إعداد: فرحان عبدالله الفرحان
الطـــرق التــاريخـــيــة في تــاريـــخ الكـــويت (2) المنـكــــدر والمنـكـــدرات
كثير من الطرق القديمة والتاريخية ما زال بعض من اسمائها يذكر الى اليوم والبعض زال وانتهى، فمثلا الخط الذي يدل على امتداد الطريق من الكويت حتى نهاية شرق الجزيرة العربية، وهناك الحج والحجيج والحجيجة على مقربة من الصبية وهي بقايا الطرق القديمة التي تمر من الابله، والابله البلدة القديمة.
والميناء لبلاد ما بين النهرين في العصور السالفة قبل الاسلام، حيث يمر الطريق من الابله على الحجيج والحجيجة.
وهناك الطريق الذي ذكره المؤرخون وهو المكندر وهو الطريق الذي يربط الابله والبصرة مع كاظمة في القديم، وكان طريق القوافل المعروف لدى اصحاب الرجل، ويكفينا الحسن بن لغده الاصفهاني في كتابه «بلاد العرب» قبل الف وثلاثمائة سنة يقول انه كان في كاظمة تجار وسوق وحياة وسكن وانه في سفوان كذلك تجار وسوق واستراحة وسكن راجع في ذلك صفحة (321 و322 و323) من كتاب «بلاد العرب» للاصفهاني تحقيق المرحوم حمد الجاسر والدكتور ابراهيم العلي.
اذا المسافة بين كاظمة وسفوان لا تتعدى خمسة وستين او سبعين كيلومتراً وكان بين هذين المركزين اللذين ذكرهما الاصفهاني وكاظمة هي الجهرة اليوم وامامك شمالا المطلاع والزقلة واديرع الحصن وروضة خريم وخبرة ام العيش وحسو الضبي والروضتين والحنابية.
اذاً، هذا الطريق غير منقطع بل كانت فيه حياة منذ امد بعيد وكانت هناك بين سفوان وكاظمة همزة وصل هذه الاماكن. روى المرحوم «بندر سليمان الخطاف» ان والده كان قد مر بهذا الطريق مرات عدة حيث رافق الشيخ مبارك الصباح في توجهه الى سفوان ابان حكم شقيقه عبدالله الصباح في اواخر القرن التاسع عشر عندما استضاف مبارك الصباح ناصر باشا السعدون في تلك المنطقة ومروا من الجهرة حتى سفوان وكان سليمان الخطاف من الذين عملوا على مقربة من الشيخ مبارك وقد توفي في احدى المعارك.
وكان بندر الخطاف يروي عن والده ان هذا الطريق من الجهرة كان معروفا لدى المتوجهين الى الزبير عبر سفوان من الكويت حتى الجهرة منذ القديم وكان في الطريق آبار ماء دفنت مع تطور الحياة بعدها جاءت الحكومة البريطانية في اول القرن العشرين ومدت خطا هاتفيا من البصرة الى الكويت وثبتت اعمدة لاسلاك هذا الخط على امتداد الطريق القديم الذي كانت تسلكه القوافل منذ القدم.
من الذين التحقوا للعمل في وضع الاعمدة واسلاكها ومن ثم صيانتها كان المرحوم الحميدي ابوعبدالله ومحمد ذلك في اوائل القرن العشرين وكان يعرف هذا الطريق لانه المؤدي الى منزله فيحفظه عن ظهر قلب لان من سبقه من ابناء البادية وكانوا يتنقلون من الجهرة فسفوان ثم الزبيرة قد عرفوه على مسالكه التاريخية.
هذا الطريق الذي دخل التاريخ بعدما ثبتته بريطانيا لان سياراتها العسكرية اخذت تسلكه بعد القوافل ثم قامت حكومة الكويت بتعبيده بالاسفلت.
في شتاء سنة 2003 الفان وثلاثة زارني بعض من علماء المملكة العربية السعودية من جامعة الملك سعود وكان معهم العالم الفاضل الاستاذ عبدالله بن محمد الشايع وكانت زيارتهم لي في منزلي وقد تناقشنا في رحلة المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود من الكويت وهي الرحلة التاريخية في سنة 1902 واقامته في الكويت في تلك الحقبة وتناقشنا حول (الجواد) جمع جادة الطرق القديمة وغيرها مثل طريق بن هدبة وبما ان العالم الفاضل الشايع كان جل اهتماماته بالطرق، حيث حل كثيرا من الالغاز نظرا لمتابعته هذه الطرق بالسؤال من سكان المنطقة الذين كان الطريق حولهم والبحث في بطون الكتب بالاضافة الى التطبيق العملي، حيث كان يذهب بنفسه ويتتبع كل شاردة وواردة في هذا المجال وهو يسجلها وكان ان حل لغز طريق حاج البصرة وتوصل الى حلول مبهرة.
هنا انقل ما اورده الشايع مما كتبه في (بحوث ندوة اسماء الاماكن الجغرافية في المملكة العربية السعودية صفحة 165 و166) التالي:
أما طريق «المُنكدر»، فقد فهمت من النصوص الواردة بشأنه أنه من طرق القوافل القديمة التي تربط بين «الأبلة» وبين مكة وما حولها من أسواق العرب التجارية.
وقد تعرفت إلى مسار هذا الطريق حيث مازالت أعلامه المكثقة بادية للعيان، وقد رصدت الكثير منها وتعرفت على بعض موارده، ويدل على أنه من أمهات الطرق كون أعلامه عملت بشكل يدعو للحيرة والاستغراب. وعندما أسست «البصرة» كان الحجاج يسلكونه حتى تحول الطريق في ما بعد إلى الطريق المار مع «بطن فَلج» المسمى «طريق حجاج البصرة».
وبعد تأسيس «الكوفة» كان طريق الحاج منها يسير على طريق «مثقب» مروراً بـ «زبالة» فأصبح هذا الجزء من الطريق يسمى «طريق حاج الكوفة»، أو «درب زبيدة».
وبهذا نُسي أمر هذين الطريقين (مَثُقَب والمُنكَد.ر)، ولم يبق ما يدل عليهما سوى أعلامهما المكثفة البادية بأشكالها ودلالاتها المختلفة المحيرة. ونتيجة لتتبعي لمساري هذين الطريقين وترددي مع جوادهما، تعرفت إلى مسارات طرق أخرى موغلة في القدم، لعل من بينها ما كان من عصر قوم عاد التي بسببها لامهم الله سبحانه وتعالى على الإسراف في وضع أعلامها ودلالاتها بشكل يدل على إظهار القوة والتجبر، قال الله تعالى في لومهم على هذاالعبث: «أتبنون بكل ربع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون».
لا أريد هنا أن أتوسع في الكلام عن طرق القوافل القديمة ومساراتها سواء كانت للحج أو للتجارة، فقد تكلمت عنها بإسهاب في كتبي التي صدرت حتى الآن، وإنما سأتكلم بإيجاز عن تجربتي في التعرف إلى الأماكن الصحيحة للمواضع التاريخية والجغرافية وتحقيقها، عن طريق تتبع مسارات الطرق، سواء منها ما ورد ذكره في معجم البلاد السعودية، أم لم يسبق تحقيقها من قبل، وذلك بعد مناقشة آراء المتقدمين أو المتأخرين.
هذا هو كلام الفاضل عبدالله الشايع، وهو يقول إن طريق المنكدر من طرق القوافل التي تربط بين الأبلة وبين مكة وما حولها من أسواق العرب.
وقلنا إن الحسن بن عبدالله الأصفهاني يقول قبل ألف وثلاثمائة سنة إن كاظمة فيها تجار وسوق وإن سفوان فيها تجارة وسوق، معنى هذا أنه لا بد أن يكون هناك طريق يربط بينها لتنقل المصالح والتجارة ولا يعقل أن يبحث الناس عن الطريق البعيد، بل لا بد أن يسلك الناس والقوافل الطريق الأقصر السهل الذي يؤمن لهم وصولهم بسهولة ويسر، بالإضافة إلى تواجد السكان في هذا الممر التاريخي المنكدر الذي سلكوه منذ أمدٍ بعيد.
لهذا، في هذا البحث أردت ألا أفوت على القراء الكرام ما أورده الفاضل الشايع حول جزء من طريق كان يمر بأرض الكويت منذ القدم وانتهى اسمه اليوم انه المنكدر، لهذا أحببنا أن نعيد ذكره للقراء الكرام للعبرة والتاريخ.