أسماء الأمكنة - يعقوب الغنيم
أسماء الأمكنة.. مرة أخرى (2)
وعدت بمقال آخر استكمل به ما جاء في المقال السابق من (الأزمنة والأمكنة) المنشور في العدد الماضي من «الوطن» وهأنذا أفي بما وعدت به متمنيا أن ينتبه الذين بيدهم الأمر إلى ما سوف يرد هنا من أمور.
أصدرت بلدية الكويت في اليوم التاسع عشر من شهر مايو لسنة 2008م قرارا تحت رقم 316، نص على تشكيل لجنة موسعة اسمها (لجنة توحيد الأسماء الجغرافية بدولة الكويت) وقد تضمن القرار معلومات عن المؤتمر التاسع لتوحيد الأسماء الجغرافية، وهو مؤتمر يشرف عليه المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة. ويبدو أن بلدية الكويت لم تصح إلا على أصوات المتحركين من مختلف الدول لعقد الموتمر التاسع. وهذا هو السبب الذي حداها إلى تشكيل هذه اللجنة ونتيجة لذلك فقد دام التخبط في مجال الأسماء عندنا فترة طويلة دون أن يحس أحد من المسؤولين أن مسألة الأماكن مسألة مهمة تبحثها الأمم المتحدة في مؤتمرات تتفرع عنها لجان بحسب المناطق الجغرافية في العالم، وأن على الدولة أن تسعى إلى حضور المؤتمرات للاستفادة من خبرات القائمين عليها في هذا المجال.
ومن يتفصح الملف الذي أصدرته بلدية الكويت وهو الذي يتضمن القرار الذي أشرنا إليه فإنه يجد عددا كبيرا من الملاحظات أولها أن الملف ضم مجموعة من المحاضر والمعلومات منها ما جاء تحت عنوان (معلومات حول المؤتمر التاسع لتوحيد الأسماء الجغرافية) وفيه تحت العنوان الفرعي: (المحتويات) وفيه - أيضا - عبارة: (جدول الأعمال المؤقت لمؤتمر التاسع لتوحيد الأسماء الجغرافية) ولم يقل كاتب هذه العبارة (للمؤتمر) وكأن بلدية الكويت لا تجيد النطق العربي، وعلى كل حال فإن المحتويات تضم أعمالا كثيرة، ومشاركات من دول مختلفة منها ورقة عمل من جمهورية استونيا، وورقة عمل من المملكة العربية السعودية، وأخرى من لبنان، ومحضر اجتماع الشعبة العربية لخبراء الأسماء الجغرافية على هامش المؤتمر التاسع لتوحيد الأسماء الجغرافية، والتقرير النهائي لحلقة الخبراء العرب لتوحيد أسماء المواقع الجغرافية بتشكيل اللجنة التي يفترض ان تقوم بالمهام التي تركتها بلدية الكويت وراء ظهرها طوال السنين الماضية فقد كان أهمها البندان الأول والثاني وهما كما يلي:
-1 توحيد كتابة الأسماء الجغرافية في دولة الكويت.
-2 اعتماد نظام كتابة الأسماء الجغرافية وفق النظام المعتمد من جامعة الدول وهيئة الأمم المتحدة وقد صغر القرار الجامعة فسماها: جامعة الدول العربية، وهكذا أثبت الموقع على القرار أنه لا يقرأ ما يوقع عليه.
ومن هنا نرى أن بلدية الكويت قد علمت في اليوم التاسع عشر من مايو لسنة 2008م بوجود اهتمام دولي وعربي بأمر أسماء الأماكن. بالإضافة إلى ملاحظة حول أمر غريب حيث قال البند الثالث من بنود واجبات اللجنة أن عليها:
-3 رفع التقرير النهائي بأعمال اللجنة لمجلس الوزراء الموقر (هذا بدلا من قولهم إلى مجلس الوزراء) لإصدار القرار اللازم بشأنه. ثم تأتي المادة السابعة لتنسخ البند الثالث من بنود واجبات اللجنة إذ تطلب هذه المادة أن ترفع اللجنة تقريرا بنتيجة أعمالها للسيد مدير عام البلدية، وهنا يبدر سؤال متى يجب تنفيذ المادة الثانية؟ ومتى يجب تنفيذ المادة السابعة؟ ومن هو الأهم مقاما السيد مدير عام البلدية أم مجلس الوزراء الموقر؟
ضم الملف الذي أعدته بلدية الكويت تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، وهو تحت عنوان: (مؤتمر الأمم المتحدة التاسع) المعني بتوحيد الأسماء الجغرافية وهو يحتوي على أعمال المؤتمر الذي عقد في مدينة نيويورك منذ اليوم الحادي والعشرين من شهر أغسطس حتى اليوم الثلاثين منه لسنة 2007م، وقد تناول كافة ما يتعلق بتسميات الأماكن، وتوسع المؤتمر في هذا الموضوع فلم يترك مجالا في سبيل الوصول إلى الأمر المطلوب إلا طرقه، ومن ذلك بحث تقارير الحكومات عن الحالة في بلدانها، وعن التقدم الذي أحرزته في توحيد الأسماء الجغرافية منذ المؤتمر الثامن، وتقارير شعب فريق خبراء الأمم المتحدة المكلف بالعناية بالأسماء الجغرافية عن الحالة في تلك الشعب من حيث التقدم الذي وصلت إلى معرفته وتثبيته في مجال توحيد الأسماء الجغرافية منذ المؤتمر الثامن كذلك. ثم أورد شيئا عن الاجتماعات الحق بذكرها بنداً عن التدابير التي اتخذت واقترحت لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن توحيد الأسماء الجغرافية، وعن المنافع الاقتصادية الاجتماعية الناتجة عن التوحيد الوطني للأسماء الجغرافية.
ولو أخذنا في سرد كل ما ورد في جدول الأعمال الذي نذكر هنا لما وسع المجال كل ما جاء فيه، ولكن ما قدمناه كاف للدلالة على مدى اهتمام الأمم المتحدة بهذا الموضوع الذي أصبح شاغلا من شواغلها، فأصبحت الدول تسعى إلى المشاركة في الجهود الدولية المبذولة من أجله وهي تتزايد عاما فعاما حتى أصبح موضوع التوحيد أمرا مطلوبا ومهما.
ومن الجدير بالذكر اننا قبل أن ننهي حديثنا عن المؤتمر التاسع الذي ترعاه الأمم المتحدة، فإننا نقدم من بنود جدوله الأخير بندا مهما جاء تحت عنوان: (التدريس والممارسة في مجال الأسماء الطيبوغرافية وأصولها والتعاون الدولي) وكان من ذلك ما يلي:
أ - التدريس والممارسة الحاليان.
ب - الدورات التدريبية في مجال الأسماء الطبوغرافية وأصولها.
ج - تبادل المشورة والمعلومات.
د - تبادل الموظفين.
هـ - المساعدة التقنية.
و - التعاون مع المنظمات الوطنية.
ز - التعاون مع المنظمات الدولية.
ح - التعاون مع وسائل الإعلام الجماهيري.
وهكذا نرى أن حشدا كبيرا من المهام التي ينبغي القيام بها من أجل التوصل إلى الغاية المطلوبة من توحيد أسماء الأماكن الجغرافية، وهو حشد يدل على الأهمية القصوى للموضوع بحيث نرى أن الأمم المتحدة تعنى به، وتعتبره جزءاً من أعمالها الدولية، وهو في الوقت نفسه ما كان ينبغي أن تهتم به الجهات المعنية في الكويت وعلى رأسها بلدية الكويت التي تنبهت أخيراً إلى جدوى الاهتمام بهذا الموضوع. ولكن هذا الاهتمام سوف يكون عديم الفائدة إذا لم تطبق هذه الجهات ما يتم الاتفاق عليه دوليا، وما لم يقلع المسؤولون عن تغيير أسماء مواقعنا التاريخية يوميا كما يغيرون ملابسهم بعد عودتهم من العمل. إن تخليد الأشخاص الذين قاموا بخدمات حقيقية للبلاد ينبغي ألا يتعارض مع الحرص على تاريخ البلاد، وتاريخ مواقعها الجغرافية، وأسماء هذه الأماكن جزء من تاريخها لا يتجزأ.
***
هذا وبين يدي الآن نشرة منمقة طبعتها بلدية الكويت حول هذا الموضوع وفيها تكرار - ولكنه موجز - لما جاء في الملف الذي أشرنا إليه. فهذه النشرة تقدم تلخيصا عما تم إنجازه بخصوص توحيد الأسماء الجغرافية فتذكر أن مجلس الوزراء اتخذ قراراً بتكليف الوزير المختص القيام بتشكيل لجنة لهذا الغرض هي اللجنة التي وردت في قرار مدير عام البلدية الذي سبقت الإشارة إليه وإضافة إلى ذلك جاءت في النشرة تحت بند الأفكار والتصورات مقترحات للمؤتمر العربي الرابع، والبلدية هنا تقدم للبلدان العربية توصيات وكأنها ضالعة في هذا الأمر منذ البداية وهذا مخالف للواقع بل إن كثيراً من الدول العربية سبقتها إلى المشاركة في المؤتمرات الدولية والعربية ذات العلاقة بالأسماء الجغرافية، ومما تنبغي الإشارة إليه هنا أن النشرة تذكر أن مدير عام بلدية الكويت قد أصدر قراره رقم (2008/316) في اليوم التاسع عشر من شهر يونيو لسنة 2008م، والقرار الأصلي ينص على أنه صدر في شهر سبتمبر للسنة ذاتها، فما هو التاريخ الصحيح من بين هذين التاريخين؟
***
في نقلة أخرى خلال الموضوع نفسه، أقدم هنا شيئا عن النظام العربي الموحد لنقل الأسماء الجغرافية من الأحرف العربية إلى الأحرف اللاتينية، وقد جاء في الصفحة الأولى للملف الذي تناول هذا النظام أنه صدر (كما جرى الاتفاق عليه من قبل الخبراء العرب الذين حضروا للمؤتمر العربي الثالث للأسماء الجغرافية في بيروت، وكما صدق عليه من قبل ممثل الأمين العام لجامعة الدول العربية) وكان انعقاد هذا المؤتمر قد تم في شهر مايو لسنة 2007م. وهذا جهد عربي خالص يضاف إلى الجهود الدولية التي سبقت لنا الإشارة إليها - بتفصيل كامل - وفي مقدمة الملف يقول رئيس المؤتمر العميد الركن مارون خريش: (يحتوي هذا الكتاب على أبجدية نقل الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية) ثم يقول: (وهذه الأبجدية هي الأبجدية الممثلة لورقة بيروت الصادرة عن حلقة الخبراء العرب لتوحيد أسماء المواقع الجغرافية في الوطن العربي المنعقد في بيروت سنة 1971م) ولن نلجأ إلى وصف ما ورد في الملف لأنه يحتوي على أمور فنية دقيقة ولكننا نستدل من العبارة السابقة على بدايات العمل العربي في هذا المجال.
***
هذا والجهود العربية في مجال توحيد الأسماء لا تقتصر على ما سبق فهناك جهود فردية وأخرى حكومية قد تم بذلها في هذا السبيل وهي تدل على مدى الأهمية التي يعلقها المختصون على تطبيق الحد الأدنى من عوامل التوحيد المطلوبة بالنسبة للأسماء الجغرافية.
اهتمت جامعة الكويت في سنة 1985م بالأمر فأصدرت بالتعاون مع الجمعية الجغرافية الكويتية كتيبا ضمن منشورة دورية كان يصدرها قسم الجغرافيا بالجامعة متعاونا مع الجمعية المذكورة. كان الكتيب الذي نشير إليه هنا من تأليف العالم السعودي الأخ الدكتور أسعد سليمان عبده، وكان المؤلف وقت النشر مدرسا في قسم الجغرافيا بكلية الآداب في جامعة الملك سعود، عنوان الكتيب هو (بعض أوجه الاختلاف في رسم اسم المكان الواحد بحروف اللغة العربية في المملكة العربية السعودية).
وللمؤلف عناية بالبحث الجغرافي وفهرسة الكتب الجغرافية وتحقيق الكتب، وقد عني في هذا الكتيب الذي نتحدث عنه بمقارنة اسماء الأماكن بالمملكة العربية السعودية مشيرا الى مصدرين مهمين في هذا المجال هما: خرائط المملكة العربية السعودية، وكتاب المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية الذي ألفه الأستاذ حمد الجاسر، وهو يقول عن موضوع دراسته هذه: (تهتم هذه الدراسة بالاختلافات التي وجدت في رسم اسماء الأماكن المنشورة في كتاب تصحيح الاسماء الجغرافية المكتوبة على خرائط المملكة العربية السعودية.. ثم يقول: وموضوع هذه الدراسة هو التعرف إلى اوجه الاختلاف في رسم الاسماء التي تختلف في الحروف او في الحروف والحركات معا).
تتبع الدكتور اسعد عبده هذا الموضوع تتبعا جيدا حتى جاء بحثه مثالا يحتذى به عند الحديث عن اسماء الأماكن واختلافاتها من حيث الكتابة والنطق وهو موضوع في غاية الأهمية.
ولم تقف جهود المختصين السعوديين عند هذا الحد، فقد قامت دارة الملك عبدالعزيز بالرياض بالدعوة الى ندوة خصصتها للبحث في اسماء الأماكن الجغرافية في المملكة العربية السعودية وذلك في سنة 2008م، ثم قامت في سنة 2007م بطبع كتاب يضم كافة البحوث التي قدمت في تلك الندوة، وقد جاءتنا مجموعة طيبة من البحوث المهمة في هذا الباب قدمها عدد من العلماء كان منهم الاستاذ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم الذي دعي الى الشاركة في الندوة المذكورة بصفته احد الجغرافيين البارزين في الوطن العربي، وقد قدم في الندوة محاضرة عنوانها: (الجهود العربية في ضبط الاعلام الجغرافية لشبه الجزيرة العربية) وقد تحدث في محاضرته عن المعاجم العربية القديمة الخاصة بالأماكن، ثم قارن بينها من حيث مناهجها، وطرق تناولها للعمل الجغرافي، وانتهى الى الحديث عن المعاجم، وعن الباحثين المتأخرين في هذاالمجال، ولم ينس الاشارة الى الجهود التي بذلت في الكويت فأشار اليها قائلا: «في الكويت نشر الدكتور يعقوب الغنيم مجموعة من الكتب والدراسات حول المواضيع التاريخية في دولة الكويت، منها كتابه (كاظمة في الادب والتاريخ) (القاهرة 1958م، الكويت 1995م)، وكتاب (أوراة: لمحة من تاريخ الكويت) (الكويت 1995م)، وكتاب (العدان بين شاطئ الكويت وصحرائها) (الكويت 1997م) وكتاب (السيدان: قبس من ماضي الكويت) (1997م)، ثم اصدر عام 2004م، كتابا بعنوان (دولة الكويت: الأماكن والمعالم) وهو ما يعد معجما جغرافيا للجزء الشمالي الشرقي من الجزيرة العربية».
وهكذا نرى ان الاختمام بتوثيق اسماء الأماكن وتثبيتها وفق وضعها الاصلي، وتوحيد ترجمتها الى اللغات الاخرى امر تعتني به الامم المتحدة وجامعة الدول العربية والدول العربية منفردة بل الكويت ولكن دون جهد حكومي يذكر، الى ان جاء قرار البلدية الجديد الذي اشرنا اليه، آملين الا يصيبه ما اصاب غيره من القرارات.
وهنا اضافة لا بد منها في ختام حديثنا هذا، وذلك ان اخي الاستاذ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم قد اشار في تصديره لكتابي: (دولة الكويت: الأماكن والمعالم) الذي صدر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية في سنة 2004م، الى امر مهم يتعلق باسماء الأمكنة ذلك لأنه قال: «انتظم في جنيف عام 1967م اول مؤتمر دولي تحت عنوان: (تنميط الاسماء الجغرافية) وصدر عن هذا المؤتمر قرار ينص على ان يكون رسم الاسم الجغرافي متفقا بقدر الامكان مع قواعد الاملاء المتبعة في الدول المعنية، وعلى الحد بقدر الامكان من عمليات التغيير في اسماء الأماكن باعتبار ذلك جزءا من التراث الانساني الذي ينبغي الا يمس».
وهذا يدل على وجود اتجاه توثيقي على مستوى دولي يتعلق بأسماء الأمكنة، وظللت اللقاءات الدولية بهذاالخصوص مستمرة، ولم تشارك الكويت في اي منها الا في السنة التي ذكرناها، ألا ترون ان هذا يؤيد الدعوة الى عدم تغيير الأسماء؟
============
ملحاق خير
كأنما أيقظني من النوم ذلك الرجل الذي سار إلي في شبرة الخضرة ليسألني سؤال رجل آسف على أمر فر من بين يديه. الرجل الذي أعنيه هو من أبناء الكويت، ويبدو أنه من متابعي هذه المقالات وذلك واضح من اهتمامه الذي أبداه لي. لقد استوقفني ليقول: لماذا نسوا (النقرة) التي نعرفها منذ زمن طويل وكانت فيها كشتات البر ايام الربيع، وفيها عدد من السكان الكويتيين، كيف محوها من الوجود ليضعوا (حولي) في مكانها؟.
لقد أخذني اهتمامه هذا بمفاجأة، ونبهني الى امر لم أكن أفكر فيه من قبل، فشكرت له هذه المتابعة وقال ان اسماء الأماكن يحفظها الأهالي على الرغم من تغييرها من قبل بلدية الكويت، وما دمت انت وغيرك كثيرون تحفظون هذا لاسم فلن يضيع، فالأماكن لم تمسها البلدية حتى تنتزع اسماءها وانما اسماها اهلها منذ قديم الزمن، وقد وعدته ببحث الأمر لمزيد من اليقين به.
شكرني وانصرف، ولكني شغلت كثيرا بحديثه، وصرت اتتبع الكثير من الأمور المتعلقة بهذا الموقع فلم اجد شيئاً يهديني الى ما أريد، وكأنما اريد لاسم هذا الموقع أن ينسى واعتبرت النقرة وحولي شيئاً واحدا بصورة قسرية حتى ان الخريطة التي صدرت عن البلدية لم تورد الاسم ولم تفصل الموقع عن حولي وهذا أمر يؤسف له ويتعارض ما ذكرناه في مقالنا المنشور مع هذا الملحاق.
اسم (النقرة) اسم لعدد من المواقع العربية القديمة وقد أورد ياقوت الحموي شيئاً من ذلك في كتابه «معجم البلدان» حين قال عن النقرة (ومنهم من نطقها بكسر القاف): كل ارض في وهدة في نقرة، ومثل لها بموضوع في طريق مكة اسمه معدن النقرة، ثم ذكر عددا كبيرا آخر من المناطق تسمى النقرة، وهي أماكن أراض منخفضة كما ذكر، وفي بعضها آبار مياه يستفيد من مائها العابرون الى داخل جزيرة العرب، وحار في وصف موضع آخر يسمى النقرة بسكون القاف فذكر أنه جبل أو مورد ماء تمتلكه احدى قبائل العرب.
لا أسوق هذه الأقوال من اجل ان اثبت ان النقرة التي عندنا هي المذكورة في كتاب معجم البلدان ولكني اذكرها للتدليل على ان هذا الاسم معروف ومطروق، وقد اطلقه العرب على عدة أماكن، ولذا فانه ليس من المستغرب ان يكون موضعنا هذا الذي في الكويت قديما هو الآخر، ولكننا لم نتمكن من الاستدلال على ماضيه حتى يومنا هذا.
اصدر الأستاذ الفنان حسين الأيوب في سنة 1987م كتابا تحت عنوان «حولي قرية الأنس والتسلي» وقد ذكر فيه تحت عنوان هذا الكتاب: انه من حصيلة الدكريات قبل الخمسينيات وهو - والحق يقال - كتاب صار تاريخا لهذه المنطقة وبخاصة ان المؤلف جمله بالصور التي كان بعضها من رسم يده، وبعضها الآخر من التصوير الفوتوغرافي، وقد نشر في بداية الكتاب خريطة لحولي تظهر فيها النقرة بأقسامها الثلاثة التي هي النقرة الجديدة ونقرة الحداد ونقرة الطواري والأولان في الشمال والثالثة في الغرب، وهنا تجد صورة الخريطة كما وردت في الكتاب للمزيد من الاطلاع على الوضع الجغرافي حولي والنقرة.
اضافة الى ذلك فقد اشار الاستاذ ايوب حسين الى سد النقرة الشهير، ووضع مع حديثه عن السد صورة جميلة من رسمه تمثل سد النقرة تمثيلا واضحا وهذا السد ليس شبيها بالسدود المتعارف على أشكالها في هذه الايام ولكنه عبارة عن حفرة واسعة تجمع الماء المتحدر من الغرب الى الشرق قبل ان يسيل الى البحر، وكان الشيخ سالم المبارك الصباح قد امر بعمل هذا السد للاستفادة من مياه الامطار بدلا من هدرها وذلك في أواخر سنة 1917م وقد انتفع الناس كثيرا بمياه سد النقرة وكان البائعون الذين يجلبون ماءه الى المنازل في داخل البلاد على الحمير او على الجمال بوساطة القرب ينادون على مائهم المحمول قائلين: ماء السد ماء السد.
وليس سد النقرة حفرة واسعة وعميقة فقط، ولكنه يضم عددا من الآبار في الوسط يفيد ماؤها البلاد في فترات الصيف حين يشح ماء المطر، وعلى جوانبه حواجز طينية تبعد عنه اي مؤثرات ضارة بالماء، كما تحميه من الرمال التي تجرفها الرياح ليبقي على وضعه دائما دون أن تتمكن العواصف من تغطيته وازالته من الوجود.
وفي سنة 1957م أصدرت دائرة الاوقاف العامة كتابا ضم تاريخ الاوقاف، واشارت فيه الى المساجد التي كانت قائمة في النقرة الى ذلك الوقت، وذكرت في تلك المساجد مسجدين هما مسجد ابن رشيد الذي كانت الدائرة قد جددت بناءه في سنة 1954م، وكان مؤسسه محمد يوسف الرشيد البدر، اما المسجد الثاني فهو مسجد النقرة القديم (بحسب تسمية الكتاب له) وقد جددت الدائرة بناءه في سنة 1956م. ولهذا المسجد عدة اسماء وقد كتب على مدخله ان مؤسسه هو حمد ناصر البراك.
وبعد، فان من المؤسف ان يزول هذا الاسم التاريخي من ذاكرتنا وخرائطنا على الرغم من كل ما تقدم، فهل لنا أن نأمل من البلدية اعادة النظر في الأسماء واللوحات الإرشادية؟
============
ملحاق خير:
كان مقال الأزمنة والأمكنة الخاص بكاظمة مرتبطا بشخص أحمد بوراشد وأسرته، وكان - الى حد كبير - نقلا من مقابلة مسجلة معه، تحدث فيها عن مساكنهم، وعن المواقع المحيطة بهم هناك، ولم يكن هناك مجال لأحاديث أخرى. ولقد لفت ذلك المقال نظر الأخ محمد يعقوب بكر محمد البكر، ولاحظ أنه لم يرد في المقال ذكر جده لوالدته باعتباره ممن كان يسكن كاظمة منذ زمن، ولم يكن القصد من عدم ذكره هو الإهمال، ولكن طبيعة المقال المنوَّه عنه تسير في طريق محدد التزمنا به عندما بدأنا التسجيل مع أخينا أحمد بوراشد.
وحتى أثبت للأخ محمد البكر بأن الأمر هو كما ذكرت آنفاً فإنني أضع صورة رسالته كما وردت إليّ مع هذا الملحاق. وأعتذر عن إيراد ما ورد في الأوراق الأخرى لأن موضعها غير هذا الموضع.
وبحسب الوصف الوارد في الأوراق فإن هذا القصر الذي تشير إليه الرسالة يقع بالقرب من منطقة المعترضة التي سبقت لنا الإشارة إليها وأنه مبنى آخر غير القصر الذي أمر الشيخ مبارك الصباح ببنائه وأشرنا إليه أيضاً في مقالنا الآنف الذكر.
ختاماً أرجو ألا يشعر الأخ البكر بأننا قد تناسينا جده، وأن يتأكد من أن الأمر جرى كما ورد هنا، ومن حقه علينا أن نثبت خلاصة ما قدم لنا من بيان.
نبذة عن حياة الملا عمر بن علي بن محمد الملا
عمل في شبابه في تجارة شراء وبيع الأصواف من الشام الى الكويت وبالعكس وتخصص بتوريد العباءات الصوف المسماة بالعباة البرق ذات اللونين الأبيض والأسود، ثم تاجر بالأغنام والبعارين وقضى مقتبل عمره ما بين البصرة في الصيف وفي الربيع في البر أما فصل الشتاء فيتواجد في الكويت وهكذا الى أن كوَّن له حملة لنقل حجاج بيت الله على الجمال بعد الحرب العالمية الأولى سنة 1914 وفي أوائل الثلاثينيات استقر في الكويت وأخذ يمارس نشاطه في تربية الأغنام والخروج الى الصحراء في فصل الربيع وبنى له أكواخا في منطقة كاظمة. عرفت هذه الأكواخ بقصر عمر في كاظمة حتى اوائل الستينيات أصبحت مهملة الى ان زالت آثارها في الأعوام المتأخرة من منتصف السبعينيات ولم يبق لها أثر، وقد ولد عمر بن علي بن محمد الملا وهو من عائلة آل بكر من أهالي عنيزة وولادته بالتقريب لا بالتحديد في عام 1862، وقد عاش من العمر مائة وخمس سنوات وتوفاه الله الى رحمته في 1967/6/25.
ولله الحمد والمنة
حفيده محمد يعقوب بكر محمد البكر
والدتي حصة بنت عمر بن علي بن محمد الملا
|