حسين صقر عبداللطيف اول رئيس لنقابة عمالية في وزارة الصحة
19/01/2007
الرعيل الاول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط ومابعده، فقاسوا مر الاثنتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا رجالا ونساء الى ان حققوا الطموح او بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، فان قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الايام الخوالي، 'القبس' شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة
في مستهل لقائنا مع حسين صقر عبداللطيف، قال: انا من مواليد عام 1935م في جزيرة من اهم جزر الكويت كان تسمى في العصور القديمة بجزيرة 'أفانا' ثم سميت ب'فلكس' اي الجزيرة السعيدة، وتغير اسمها الى 'ابكاروس' واخيرا اصبحت معروفة ب'فيلكا' او 'فيلجة' وهذا الاسم مشتق من 'الفلج' حيث كان الماء ينبع من مرتفعات شبيجة ويصب عند قرية 'سعيدة'، وبمعنى آخر ان هذه الارض فلجت للزراعة وهي طينية صالحة للزراعة.
اضاف: من قال ان القديم افضل من الآن في الكويت؟ لا سكن مثل العالم ولا فواكه، ولا مكسرات، كنا نلبس غترتين نعتقد انهما تحمياننا من البرد، ولكن اقدامنا حفاة، لا حذاء ولا نعال، والذي عنده دراجة هوائية كأنه راكب سيارة 'كاديلاك'.
وتابع حسين: انا من اسرة فقيرة، بدشداشة واحدة كانت الوالدة تحتفظ بها للعيد القادم، اعتقد 'لا يوجد شيء اول احسن من الحين' واضيف لا مكيف، ولا ثلاجة، ولا غرف، ولا ماء حلو الا بالحسرة، وحتى قضاء حاجتنا على اسطح المنازل.
وبيتنا كان بالقرب من اول مدرسة ابتدائية في الجزيرة وناظرها كان ملا معروفا، وهو ملا عبدالقادر، ونحن من جنوب الجزيرة، وبعد 15 سنة من ولادتي تركت فيلكا وعشت في الكويت.
مات وهو يقود السفينة
وتحدث عن مهنة والده، الذي توفي في البحر، وهو 'سكوني' أي ماسك سكان السفينة، وكان، رحمه الله، يأخذ حصة ونصف الحصة من ارباح السفينة لكل سفرة.
وقال: توفى وهو يقود السفينة بالسكتة القلبية وبيده 'السكان' والبحارة عرفوا بوفاته عندما شاهدوا السفينة تميل شمالا وجنوبا، ذهبوا الى المقدمة موجودة قد فارق الحياه، كان عمري سنتين، غسلوه وكفنوه وصلوا عليه ورموه في البحر كالعادة عند البحارة، اذا مات احدهم في وسط الميحط، وقال بألم وذكرى حزينة: قبل ذهاب والدي الى السفر استدان من النوخذة او صاحب السفينة مبلغا من المال لأولاده، وعند العودة يوفي هذا الدين، ولكن القدر لم يمهله، فطالبونا بالمبلغ، او ان يذهب معهم اخي الكبير ليسد المبلغ بدون مقابل، فرفض واخيرا، وللاسف اخذوا جزءا كبيرا من بيتنا في فيلكا على الشارع، واعطونا القليل الصغير غرفة ومطبخا داخل سكة ضيقة، 'وين يقولون اول احسن؟'.
عملت في سوق الخضرة
وعن حياته منذ البداية قال: عملت في دكان المهدي في سوق الخضرة براتب شهري 10 روبيات، وفي فصل الشتاء كان يقدم لي 'قلة تمر' مجانا (كيس من الخوص يوضع فيه التمر ويخيط بحبل من الخوص)، ثم عملت مراسلا في المدرسة الشرقية براتب 90 روبية، واتذكر ناظرها احمد السقاف، والمدرسين ملا عيسى مطر، وابنه عبدالله مطر، وعبدالعزيز محمود بوشهري وزير الشؤون السابق رحمه الله، ومحمد عبدالمحسن، وعبدالله حسين الرومي، ومحمد الرومي، وكنت اسير على القدمين من المدرسة الى دائرة المعارف في شارع الجهراء، ثم اشتريت دراجة 'أبو اسد' وضعت عليها خري (كيس من القماش على طرفي الدراجة) ووضعت بداخله راديو ترانزستور، وكنت اتجول في الحي الشرقي مرفوع الرأس وكانه عندي سيارة 'كاديلاك'. ثم عملت في دائرة الاشغال ب200 روبية شهريا، موقعها في 'أم صدة' بالقرب من المرقاب، ثم في دائرة الصحة، ودرست الكهرباء في الكلية الصناعية من عام 1958 ـ 1968.
وقال: خلال هذه الفترة التي أنعم فيها الله تعالى علي اشتريت دشداشة 'لاس' لونها عاجي وهذه التسمية هندية تعني الشعري المنسوج من الكتان الانكليزي (Lace) لا يلبسها الا المقتدر والزكرتي المتأنق في لبسه، وللأسف تمزقت عندما اردت ان احجز تذاكر لي ولإخواني للدخول الى السينما الشرقية (دزني وادزك)، فصحت بصوت عال: والله قهر هذا لابس مريكن يمزق اللاس، واول من يدخل صالة السينما كان يربط كراسي القاعة بغترته لكي يحجز الاماكن لإصدقائه.
وأتذكر أن حسين اليوحة دخل معنا السينما، ولم يجد مكانا له فأعطى ظهره للشاشة، المهم عنده انه دخل القاعة.
وقال: رشحت مدير اعاما مساعدا في منظمة العمل العربية مقرها بغداد، وأثناء ترشحي وقفت ضدنا المملكة الاردنية والعراق والسودان وفلسطين، واعتبر ان الكويت قد دخلت في العمل الديموقراطي، ومن اهم المراحل في حياة الكويتيين: 1961 الاستقلال - 1962 الدستور - 1963 البرلمان - 1964 تأسيس النقابات، وأنا أول رئيس لنقابة عمالية في وزارة الصحة، وأول رئيس لاتحاد عمال ومستخدمي القطاع الحكومي عام ،1965 وساهمت في تأسيس مؤسسة التأمينات الاجتماعية من خلال عضويتي في مجلس الادارة كممثل عن الاتحاد العام لعمال الكويت عام ،1976 والآن انا مستشار في الاتحاد، ومحاضر في معهد الثقافة العمالية.
كشاف بنيشان
وقال: كانت الحركة الكشفية في الكويت قوية ولها مكانة في نفوس المربين، ونحن في المركز الثقافي العمالي اسسنا هذه الحركة، وأنا من الذين انضموا إليها وكان عددنا 30 كشافا، ذهبنا الى جزيرة فيلكا واستقبلني خالي، رحمه الله، وقال لي: 'ها يا ابن اختي عندك نياشين؟ أي علامات، عسى معاشك زين'، اعتقادا منه ان الكشاف يأخذ راتبا من الدولة، وكان النيشان له قيمة عند الناس.
وقال حسين صقر: عندي أخ لا يعرف مجلس الامة ولا وزارات الدولة، عنده الشيوخ فقط هم اللي يعطونه،وهم يشغلونه، وهم كل في كل حتى جواز ما عنده، أعطوه البنك ورقة كبيرة للمراجعة فقال اعطوني شيك للبناء والترميم.
الشتاء والصيف
وتحدث عن مراقبة الطبيعة عند الكويتيين خاصة قبل دخول فصل الشتاء وبعده، فهناك من يقول ان البرد اليوم 'صكوعة' اي شدته من الصقيع، وآخر يقول 'سحتني' وتسمع كلمة 'بمده'، كل هذه الكلمات تدل على ان الجو بارد جدا، وكانوا يقسمون البرد الى اقسام منها: الجلة، جار جار، الازيرج، المربعانية، وبرد يسمى 'باع الخبل عباته'.
ولكن لهذا الفصل انواع من وقود للتدفئة منها: سعف، كرم، حطب، كرب، عرفج، يله، ثمام، حمض، والدوة، وكانت غرفتنا كلها دخان.
واما فصل الصيف فقال عنه: غته اي ان الجو حار، وواهي، وحروره زايدة، صنكره وهي شدة حرارة الارض، وسموم كلمة كانت تتردد عندما يهب الهواء من الجنوب، وإذا اشتدت الحرارة قالوا 'حمامان، والرطوبة تسمى عند الأولين رجيخة ولزوكة ولدونه، وجغجغ هي شدة الرطوبة، وقال: لهذا الفصل كان يقاومه الكويتي بمطارة الثلج قبل معرفة الكهرباء، فكان يخزن الثلج فيها واسمها 'مطارة ام نسر'، الحب والبرمة والغدشة على كرسي خشبي لتبريد الماء، وكان الحليب واللبن يوضع في الصميل، والمهفة (المروحة اليدوية) مصنوعة من الخوص، والبادكير كان في بعض البيوت عبارة عن برج فوق سطح البيت له فتحات لا تزيد عن أربعة، واذا ارتطم الهواء بالفتحات يتسرب الهواء فينعش الجو داخل الغرفة، وكان العريش من الباسجيل والبواري وال ندل في وسط الحوش للاستفادة من ظله.
وطلب حسين صقر من والدته وجبة غداء فقال له: يا يما خذ خبيزه وماء وسكر، وقال: كنت اذهب الى التموين كان يعطينا وسخ سكر، ويقولون ماكو مشاكل، ومن أين تأتي؟ لا أخبار ولا أكل حتى جارك ما تسمع له صوت، لأنه يفكر كيف يوفر الأكل لأولاده، وحتى آكل الدجاجة نعتبره 'كاشخ' كنا نشاهد ريشها في السكة، وبعضهم كان يضغط على بطنها ورقبتها قبل ذبحها حتى تصيح والناس يسمعون صوتها، ويقولون فلان غداه دجاجة، لا سيارات، ولا مخدرات، ولا خمر، ولا فلوس، وجزيرة فيلكا كانت مسالمة وخالية تقريبا من الناس، اذن من أين تأتي المشاكل؟
مجلس الأمة
اما عن دور المجلس قديما وحديثا فقال: لا توجد أي نسبة أو تشابه بين برلمان 1963 و2006 الآن في نوعية المطالب أو الطروحات، الأولون أسسوا، والآن مع الأسف، مطالبهم غير معقولة، انت بنفسك ذهبت الى البنك وأخذت القرض، وكشخت بيتك حتى تكون بمستوى التاجر، ثم تأتي وتطلب اسقاط القروض، أين مصلحة الكويت؟ وهؤلاء النواب يدغدغون مشاعر المواطنين.
وتحدث عن العادات الدخيلة على الكويتيين وهم في الشوارع يقومون بتصرفات خارجة عن العادات والتقاليد، هؤلاء الشباب عليهم ان يركزوا على القيم والأخلاق، كيف يرضى الأب ان تجلس ابنته بين الرجال وتدخن الشيشة؟ عليهم ان يمنعوا التدخين في المقاهي كلها.
أشهر إضراب عمالي في عام 1948
وتحدث النقابي حسين صقر عن الشعب الكويتي الذي استطاع ان يدير معيشته من مصادر عديدة، منها الزراعة وتربية الاغنام وصيد السمك والغوص في البحار بحثا عن اللؤلؤ، والتجارة برا وبحرا داخل الكويت وافريقيا وخارجهما، حتى وصل الآباء والاجداد الى القوقاز، وهؤلاء الرجال الاشداء تركوا اعمالهم بعد اكتشاف النفط في الاربعينات، ودخلوا في الشركات النفطية عمالا غير مؤهلين فنيا، وللأسف اعتبروا من الدرجة الثالثة لافتقارهم الى المعرفة المهنية، وغيرهم كانوا اصحاب الرواتب العالية، ويسكنون افضل البيوت ولهم كل وسائل الحياة، فالعامل الكويتي لا ماء له ولا كهرباء حتى شوارعهم ترابية ومظلمة في الليل، واصيب هذا العامل الكويتي بالاحباط، وهو يرى في بلده ووطنه وعلى ارضه ان غيره يتمتع، وهو المظلوم.
وقال صقر: بدأت خطواته الاولى بتوحيد كلمتهم، والمطالبة بالعدالة، وشكلوا لجنة لتقود نضالهم، وبدأت تختلط بالشعوب من خلال الزيارات للدول العربية والاجنبية، مما ساعد على فهم طبيعة وواقع العمل النقابي، فالمطالبة جاءت على مستوى تحسين الرواتب والاجور، والسكن والنقل والطبابة، وكانت الخطوة الاولى لتحقيق هذه المطالب الاضرابات العمالية، وهذه كانت اللبنة الاولى، واشهر اضراب تم في عام 1948.
وذكر صقر اللجنة التي كانت تضم: فهد العطية، ومجبل السعران، وعاشور عيسى، وسعد الفارس، حيث استطاع هؤلاء تأسيس بقالة في البداية، واخذ العمال في التعاون معهم عن طريق هذه البقالة، وجاءت الاضرابات ايضا في عام ،1951 هي الصيحة المدوية في سماء شركة النفط، وتحققت مطالب لهم، ولكن تم توقيف قادة الاضراب مع اعضاء اللجنة لنحو شهرين، وسرحوا من العمل، وفي عام 1956 اعلنت دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل عن افتتاح معهد للتدريب المهني، واستمر التدريب لمدة سنة واحدة، ثم طرحت فكرة تأسيس نادي يجمع الدارسين من هذا المعهد، واصبح مركزا لكل شرائح المجتمع الكويتي، ثم اصدرت 'مجلة العامل'.
وتذكر عام 1960 عندما نضجت فكرة تأسيس اتحاد عام للعمال الكويتيين، وفي سنة 1961 بدأت اللجنة وكل العمال بالاتصال بحركة القوميين العرب للتعاون والاستفادة من افكارهم، وفي عام ،1964 تقدمنا بطلب الى وزارة الشؤون للموافقة على تأسيس نقابات للوزارات في الكويت، وكانت هناك الشروط التي وضعتها وزارة الداخلية ومنها: شهادة حسن سيرة وسلوك، واحتج البعض، والغيت هذه الشهادة، وفي 1964/10/24 دعونا الاعضاء المؤسسين الى عقد اجتماع لجمعية عمومية تأسيسية، وبتصميم الأخوة الأشداء استطعنا ان نؤسس اول حركة نقابية عمالية في الكويت ودول الخليج، وتم اشهارها في القطاع الحكومي، وكانت اللجنة على الشكل التالي: حسين اليوحة عن نقابة البلدية، وعبدالرحمن حسين عن التربية، وناصر العريفي عن المالية، وعبدالله ناصر عن الاشغال وانا (حسين صقر) عن نقابة الصحة.
إمارة الجزيرة
وتحدث عمن تولوا امارة فيلكا كما قال الاجداد، فكان اولهم الشيخ محمد سعود الصباح عام 1865، والشيخ عبدالله سعود الصباح حوالي عام 1897 والشيخ سعود عبدالله الصباح من عام 1900، ثم جاء شعيب بن علي ولكنه اعتذر، وتولى خلف الخواري، من 1914، وبعد وفاته اختير الخواري ابن أخي خلف، ثم تولى احمد بن علي الخلف عام 1931 لمدة 28 سنة ظل اميرا للجزيرة، وفي 1959 عين ابنه خلف احمد الخلف، ثم صدر قانون المختارين وانتخب ملا عبدالقادر محمد.
مفهوم العامل
تحدث عن المشكلة التي واجهتهم في الحركة العمالية من الحكومة والناس والكل لا يفهم ما هي نقابة العمال، هناك من اتهمنا بأننا من الحركة الشيوعية وآخر قال إنكم ضد الحكومة، وهناك من كان خائفا من البصمة، فلذلك تأخرنا كثيرا، علما بأن هؤلاء العمال كانوا يعملون من سنة 1955 الى 1965 اكثر من 8 ساعات في اليوم، وكنا نطالب بالإضافي، ولله الحمد في 1967 تحقق المطلب، واستلموا المبالغ بأثررجعي، وبعد ان تحقق هذا المطلب زاد عدد الاعضاء في الحركة النقابية، ولا ننكر اننا كنا مع القوميين العرب، ومن عرفوا ان العامل هو كل من يعمل لا الذي يحمل الشبل والهيب ويعمل في البناء والحفريات.. الخ.
وقال حسين صقر: والدافع القوي وراء نقابة العمال هو الظلم الذي كان يقع على الكادح والمجاهد في ساحات العمل، وأتذكر حتى في الاربعينات طالبوا ايضا بنقابة لهم، وكانت الصحة والبلدية في المقدمة.
أعمال أهلها
وقال صقر: بما انها جزيرة فالمفروض ان تكون مهنة اهلها متعلقة بالبحر بالدرجة الاولى، لكن الزراعة اخذت اكثر اعمال الفيلكاوية مثل القمح والشعير والذرة والخضروات والفواكه، ولكنها اشتهرت بالجزر والنخيل، وهي غنية بالآبار.
وتحدث عن صيد السمك وهي المهنة الثانية، فسواحلها يكثر فيها الزبيدي، ويسمى زبيدي الوكر، في الصيف وفي الشتاء يسمى 'الكيد' فكانت المشوات هي السفينة التي يصطاد بها الزبيدي.
وهناك الشويحي ايضا السفينة التي تستعمل لصيد السمك لمسافات بعيدة.
اما التعليم فكانت جزيرة فيلكا غنية بالكتاتيب حيث كان يدرس القرآن الكريم للاولاد والبنات قبل افتتاح المدارس النظامية في عام 1935، فهذا الملا عبدالقادر محمد، والملا عبدالرحمن التركيت، والبهبهي وادريس، وعلي طالب، وسلطان سنكيس، اما الملايات فكن زوجات سنكيس، والبهبهي وعلي طالب، والمطوعة ام سلامة، اما المدرسون فمنهم: ملا عيسى مطر، ملا معروف عبدالقادر، والملا عبدالقادر، وحاجي القيسي، وياسين الملا، وعبدالله شعيب، ويوسف الحاج احمد.
|