وداعاً بيتنا القديم -بقلم : سيف مرزوق الشملان
وداعاً بيتنا القديم
بقلم : سيف مرزوق الشملان .
تلك هي الحروف التي تؤنسن الذكريات .....
حروف ليست كما عهدنا ...
حروف تكاد تأسر القلوب ...لرقتها و صدقها ...
ذلك سيف مرزوق الشملان الذي لاسمه صفات العذوبة و الأصالة و الرصانة ..
و هو كذلك سيف و مرزوق و شملان ....
تلك حروفه رنين لا يحد لذكريات تكاد تلاحقنا جميعاً
خلته يتكلم عني ..و خلت بيته بيتي .. و خلت حنينه ..حنيني ..
و تلك ..هي روعة الكلمات
العم الباحث و الأديب سيف مرزوق الشملان أطال الله عمره ...و عافاه ...
في حديث آسر وجدته بين ثنايا
أوراق كتاب- الألعاب الشعبية الكويتية – الجزء الأول و الطبعة الأولى عام 1969 .- مطبعة مقهوي
حديث صادق عدت إليه أكثر من مرة ...
لأنه كان يتكلم ..عني ..... وربما عن كل إنسان يقرأ هذه الصفحات .
..........
............
و لنتابع حديث باحثنا الآسر أطال الله في عمره و أعطاه الصحة و العافية
.......
..... نشر هذا المقال في جريدة الهدف العدد الخاص بعيد الفطر السعيد 11/12/1969 م عن مغادرتنا لبيتنا القديم .
بدأت في تأليف هذا الكتاب في بيتنا القديم مساء السبت 10 رمضان المبارك 1389 هـ الموافق 1 ديسمبر 1968 م و قد انتهيت من تأليفه مساء الجمعة 26 رمضان المبارك 1389 هـ - 5 ديسمبر 1969 م بعد مرور سنة و خمسة أيام .
لهذه المناسبة فقد رأيت أن أختم كتابي بهذا المقال العزيز لدي . و الذي له علاقة وطيدة بتأليف الكتاب .
و كنت أتمنى أن أتمكن من تأليف الكتاب و أنا في بيتنا القديم و لكن ( ما كل ما يتمنى المرء يدركه ) .
هذا مقال حزين أكتبه بمناسبة مغادرتنا لبيتنا القديم في مدينة الكويت و في محلة شملان قرب وزارة الصحة و إلى منزلنا الجديد في ضاحية الدعية .
أكتب هذه السطور و أنا مشدود للماضي . الماضي الذي انقضى و نحن في بيتنا القديم و كان ماضياً سعيداً . استعيد ذكرياته الطيبة حالياً و كم تؤثر في النفس ذكرى تلك الأيام الجميلة . عندما كانت مدينة الكويت صغيرة هادئة . و كان الكويتيون يؤلفون أسرة واحدة كبيرة . و كانت لهم عاداتهم و تقاليدهم . و كانوا قانعين بحياتهم البسيطة ، و كانوا يكافحون كفاحا مريرا في سبيل الحصول على عيشهم في ذلك الوقت العصيب و كانوا يقدمون الخدمات للكويت و كانت الكويت بحاجة ماسة لخدمات أبنائها .
أكتب هذه السطور و أنا متعلق بالماضي و أستعرض شريطه امام عيني .... و أقارن بين حياة الكويت في الماضي و حياتها في الوقت الحاضر . فأجد بوناً شاسعاً بين الحياتين بل أجد كأن ذلك كان حلماً من الأحلام و لم يكن حقيقة واقعة عاشها الكويتيون عيشة سداه المحبة و الوئام و لحمتها الحمية و الإيثار و مع الأسف الشديد و الحسرة تبدل الحال فأصبح ذلك كله في خبر كان . فسبحان مغير الأحوال فأين تلك الأبهة و الجلال ، أو (الحًنَّة و الرًّنَّة ) كما يقال و لله در الشاعر حيث قال و أجاد :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
..........................أنيس و لم يمر بمكة سامر
في الليوان أمام الغرفتين
و الآن ما لي و الإطالة في هذا الحديث المؤثر في النفس و الذي نكأ جراحي الدامية فالحديث عنه ذو شجون و لنرجع إلى الحديث عن بيتنا القديم و عما له صلة به .
يقع بيتنا على شارعين جهة الشرق الشارع الرئيسي و فيه الباب الرئيسي أيضاً و كان في السابق باباً قديماً (أبو خوخة) و في عام 1955 م أبدلناه بباب جديد . و من جديد الغرب شارع آخر و في عام 1959 م فتحت باباً صغيراً جهة الغرب للطباخ و يحده جهة الشمال بيتنا الكبير ( بيت علي بن سيف ) و يحده جهة الجنوب بيت للأوقاف و قد هدمته البلدية عام 1960 م فأصبح بيتنا على ثلاثة شوارع و كان هذا البيت ملكاً لــ ( شريفة يوسف الصقر ) و حاول جدي ( شملان بن علي بن سيف ) أن يشتريه منها ليدخله على بيتنا و لكنها رفضت بيعه بإصرار و أوقفته على مسجد الصقر و بعد وفاتها صار البيت وقفاً على مسجد الصقر يؤجرونه .
يتألف بيتنا من خمس غرف كبيرة تسمى الواحدة منها (دار) و نطلق على الدار التي تقع فوق السطح اسم غرفة . و به ليوان جهة الجنوب و دهليز جهة الشمال و مطبخ صغير و كنقيتان حول الدرج كبيرة و صغيرة و له أربعة أسطح كبيرة تشرف على البحر كما أن في السطح غرفة كبيرة جهة الجنوب تطل على الشارع جهة الشرق و هي التي أنام فيها وقت الظهيرة أبن الصيف بدون مروحة على الطبيعة و هي باردة و لها شباكان على الشارع ، و باب و شباكان جهة البيت و لها ( بوادقير) و هذه لفظة فارسية معناها جالب الهواء . و الخلاصة أن الغرفة هذه لها منزلة عالية في نفسي . إذ لدي بها ذكريات طيبة . و كم كتبت بها كتابات ، و قرأت قراءات و جلست بها جلسات . و لكن تركتها مرغماً أستعيد ذكرياتها الجميلة . و ذكريات البيت أيضاً و أنا أكتب هذه السطور .
يتبع بيتنا بيت آخر صغير بيت للمطبخ و للماشية و هو لاصق به جهة الغرب و فيه غرفتان و بئر (قليب ) . وهذا وصف بيتنا و حدوده . بقي أن أتحدث عنه كيف كان .
كان بيتنا في الماضي مكوناً من بيتين الأول و هو الصغير ( حالياً بيت المطبخ ) كان بيتاً لابن حمضان والد صالح الشايع و في حوالي عام 1320 هــ -1903 م اشترى جدي شملان بيت ابن حمضان و ادخله على بيتنا الكبير و جعله مطبخاً له .
أما البيت الثاني الكبير فكان بيتاً لأسرة (آل أدويرج ) و كان يسكنه رجل مسن و زوجته و بعد وفاته حوالي عام 1327هــ 1908 م اشترى جدي البيت فبناه بناء جديداً و كان الأستاذ الكويتي الشهير ( راشد بن رباح ) و بعدما انتهى البناء سكنه جدي مع زوجته جدتي من قبل الوالد و توفيت به حوالي عام 1911 .
و في سنة 1352 هــ 1933 م كنت طفلاً صغيراً و شاهدت البنائين و هم يرممون بيتنا و يلقون الأكشاك الخشبية .
و في سنة 1941 م ادخل الوالد غرفة من غرفه و حولها جدي إلى البيت الكبير ( بيت الوقف ) و كان على تلك الغرفة ( الدار ) غرفة علوية كبيرة وضعت بها عام 1941 م الحمام القلاليب التي كنت أربيها . فكان محلاً ممتازاً للحمام .
و في حوالي عام 1944 م كان عندي ( حَمًّامِيْ) و هو من الطيور الجارحة يربى و اسمه في اللغة العربية (الصُّرَدُ) و كان عزيزاً عندي و لما مات دفنته على سطح الغرفة و لا زلت اذكر كيف كفنته ثم دفنته و ظل قبره إلى أن هدمت الغرفة عام 1955 م.
و في حوالي عام 1935 م قمت مع الأخ جراح يوسف الرومي و هو من أصدقائي و أترابي بزراعة الشعير على سطح دار الوالد بيد أنني انفردت عن الأخ جراح بزراعة اثلة صغيرة على دارنا و كنت أسقيها و بعد كم يوم كبرت فشاهدها الوالد فما كان منه الا أن نزعها و قال لي غاضباً كيف تزرع أثلة على دارنا تبي ( تريد) تقضها ( تثقبها) و الحقيقة إنني كنت مخطئاً في زراعة الأثلة و لكنها الطفولة .
منذ تأسيس بيتنا حوالي عام 1908 و حتى الوقت الحاضر حدثت أحداث كبيرة في الكويت . فأول حادث حدث قبل ولادتي هو معركة هدية 1910 م و هجرة تجار اللؤلؤ من الكويت إلى الإحساء و البحرين و هم ( هلال المطيري- إبراهيم المضف- شملان بن علي ) صاحب البيت .
نقل الحاجات من بيتنا القديم الى منزلنا الجديد
منظر لبيتنا القديم و السكة و يظهر ساحل البحر
و الأحداث التي حدثت بعد ولادتي هي :
1- معركة الرقعي عام 1928 م.
2- تأسيس بلدية الكويت عام 1929 م .
3- كساد تجارة اللؤلؤ و نزع البشوت عام 1930 م.
4- مطر هدامة 1934 م.
5- زيارة الملك عبد العزيز آل سعود للكويت عام 1936 م .
6- حادثة المجلس التشريعي عام 1939 م .
7- الحرب العالمية الثانية و التموين 1941 .
8- تصدير نفط الكويت إلى الخارج 1946 م .
9- وفاة الشيخ أحمد الجابر و حكم الشيخ عبد الله السالم عام 1950 م .
10- بدأ التنظيم و العمران في الكويت عام 1952 و بعد ذلك استملاك البيوت داخل المدينة و قد استملكت الحكومة بيتنا هذا سنة 1958 م .
11- استقلال الكويت و مطالبة عبد الكريم قاسم بها 1961 .
12- انتخاب أول مجلس أمة كويتي عام 1963 .
13- وفاة الشيخ عبد الله السالم و حكم سمو الشيخ صباح السالم 1965- 1385 هــ.
14- الانتخابات لمجلس الأمة عام 1967 .
أول غرفة كانت منظمة على الطراز الحديث هي غرفة الوالد ففيها كراسي و ارائك و طاولات و أدوات زينة و لوحات و صور و أزان صينية و نحوها و كانت لها شهرتها و قد جلب الوالد هذه الأشياء من الهند عام 1925 م و احتفظ حالياً بأكثر تلك الأشياء للذكرى .
أول مرة أدخلت الكهرباء إلى بيتنا كان ذلك في شهر جون 1954 م و قد اشتريت أول مروحة للسقف و لا تزال صالحة للعمل في آخر شهر نوفمبر 1954 م هطلت أمطار غزيرة جداً على الكويت فهدمت كثيراً من البيوت . و ترك الناس بيوتهم إلى المدارس و بيوت الحكومة .
و قد أثرت الأمطار على بيتنا . و في صباح الثلاثاء 30نوفمبر 1954 م خرج خالي المرحوم عبد الله بن سيف من بيتنا إلى الخباز لشراء الخبز لنا . و لما عاد و الخبر بيده سقط عليه جدار فنقل إلى المستشفى الأميري بحالة خطرة و في مساء اليوم انتقل إلى رحمة الله و هو في مرحلة الشباب .
في أول ديسمبر تركنا بيتنا إلى بيت مجاور لنا بإيجار نحو شهرين ثم سكنا بيتا من البيوت المستملكة قريباً منا . و نظراً لما خلفته الأمطار من أضرار جسيمة فقد تألفت لجنة حكومية للنظر في تعمير و ترميم تلك البيوت ، و في شهر مارس 1955 باشر المقاول على حساب الحكومة إصلاح بيتنا و ترميمه .
في شهر أكتوبر 1955 م سكنا بيتنا و قد عاد إليه شبابه بعد أن أدخلت عليه تحسينات و إصباغ . و في أول أكتوبر 1965 صورت فيلماً سينمائياً لحفلة غداء في بيتنا بالغرفة العلوية . و في شهر رمضان 1966 صورت حفلة إفطار . كما صورت عام 1967 القريقعان في رمضان و في عامي 1966 م و 1967 م صورت عدة أفلام سينمائية للأهل في البيت ليلاً و نهاراً .
كما صورت الأماكن القريبة من بيتنا . هذا بالإضافة إلى الصور العادية لبيت و ما جاوره .
و احتفظ بهذه الأفلام و الصور للذكرى و التاريخ .
و ستكون لها أهمية كبرى بالمستقبل .
في شهر مايو 1962 ميلادي أعطتنا الحكومة قسيمتين في الدعية و في شهر ديسمبر 1963 باشرنا البناء و في منتصف عام 1965 م أصبحت الفيلتان صالحتان للسكن و مع هذا كله فقد آثرت السكن في بيتنا القديم على السكن بهاتين الفيلتين الحديثتي البناء . لم أترك بيتنا القديم للفلتين إلا يوم الثلاثاء 18 مارس 1969 م .
و مع هذا فقد ظل البيت في حوزتي و ظلت حاجاتنا و أغراضنا به .
و كنت أتردد على البيت و أحياناً أتناول به طعام الغداء أو العشاء اجلبه معي و آخر يوم تناولت به الطعام كان إفطار يوم الخميس رمضان الموافق 20نوفمبر 1969 م .
و في يوم الجمعة 5 رمضان 14 نوفمبر 1969 م بدأت بنقل الحاجيات من البيت إلى الفيلا و في يوم السبت 13 رمضان – 22 نوفمبر سلمت البيت للبلدية و بعدما به عائلة كويتية أعرفها .
و استطيع أن أزور البيت متى شئت .
كنت عازماً أن أغادر البيت في آخر شهر مايو 1970 . ولكني اضطررت أن أغادره قبل الموعد المقرر بسنة و شهرين و ذلك لمرض جدتي حفظها الله مرضاً خطيراً و دخولها المستشفى الأميري يوم الأربعاء 15/2/1969 و خروجها من المستشفى يوم الثلاثاء 18/3/1969 فذهبت بها رأسها إلى الفيلا دون استعداد كامل للسكن .
أنا آخر من غادر الحي من أسرتي ، و الآن لا يوجد في حينا الكبير سوى ثلاث بيوت فقط و هي بيت السيد مجرن حسين المجرن و بيت السيد سلطان العمر و بيت السيد علي الدوب .
و كم كان بودي أن أكون آخر من يغادر الحي و لكن لم أتمكن (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ) .
و ختاماً ربما يسأل القارئ الكريم قائلاً في هذا الحديث الطويل عن البيت لم تذكر لنا عن ميلادك به فأجيبه بأنني ولدت في البيت الكبير بيت الوقف المجاور لبيتنا في غرفة جدتي رعاها الله .و تقول الوالدة أنني ولدت في آخر ليلة من شهر رمضان المبارك قبل السحور قبل معركة الرقعي بسنة أي سنة 1345 هــ الموافق يوم 1 مايو 1927 م .
سيف مرزوق الشملان .
غلاف الكتاب
الغلاف الأخير للكتاب
التعديل الأخير تم بواسطة سمو حوران ; 01-04-2010 الساعة 09:15 PM.
سبب آخر: خطأ بالاسم
|