راسل ادارة الموقع جديد المشاركات التسجيل الرئيسية

 
 
        

اخر المواضيع

 
 

 
 
العودة   تاريخ الكويت > منتدى تاريخ الكويت > التاريـــخ الأدبي
 
 

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-12-2008, 07:54 PM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,662
افتراضي الشاعر عبداللطيف الديين يتحدث..


لا أزال أرى أن الشاعر المرحوم عبداللطيف عبدالرزاق الديين كان «تاريخا حياً للكويت» إبَّان حياته، ولا أزال أرى أن ما نقلناه عنه حفظا وكتابة وتسجيلا هو امتداد لما حوته تلك الذاكرة الفذة. فقد عرف الكثير من تاريخ الكويت، وعرف الكثير عن أهلها، وعن مواقعها المختلفة بحيث لا يسأله المرء عن شيء إلا وجد الإجابة على سؤاله حاضرة على طرف لسانه. ولكني مع ما استفدت منه من معلومات أراني اليوم في حاجة إلى سؤاله عن بعض الأمور التي لم يتسنَّ لي سؤاله عنها في حياته، ولكن قضاء الله النافذ لا يتيح لي هذا على الرغم من أهميته عندي.

في موجز عن هذا الرجل كتبت قبل فترة كلمات أرى من المهم إعادتها هنا قبل الدخول إلى نقل حديثه.
عبداللطيف عبدالرزاق الديين، شاعر من أبناء الكويت الذين عشقوا أرضها فجعلوها على لسانهم شعرا جميلا عذبا، كتب الشعر مبكرا فأجاد وكانت نشأته في بيئة شعرية، ففي أسرته خالاه الشاعران داود سليمان الجراح وإبراهيم سليمان الجراح، ومن أصدقائه زيد الحرب الشاعر المعروف، وغيره من شعراء ذلك العصر، وتعلم فنون اللغة العربية على يد خاله الشيخ إبراهيم سليمان الجراح الذي درس عليه شرح الأجرومية في النحو، كما تلقى توجيهات في الصرف والنحو من خاله الشيخ محمد سليمان الجراح، فانفتح له بذلك باب مهم من أبواب فهم الشعر وإجادة قوله.

كان شاعرنا من أوائل الطلاب الذين انتظموا في الدراسة بالمدرسة المباركية عند إنشائها، وكانت يومها مركز إشعاع علمي وأدبي بما تضم من خيرة الأساتذة، ولأنها كانت المدرسة النظامية الأولى في الكويت، إذ كانت مناهجها تحتوي العديد من العلوم والمعارف خلافا لما كانت عليه الحال في المدارس الأهلية السائدة قبلها.
وبالإضافة إلى إقباله على الدراسة والتحصيل فإنه كان ميالا إلى الاطلاع ومداومة القراءة، فقرأ الكثير من الكتب في الأدب والتاريخ، وقرأ عددا من دواوين الشعراء وحفظ الكثير من القصائد، ومن الغريب أنه كان معجبا بالشاعر الأموي ذي الرمة في ذلك العهد الذي ندر عندنا من يهتم فيه بشاعر مثله على الرغم من أن ذا الرمة يقف على قمة من قمم الشعر، وهذا - ولاشك - يدلنا على عمق اهتمام شاعرنا بالتراث الشعري العربي الفصيح.

وقد حفظ لنا عبداللطيف الديين في شعره كلمات عامية كويتية لم تعد تستعمل الآن، وبذا يكون شعره سجلا للهجة الكويتية بوجهيها الحضري والبدوي، ومرجعا لدراسة هذه اللهجة.
وإضافة إلى ذلك فقد كانت تجربة شاعرنا العملية في البحر ذات أثر في شعره، إذ وردت في ثنايا قصائده إشارات كثيرة إلى البيئة البحرية بما في ذلك الإشارة إلى طبيعة البحر، وعادات العاملين فيه، وأسلوب حياتهم على متن السفينة، وكذلك الإشارة إلى بعض المواقع البحرية ووصف السفن وذكر بعض أجزائها.



***
وفي اليوم الحادي عشر من شهر مايو لسنة 1997م حضر الشاعر الديين إلى مركز البحوث والدراسات الكويتية وسجل حديثا حضرته وحضره الأخ الدكتور يعقوب يوسف الحجي، وكان حديثا ممتعا مليئا بالمعلومات المفيدة عن الكويت وأهلها ولاسيما في الجانب البحري الذي خاضه في بداية حياته، وكان من ضمن ما تحدث عنه رحلته إلى السفر على بوم يقوده النوخذة محمد العصفور.

فمن أبناء الكويت الذين شاركوا في رحلات السفر البحرية، ووصلوا من الدراية بأمور البحر وقيادة السفن الشراعية عبره إلى مرحلة في غاية التقدم: النوخذة محمد بن عيسى العصفور، المولود في الكويت سنة 1908م، الذي بدأ في تلقي المعرفة البحرية عندما كان عمره خمس عشرة سنة، وقد أتقن فنون الملاحة بما في ذلك استخدام «الكمال» الذي يحدد موقع السفينة وهي في عرض البحر، وقراءة الخرائط البحرية وكيفية الاستفادة منها، وغير ذلك. وما أن بلغ الثلاثين من عمره حتى صار نوخذة بدءا من سفينة والده «تيسير».

كان النوخذة محمد العصفور من رجال البحر المعدودين وكان واثقا من نفسه، قوي الشخصية، مهيبا بين البحارة، صلبا في مواجهة الأخطار.
وكان ضمن أربعة من النواخذة الكويتيين الذين حصلوا على شهادات من قبطان سفينة الأسطول البريطاني «شورهام» نتيجة لامتحان خبرتهم، وكان هؤلاء بالإضافة إلى صاحبنا حسين العسعوسي وعبدالوهاب القطامي وأحمد الخشتي.

وقد وضع النوخذة محمد نتيجة خبرته في روزنامة فلكية صنعها بالاشتراك مع النوخذة حسين العسعوسي وأسمياها «النتيجة الكويتية في الحسابات الفلكية» وقد طبعت أكثر من مرة.
ورحلته الأكثر أهمية هي التي قام بها إلى ميناء كولومبو في سريلانكا، وكان ذلك في سنة 1937م حيث طلب من أحد التجار وهو على الساحل الغربي للهند نقل كمية من الأسماك المجففة (متوت) إلى كولومبو، وقد قبل المجازفة، وأخذ طريقه إلى هناك معتمدا على درايته البحرية وما معه من معدات وخرائط.

وقد فتح بذلك الطريق لزملائه، فتمت عدة رحلات إلى هذا الميناء بعد رحلته تلك. لقد تحمل الكثير من المشاق في سبيل الوصول إلى هدفه، ولكنه في النهاية حقق ما يريد، ونزل إلى كولومبو وشاهد فيها الكثيرمن المشاهدات، وقد ذكر أنه أعجب بنظافة المدينة، وطيب المعيشة فيها.
وقد ترك النوخذة محمد بن عيسى العصفور الكثير من الآثار في المجال البحري، ويتحدث عنه زملاؤه وبحارته بكل إجلال واحترام ويطرونه إطراء شديدا. ولذلك فقد كان الحزن عليه قويا حين توفي سنة 1962م في مدينة كاليكوت بالهند، تلك المدينة التي طالما دخل ميناءها شامخا بشراع سفينته وقدر الله أن تكون وفاته فيها، وأن يكون قبره في ثراها.

***
أما ما يتعلق بحديث عبداللطيف الديين عن رحلته التي أشرنا إليها فقد قال ما يلي (بتصرف يسير) اقتضاه تحويل الحديث المسموع إلى شيء مكتوب يقرأ:
محمد العصفور رجل صاحب خبرة، حاذق في عمله بصفته نوخذه، رزين واثق بنفسه وبمعرفته في أمور البحر، لا يهتم إلا بالشيء الذي يعرفه لا يغير رأيه تعدد الآراء من حوله، كنت معه في اليوم المسمى (إقبال) وقد ملأناه تمرا حتى ثقل حمله، وخرجنا من موقعنا إلى نهر يؤدي إلى الاتجاه المطلوب، وكنا ننتظر هبوب ريح الشمال حتى نسير بحملنا إلى الهند. وفي هذه الأثناء مر أحد أصدقاء النوخذة فتعجب من كمية الحمولة، ورأى أن البوم سوف يكون ثقيلا بها، فسأله ضاحكا: يا نوخذه أتريد عبور الشط إلى الضفة الأخرى؟ إن حملك هذا لا يتيح لك الوصول إلى الهند عابرا بحر العرب؟ فقال له ا بن عصفور: قل لا إله إلا الله. ولكن النوخذة بدأ في اتخاذ اجراءات وقائية ربما كان ينوي القيام بها قبل أن يستمع إلى أقوال صاحبه.

وبناء على أمره قمنا بتعلية جوانب البوم، وفي اليوم الثالث أمر بوضع القابية وهي شراع صغير يرفع على رأس الصاري زيادة على الأشرعة الأخرى. وقد عمد النوخذة إلى اتخاذ هذين الإجراءين لكي يمنع بما وضعه على جوانب السفينة ونسميه (الدراريب) أمواج البحر العتاية حين يصل بسفينته إلى وسط البحر، وبالقابية حتى يعطي البوم فرصة للسرعة لأنه محتاج إلى ذلك بسبب زيادة الحمولة. وكان وضع القابية نادراً بين النواخذة، ولا تدعو إلى وضعها إلا حاجة يراها النوخذة ضرورية.

وفور وضع القابية انطلق البوم سابقاً السفن الأخرى على الرغم من حمولته الكبيرة، وسار (إقبال) إلى أن توقف هبوب الهواء ولم يعد للقابية أثر فقمنا بطيها ووضعها في مكان خلفي استعدادا لاعادتها عند الحاجة. وفجأة هب هواء الكوس في وجود بقايا الشمال، وكانت الأمواج تتقابل وتصطفق وتلعب بنا، كان الوقت ضحى، وكنا نرى بأعيننا ما يحدث لنا وبخاصة وقد انشق الشراع وكسر الدقل (الصاري) وسقطت (الجامعة) وهي بكرة ضخمة تطوى بها حبال الشراع في أعلى الصاري. وكان سقوطها بين بعض البحارة وفي هذه الأثناء صرخ النوخذة: شوفوا ربعكم، عدوا ربعكم، وكان يخشى أن يسقط منهم أحد أو أن يصاب.

***
وجمع النوخذة حوله في هذه الأثناء صغار البحارة (التَّبَّابة) وجعلهم في الغرفة التي كان يستعملها لقراءة الخرائط في وقت هبوب الرياح. وهنا اطمأن على الجميع، كلهم بخير وسلامة، ولكن الأمور انحدرت إلى أقل مما كنا نأمل فهوى الصاري (الدقل)، والموج يضرب البوم ضربا شديدا ونحن في ذهول، وأمرنا النوخذة بأن تقطع الحبال بالسكاكين التي يحملها البحارة عادة، ثم أمرنا بالقفز إلى البحر وترك البوم وهو في وضع مزر تلعب به الرياح بدقل مكسور وشراع مهترئ، وبعد أن قام مع عدد محدود من البحارة ببعض الأعمال وجد أنها تمهد لعودتنا طلب منا الصعود، وتجدر بنا الإشارة هنا إلى أن البحارة لم يستجيبوا للنوخذة عندما دعاهم إلى الصعود مرة أخرى وذلك لأن كل واحد منهم كان يخجل أن يتقدم على زملائه ولم ينه هذا الموقف إلا قيام النوخذة بدعوتهم واحدا فواحدا إلى ظهر السفينة وعندها فقط استجابوا للأمر. وفي هذا دليل على ما يتمتع به هؤلاء الرجال من إحساس بالواجب تجاه بعضهم.

كان الوضع سيئا حين عدنا إلى سطح البوم، وكان معترضا ثقيلا بحمله، أما النوخذة فكان هادئا يعطي الأمر بهمس حتى إنه طلب منا أن نرمي الحمولة بحراً عن طريق (المجدّمي) وكان يحدثه أمامنا دون أن نسمع ما يقول، وقد ملأ نفوسنا الأسف على التمر وطلبنا أن ينتظر قليلا لعل الأمور تتحسن، ولكنه غضب وأبى أن يغير رأيه، وقد أحس بما نحس به من انفعال، فأراد أن يزيل ذلك عنا، وأن يرفع معنوياتنا بأمر بسيط ولكنه لافت للنظر، وذلك أنه قد كلف النجار الذي معنا بإنشاء قارب صغير(كتر) وكان يشرف بنفسه على العمل ويصدر الأمر خطوة خطوة للنجار، وكان هذا مثلنا لدرجة أن يده لم تقدر على دق المسمار، فقال له النوخذة: «لا تطق إيدك، زين، علامك اشفيك» كان يريد أن يخبرنا بطريق غير مباشر ألا نخاف. وبالفعل فقد تغيرت حالنا. وبدأنا نعمل على علاج الموقف عن طريق ما تبقى لبومنا من أدوات إضافة إلى الشراع الصغير المسمى (الجيب) وكان النوخذة بنشاطه المعهود وبهدوئه يوجهنا، ويتعامل مع الموقف بشيء كبير من الثقة بالنفس.

نحن الآن امام جزيرة ابو موسى التابعة لدولة الامارات العربية المتحدة، ولم نكن قد وجدنا عشاء نقتات به لأن الأمور لم تكن تسمح بإعداد الأكل، وقد استفدنا بما في صناديقنا من تمر معد لمثل هذه الظروف. وتطلعنا بوساطة المناظير فلاحت لنا سفن طلب منا النوخذة أن تعلق لها إشارة (نوف) والنوف: قطعة من قماش أسود تقوم السفن برفعها دلالة على طلب المساعدة، وما إن علقناها حتى اتجهت الأبوام الواحد بعد الآخر إلينا لنجدتنا، كان أول بوم وصل إلينا هو بوم (قتيبة) نوخذاه محمد بن شيبة (أبو ابراهيم) والبوم الثاني ونوخذاه هو مفلح الفلاح والبوم الثالث هو الذي يسمونه الوزة وعليه علي بن خميس وقطرونا واحدا وراء الآخر إلى أن أوصلونا الى مكان يسمَّى (كنج)، وهنا قال لهم النوخذة: شكرا لكم فقد أنقذتمونا، وتستطيعون الآن أن تعودوا إلى ما كنتم عليه فإن معكم بضاعة لابد لكم من بيعها، أما نحن فسوف نقوم بشراء (دقل) من هذا المكان، وإن لم نجد فسوف نطلبه من الكويت.

بعد ذلك نزلنا إلى البر لنعالج مُشكلة (الدقل) والشراع واستطعنا أن نصلح الشراع، واشترينا دقلا مستعملا من تلك البلدة، وعدنا لنعد مكانه في السفينة وسرعان ما تم لنا ذلك فنصبناه في الموضع الذي أعددناه له، ولم يغادرنا بوم (الوزة) إلا بعد أن رأى الدقل واقفاً في وسط بومنا.
وعند المساء دار الهواء لصالحنا فبدأنا بالرحيل مع أصوات العرضة والطبول فرحاً بالنجاة وانتهاء المأساة، واتجهنا إلى كراتشي، وكان الطريق إليها محفوفاً بالظلام وبالخوف من الضياع سرنا أربعة ايام ونحن نترقب الوصول، ولكن النوخذة لم يغير مجراه ولم يلتفت يمينا ولا يساراً حتى صرنا نضحك بين بعضنا قائلين: لعلّه أضاع الطريق، ولكنه في اليوم الرابع استدعى المجدمي وقال له أخبر اهل الزام أن يرسلوا اثنين إلى الأمام فقد يجدون سراجاً لأن هنا حداقة (صيادون)، واستغربنا كيف يوجد الحدّاقة في (الغبَّة)، ولكننا بعد قليل أبصرنا بهم وهم في الظلام يشعلون أنوارا تنبه إلى وجودهم، ولما أبلغناه ذلك أمرنا بالانتباه حتى لا نصطدم بهم، وقد أخذنا العجب من قدرته على معرفة ما في الطريق من معوقات مع هذا الظلام الدامس، وقد وضعنا لهم سراجاً ليروا سفينتنا.

وبعد قليل قال لنا: انتبهوا هناك سراج منير في مدخل كراتشي، واصبح الصبح دون أن نرى السراج، ووجدنا البحر متغيراً وصار لونه أبيض شديد البياض وتساءلنا عن ذلك في عجب فقال: انزلوا (البلْد) فوجدنا البوم في خطر شديد ولم يبد على النوخذة مع ذلك أي ارتباك وكنا قد وقفنا للصلاة حين أسرعنا إلى مواجهة هذه الكارثة الجديدة، فبدأ يأمر بعمل بعض الأمور التي تدارك بها ما حدث وارتفع منسوب البحر بالنسبة للبوم إلى مقدار باعين فعاد إلى صلاته، وبعد أن تناولنا فطورنا قال: أنا أعرف أن هنا سراجاً، ولكنهم غيروا مكانه ولذلك حدث لنا ما حدث، وعندما وصلنا وجدنا أن ما قاله صحيح وأن السلطات هناك قد نزعت السراج من مكانه، ونتيجة لذلك قدم شكوى يذكر فيها أن بومه ومن فيه من رجال وبضاعة وهو معهم قد تعرض لخطر كبير بسبب نزع السراج، وقد حقق المسؤولون بذلك ثم اعترفوا بالخطأ وعاقبوا المتسبب واعتذروا من محمد العصفور.

وعجبنا مرة أخرى لهذا الرجل المعتد بنفسه الحريص على حقه العارف بدروب البحر ومداخله ومخارجه.
وصلنا كراتشي، ونقلنا إلى البوم الحمل الجديد الذي سوف نرسله إلى مكان آخر هناك، وقد شاهدنا عدداً من أصحاب السفن من كويتيين وغيرهم، وقد قصوا علينا قصص ما شاهدوا في الفترة التي سبقونا إلى كراتشي فيها، انتظر يوم الاقلاع إلى اخر النهار لأنه أسهل وقت لهذا العمل، كانت رحلتنا في آخرها إلى مسقط، وسار معنا أحمد بن سلامة في بوم المرزوق، وقد طلب منه صاحب البوم أن يسير معنا على شكل (سنيار) وبذلك لا يحتاج إلى استئجار (معلم) يهديه الطريق.

وسرنا معاً ولكنه كان يسبقنا لأن حملنا كان ثقيلاً وسيرنا بذلك بطيء وعندما يتقدم يقف ويضع لنا علامات نعرفه بها من بعيد، وفي الطريق اشترينا من إحدى القرى طعاماً ونقلنا ماء إلى البوم استعداداً لاستئناف الرحلة، وكانت مناورة بين النوخذة والرياح، كان بن سلامة يرغب في المسير ولكن ابن عصفور يرى التمهل لحسابات يدركها جيدا، ومرت علينا عدة أيام ونحن في انتظار اللحظة المناسبة، وهذا الانتظار دفع سنيارنا بن سلامة الى السأم فخطف بومه وغادرنا، فقلنا لابن عصفور صاحبك خلاك وغادرنا، فرد علينا: «الله يسهل له. واثناء صلاة الفجر كان واقفا يصلي سمع صوتا قوياً فسألنا عنه قلنا هذه باخرة قد مرت من بعيد وألقت قنبلة لم تصبنا، وبعد ان تحقق من الأمر قال: الله يفك بن سلامة. سكن الهواء في وسط الغبة ما يقرب من ثلاثة ايام، وكنا بلا عمل لأن البوم لا يتحرك، فأحب ابن عصفور أن يشغل من معه من البحارة دون أن يأمر عليهم وهذه هي طريقته، فطلب مقشر الخشب ونزل الى البحر ثم اخذ يقشر ما التصق بالسفينة، ولم نكن ندري بما فعل لولا أن قال لنا زملاؤنا: نوخذاكم نزل الى البحر، وهنا هبطنا إليه حتى نقوم بما يقوم به كانت هناك بعض الأسماك الصغيرة تجتمع على القشرة لأكلها، ثم تأتي أسماك أكبر منها بمجموعات كبيرة تلحقها اسماك ضخمة يخشى منها على البحارة، ولذا حثنا على الركوب، وبقينا على حالنا الأول لمدة ستة أيام والجو صاف والهواء راكد، وفي آخر يوم شاهدنا في جهة المغيب قطعة حمراء متحركة تُشْبهُ السحاب لفتت إليها الأنظار، وعلم بها النوخذة فأرسل إلينا المجدمي ليسألنا، فأطلعناه عليها، فقال له ليجعلوا لها علامة تقابلها من البوم فوضعنا علامة، وقد لاحظنا أن هذه القطعة الحمراء ترتفع حتى صارت فوق رؤوسنا، وكان الوقت قبل المغرب بقليل فطلب تقديم العشاء على غير العادة، وبعد الانتهاء منه أمرنا بوضع الأواني تحت أغطية، وقال: وضعوا على الشَّرع أغطية تحميها، واحرصوا على أن يكون كل شيء في حرز أمين، وطلب نشر شراع الجيب وهو صغير. وقد لاحظنا أن الهواء يزداد شدة، وأن البوم يسرع في سيره على الرغم من صغر الشراع وتبين لنا علم النوخذة بهذه الأوضاع واستعداده لها، وكان يبادل بين الأشرعة الصغيرة بحسب الموقف، وكنا لا ندري في أي موقع نحن، والبحر أمامنا عريض ولا نرى أثرا من آثار البر، سمعنا النوخذة وهو يتحدث لأحد الذين يأنس إليهم فيذكر جزيرة سقطره ولكننا لم نفهم من كلامه شيئاً، ثم حدث ما يدل دلالة أكيدة على مقدرة محمد بن عصفور، اذ شارك النجار في الحديث فقال: يا نوخذة أنت هنا تضرب بالمطرقة ونحن لا ندري نصل إلى أهلنا أم لا؟ فقال النوخذة: لماذا لا تصل إلى أهلك، فقال النجار: إن شاء الله نوصل لأهلنا، ولكنك لا تخبرنا بشيء، أنت ساكت ولا ندري أين نحن، متى تصل الى البر، فرد النوخذة إذا صارالغد، في الضحى تشوف الأشاخر وهي بالتحديد أول ما يظهر من بر عمان لعابر بحر العرب من الهند، وعندما سمعنا هذا الحديث بتنا الليل نُمني أنفسنا بذلك وعندما جاء الصباح ظهر موقع الأشاخر من بعيد. وصلنا ولكن بال النوخذة كان مع بن سلامة، سألنا عنه مرارا يقول: خطوا بالكم مع بن سلامة لأنه كان خائفا عليه ولم يطمئن إلا حين لقيه، وقد علمنا من بحارته ان ما توقعه نوخذانا له قد وقع، فتعرضوا الى خطر عظيم ولكن الله سلم.

وحدث بعد ذلك أمر لا بد من ذكره إذ لحقت بنا باخرة حربية بريطانية، وطلبت منا الوقوف، فما كان من محمد بن عصفور إلا أن طلب من المجدمي ان يظهر الشهادة فعرضها من بعيد، وقرأها الضابط بالمنظار المقرب وعندما أتم قراءتها وجدناه يؤدي التحية العسكرية لنواخذنا، ووجدنا المترجم يقول لنا: تيسَّروا.

عدنا بعد ذلك وقد تحملنا الكثير في هذه الرحلة ولكننا سعدنا برؤية الأهل والأصحاب، واخذنا عدة دروس من هذا النوخدة الفحل محمد بن عيسى العصفور.

***

كان هذا جزءاً من رحلة سفر على سفينة شراعية رواها لنا الشاعر المرحوم عبداللطيف عبدالرزاق الديين، وفيها دليل على تحلي البحارة بالأخلاق الطيبة، وتميز النوخذة بالمقدرة الفائقة على أداء العمل، وتعاون أصحاب السفن والنواخذة مع بعضم في الخارج، وكلها أمور نفخر بها ونعتز.









رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-03-2009, 11:25 PM
عبدالله الجسار عبدالله الجسار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 59
افتراضي

رحم الله هذا الشاعر الفطحل
و لا زال يتردد في مسمعي صوت جدي رحمه الله و هو يردد قصائده او يتحدث اليه عبر الهاتف يسمع منه قصيدة او ينشده قصيدة

سقى الله تلك الأيام
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-05-2009, 07:16 AM
الصورة الرمزية نوخذه من ظهر نواخذه
نوخذه من ظهر نواخذه نوخذه من ظهر نواخذه غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2009
الدولة: ديرة ابوي وجدي وخالي وعمي
المشاركات: 27
افتراضي

رحمه الله وأوسع مدخله ورحم الله النوخذه محمد العصفور
وموتانا وموتاكم وموتى المسلمين...

يا أخي والله يقشعر البدن (يكش شعر جنبي) لاسمعت او قريت عن هالماضي الجميل
الي للاسف الكثير منى وانا اتحدث عن جيلي مايعرفونه .

وبصراحه انا وجدت ضالتي بهالموقع الجميل.
وبالكويتي الفصيح ( آنا ويني عن هالموقع من زمان)

وعساك عالقوه ....

وشكرا....
__________________
يحسدوني زايد بقلبي غلاج...
ليته بس آنا هم جدي انحسد...
يا تراب بدم جدودي انحمى...
وعد لاورثه لين آخر ولد...
ينسبج ياكويت لجدود الكفر..!
وآنا جدي صام فوق أرضج سجد...

حفيد النوخذه مبارك بن شريده المجدلي
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-01-2010, 08:50 PM
حمد حمد حمد حمد حمد حمد غير متواجد حالياً
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 126
افتراضي الاديب عبداللطيف عبدالرزاق الديين

الشاعر عبداللطيف بن عبدالرزاق بن سعيد بن عبد الرزاق الديين
يعود نسب هذه الأسرة إلى آل خنفر من آل سالم من آل بن علي من بني عتبة من بني سليم،

ولد الشاعر في منزل العائلة بين الديين في الجانب الشرقي لعاصمة الكويت في حي العسعوسي قرب السفارة البريطانية القديمة بل مجاورا لها في الشهر السادس لعام 1921ثم انتقل مع والده الى محلة القبلة في الزنطة والزنطة اسم لابار ماء كان يمتلكها السيد ناصر البسام وهي بالتحديد الساحة المقابلة لقصر العدل الحالي ,,,

درس في مدرسة ملا محمد بن محلا احمد الحرمي ثم في مدرسة المباركية ثم ترك الدراسة هو مع مجموعة من زملائة ولكن اغلبهم عاد للدراسة ولم يحصلة الشرف بالعوده لظروف خاصة به,,,

خضع حياته مبكرا برا وبحرا كما هو الحال لجال الكويت لكسب المعيشة ورغم هذي المشاغل كان مولعا بسماع وحفظ الشعر النبطي وحافظا لبعض الشعر العربي الذي تلقاه في المدرسة ومن بعض الكتب التي وجدها في بيت اخوالة ( الجراح ) كديوان عبدالرحيم البرعي ,,,,,

اول من شجعه على الشعر كلا من :
1. خاله الشيخ ابراهيم سليمان الجراح .
2. خاله الشيخ محمد سليمان الجراح .
3. ابن خالتة الدكتور يعقوب يوسف الغنيم .
4. ابن خالة الدكتور عبدالله يوسف الغنيم .


شاعر من أبناء الكويت الذين عشقوا أرضها فجعلوها على لسانهم شعرا جميلا عذبا، كتب الشعر مبكرا فأجاد وكانت نشأته في بيئة شعرية، ففي أسرته خالاه الشاعران داود سليمان الجراح وإبراهيم سليمان الجراح، ومن أصدقائه زيد الحرب الشاعر المعروف، وغيره من شعراء ذلك العصر، وتعلم فنون اللغة العربية على يد خاله الشيخ إبراهيم سليمان الجراح الذي درس عليه شرح الأجرومية في النحو، كما تلقى توجيهات في الصرف والنحو من خاله الشيخ محمد سليمان الجراح، فانفتح له بذلك باب مهم من أبواب فهم الشعر وإجادة قوله ,,,,

كان شاعرنا من أوائل الطلاب الذين انتظموا في الدراسة بالمدرسة المباركية عند إنشائها، وكانت يومها مركز إشعاع علمي وأدبي بما تضم من خيرة الأساتذة، ولأنها كانت المدرسة النظامية الأولى في الكويت، إذ كانت مناهجها تحتوي العديد من العلوم والمعارف خلافا لما كانت عليه الحال في المدارس الأهلية السائدة قبلها

وبالإضافة إلى إقباله على الدراسة والتحصيل فإنه كان ميالا إلى الاطلاع ومداومة القراءة، فقرأ الكثير من الكتب في الأدب والتاريخ، وقرأ عددا من دواوين الشعراء وحفظ الكثير من القصائد، ومن الغريب أنه كان معجبا بالشاعر الأموي ذي الرمة في ذلك العهد الذي ندر عندنا من يهتم فيه بشاعر مثله على الرغم من أن ذا الرمة يقف على قمة من قمم الشعر، وهذا - ولاشك - يدلنا على عمق اهتمام شاعرنا بالتراث الشعري العربي الفصيح ,,,

ويوجد مدرسة باسم الشاعر في منطقة عبدالله السالم .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13-07-2010, 03:13 PM
نجد ارض المجد نجد ارض المجد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اشكركم على الاهتمام باحد شعراء السفينة الكويتية الذي اعطى عمره كله للادب وشكرا
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الديين IE جبلة 34 26-10-2024 10:55 PM
سعيد بن عبدالرزاق بن ديين الديين حمد حمد حمد الشخصيات الكويتية 2 11-01-2015 02:43 AM
كشك الشيخ مبارك يتحدث فاعل خير الصور والأفلام الوثائقية التاريخية 6 19-04-2011 05:20 PM
الإنقلاب الأول على الدستور - للكاتب أحمد الديين سعدون باشا تاريــــــخ الكـويت 6 13-05-2010 03:58 PM
خالد عبداللطيف الحمد يتحدث عن تأسيس البنك الوطني 1985 IE مقابلات اذاعية وتلفزيونية وصحفية 6 15-10-2009 12:49 PM


الساعة الآن 03:18 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لموقع تاريخ الكويت