الشيطان الأبيض والراهب برصيصا:
الشيطان الأبيض والراهب برصيصا:
وفي قصة الزاهد برصيصا، التي رواها ابن عباس أمر عجيب، يدل على المكر والحيلة التي يدبرهما الشيطان لتحقيق مآربه:كان برصيصا بتعبد في صومعة سبعين سنة، لم يعص الله فيها طرفة عين، وإن إبليس أعياه في أمر الحيل، فجمع ذات يوم مردة الشياطين فقال: ألا أحد منكم يكفبني أمر برصيصا؟ فقال الأبيض لإبليس: أنا أكفيك، فانطلق فتزين بزينة الرهبان، وحلق وسط رأسه وأتى صومعة برصيصا، وأقام معه في صومعته وأخذ يصلي ويتعبد معه وهذه قصة طويلة وملخصها:
أن الشيطان الأبيض تعمد عمل عدة حيل حتى يورط الراهب برصيصا في مشاكل مع الناس الذين يعرفونه بالزهد، والنسك، والخلق النبيل. فكان الشيطان الأبيض يتعرض لبعض الأشخاص، فيسبب لهم المس، أو الصرع، ثم يأتي لأهل المريض فيقول لهم: إن بصاحبكم جنونا، أفأعالجه فيقولون: نعم، فيقول: إني لا أقوى على جنيته، ولكن سأرشدكم إلى من يدعو الله فيشفيه، انطلقوا إلى الراهب برصيصا، فإن عنده الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، فينطلقون إلى برصيصا فيسألوه ذلك، فيدعوا له الله بتلك الدعوات فيشفى. وكان الشيطان الأبيض يفعل مثل ذلك بالناس ويرشدهم إلى برصيصا فيدعوا لهم فيشفون.
وتقول القصة أن الشيطان الأبيض عذب وخنق جارية من بنات ملوك إسرائيل، ثم جاء إليهم في صورة متطبب فقال لهم: أعالجها؟ قالوا: نعم، قال: إن الذي عرض لها مارد لا يطاق، ولكن سأرشدكم إلى رجل تثقون به، وتدعونها عنده إذا جاء شيطانها يدعوا لها، حتى تعلموا أنها قد شفيت تردونها سليمة فقالوا: من هذا؟ قال: برصيصا. أخذوا الجارية إلى برصيصا لعلاجها، ولم يوافق على إقامتها معه، فنصحهم الشيطان الأبيض ببناء صومعة لها حول صومعة برصيصا، وقالوا له هذه أختنا أمانة عندك.
مع مرور الوقت افتتن برصيصا بجمال الجارية، وكان الشيطان الأبيض يصرعها بين فترة وأخرى،فتتكشف أثناء فترة الصرع، وكان برصيصا يقأوم رغباته،فجاءه الشيطان الأبيض وقال له: واقعها فتتوب بعد، فتدرك ما تريد من الأمر، فلم يزل الشيطان به حتى واقعها برصيصا،وتكرر ذلك حتى حملت وظهر حملها، فقال له الشيطان الأبيض: ويحك يا برصيصا قد افتضحت، فهل لك أن تقتلها ،فإذا سألوك فقل ذهب بها شيطانها، فلم أقو عليه، فدخل برصيصا فقتلها.
ولما جاء إخوانها يسألون عنها، قال لهم برصيصا: جاء شيطانها فذهب بها، فصدقوه وانصرفوا. ولكن جاء الشيطان الأبيض إلى أكبرهم بالمنام، فقال ويحك إن برصيصا فعل في أختك كذا وكذا، ودفنها في موضع كذا وكذا، فلم يصدقه. فظهر للأخ الأوسط في منامه، وأخبره بقصة أخته فلم يصدقه، فظهر للأخ الأصغر في منامه، وأخبره بالأمر، فقال لأخوته بنفس الحلم، فتعجبوا، فأسرعوا إلى الموضع الذي وصفه لهم الشيطان الأبيض بالمنام، وكم اندهشوا لما اكتشفوا الأمر.
فمشوا جميعهم، بمواليهم، وغلمانهم يحملون الفؤوس فهدموا صومعة برصيصا، وأنزلوه ثم كنفوه وانطلقوا به إلى الملك، فأقر على نفسه، فأمر الملك بصلبه وقتله على خشبة . فلما صلب أتاه الشيطان الأبيض، فقال: أتعرفني؟ قال: لا قال: أنا صاحبك الذي علمك الدعوات فاستجيب لك . ويحك أما استحييت ؟ أمانة خنت أهلها، وإنك زعمت أنك أعبد بني إسرائيل، أما استحييت؟ فلم يزل يؤنبه،ثم قال في آخر ذلك: ألم يكفيك ما صنعت حتى أقررت على نفسك، وفضحت نفسك،وفضحت أشباهك من الناس، فإن مت على هذه لم يفلح أحد من نظرائك، قال: فكيف أصنع؟ قال: تعطبني خصلة واحدة حتى أنجيك مما أنت فيه، فآخذ بأعينهم وأخرجك من مكانك. قال: وما هي؟ قال: تسجد لي، قال: أفعل، فسجد له . ثم قال الشيطان الأبيض: يا برصيصا ! هذا الذي أردت منك صارت عاقبة أمرك إلي أن كفرت بربك إني برئ منك، إني أخاف الله رب العالمين.
اقتباس من كتاب(مصابيح اللذكر والتسبيح)للدكتور صالح حسن الفضالة
|