محمد رشيد رضا
من العلماء المسلمين البارزين ولد في سنة 1865م وتوفي في سنة 1935م
وكانت حياته العريضة هذه مليئة بالأعمال في شتى المجالات وهو شخصيا له مكان في عدة بلدان فهو بغدادي الأصل ولكنه مولود في بلدة قرب طرابلس الشام وتعلم في طرابلس وكان في صباه متنسكا وكاتبا في بعض الصحف وناظما للشعر.
وفي سنة 1897م رحل إلى القاهرة وهناك لقي الأستاذ محمد عبده فلزمه وتتلمذ على يديه وكان قد لقيه قبل ذلك في بيروت.
ولقد كان تأثير محمد عبده على محمد رشيد رضا كبيرا إذ تبع هذا الأخير المبادئ التي كان ينادي بها أستاذه وجمال الدين الأفغاني من قبله وهي تحكيم العقل في كثير من الأمور واعتبر رشيد رضا في فترة من الفترات امتدادا لهذين الرجلين اللذين حركا الأذهان بدعوتهما إلى التجديد واتباع سبل الحضارة التي سبقنا إليها الآخرون.
كانت مجلة العروة الوثقى التي أصدرها الرجلان زاداً لصاحبنا، وظل في باله هذا العمل الثقافي المهم حتى إذا جاءت سنة 1898م أنشأ مجلة المنار.
ومنذ ذلك الوقت صار يُسَمَّى صاحب المنار لأنها كانت توزع في أماكن عديدة من العالم الإسلامي حتى لقد كان لها مشتركون في الكويت يتابعون قراءتها، ثم تنتقل من يد إلى أخرى لكي يقرأها أكبر عدد ممكن من الناس.
أمضى محمد رشيد رضا حياته في مناصرة الإسلام وأهله، وفي نشر الوعي بين المسلمين، والتنبيه إلى المشكلات التي إن لم يقوموا بحلها فإنها سوف تتفاقم وتؤدي إلى اسوأ مما هم عليه في عصره.
وكان يدعو إلى إنشاء جمعية إسلامية مركزها مكة المكرمة، يجرى من خلالها توحيد كلمة المسلمين، حتى يتمكنوا من الوقوف في وجوه أعدائهم، له من المؤلفات ما يقرب من الثلاثين كتابا أهمها سوى مجلة المنار، تفسير القرآن الكريم، والوحي المحمدي، وقد ألف عنه الأمير شكيب أرسلان كتابا تناول فيه سيرته وسماه: «السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة»
وهو مطبوع ولكن الحصول عليه اليوم في غاية الصعوبة. ولم يكن من المستغرب أن تسبقه شهرته إلى الكويت بعد أن انتشر عنه ما يقوم به من أعمال لصالح الإسلام والمسلمين، وبعدما صارت مجلته (المنار) تصل إلى المشتركين فيها من الكويتيين فيعرفون عنه وعن وجهاده وتوجهاته الشيء الكثير.
هذا هو الشيخ عبدالعزيز الرشيد يكتب عنه نبذة في مجلة الكويت التي كان يصدرها في سنة 1928م فيقول
«من الافراد المصلحين الذين اوقفوا حياتهم لخدمة الدين الحق اليوم خدمة صحيحة وتحملوا في سبيل تلك الخدمة أنواع المصاعب والمشاق وكان لنضالهم الوقع الحسن في النفوس ولدفاعهم التأثير الجميل بين الخصوم فضيلة الاستاذ الجليل العلامة السيد محمد رشيد رضا صاحب (المنار) الغراء فقد وقف هذا الاستاذ الكبير لأعداء الحق وقفة الأسد الهصور هازئا بالشدائد والخطوب في هذا الجهاد وضحى فيه بحياته وراحته باذلا قصارى ما عنده من جهد.
ومجلته (المنار) الغراء التي هي أكبر دوائر المعارف الإسلامية اليوم وآثاره الكثيرة التي لم يزل يتحف بها القراء من آن لآخر تشهد بكل هذا وتشهد لفضيلته بالكفاءة والاقتدار وانه المفرد الذي يفيء الدين إلى ظلاله من نار الانتقاد ونظرة بسيطة يلقيها المنصف إلى مجلته الغراء وإلى تفسيره المهم الذي خدم به القرآن الكريم خدمة لم يوفق إليها أحد سواء من المتقدمين والمتأخرين تكفي برهانا على أهميته وأهمية آثاره الجليلة التي يستصغر معها كل أثر لغيره.
وبين يدينا الآن الجزء التاسع من ذلك التفسير العظيم الذي تفضل به الاستاذ على (الكويت) هدية وتحفة وهو بمثابة خزانة علم لا يستغني عنها من يود الوقوف على أسرار القرآن الكريم وعجائبه التي لا تنقضي فقد حوى من الفوائد الممتعة مالا يجده القارئ في غيره»
لقد تقدم رشيد رضا في اكتساب العلم الديني وكذلك العلم الدنيوي، وصار مرجعا في التأليف بين الشريعة والأوضاع العصرية.
وكان في بداية أمره ميالا للدولة العثمانية باعتبارها دولة الخلافة الإسلامية، ولكنه أعرض عن تركيا بعد إعلان الدستور العثماني ي سنة 1908م زار دمشق وخطب على منبر الجامع الأموي فاعترض أحد معارضي الإصلاح وكادت تحدث فتنة ولكنه غادر على الفور إلى مصر.
ثم عاد إلى سورية واستقر بها إلى أن احتلها الفرنسيون في سنة 1920م فعاد إلى وطنه الثاني مصر ثم قام بعدة رحلات إلى الهند والحجاز وأوروبا والكويت.
وعاد بعد هذه الرحلات إلى مصر، وبقي فيها إلى أن توفي وهو في السيارة التي كانت عائدة به من بورسعيد في سنة 1935م.
زاد محمد رشيد رضا الكويت في سنة 1912م وحصل ضيفا على آل الخالد ونذكر بهذه المناسبة رسالة بعث بها أحد علماء نجد وهو الشيخ فالح بن عثمان إلى كل من حمد الخالد ومهلهل بن حمد الخالد بمناسبة زيادة الشيخ محمد رشيد رضا والشيخ محمد الشنقيطي للكويت وقد جاء في رسالته:
«إن هذا ما نفرح به ونسر له حتى يشد الله بكم قواعد الإسلام وينشر بكم السّْنَنَ والأحكام وذلك لغربة الزمان وقلة الإخوان، وكثرة أهل البدع والضلال»
ولقد كانت زيارة رشيد رضا للكويت نافعة فقد اتصل بعدد كبير من أهلها وبث دعوته إلى مؤازرة العرب والمسلمين في كل مكان تحدث فيه، وعرض علمه على الناس في أكثر من مجال، وجابه بعض المتشددين الذين لم تعجبهم أفكاره، بل طالب بمحاورتهم مباشرة حتى يقارعهم الحجة بالحجة ولكنهم امتنعوا من لقائه. وقد اتيحت له الفرصة لمخاطبة الناس مباشرة، وحول هذا الأمر كتب يقول:
«وأقمت في الكويت اسبوعا كنت كل يوم ماعدا يوم البريد، ألقي خطابا وعظيا في أكبر مساجد البلد، فيكتظ الجامع بالناس، وكان يحضر مجلسي كل يوم وليلة وجهاء البلد، من أهل النفوس، وحب العلم، يسألون عما يُشكل عليهم من أمر دينهم»
وهذا بالطبع غير ما يتحدث به رشيد رضا في المجالس الخاصة كالدواوين إذ يجتمع الناس للاستماع إليه في المسائل التي لا يثير مثلها في المسجد حيث أشار إلى أن جلساته العامة هذه مخصصة للوعظ الديني، ولكن الرجل له اهتمام كبير بأحوال الأمة، ولديه نزعة إلى الاهتمام بايقاظ النائمين عن حقوقهم والساكتين على ما يعمله بهم الأجانب، فيثير هذه القضايا بين الناس في مثل هذه الجلسات.
لقد كان الأسبوع الذي استغرقته الزيارة مثمراً جداً أشار إليه في مجلته (المنار) بما يدل على أنه لقي من الاهتمام ما يرى أنه جدير به، كما لقي حسن تلقي الناس للأفكار التي طرحها عليهم فوجد أن أقواله لم تذهب أدراج الرياح بل وجدت مجالا خصبا لكي تتفاعل في النفوس وتصل إلى القلوب، وهذا هو أمل كل داعية مخلص لفكرته التي نهض للدعوة إليها.
وكان محمد رشيد رضا - وقتذاك - محط أنظار الممثلية البريطانية في الكويت، وقد كتبت هذه الممثلية تقريرا عنه ضمن تقارير الإدارة السنوية لسنة 1912 م وقد جاء في التقرير ما نصه:
السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار الدينية المصرية زار الكويت في مايو وكان بعض المشتركين فيها يتطلعون إلى أن يقوم السيد محمد بالإشراف على اختيار المدرسين «للمدرسة المباركية»
السيد محمد رشيد المذكور أعلاه ويرافقه محمد بن سالم وكيل الشيخ مبارك في بومبي وصلا الكويت يوم 9 مايو، وفي اليوم التالي ألقى محاضرة حضرها الشيخان جابر وناصر «ابنا الشيخ مبارك» وما يقرب من 1000 عربي من مختلف الطبقات.
وتحدث في هذه المحاضرة عن الشعائر ونشر الدعوة الإسلامية وفي معرض حديثه حذر مستمعيه من المبشرين والأجانب وما شابههم من الذين يحاولون إيجاد موطئ قدم لهم في الدول الإسلامية.
المحاضرة لم تكن موجهة بشكل واضح ضد الأوروبيين أو ضد المسيحيين ولكن فحواها تشير إلى وجوب عدم تشجيع الأجانب.
ورغم أن السيد بقي في الكويت لمدة تزيد عن الشهر فإن محاضراته الباقية ظلت محصورة حول تفسير وشرح القرآن والسنة، ولعل ذلك تم بإيعاز من الشيخ مبارك الذي كان يحل ضيفا عليه.
ومن المعلوم أن رشيد رضا لم يقم في الكويت أكثر من أسبوع، لا كما جاء في التقرير الذي قدمنا نصه هنا. كما أن ممثل الشيخ مبارك في بومبي هو محمد بن سالم السديراوي.
شهد محمد رشيد رضا للكويت بشهادتين أولاهما تتعلق بالشيخ مبارك الصباح الذي استقبل صاحب المنار وكانت له معه جلسة طويلة تحدث فيه الشيخ حديثا صريحا عن علاقته بالدولة العثمانية ثم عن علاقته ببريطانيا التي ارتبط معها باتفاق تعاقدي منذ سنة 1889 م
وقد نشر الأستاذ محمد رشيد رضا فحوى هذا اللقاء في مجلته «المجلد السادس عشر ص 398» فقال:
مسألة علاقة الشيخ مبارك بالدولة العلية والانجليز كنا نسمع المنافقين من رجال الدولة يصفون صاحب الكويت بالخيانة للدولة ويعيبونه بطلب حماية الانجليز فسألته عن ذلك فقص عليّ قصة سألت عنها بعد ذلك السيد رجب نقيب البصرة مندوب الحكومة إليه فيها، فكان جوابه موافقا لجواب الشيخ مبارك ثم ذكرت ما قاله للشيخ فهد بك الهذال شيخ قبائل عنزه في العراق إذ كنت في ضيافته على نهر الفرات فصدق ما قاله الشيخ مبارك وزادني فوائد هو أعرف الناس بها.
وملخص ما قاله الشيخ مبارك أنه في أواخر مدة عبدالحميد ساقت الدولة بعض العسكر مع عربان بن الرشيد إلى قرب الكويت وأرسل المشير فيضي باشا السيد رجب النقيب ومعه نجيب بك بن الوالي «لعلة أخوه» إلى الكويت فبلغاه ان قد صدرت إرادة سنية بوجوب خروجه من الكويت إلى الاستانة أو إلى حيث شاء من ولايات الدولة، والحكومة تعين له راتبا شهريا يعيش به فإن لم يخرج طائعا دخل الجند مع عرب ابن الرشيد واخرجوه بالقوة فسألهم ما هو ذنبه الذي استحق به النفي من بلده وعشيرته، وذكّر نقيب البصرة بما يعرف من اخلاصه للدولة واعانته لها بالمال عند كل حادث وبما كان من محاربة سلفه وعشيرته لقبائل المنتفك المالكين للبصرة واخراجهم منها وجعلها في حكم الدولة كما ملكهم هو وعشيرته بقوتهم الاحساء وغيرها.
وطلب منه أن يعود إلى البصرة فيقنع المشير بمراجعة الاستانة فقال له انما علينا البلاغ وليس في يدنا غيره قال فخرجت من عندهما بقصد مشاورة أهلي، وكانت حكومة الهند الانجليزية قد علمت بكل ما دبرته الدولة في ذلك وبمجيء عشيرة بن الرشيد مع العسكر إلى جهة الكويت فأرسلت مدرعتين فوقفتا تجاه البلد فلما عدت رأيت اميرالا انجليزيا قد نزل من إحدى المدرعتين ومعه بعض الجند فسألني عما جرى فأخبرته الخبر فقال إن حكومتنا متفقة مع حكومة الترك على أن تبقى الكويت على حالها لا يتعرضون ولا نعترض لها واذ قد غدروا وخالفوا فقد صار لنا حق الدخول في أمرها ولا يمكن أن نسمح لجندي عثماني أن يدخلها وإذا دخلوا برضاكم دمرناها على رؤوسكم ورؤوسهم ثم بلغ الأميرال ذلك لنقيب البصرة رسول الحكومة.
فقفل راجعا وأبلغ المشير ذلك فأمر المشير بصرف الجنود والعربان «قال» فما كان من تدخل الانجليز في أمر الكويت لم يكن بطلب مني بل كان هذا سببه.
وكانت لهذه الشهادة أهميتها لأن أنصار الدولة العثمانية كانوا يحاولون الطعن في موقف الشيخ مبارك الصباح الذي يرون أنه التفت عن الدولة العثمانية، واستعان بالانجليز، وارتبط معهم باتفاق.
ومن دلائل نشر رشيد رضا لما سبق في مجلته أنه موافق على الإجراء الذي اتخذه الشيخ لأن العثمانيين لم يتركوا له مجالا آخر، إذ كانوا طامعين في الاستيلاء على البلاد لم تمنعهم المواقف التي وقفها مبارك معهم، والتأييد الذي كان يبذله لهم، فصاروا يحاولون باستمرار ايذاءه وايذاء الكويت حتى تسقط هذه البلاد في أيديهم ثمرة يانعة فيضيفونها إلى أملاكهم التي كانت كلها تشكو سوء معاملتهم وفساد إدارتهم.
أما الشهادة الثانية فكانت من رشيد رضا للشيخ ناصر المبارك الصباح، ولما كنا قد ذكرنا ما كتبه رشيد رضا عن أحاديثه التي كان يلقيها في واحد من أكبر مساجد الكويت، فإن من الجدير بنا أن نضيف إلى ذلك قوله:
«وأما الشيخ ناصر فكان يسأل عن دقائق العلوم في العقائد والأصول والفقه وغير ذلك على أنه لم يتلق عن الأساندة فهو من مظاهر الذكاء العربي النادر»
وفي موضوع آخر من المجلة قال رشيد رضا:
«أنزلني مبارك في قصره الجديد الذي هو قصر الإمارة، وتولى مؤانستي ومجالستي في عامة الأوقات نجله الشيخ ناصر، رئيس لجنة مدرسة الكويت، لأنه هو الذي يشغل عامة أوقاته في مدارسة العلم، ومراجعة الكتب، حتى صارت له مشاركة جيدة في جميع العلوم الإسلامية».
وهذه الشهادة جيدة بحق واحد لم تشغله دنياه عن حب العلم ومدارسته، ولقد كان الشيخ ناصر المبارك الصباح كما وصفه الشيخ عبدالعزيز الرشيد شابا ذكيا ذا فطنة وقّادة.
وكانت له حافظة قوية ونادرة، ولديه إحساس لطيف. اشتغل بطلب العلم على أيدي أساتذة في الكويت، ولكن أستاذه الحقيقي هو نفسه الطموحة، وهمته العالية. يقول الرشيد:
«لقد بلغ درجة قد لا أغالي إذا قلت إنه لم يبلغها في الكويت من أبناء جنسه أحد ولولا الخوف من أن أرمى بالمبالغة فيما أقول لقلت ولا أحدا ممن ضمتهم الكويت من طلبة العلم أيضا فالشخص الذي أدهش الأستاذ الكبير السيد رشيد رضا بأبحاثه، ومعلوماته ليس بالرجل الصغير»
فهاتان الشهادتان كانتا من أهم الفوائد التي حصلنا عليها نتيجة لتلك الزيارة، فنحن إن كنا لم نعش الزمن الذي كان رشيد رضا يلقي فيه دروسه في الكويت فإننا قرأنا له ما نقله عن الشيخ مبارك الصباح وهذه هي المرة الأولى التي يعبر فيها الشيخ عن آرائه فيما يقال عن إقدامه على الاتفاق مع بريطانيا.
ويرد فيها على المناوئين الذين لم يعجبهم تصرفه هذا لا لشيء إلا لأنهم لا يحسون بما يحس به تجاه وطنه ولأن ميلهم إلى الدولة العثمانية كان يغلب ميلهم إلى استقلال الكويت ورفعتها.
وقد وضع الشيخ النقاط على الحروف فعلا وأغلق الباب نهائيا أمام المرجفين وكما أفادت الشهادة الأولى فقد أفادتنا الشهادة الثانية معرفة بالشيخ ناصر المبارك وعرفنا منها قيمته العلمية واهتمامه بالبحث والتنقيب وحرصه على مجالسة العلماء كما كانت الباب الواسع الذي ولجه كل من كتب عنه.
ولقد كان الشيخ ناصر بالإضافة إلى علمه المحفوظ في صدره صاحب أكبر مكتبة في الكويت في عهده، وكان يضم إليها باستمرار كل جديد، ويتعاهد كتبها بالقراءة عن طريق قارئ يتولى قراءتها له بسبب عدم قدرته على الابصار.
وكان إلى جانب ذلك مشغولا بالتأليف، فكتب عددا من الحواشي على بعض الكتب كان منها كتاب «شرح ألفية ابن مالك» للسيوطي.
كم نتمنى أن تعثر على جزء من مكتبة هذا العالم المشهود له بالعلم والفهم، فمن الأمور المؤسفة أن تضيع آثار رجل مثله.
كان الاهتمام الذي لقيه محمد رشيد رضا في الكويت محط اعجابه ورضاه، ولم يكن يظن أنه سوف يجد قوما يعرفونه هذه المعرفة قبل أن يتمكنوا من رؤيته، ولا أن يقدروا علمه قبل الاستماع إليه، ولكن هذا هو ما حدث له في الكويت.
ونتيجة لذلك فإنه أحب هذه البلاد وأهلها، وصار يذكرها كلما سنحت الفرصة، ومن ذلك ما ذكرناه، ومنه ما كتبه إلى الشيخ عبدالعزيز الرشيد عندما أصدر مجلته «الكويت» فقد اطلع الرجل على المجلة، وارتاح إلى منهجها، وتمنى لها الاستمرار في الصدور مع الثبات على المنهج، وكان تعبيره عن ذلك في رسالة أرسلها إلى صاحب المجلة الذي سُر بالرسالة ونشرها في أحد الأعداد.
وكان رشيد رضا قد نشرها -أيضا- في مجلة «المنار» في الجزء الثالث من المجلد التاسع والعشرين لشهر يونيه من سنة 1928م، ونصها:
مجلة الكويت مجلة دينية تاريخية أدبية أخلاقية شهرية صدر الجزء الأول من هذه المجلة في مدينة الكويت لمحررها الأديب الفاضل الشيخ عبدالعزيز الرشيد المعروف من خيرة أدباء تلك البلاد العربية العزيزة فألفيناه وقد تناول المواضيع الاصلاحية الدينية بعناية تنم عن مشربه الحسن في الاصلاح الديني.
كما أنه ألم برد الشبهات وبحث بحثا طريفا في الآداب والاخلاق وعني بما يسمونه القديم والجديد وكذلك أفرد بابا خاصا في الكويت للبحث التاريخي فبدأ الكلام فيه عن نجد وما جاورها لأهمية الدور الذي لعبته تلك الأقطار في هذه الأيام.
وهناك قطع مختارة من الشعر العربي والحكم العربية والمجلة مطبوعة على ورق جيد ومطبوعة طبعا حسنا فنرجو «للكويت» تقدما مطردا ورواجا يليق بهمة واخلاص منشئها الفاضل.
هذه سيرة رجل زار الكويت في زمن قديم، وتحدث عنها وعن رجالها، ووصف مجالسها، واستمع إلى قضيتها من فم أميرها فتبنى وجهة نظره بعد أن وجدها مقبولة ولها ما يؤيدها من شهود آخرين. رحم الله محمد رشيد رضا فقد نفع بعلمه، وأثار الهمم بنشاطه، واتجه إلى الأعمال النافعة لم يمنعه عنها كلل أو ملل.