وقفت مليا أمام الرسالة التي وصلتني اخيرا عبر الهاتف وقمت بتوزيعها على الاصحاب والاصدقاء، الرسالة فحواها: انقذوا سوق الاحمدي القديم قبل ان يزال!
وعندما استفسرت عن الموضوع قيل ان الازالة آتية والقرار قد اتخذ... وقفت مرة ثانية وقلت في نفسي لماذا هذا التمادي في محو ذاكراتنا من الوجود، ومن يقف وراء هذا القرار غير المسؤول، وهل هؤلاء باتوا متخصصين بجرف كل ما يمت الى التراث الثقافي والى الكويت القديمة والى ما تحتفظ به ذاكرتنا من اثر؟
مدينة الاحمدي، التي سميت نسبة الى الشيخ احمد الجابر حاكم الكويت آنذاك، يعملون اليوم على محو تاريخها التراثي عن الخارطة الجغرافية، وللعلم فانها انشئت عام 1946....
كان اول من تولى الاشراف على شؤون الاحمدي والمناطق التابعة لها المرحوم الشيخ جابر الاحمد الصباح، وكان سموه حاكم الاحمدي ومدير الامن فيها، ومع انشاء المدينة تم توفير جميع الخدمات فيها بما يتناسب وتلك الحقبة، فالسوق تجاوره بعض مكاتب الخدمات، ومبنى المكتبة العامة والمدارس في وسط السوق القديم، الذي يعملون اليوم على ازالته.
وقصة السوق انقلها هنا من معلومات نشرها الزميل منصور الهاجري في صحيفة الوطن الكويتية يقول انه في عام 1947 أنشأت شركة نفط الكويت سوقا صغيرا في الشبرات عند مدخل المدينة في الغرب، لكن السوق ازيل في حينه وبني بدلا منه سوق اكبر حجما وذلك عام 1947، ولا يزال الى اليوم وهو ما نتحدث عنه، كان يخدم السكان الذين يعيشون في المنطقة التي يطلق عليها «القرية العربية» الى ان تطور هذا السوق واضيف اليه سوق مجاور آخر، وكان سكان الاحمدي يذهبون الى هذا السوق للتسوق بدلا من السفر الى سوق مدينة الكويت، وكان يطلق عليه اسم «أسبيتي»... ويذكر المؤرخون انه بني سوق في قرية وارة القريبة من الاحمدي التي كانت مسكنا للعمال، وكان هؤلاء يأتون الى سوق الاحمدي ايضا، علما بانه لم يبق شيء في وارة ولا سوقها سوى الاسم واصبحت اطلالا!
اذكر ان للشاعر فهد العسكر قصة مع مدينة الاحمدي التي عاش فيها فترة من عمره بعد ان اعتزل هناك «الديرة» واحبها ونظم فيها القصائد ما اتذكر منها:
بأبي وأمي من مدمن لها يدي
بعد العشاء مصافحا في الأحمدي
كثير من معالم المدينة اندثر بسبب الاهمال وكأن هناك صمتا مريبا من شركة النفط والمسؤولين لازالة معالمها التاريخية المشهورة بطابعها الخاص وهويتها التراثية... اليوم كما ينقل إلينا، جاء الدور على سوق الاحمدي الذي يعتبر من املاك الدولة، وتوجيه انذارات بإخلاء المحلات التجارية، فهناك كما يرددون قرار بالازالة وبناء «مشروع تجاري» آخر مكانه! المناشدة هنا الى الغيورين ومن بيدهم القرار لأن يتم ايقاف اي مشروع تجاري بديل مكان السوق القديم.
وانا هنا ادعو سمو ولي العهد، لما فيه من خصال حميدة وحرص على تاريخ وتراث الكويت، ان يعطي سموه اهتماما لهذا الجانب، لنحفظ للكويت ارثها وتراثها، ليس من المعقول ولا المصلحة العامة ان يمسح عن الارض هذا السوق الذي نحمل عنه ذكريات طيبة، فيا سمو ولي العهد نناشدك ان تبقي لنا هذا السوق لما فيه من ذكرى وقيمة تراثية.