طلق متعب النويهض الغيص
الشهير في زمان الغوص احد المخضرمين الكبار الذين عاصروا مهنة الغوص وهي في اوج ازدهارها حتى حين اندثارها.
توالت اجيال اهل الغوص والحاج طلق النويهض يغوص الهيرات البحرية (مغاصات اللؤلؤ) موسما تلو الآخر مع نواخذة بلده الذين كانوا يتنافسون في استقطابه والعمل معهم، وما كان له ذلك لولا طول نفسه وجرأته وتحمله للعمل، والكمية الكبيرة التي كان يستخرجها من المحار فيملأ الدجين بها.
بدأ الحاج طلق النويهض حياته البحرية غيصا ونظرا للمعطيات والمواهب التي وهبها الله له، فضل ان يركب البحر مع نواخذة بلده (عزالا) فأكثر حياته البحرية كان عزالا والعزال هوالغيص الذي يعمل لحسابه الخاص وله سيب يسحبه من قاع البحر ويقوم العزال بدفع خمس حصيلته من اللؤلؤ للسفينة التي يعمل عليها.
كما يقوم بدفع اجرة السيب الذي يعمل معه ومصروف الأكل لنوخذة السفينة او حسب الاتفاق المبرم بينه وبين النوخذة قبل دخول الغوص، واطلق هذا اللقب على الغيص لأنه اعتزل عمن في السفينة في حصيلة الغوص.
هكذا كان منهج الحاج طلق النويهض يعرف ما له من حق وما عليه من حقوق قبل دخول الغوص.
في احد مواسم الغوص التي كان بها الحاج طلق النويهض على عادته عزالا جاءه النوخذة الذي كان معه حين بزوغ الشمس وقال له انا رأيت رؤية في منامي البارحة
«جاءتني عروس بيضاء جميلة المحاسن والقوام، فقمت لكي اجلس بجوارها، فقامت من جلستها وذهبت عني وجلست بجانبك»
موجها كلامه لطلق النويهض ثم سأله هل عندك محار
قال طلق النويهض: نعم عندي
قال له: قم وافلقه اي اخرج ما في جوفه
نهض طلق النويهض مسارعا مستبشرا بتلك الرؤية، ففلق اولى محارته ثم اتبعها بثانية فوجد فيها دانة متوسطة الحجم تتلألأ كأنها البدر في دجى الليل.
خاطب النوخذة وقال له: ابشر لقد تحقق حلمك
فرح طلق النويهض وفرح بفرحه النوخذة
كانت العروس التي جاءت في المنام للنوخذة هي دانة ابن نويهض طلق ابن متعب.
وكل الغوص ومعاناته والشقاء الذي يلم به غايته تلك الدانات والحصابي «اللؤلؤ» التي تنسي الغاصة تعب الصيف الحارق.
وفق الحاج طلق بتلك الدانة وباعها بمبلغ كبير في ذلك الوقت (10 آلاف روبية) وكانت فاتحة خير له وللنوخذة الذي كان معه.
ولم تكن هذه الدانة هي الوحيدة في تاريخ الحاج طلق النويهض البحري فلقد ركب البحر على عادته والمنوال الذي يتبعه عزالا وكان برفقته اخوه عبدالله فمكث في الغوص حتى ذهب ثلث موسمه فجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن فلم يكمل طلق النويهض غوصه حيث ألم مرض باذنه وغالبا لا يسلم البحرية من امراض الغوص
«الصرع،الكحة، السعال، انفجار الاذن، ام زلي، الطنان، ابو اقشاش، الشاقة، السمط وهو مرضجلدي يصيب الغاصة ويتلف جلودهم ويتم علاجه بوضع مادة اليفت على الجلد»
كان مرض طلق النويهض ألم في الأذن مما اضطره إلى النزول والعودة إلى الديرة اما اخوه عبدالله فظل في البحر يواصل غوصه.
مكث الحاج طلق النويهض في الكويت اياما عدة حتى تماثل للشفاء بعدها ذهب إلى هيرات العدان، فالشوق والحنين للغوص ملازمان له مهما كانت الظروف.
كانت هيرات العدان يطلق عليها غوص العدان ولها نظام خاص بها فالبحرية يغوصون ساعات النهار واذا غربت شمسه عادوا إلى ساحل البحر وهو محل مبيتهم واذا خرج الصباح عادوا مرة اخرى إلى البحر وكلمن البحرية يذهب على حسابه الخاص او على حساب من يؤمن له قوته اليومي دون ارتباط بنوخذة معين او سفينة معينة.
وعدد البحرية في غوص العدان محدود لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة لأن وقت الغوص محدود من شروق الشمس إلى غروبها.
وصل الحاج طلق النويهض إلى هيرات الخيران وغاص اياما عدة فوفقه الله بدانة ثمينة شاع ذكرها لجمالها المميز وكبر حجمها.
باعها الحاج طلق متعب النويهض بمبلغ كبير على احد الطواويش المشاهير في هذه المهنة.
ظل الحاج طلق النويهض ملازما للبحر ولم يقتصر دخوله للهيرات الكويتية فقط بل غاص في هيرات دارين والعينين ولم يترك البحر حتى افل نجمه وهجره اهله ولم يعد كما كان فاللؤلؤ الطبيعي كسره لؤلؤ اليابان الصناعي.
لذلك اتجه الحاج طلق إلى التجارة فافتتح متجرا «دكانا» في سوق الكويت يبيع به المواد الغذائية.
اما عن الجوانب الاخرى في حياة الحاج طلق فقد كان حافظا لكتاب الله مجيدا للقراءة والكتابة يتكلم الفارسية بكل طلاقة.
وكانت له املاك في منطقة جبلة حيث منزل اسرته الذي ولد ونشأ فيه، وله املاك في منطقة الشرق، ولأسرة النويهض قلب ان مياه في منطقة العديلية وغضي.
والجدير بالذكر ان الحاج طلق كان يقرض الشعر الجميل الرزين وله قصائد عدة لكنها لم تدون منها:
الفقر وجهه قبيح وشين
لقيته على جربا الحالة يصغيها
انا لو اشده مثل الشد زين
وما شده واهده وكيدي مكويها
وكده مثل كده الخرازيز للسيرين
عشان من له حاجة يهتني فيها
عشان من لاحظ يحتضى هالحين
دياين واللي عاشق مولع فيها
كما كانت له إسهامات وطنية من خلال مشاركته في بناء السور الثالث 1919 م ومعركة الجهراء 1920م
وفي العام 1972 طوى الموت صفحة مشرقة من تاريخ الغوص في الكويت حيث توفاه الله وعمره قرب من المئة عام.
جريدة الراي 24/10/2008