مسيرة تاريخ استكملها ابناؤه (عبدالله بن محمد الأستاد )
بقلم: الباحث قصي عبدالحميد الأسود - القبس
• الباحث قصي عبدالحميد الأسود
عبدالله بن محمد الاستاد من جيل الاستادية الكبار الذين كانوا بمنزلة الآباء الروحيين والمعلمين لمن أتى بعدهم من القلاليف والاستادية في بدايات القرن الماضي. لا نعلم الكثير عن تفاصيل حياة هذا الاستاد الكبير إلا ما يتذكره حفيده العم الحاج جاسم محمد عبدالله بن محمد الاستاد ــ أمد الله في عمره ــ حين سألته عما يتذكره عن جده فقال: «كنت صغيرا جدا حينما ترك جدي العمل في صناعة السفن وقد كان من عادته الجلوس صباحا مع مجموعة من أصدقائه من جيله عند بيت الحاج حبيب بن كرم وكنت اذهب اليه بقرشة الماي ودلة القهوة، وكان ممن يجالسه الحاج ــ المرحوم ــ عبدالله بن علي بن غانم والحاج ــ المرحوم ــ علي حسين بن منصور». ويقول: لقد جرت العادة في ذلك المكان وفي ايام الجمع وهي عطلة القلاليف ان يقام مزاد على عدة القلاف المتوفى بعد وفاته، فيأتي الناس، وخصوصا القلاليف فيختار كل منهم ما يحتاجه من العدة المعروضة، ليزايد في سعرها للحصول عليها، وعادة ما تكون تلك العدة من النوعية الجيدة الصنع والاداء تبعا لبراعة القلاف واعتزازه بعدته التي يعمل بها طوال حياته في المهنة.
• بوم المهلب عند انزاله الى البحر سنة 1937..ويبدو المعتمد البريطاني واقفا في يمين الصورة
بدا عبدالله بن محمد حياته في العمل كقلاف في عمارة عمه حجي سلمان الاستاد الكبير المعروف، وسافر كاستاد في بغلة النوخذة عبدالوهاب عبدالعزيز القطامي (البدري). وشارك كقلاف مع حجي سلمان في صناعة العديد من السفن التي كان ابرزها بوم بن رشدان عام 1914 وبوم ولد مبارك 4000 منّ عام 1916. وبعد سنين من العمل مع الاستاد حجي سلمان الذي توفي عام 1918 استقل الاستاد عبدالله بن محمد بنفسه واصبح يعمل كاستاد في عمارة ابن عمه الحاج الاستاد احمد بن سلمان وخارجها. وقد اشتهر الاستاد عبدالله بن محمد بصناعة انواع عديدة من السفن واكثرها ابوام السفر وهي عادة ما تكون اكبر من غيرها من الانواع. ومن ابرز ابوام السفر التي قام بصنعها الاستاد عبدالله بن محمد، الآتي:
ـ بوم «نايف» حمال 3000 منّ للمرحوم ثنيان الغانم، وقد ركب عليه ــ المرحوم ــ النوخذة راشد علي محمد المبارك.
ـ بوم «سهيل» وحمولته قرابة 2500 منّ للمرحوم، خالد داوود المرزوق. ركب عليه النوخذة احمد اليعقوب.
ـ بوم «مشرف» 1500 منّ للمرحوم النوخذة داوود المرزوق وقد ركب عليه المرحوم النوخذة احمد القصار.
ـ بوم «طويز» 1600 منّ للمرحوم محمد علي تيفوني.
ـ بوم «الاصفر» وحمولته 2700 منّ للمرحوم براك عبدالمحسن الخميس واخوانه علي وحمد.
ـ بوم المرحوم النوخذة احمد بن ناصر وحمولته حولي 3000 منّ. ويذكر ان هذا البوم وبوم الاصفر قد صنعهما في نفس العام.
ـ بوم «فتح الخير» 2000 منّ للمرحوم التاجر محمد شاهين الغانم.
ـ بوم 3000 منّ للمرحوم عبد النبي حجي قاسم، بعد سنوات اصيب البيص لارتطامه بالقصار قرب جزيرة عوهه الكويتية، فقام الاستاد عبدالله بن محمد باستبدال البيص.
ـ بوم مبارك بن ناصر 3000 منّ.
ـ بوم سالم بن علي بوقماز 27000 منّ.
ـ بومين للمرحوم علي ابراهيم الجوعان 1500 منّ، اشترى احد هذين البومين عبدالوهاب بن خليفة شاهين الغانم.
ـ بومين «تيسير» و«فتح الخير» حمولتهما 2000 منّ للمرحوم النوخذة يوسف بن حيي.
ـ بوم «فتح الخير» 1700 منّ للنوخذة مبارك جاسم المباركي.
ـ ثلاثة ابوام «مشهور» 1600 منّ، «سهيل» 2000 منّ، «اسامة» 2000 منّ للمرحوم النوخذة احمد عبدالمحسن الخرافي.
ـ بوم «المبروك» 1600 منّ للمرحوم النوخذة عبدالوهاب بن خليفة.
ـ بوم 3000 منّ للمرحوم احمد المعتوق.
هذا، وقد قام الاستاد عبدالله بن محمد بصنع العديد من الانواع الاخرى من السفن حيث تعددت احتياجات اهل الكويت في ذلك الزمان بتعدد مصادر رزقهم في البحر، حيث صنع سفن القطاعة، وهي سفن السفر لموانئ الخليج مثل البصرة وايران والبحرين وعمان وغيرها. وايضا صنع سفن الغوص على اللؤلؤ منها بوم المرحوم النوخذة احمد الجبر الغانم الذي، وبعد سنوات من عمل هذا البوم في الغوص، قام بزيادة طوله وارتفاعه ليستخدم كبوم سفار. وصنع شوعي للشيخ صباح الناصر في عمارة حجي احمد الاستاد. وبوم ولد مبارك 4000 منّ، كما يوصف بانه احلى بوم سفار. وقد كان من اوشار حجي سلمان الاستاد وكان عبدالله بن محمد هو المجدمي، مساعدا له في صناعة هذا البوم. كما قام هو والمرحوم الاستاد حسين بن منصور بصناعة الابلام الفودرية لعدد من نواخذة الغوص. ومن اوشاراته ايضا من ابوام الماء: بوم تيفوني وبوم المعتوق وبوم لاحمد العبدالله الصقر.
لا تعرف على وجه التحديد السنة التي توفي فيها الاستاد المرحوم عبدالله بن محمد، ولكن ذكر لي العم الحاج جاسم محمد العبدالله الاستاد ان وفاة جده عبدالله بن محمد كان في السنة التي كان ابوه الاستاد محمد العبدالله يصنع بوم القضيبي وكان ذلك في اواخر الثلاثينات وعلى الارجح في سنة 1939، لذلك فانه للاسف لا توجد صورة فوتوغرافية عن هذا الاستاد الكبير. رحم الله الاستاد عبدالله بن محمد رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته.
أبناء الاستاد عبدالله بن محمد:
محمد وحسن وعلي وعباس
كما هي عادة ابناء طائفة البحارنة صناع السفن في الكويت ان يورثوا حرفتهم لابنائهم وابناء عمومتهم، فقد ورث عن الاستاد عبدالله بن محمد حرفة صناعة السفن ابناؤه محمد، حسن، علي، وعباس، الذين اصبحوا من خيرة الاستادية والقلاليف. وقد اكملوا مسيرتهم في صناعة السفن والسفر ومشاركتهم في صناعة كثير من السفن الشهيرة بانواعها واستخداماتها المتعددة. ونبدأ هنا باكبر ابنائه، وهو محمد العبدالله الذي اصبح من اشهر الاستادية الذين صارت لهم مكانة مرموقة وظل يعمل حتى الفترة الاخيرة من حياة الكويتيين في البحر واندثار حرفة صناعة السفن في الكويت، حيث اكمل مشواره في فترة السبعينات في عمارته في قرية الدوحة، وقد صنع كاستاد الكثير من السفن التي كان لها صيت كبير في تاريخ الكويت، ولعل اشهرها بوم المهلب الذي شهدناه حتى السنوات الاخيرة حتى طالته يد الغدر والعدوان اثناء الغزو البعثي الغاشم وقد احرقه الغزاة في متحف الكويت الوطني على البحر. وسوف نستعرض تاريخ هذا الاستاد بالتفصيل لاحقا.
حسن عبدالله بن محمد الاستاد، حيث عرف عنه انه «استاد المرزوق» وذلك لكثرة عمله على خشب عائلة المرزوق، كان ممن ركب كاستاد في سفن السفر مثل بوم بن رشدان. وعمل كاستاد دركال، اي اصلاح السفن، ومن اوشاراته المعروفة تشالتين، جمع «تشاله» وهي من سفن تحميل الصخر وبوم سفار صغير للمرحوم التاجر عبدالعزيز الصقر.
علي عبدالله بن محمد الاستاد، عمل قلافا في عمارة حجي احمد الاستاد. ركب موسمين كاستاد في بوم الداو مع المرحوم النوخذة محمد بن شيبة.
عباس عبدالله بن محمد الاستاد، عمل قلافا في عمارة حجي احمد، ركب كاستاد في بوم النصف مع عيسى بن نخي. يذكر ان ابوحمزة عباس الاستاد ــ رحمه الله ــ من الشخصيات الرياضية المعروفة في دولة الكويت، والنادي العربي على وجه الخصوص، ويعرف بتفانيه في عمله الرياضي الى آخر ايام حياته.
الاستاد محمد عبدالله بن محمد
ورث بامتياز عن والده صفاته كاستاد كبير، وقد صنع سفنا بغاية الجودة والصفات الملاحية الممتازة. شارك محمد بن عبدالله كقلاف مع حجي سلمان في صناعة بوم بن رشدان عام 1914، كما عمل كاستاد في عمارة ابن عمه الاستاد احمد بن سلمان. استمر في صناعة السفن الى فترة السبعينات وقد كان من الاستادية القلائل الذين كانت لهم عمارة لصناعة السفن في قرية الدوحة، وقد استمر يعمل في العمارة حتى وفاته 1986.
تميز الاستاد محمد بن عبدالله بصنع الابوام ذات الحملات القائمة اي التي يكون اتجاه الالواح المرتفعة في مقدمة السفينة من القاعدة بزاوية حادة، وبالتالي فان تلك الميزة تجعل من السفينة اكثر انسيابية في اختراق الماء وتجعلها اكثر سرعة. وقد كان بوم المهلب شاهدا على تلك الميزات في الاسلوب الذي كان يتبعه الاستاد محمد العبدالله في صنعه للسفن. وقد تواجد هذا البوم في المتحف الوطني على البحر بعد ان اهداه المرحوم التاجر ثنيان الغانم الى الدولة، حيث احرقه العراقيون ابان الغزو الغاشم على دولة الكويت سنة 1991 وتلاشى هذا التراث العريق لاجدادنا تحت الرماد.
وكما اشرنا في المقدمة، فان محمد بن عبدالله استطاع ان يصنع عددا من الابوام ذات صفات ملاحية رائعة وذات شكل خارجي جميل.. والى يومنا هذا ما زال الرعيل الاول يتذكرون افضل سفن السفر التي كان لمحمد بن عبدالله النصيب الاكبر في صناعة عدد منها.
ـ صنع بوم باسم «رشيد» وحمولته 3200 منّ لاحمد القضيبي وهو بومه المشهور الذي يوصف بانه بوم سريع وحلو. ركب عليه النوخذة صقر القضيبي. وقد رآه التاجر احمد كاكة من اهالي كنج وطلب ان يصنع له بوما مثله بعد.
ـ صنع البوم المسمى «المهلب» 2700 منّ للمرحوم ثنيان الغانم في عام 1937م. كان كما اسلفنا اخر ما تبقى في الكويت من السفن القديمة وقد احرقه العراقيون اثناء الغزو.
ـ صنع لنج اسمه «فريد» للمرحوم عبدالمحسن ناصر الخرافي وحمولته 2،300 منّ ركب عليه النوخذة ناصر الباطني.
ـ بوم «نايف» 2،000 منّ للمرحوم عبد العزيز المرزوق.
ـ بوم سفار صغير 1،000 منّ للسجاري.
ـ بوم للمرحوم النوخذة عبداللطيف بن صقر الفهد 2،000 منّ.
ـ بوم ( زياد ) 3،000 منّ للمرحوم عبدالمحسن ناصر الخرافي، ركب عليه المرحوم النوخذة حمد الجيران.
ـ بوم «الميمون»2،500 منّ للمرحوم خالد داوود المرزوق واخوانه.
ركب عليه النوخذة عبدالوهاب اليعقوب والنوخذة عثمان بن نصرالله والنوخذة راشد العسعوسي.
ـ صنع بوم قطاع للمرحوم ابراهيم القطامي بجانب مكينة السري.
ـ عمل في وشار ابوام الماء في عمارة عيال حمد.
ـ قام بصنع قماير لابوام تخص الحلفاء اثناء الحرب العالمية الثانية.
ـ بوم (مرزوق) 2،200 منّ للمرحوم محمد السعد - ركب عليه النوخذة سالم المبارك.
أبيات في رثاء «المهلب»
هذه الابيات كتبتها بعد تحرير دولة الكويت عام 1991 حينما ذهبت الى المكان الذي كان يجثم فيه بإباء بوم «المهلب» في المتحف الوطني، كنت ابحث ببصري عن ذلك الصرح التاريخي العظيم الذي تلاشى تحت الرماد بعد ان اضرم الغزاة فيه نيرانهم حيث اختفى ذلك البوم الى غير رجعة بشواهد الاعجاز الفني والعلمي والهندسي التي احتواها هيكله واحتوته الواحه الممزوجة بعبق الماضي وعرق القلاليف والبحارة والنواخذة الكويتيين الذين عملوا فيه ولا سيما صانعه المرحوم محمد عبدالله بن محمد الاستاد ومالكه الذي اهداه الى الدولة المرحوم التاجرثنيان الغانم.
طواك الرماد كملك هوى
وانت المهلب اسد العرين.
يا لفاجعة البحار حين ترى
بوما تجدف ما عاد يبين.
اب السفين كنت لنا ابا
واهلا لها كنت اب السفين.
راح يا محمد فلكا به
شهد البحار لاستاذ فطين.
والغانم ثنيان كان بجوده
متحف التاريخ صرحا ثمين.
حرقوك فلا ذنب ولا جَنيةٍ
ومن يفعل المشين يلقى مشين.
التاجر ثنيان الغانم (مالك المهلب)
• حسن عبدالله بن محمد الاستاد (لقب باستاد المرزوق)
• محمد عبدالله بن محمد الاستاد (صنع الكثير من الابوام منها رشيد والمهلب)
علي عبدالله بن محمد الاستاد (ركب موسمين في بوم الداو)
بوم المهلب من أوشار الاستاد محمد العبدالله صنعه في سنة 1937 وأحرقه الجيش العراقي ابان الغزو الغاشم سنة 1991
عباس عبدالله بن محمد الاستاد (ركب استاد في بوم النصف)