كانت الكويت منذ تأسيسها مقصدا للزوار من رحالة والمؤرخين وأدي ذلك بالطبع إلي وجود مخزون وافر من الكتابات عن الكويت في السنوات الاخيره لبعض هولاء المؤرخين والرحالة وغيرهم والذي تصادف وجودهم مع احتفال أهل الكويت بعيدي الفطر والاضحي وشاركوهم هذه الاحتفالات وقدموا لها وصفا متميزا جادت به صفحاتهم ومن خلال هذه السطور سوف نتجول مع طائفة من كتاباتهم حول احتفال أهل الكويت بالعيد قديما .
وسوف نبدأ مع كتابات هارولد ديكسون وهو الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في عام 1929 تقاعد من العمل عام 1936 وعين ممثلا محليا أعلى لشركة نفط الكويت وتوفي في الكويت عام 1959.
قال ديكسون في كتابه عرب الصحراء عن العيد في الكويت ما نصه :
في مساء اليوم السابق ليوم العيد يقوم شيخ الكويت بعد حصوله على مشورة العارفين بإعلان يوم الغد كأول أيام العيد فتعم الأفراح البلاد خاصة إذا كان العيد يأتي بعد شهر مرهق من الصوم إذ ان نهاية هذه الفترة العصيبة قد حانت أخيرا .
وكانت النساء قد قضت الأسبوعين الأخيرين بطولهما في الخياطة وإعداد الأثواب الكثيرة الألوان لهذه المناسبة وكان الأزواج والسادة يوزعون الكسوة على زوجاتهم وأطفالهم وعبيدهم وخدمهم.
ويعم البلاد جو من السعادة والحبور كما يحدث عندنا في الأيام الأخيرة السابقة لاعياد الميلاد ومن أهم الأمور في هذه المناسبة الاستحمام وغسل الشعر وتخضيب الايدى والأرجل بالحناء .
ويكون ذلك في الكويت عادة باستخدام الحناء الحمراء لأظافر اليدين والقدمين والحناء السوداء لراحة اليدين بإشكال مختلفة وعلى الإقدام كذلك .
ويستهل أول أيام العيد بإطلاق ثلاثة مدافع من بطارية مدافع الشيخ القديمة من قصره في المدينة ويشير ذلك الى ان الشيخ وإفراد عائلته قد انتهوا من أداء فريضة الصلاة في مسجد الخليفة وإنهم في طريقهم الى الساحة الكبيرة الواقعة إمام ديوانية المرحوم الشيخ مبارك والوقت الآن بعد شروق الشمس بقليل ويتبع ذلك احد أجمل وأروع الاحتفالات التي ترى في الكويت .
يجلس شيخ الكويت مع كبار أعضاء أسرة الصباح في احد إطراف ساحة القصر ويمر كل رجل في المدينة مهما كان المنصب الذي يشغله أو حتى كل من كان يطمع في منصب غنيا كان ام فقيرا كبيرا ام صغيرا إمام الشيخ مقبلا يده أو كتفه ويمر إمامه عادة واحد اثر واحد أكثر من إلفي رجل دون تأخير أو جلبة وكلهم يعبرون عن ولائهم لشيخهم بقولهم عيدك مبارك ويحصلون مقابل ذلك على ابتسامة عريضة والرد الوقور التالي ( أيامكم سعيدة ) .
والمشهد مهيب حقا وليس هناك ما يدل أكثر من ذلك على حب سكان الكويت وولائهم لحاكمهم ولأسرة الصباح الحاكمة .
وتنتهي مراسيم الاحتفال أخيرا ومن المعتاد ان يقوم سكان المدينة القاطنون في الجزء الغربي منها بزيارة القاطنين في شرق المدينة في أول أيام العيد في حين يقوم القاطنون في الأجزاء الشرقية من المدينة برد الزيارة في اليوم التالي.
ويعتبر السوق الكبير هو الحد الفاصل بين شرق المدينة وغربها ولذلك فان هناك حركة سريعة بين سكان المدينة الأغنياء منهم يتنقلون في سياراتهم والفقراء على الإقدام في طريقهم لتهنئة بعضهم بعضا بالعيد حيث يدخل الزائر الى ديوانية من يقوم بزيارته متمنيا له عيدا سعيدا بقوله عيد مبارك ثم يتناول فنجانا من القهوة ويتلقى رشة من ماء الورد ونشقه من ريح العود ويسرع الى المنزل التالي وهو يقول مودعا عيدكم مبارك ان شاء الله أو عاد عيدكم وتكون الحركة السريعة الدائبة هي شعار ذلك اليوم ولا عجب في ذلك إذ ان على الفرد ان يقوم بزيارة من ستين الى سبعين منزلا قبل ان ينتصف النهار .
وهي طريقة يجدها الأوروبي المعتاد على أسلوب اهدأ في التعبير عن احترامه للناس طريفة ومسلية ان لم تكن محيرة إذ ما يكاد الضيف يجلس ويرشف قهوته حتى يعلو صوت المضيف وهو يقول هات الطيب أي احضر البخور وهي يعني بذلك أنت على الرحب والسعة ولكن الوقت قد حان للانصراف ووداعا وإنا نفسي لا اعتقد بأنني في مثل هذه المناسبة كنت امكث أكثر من ثلاث دقائق في المنزل الواحد غير ان معظم العرب يختصرون زيارتهم الى دقيقة واحدة فقط .
وهذه هي طقوس الاحتفال لرجال المدينة في العيد إما النساء والأطفال فما ان ينبلج الصباح حتى ينهضوا ويغتسلوا ويرتدوا أفضل ما لديهم من ثياب ويطيروا من مكان الى مكان كفراشات سعيدة مزركشة وهم يتمنون للجميع عيدا سعيدا .
وأول من تزوره النساء طبعا هي الشيخ بيبي السالم زوجة الحاكم والتي تقوم بدورها منذ مطلع الفجر كالرجال لتستقبل الزائرات ويتبع ذلك زيارات اخرى لبقية سيدات آل الصباح وأخيرا نساء المدينة البارزات وبشكل عام فان السيدات الأفقر يقمن بزيارة أخواتهن الأسعد منهن حظا كما ان هناك حركة أكثر نشاطا بين الطبقات الدنيا والخدم. إما الأطفال فهم كأطفالنا في أعياد الميلاد يتمتعون بالعيد كما لا يتمتع به احد إذ يزين الإباء والأمهات بناتهم بكل ما تقع عليه أيديهم من حلي ويسلبونهم الملابس الثمينة ذات الألوان البهيجة ويجعلونهم يظهرون كأجمل وأنظف الأطفال في العالم .
كما ان الصبيان الصغار أيضا يرتدون أثوابهم الجديدة الجميلة من زبون وكوفية وعقال ويتجه الصبيان والبنات بشوق الى بعض مراكز المدينة المعروفة حيث يجدون ما تهفو إليه نفوسهم من أراجيح ودوامات وعربات وحتى الصناديق البسيطة التي تجرى على عجلات ابسط منها والتي يجرها الفتية أو الرجال الذين يسعون للترويح عن الصغار وإدخال السعادة على قلوبهم وبدلا من أراجيحنا المنفردة نجد هنا الصناديق الكبيرة المسطحة التي يسع الواحد منها سبعة أو ثمانية أطفال في الوقت الواحد.
وهذا النوع من الأراجيح هو أشهرها وأكثرها شعبية لدى الأطفال الذين يجلسون فيها ويدفعهم أصحابها الى الإمام تارة والى الخلف تارة وهم يغنون بصوت أجش خشن أغان يطرب لها الأطفال السعداء ويرددونها وراءهم وهم يطيرون من شدة الفرح . وكانت رؤية هؤلاء الأطفال السعداء وهم يحتفلون بالعيد تملأ قلبي وقلب زوجتي وأطفالي بالبهجة وكنت دوما بعد ان انتهى من زياراتي الصباحية احشر زوجتي وأطفالي في السيارة ونقوم بجولة ننتقل فيها من مجموعة الى اخرى ونحن نمتع أنظارنا برؤية هؤلاء الأطفال السعداء وهم يلعبون وكان المشهد البهيج يملا دوما قلوبنا بالفرحة .
وبعد الانتهاء من زيارات الصباح ووجبه الغداء في منتصف النهار يعود الأطفال مرة اخرى الى أراجيحهم ودواماتهم وعرباتهم .
ويذهب الكبار وبخاصة النساء اللواتي يتمتعن في هذه الأيام السبعة من العيد بحرية اكبر بكثير مما يتمتعن به في الأيام الاخري الى ساحة الصفاة وهي سوق المدينة المركزي المفتوح حيث يشاهدون الرجال وهم يؤدون رقصات السيف ويعرف هذا النوع من الرقص في جميع إنحاء الجزيرة العربية بالعرضة وهذا النوع من الرقص بالسيوف شائع جدا بشكل خاص في المناطق الداخلية من نجد والمدن الساحلية.
تقوم أربع أو خمس فرق برقصة العرضة في آن واحد في الكويت بمناسبة العيد والمؤدون في هذه الرقصات هم سكان الكويت من أبناء البادية والحاضرة .
وبشكل عام فان رقصة العرضة تبقى هي لا تتغير ما عدا بعض التنويعات الطفيفة التي تناسب أذواق الراقصين المختلفة .
والإشارة المستخدمة لبدء العرضة هي عبارة عن علم كبير من إعلام الكويت يثبت في الأرض ليتجمع حوله الناس وبالقرب من هذا العلم يقف مجموعة من الرجال وهم يحملون الطبول والدفوف.
ويبدأ الرجال بقرع الطبول بانسجام مستخدمين قطعة مسطحة من الخشب القاسي أو العظم في حين يقرع الدف باليد .
وفي الحال يتجمع الناس من حولهم وكذلك الرجال الذين يؤدن الاشتراك في الرقص ويكون نصفهم من حملة السيوف والنصف الأخر من حملة البنادق وسرعان ما يصطف هؤلاء الرجال ويأخذ كل منهم مكانه في الدائرة الواسعة التي يشكلونها حول العلم. ثم يدخل المغنون أو المرددون الى وسط الدائرة ويتكون هؤلاء من صفين في كل منهما ثلاثون رجلا يواجه احدهم الأخر في نهايات الحلقة المتقابلة .
وأخيرا يأتي رجال البارود الذين يحشون بنادقهم من الفوهة بالبارود الأسود ويطلقونها على الأرض إثناء دوران الرقص .
ولدى انتهاء الاستعداد للرقص يقوم احدهم بإشعال نار في وسط الحلقة لتسخين الرق وشده عندما يرتخي ثم ان فريقي المرددين يأخذان أماكنهما متقابلين بأذرع متشابكة ويفصل بينهما مسافة تقدر بسبعين قدما ثم يبدأون أناشيدهم الرتيبة وهم يطرحون من أماكنهم ولفرقة المرددين هذه رئيس يقوم بتوجيه الغناء والذي يتحرك الآن بعصبية من مجموعة الى اخرى ليرشدهم الى مايغنون من أبيات والتي يقوم هو بتأليفها.
ثم ينتقل الى فريق المرددين الثاني ويخبرهم بماذا يجيبون ويغير هذا الرئيس الأناشيد كل خمس دقائق تقريبا وعندما يبدأ المرددين الغناء بصوت عميق يأخذ حملة السيوف وحملة البنادق والذين يبلغ عددهم في العادة من أربعين الى خمسين رجلا بالسير على نحو دائري حول الحلقة وبإيقاع بطئ يمكنهم من مرافقة الغناء وقرع الطبول بانسجام ويبدأ الطبالون بقرع طبولهم في وسط الحلقة قريبا من العلم المرفوع ولكنهم لا يلبثوا ان يغادروا أماكنهم ويدوروا مع حملة البنادق والسيوف عندما يزداد الإثارة والهياج إما حملة البنادق والسيوف فهم لا يشاركون في الغناء مطلقا بل يكتفون بتحريك سيوفهم وبنادقهم فوق رؤوسهم على نحو رتيب وبإيقاع بطئ ويقوم الأكثر خبرة منهم بقذف أسلحتهم في الهواء من حين الى الأخر والإمساك بها ثانية إثناء هبوطها وإثناء سير الرقص يأتي دور رجال البارود ولدى وقفة معينة في الغناء يرفع الرجال الذين يحملون البنادق القديمة التي تلقم من الفوهة إعقاب بنادقهم في الهواء موجهين فوهاتها نحو الأرض ويطلقونها وسط وابل من الغبار والدخان الأبيض بأكثر ما يستطيعون من الانسجام ويكون نتيجة ان يسمع صوت انفجار وابل متقطع من الرصاص .
ويقوم رجال البارود دون توقف عن سيرهم الدائري البطيء بحشو بنادقهم ثانية وبعد خمس دقائق من ذلك يعيدون نفس الدور و يستمر الأداء على هذا المنوال مدة ساعتين في المرة الواحدة ويكون قد أحاط بالمؤدين في هذا الوقت جموع غفيرة من المتفرجين وعلى بعد عشرين أو ثلاثين ياردة من هؤلاء كانت تقف جماهير من النساء تفوق الرجال عددا واللواتي كن يرتدين ثياب العيد تحت عباءاتهن السوداء التي يلتمع من تحتها ألوان براقة من الأحمر والأخضر والبنفسجي والقرمزي والأزرق تنبعث من الأثواب البديعة التي تطل على استحياء من تحت العباءات السوداء وكان بين الجموع عدد قليل من الفتيات الثريات اللواتي كن يرتدين ثيابا احدث طرازا من الأخريات ولكنهن كن يرتدين نفس الجوارب المصنوعة من الحرير الاصطناعي والأحذية ذات الكعب العالي والتي كانت تبرز على النحو متنافر مع تنوراتهن الطويلة وعباءاتهن السوداء ولكن غالبية النساء كن يرتدين الشباشب السوداء قديمة الطراز كما ان بعضهن كن حافيات غير إنهن جميعا كن محجبات وبدون استثناء إما الفتيات البدويات فكن يضعن البراقع أو الحجب السوداء التي تظهر منها العينان من خلال ثقبين على هيئة حبات اللوز.
وكانت هذه العرضان تتسم من أولها الى آخرها بالرصانة والاحتشام والبعيد عن الخفة والابتذال وكانت حركات الرجال بطيئة ومتلوية دون إسفاف أو سوقية كما ان سلوك المتفرجات من النساء كان هادئا ولائقا كل اللياقة والرقصة في الأصل هي رقصة حربية والأناشيد المرافقة لها هي عبارة عن مديح لحكام البلاد أو تمجيد لبطولات الرجال الشجعان وكان ضاربو الطبول بشكل عام من العبيد في حين كان بقية المؤدين من العرب أو طبقة المحاربين وكانت النساء في أيام العيد السبعة لا ينقطعن عن الرقص في منازلهن وبعيدا عن أعين الرجال وقد قامت زوجتي بزيارة الكثير من هذا النوع من رقص النساء سواء في منازل الأسر الغنية أو الفقيرة أو بين البدو في بر الكويت وهي تؤكد ان جميع أنواع هذا الرقص كان محتشما راقيا بعيدا كل البعد عن الابتذال وكان يرافق الراقصات دوما مغنيات ينقسمن الى قسمين للمحافظة على الإيقاع وكانت النساء المتربيات في المدينة يؤدين معظم رقصهن وهن جالسات في حين ان أخواتهن من بنات الصحراء كن يرقصن واقفات ويحركن إقدامهن بخطوات منتظمة وكانت الراقصات جميعا ودون استثناء يرخين شعورهن عند الرقص ويحركن أجسامهن ورؤوسهن بحركات دائرية بحيث يتطاير شعرهن المتدلي بحرية من جهة الى اخرى بحركات لولبية جذابة وكان قصب السبق دوما من نصيب من هي أطولهن وأجملهن شعرا ولدى وقوع فترة العيد في فصل الربيع بجوه المنعش حيث ينتشر العشب في كل مكان تصبح النزهات المقتصرة على النساء هي سيدة الموقف ولكن مثل هذه النزهات لاتبدأ إلا بعد مضي الأيام الثلاثة الأولى من العيد تأخذ بعدها جموع النساء والأطفال بالانتقال الى خارج أسوار المدينة حول الآبار والواحات المجاورة التي لا تبعد أكثر من ميل أو ميلين عن المدينه
وإما المؤرخ الثاني الذي سوف نتحدث عنه هو الرحالة جون دانيالز والذي أرخ بعض مشاهداته في كتابه ( رحلة الكويت ) وأول اتصال لدانيالز بالكويت يعود إلي عام 1948 م وذلك عندما جاء ليعمل في الكويت في بدايات اكتشاف النفط وساعدته لغته العربية التي درسها في مركز الشرق الأوسط للدراسات العربية في لبنان عام 1958 م في توثيق وفهم الإحداث من حوله وزار الكويت عدة مرات متقطعة في الفترة ما بين 1950 و عام 1970 م وكان من ابرز ما شد انتباهه من مظاهر الحياة الاجتماعية في الكويت مشهد العيد وفرحة الناس فيه حيث يقول :
انه صادف عيد الفطر يوم الأحد 24 فبراير لعام 1963 الموافق غرة شوال 1382 للهجرة وهو عيد استثنائي جمع بين عيد المسلمين الذي يحتفل به بنهاية شهر رمضان الاستثنائي والعيد الوطني للكويت وعطلت الدوائر الحكومية أعمالها لفترة طويلة وظلت معطلة حتى السبت التالي وطوال السنين التي كنت محظوظا بمشاهدة احتفالات عيد الفطر في الكويت لم اشهد مثيلا لاحتفالات عيد فطر عام 63 والتي جاءت بعد مقتل ديكتاتور العراق عبدالكريم قاسم .
حيث لا تزال عالقة في مخيلتي صورة مجموعة مكونة من خمسة أطفال يلعبون في شارع فهد السالم الفخم تتراوح أعمارهم بين 9 الى 10 سنوات ولديهم نماذج العاب لسيارات أمريكية حديثة والتي تسير بالبطارية عن طريق التحكم من بعد .
وإذا ما عدت بالذاكرة الى الوراء عام 48 كنت بالكاد أجد بطارية استخدمها لنور الإضاءة المحمول فكيف تكون علية الحال ألان ان تستخدم البطارية لسيارات الألعاب قبل عشرين عاما.
عندما كانت دكاكين العيد تضاء بالفوانيس المعبأة بالكيروسين ( الكاز ) إما اليوم فان كل أنواع الانارات الكهربائية متوفرة من النيون الى الفلور سنت ومن هذه المحلات التجارية يبتاع الرجال الملابس الجديدة لأطفالهم وزوجاتهم وخدمهم وذلك قبل نهاية رمضان بفترة وجيزة.
وفي الماضي كانت قائمة شراء ملابس جديدة للعبيد جزءاً من قائمة مشتريات العيد .
وقد اكتشفت ان تكلفة كل لعبة السيارات المذكورة أعلاه حوالي جنيهان استرلينيان وهذا يعني ان مجموع ما صرفه الأطفال خمسة لشراء اللعب يساوي راتب شهر كامل لوالد كل منهم قبل حقبة النفط في الكويت .
وأصبحت عادة شراء الألعاب للأجيال الجديدة وما تكلفة من جنيهات عادة متبعة ومع ان الزمن حمل معه كثيرا من التغييرات إلا ان بعض العادات والتقاليد لازالت قائمة .
وكما هو المعتاد كانت أصوات طلقات المدفع في الصباح الدليل على بداية الاحتفال بالعيد ولم تكن تلك المناسبة عادية في الكويت .
وقد يكون السبب هو مزج الاحتفالات السابقة بمقتل قاسم والإحداث الاخري المهمة ان العيد أعقب إحداثا مفاجئة الى حد ما ومظاهر الفرح عمت كثيرا من المباني ورفرفت الإعلام الكويتية عاليا فوق المباني الحكومية والتي ترفع في العطل والمناسبات الخاصة وزينت الشوارع برايات على طولها وسيارات الأجرة التاكسي أيضا رفعت رايات الفرح وهي تجوب الشوارع الفسيحة الحديثة والتي إلي عهد قريب كانت ضيقة وذات مسار واحد وعدد السيارات التي تسير عليها قلية وإثناء عيد الفطر عام 63 غصت الطرقات بتزاحم السيارات التي تنقل الأصدقاء والأقارب لتبادل زيارات التهنئة بالعيد.
ومما يدعو للأسف انه نتيجة للروح العالية وقلة الاهتمام ان تزايدت نسبة الحوادث وتراكمت السيارات على جانب الطرقات وتركت لعدة أيام وكأي بلد في العالم خلال الإجازات والعطلات تزداد حوادث السيارات واليوم لسوء الطالع فان الحوادث بازدياد.
وإذا ما تركنا جانبا مشاهد حوادث الطرق التقليدية الأكثر سلبية هناك كثير من المشاهد الجميلة في الكويت فعلى سبيل المثال تمثل ساحة الصفاة بوسط المدينة مركز للباعة المتجولين والمصورين الفوتوغرافيين فيبيع الأولون جميع أنواع الورود والزهور الورقية ويأخذ الاخيرون صورا شخصية تذكارية مع صور لحاكم الكويت وكان اخذ الصور مع صورة الرئيس المصري جمال عبد الناصر هي الأكثر تفضيلا.
وهناك شارع لا يبعد كثيرا عن ساحة الصفاة يطلق عليه السكان اسم الشارع الجديد وبعد احتفالات صباح يوم العيد لم يبد الشارع الجديد كعادته جديدا إذا وصلت مظاهر العبث خلال العيد الى درجة امتلاء هذا الشارع بالمهملات والجرائد والمجلات وعلب الكرتون وهي مخلفات الاحتفال.
وكان هناك كثير من المجلات المصرية المتناثرة الى جانب ست أو سبع سيارات لوري لشحن مرطبات صباح والتي تنشر إعلانات لشرب مرطب صباح والتي يعتقد انه سمي باسم المطربة اللبنانية الشهيرة صباح .
وبعد ان تجاوزت الشارع الجديد متابعا السير في شارع فهد السالم باتجاه مكتب البريد العام والذي كان يقبل عليه قبل حلول أيام عيد الفطر بأيام قليلة كثير من السكان مثلنا نحن الغربيين في عيد الميلاد الكريسماس لإرسال بطاقات التهاني للأقارب والأصدقاء بهذه المناسبة وبينما كنت أسير على مهل رأيت كثيرا من الأطفال وهم يرتدون الملابس الجديدة ومنهم من يرتدى الزى العسكري ويحمل لعبا لمسدسات وسيوف .
وبعد السير في الشارع لهنيهة استدرت خلف عمارة الزيد وهي عمارة تقع على امتداد الشارع وكما كنت مسرورا فأنني متأكد بان حمود الزيد مالك العمارة هو الأخر مسرور بمنظر أطفال من ذوى الدخل المحدود وهم مجتمعون يلعبون بالعاب صنعوها بأنفسهم على شكل دائرة صناديق الكرتون والعجلات وقد يكون هذا المنظر من مناظر العيد قبل سنوات عدة خلت ومع هذا تجد هؤلاء الأطفال مستمتعين بهذا العيد مثل استماع أطفال الأسر الغنية بألعابهم الثمينة .
وبعيدا عن عالم متعة الأجيال الجديدة بالعيد فان النساء والأمهات الكويتيات قد تحسنت أوضاعهن وأصبحن يتمتعن بامتيازات كثيرة هذه الأيام بينما كن في الماضي رهينات بيوتهن طوال السنة. وفي مناسبات الأعياد كعيد الفطر فأنهن يحصلن على حريتهن فيخرجن من بيوتهن ويذهبن الى ساحة الصفاة حيث يشاهدون الرجال وهم يؤدون رقصة السيف التقليدية المعروفة باسم العرضة وفي هذه الرقصة تجد المشاركين وهم يلوحون بسيوفهم عالية فوق رؤوسهم ويتمايلون داخل دائرة عريضة مرات ومرات يغنون ويضربون الطبول ويا للحسرة فان رقصة السيوف أصبحت لا تقام في ساحة الصفاة بسبب تقاطعات الطرق والازدحام المروري وما قد تسببه من إخطار .
ومع هذا فانا سعيد لان هذه الرقصة التقليدية لازال يؤديها الكويتيون وبالأمس القريب كان إفراد من الأسرة الحاكمة يؤدون العرضة في إحدى القرى الكويتية .
والى جانب الاحتفالات التقليدية هناك زيارات العيد المبهجة عندما يقوم الأقارب والأصدقاء بزيارة كل واحد منهم بزيارة الأخر والأمير الراحل نفسه كان يقوم بهذه العادة .
والاستثناء الوحيد الذي اعرفه والذي حاد عن هذه العادة المتبعة هو ان احد الوزراء اختار ان يهرب من وسط زحمة هذه الزيارات الاجتماعية الى رحلة صيد الى جزيرة كبر بجوار ميناء الأحمدي للبترول وهي جزيرة يحظر صيد الطيور بها .
وجرت العادة في مثل هذه المناسبة ان كل عربي يشغل منصبا أو عضوا في السلك الدبلوماسي أو مديرا تنفيذيا في شركات النفط أو أي فرد سواء أكان غنيا أو فقيرا مهما أو غير مهم عليه ان يتوجه الى الحاكم ونائبه لتقديم التهاني بمناسبة عيد الفطر السعيد انه شي يبعث السعادة في نفس مشاهدت مناظر احتفالات عيد الفطر عام 63 ودون شك انه مع زيادة صادرات البترول فان مستقبل البلاد وازدهارها يبدو زاهر أكثر من ذي قبل .
إما أخر من كتب عن الكويت في العيد فهي زهره فريز او زهره ديكسون وسجلت ملاحظاتها وتركت انطباعاتها عن الكويت والإقامة فيها فأخرجت كتابا سمته «الكويت كانت منزلي» طبع هذا الكتاب في لبنان قبل ثلاثين سنة ثم جاءت السيدة الدكتورة فتوح الخترش وترجمت وطبعت الكتاب مرة ثانية وسمته «الكويت كانت وطني».
احتفل العالم الاسلامي بعيد الاضحى الذى يحيي ذكرى تضحية ابراهيم . وافق اليوم الاول من العيد الثالث من نوفمبر فذهبنا بعد ظهر ذلك اليوم الى ساحة سوق الكويت الواسعة لمشاهدة العرضة وهى رقصة الحرب الرسمية التى تؤدي ايام الاعياد والمناسبات الهامه . وعندما وصلنا بسيارتنا الى الصفاة وهو المكان الفسيح المكشوف الذى يجلب اليه البدو جمالهم لعرضها للبيع وجدنا حشدا غفيرا يتجمع وكانت الارجوحات التى نصبت على وجه السرعة تمارس دورها في همة ونشاط لادخال البهجة على قلوب الاطفال الذين لا حصر لهم ولا عد تذرع المكان وهي في ملابس العيد ولا شاغل لهم او متعة الا التطلع للاخرين ومراقبة ما يفعلون . وكان العلم الكويتي يرفرف بلونه القرمزي فوق رؤوس الحشد المتزاحم عن يسارنا وعندما توجهنا بسيارتنا نحوهم وضغط السائق باصبعه على صمام اداة التنبيه سارعوا بالتفرق ليفسحوا لنا الطريق . وكان العلم مثبتا في المنطقة التى وقع عليها الاختيار لتكون حلبة لاداء رقصة الحرب وترجلنا من السيارة عند الجانب الخارجي للحشد الذى التف على شكل دائرة حول المنطقة الخالية وشققنا طريقنا حتى وصلنا الى داخل الدائرة . وفي هذا المكان كان الشيخ عبدالله المبارك يجلس ومعه مجموعة من الشيوخ على صف من المقاعد في جانب الحلبة . وكان الشيوخ جميعا يرتدون افخر ثيابهم ويحملون سيوفهم وكل سيف في غمدة الثمين الذى تحلية الزخارف والنقوش مصنوع من الذهب الخالص وعندما وصلنا الى حيث يجلسون نهضوا ليفسحوا لنا مكانا على المقاعد بجوارهم . كانت رقصة العارضة قد بدأت لتوها وفي وسط الحلبة الى جانب العلم وقف المنشدون في صفين طويلين متقابلين وكل صف ينشد بالتبادل مع الصف الاخر مقاطع من اغنية طويلة ويصافح افراد كل صف افراد الصف الاخر وهم يتمايلون وينحنون في حركة موحدة وبالقرب من المنشدين وقفت مجموعة من حاملي الطبول تقرع نغمة رتيبة لا تتغير على طبول صغيرة من الجلد غير المدبوغ بينما يؤدي قائدهم وهو عربي ممشوق القامة يرتدي دشداشة زرقاء اللون عزفا منفردا بدقة قصيدة على طبلته تختلف عن الايقاع السائد من قرع الطبول الاخرى. ومن الغريب ان الراقصين بدأ الرقص في بطء حول الحلبة على ايقاع هذه الموسيقى الرتيبة وكان هؤلاء الرجال جميعا مجندين من حاشية الحرس المسلح الخاص للشيخ عبدالله ويتولى قيادتهم تمرس في اداء رقصة الحرب . وكان كل راقص يحمل بندقية ويتحركون جميعا في صف واحد متصل الراقص بعد الاخر حول الحافة الخارجية للدائرة ويؤدون حركة غريبة بجر القدمين على الارض على دقات الطبول وعندما رفع قائدهم بندقيته اعلى رأسه باسطا ذراعة الى اقصى طولها ادى كل الراقصين نفس الحركة على الفور كما كانوا يقلدونه عندما يضع كعب البندقية في كتفه وكأنه يتخذ وضع التسديد . اما عندما طوح ببندقيته في الهواء ثم تلقاها بين يدية وهي تهبط فلم يتصرف على نفس النحو الا من كانوا على ثقة كاملة بقدرتهم على اداء هذه الحركة بينما شاركة الاخرون بالايماء فقط . وجلسنا نرقب الموكب الذى لا نهاية له من الراقصين كان هناك راقصين من السود وطوال القامة يتميزون باقدامهم الضخمة من الحرس الخاص بالشيخ عبدالله وبدوا غلاظا تبدو عليهم سمات الرعونة الشديدة والتهور وفي ايديهم بنادقهم العتيقة وكان بعض البدو يرتدون سترات ملونة مزينة بجدائل من ذهب وعندما مروا بنا امكننا ان نقرأ على اكمامهم اسماء فنادق ودور عرض سينمائي امريكي فامريكا تصدر الى شبة الجزيرة العربية كميات ضخمة من السترات المستعملة التى يستخدمها الحجاب وحرس المنازل العامه والتي لا يدخر البدو جدها من اجل الحصول عليها. وربما بدت رقصة العارضة بالنسبة للاجنبي مجرد احتفال رسمي فخم لا علاقة له بشؤون الحياة العملية ولكن الواقع انها تستمد اصولها من غرض محدد وهو اثارة النخوة القتالية في قلوب الجنود استعدادا للحرب وحتى في السنوات الاخيرة كان الجنود الكويتيون يرقصون وهم في طريقهم الى الصدام والمناوشات . وفيما مضى رأيت الراقصين الذين يؤدون العارضة وهم يحشون مواسير بنادقهم بالبارود اثناء الرقص ويتحركون في خطى اشبة ما تكون بالخوض في الماء او الوحل مع ايماءات بطيئة متقنة كجزء من الرقصة وعندئذ يحدث ما يبهج المتفرجين ويثيرهم في نفس الوقت عندما يطلق الراقصون نيران بنادقهم في الهواء ولكن دون ان يعيدوا حشوها بالبارود او اطلاقها مرة اخرى وعرفت فيما بعد انه تم حظر هذا الجانب من الرقصة . وبعد فترة وجيزة تغير نظام الرقصة فبدأ قارعو الطبول الذين كانوا يقفون في وسط الحلبة يشكلون حلقة تضم مجموعتهم الصغيرة وانضم اليهم عدد قليل من الراقصين حاملي السيوف وبدأوا في اداء حركة جديدة وكل منهم يلوح بسيفه تجريده من غمده. ثم نهض الشيخ عبدالله المبارك من مجلسة بجانبا والقي بشته الموشى بالذهب واستل سيفة من غمده وانضم الى المجموعة الملتفة حول قارعي الطبول ورفع سيفه الى اعلى ليبدأ الرقص . وانضم الى الرقص ابناء العديد من الشيوخ الاخريين الذين جاءوا لحضور الحفل بعضهم يحمل غدارته او سيفه الخاص بينما استعاد البعض الاخر سلاحه من ابية فهذا الرقص يعتبر جزءا من التدريب العملي للشيخ الشاب وحتى الاطفال في سن الثامنة او التاسعة خرجوا من الحلبة يراقبون الاكبر منهم في دقة وانتباه ويقلدون الحركات الغريبة التى يؤديها هؤلاء على قرع الطبول وكان قائد فرقة الطبالين بزيه الازرق يرقص هو نفسه اثناء قرعة على طلبته ويلف ويدور حول نفسه وهو يحجل على ساق واحدة بالتبادل . وفجأة ومن وراء الحشد المتزاحم على الجانب البعيد من الحلبة تعالى صوت ضجيج السيارات وحركة بين الحاضرين وافسح الجميع الطريق لسيارة كرايزلر سوداء ترفع علما مثلثا صغيرا احمر اللون على رفرفها كانت قادمة في اتجاهنا . وتوقف الرقص اثناء اجتياز السيارة للحلبة وتوقف الراقصون لمشاهدتها وهي تقترب من مقاعدنا وقبل ان تتوقف السيارة نهائيا فتح الباب وقفز منها اربعة من السود المسلحين ثم هبط منها حاكم الكويت الشيخ احمد . وراء سيارة الحاكم اقبلت سيارتان تحملان ابنائه وفي المؤخرة عربة مكشوفة يركبها الحرس المسلح . وما ان جلس الشيخ احمد على مقعده بجانبنا حتى قفز حرسة الخاص فوق صد المقاعد وشقوا طريقهم بين الجالسين واتخذوا مواقعهم في صفوف خلف الشيخ ليشكلوا حاجزا بينه وبين الحشد الهائج المصطف من الخلف . وعندما جلس فخامته اقبل عدد كبير من اتباعه لتقبيل يده تعبيرا عن الولاء ثم اقترب الاطفال الذين شاركوا في العارضة في خطى وئيدة وعلى استحياء فقبلوا يده هم ايضا فانحنى الشيخ ليطبع قبلاته على وجناتهم . وبعد ان جلس الشيخ احمد مرة اخرة بدأ الطبل والغناء من جديد وخرج الشيخ عبدالله الذى توقف عن الرقص عندما وصل فخامة الشيخ احمد وانضم مرة اخرى للراقصين في الحلبة . ثم جاء المرحلة الختامية للرقصة توقف الراقصون في الحلقة الخارجية وتراجعوا الى الوراء ودخل الصفان الطويلان من المنشدين الى وسط الحلبة وبينما هم ينشدون كان افراد الصفين يتحركون الى الامام وينحنون لبعضهم البعض ثم يعودون ادراجهم الى الوراء من جديد وتحرك الشيخ عبدالله والمجموعة الصغيرة من الراقصين الملتفة حول قارعي الطبول في اتجاهنا ثم ابتعدوا مرة اخرى وهم يلحون بسيوفهم المتلألئة مع آخر اشعة الشمس قبل المغيب . واستمرت الرقصة على هذا النحو حتى غابت الشمس وفي هذا الوقت كان جزء كبير من الحشد المتجمع في ساحة السوق قد انصرف واقتربت العارضة من نهايتها وغادر الشيخ عبدالله الحلبة . واغمد سيفه ووضع عباءته على كتفيه ونادى فخامته ليطلب حضور سيارته وعندئذ اخذ موكب السيارات يشق طريقه عبر الحلبة وتوقف دق الطبول ولبث الراقصون في اماكن بلا حراك . وقفز العبيد ليفتحوا ابواب سيارة الشيخ فركب الحاكم وابناؤه ووثب الحرس السود المسلحون الى عربتهم وتحرك سرب السيارات في بطء مغادرا المكان . وانتهت العارضة وعندما وصلنا الى منازلنا كانت دقات الطبول واصوات الغناء لا تزال معنا وكأنها لم تفارق مسامعنا .