الرأي، تشطب حتى الرأي الذي نقوله لهم ونريد إبلاغ الناس فيه، تقوّلوا علينا بأن سجلوا في البيان الصحفي الذي كتبناه كلاما لم نقله، ولما حاولنا تصحيح الكلام في الصحف منعونا، ولما عقدنا الدواوين قالوا «صعدّوا»، لا يا جماعة نحن بشر والشعب الكويتي له حق في النهاية. أنا أكثر ما يؤلمني أن أقف في المجلس وأقول كلمة بها تجريح، ولكن نحن بشر، الآن أصبحت أقوالنا تقلّب، ورأي الشعب الكويتي يقلّب. لذلك لا يجب أن تتحول قضيتنا إلى ما يقال في الدواوين، بل نقول لهم هذا ما يدور في الدواوين فمن المسؤول عنه؟ هناك تجريح ولكن علينا أن نخاطب السلطة بأنها المسؤولة عنه، أغلقتم أمام الناس كل الوسائل المتاحة لقول كلمة الحق، الآن أربع سنوات حتى الحوار ليس له علاقة بالدستور، ما هو السند الدستوري الذي يتيح للسلطة تعطيل الحياة النيابية، وتقول تعالوا لنتحاور على ضوابط وصيغ؟ إن أرادوا ضوابط وصيغ أو حتى تنقيح الدستور فهذا متاح لهم بنص الدستور، ولكن من خلال مجلس الأمة.
وأكمل السعدون: إن أردنا أن نتحدث عن التجريح فأنا أذكر لكم حادثة حصلت لي في المجلس عندما اعترضت على مقترحات تنقيح الدستور بأنها سلب لسلطات المجلس، فقال رئيس الوزراء (الشيخ سعد) أنت تتدثر برداء الوطنية، فقلت له إن كان التدثر بدستور 62 تدثر برداء الوطنية فأنعم به من تدثر. وفي حادثة أخرى، أراد رئيس الوزراء أن يقول مثلاً عن خداع الناس ولكن أخطأ فيه، فوقفت وقلت له المثل الذي قلته خطأ والصح هو «أنك تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، ولكن لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت» وأنا أتفق تماماً مع سمو ولي العهد، وقد نختلف على من يعني.
جانب من إحدى زيارات النواب لجمعيات النفع العام في رمضان وبدا عباس مناور ود. أحمد الخطيب ومبارك الدويلة
محمد الصقر متحدثاً في لقاء النواب بجمعية الصحافيين