نقلا عن موضوع الاخ المشرف احمد
خالد الفرج الريادة المستنيرة في الحياة
يعدّ خالد الفرج 8981-4591 شخصية نهضوية عربية، وهو لم يكن شاعرا أو كاتبا فحسب، وإنما صاحب رؤية فكرية شكلت نسقا متكاملا من المبادئ والمفهومات تجسّدت في عمل دؤوب متصاعد مع سنوات عمره في كلّ المواقع التي حلّ بها وأقام: الكويت، الهند «بومباي»، البحرين، السعودية «القطيف، الدمام، الرياض» دمشق، بيروت».
جمع خالد الفرج العمل إلى القول، فخاض غمار الحياة في مراكز تبني الكيان الحضاري للناس وشؤونهم، وهو في ذلك يوظّف معرفته ومثاقفته للحضارات الأخرى في أوروبة والهند وما تدفّق من معارف وأحوال في العالم الآخذ بالتطوّر والمتسارع في القرن العشرين وصراعاته.
نقرأ من مقطوعة شعرية له:
فلعل الكويت التي أحبها وظلت في خاطره وأشعاره تحتفل به على نحو يتناسب مع رؤاه ودوره الحضاري خاصّة بعد مضيّ 110 مئة وعشرة من الأعوام على ميلاده، وتوافق مرور 54 أربعة وخمسين عاما على رحيله العام 4591، وذلك بجمع أعماله الأدبية والعلمية والفكرية سواء ما نشر منها وما لم يتح طبعه من مخطوطاته، وكذلك ما كتبه الدارسون عنه في تضاعيف الكتب والدراسات، وبإقامة ندوة علمية تفصّل إنجازاته وتربطها بأحوال الثقافة العربية المعاصرة خاصّة وأننا لانزال اليوم نعاود تلك الأسئلة التي وقف أمامها - وبشكل إيجابي - المفكّرون ورجال النهضة العربية قبل قرن من الزمن!!
عربي على أرض الواقع
أتيحت المعرفة لخالد الفرج منذ طفولته في أسرة ميسورة، وكان تنقّل بين الكويت والهند حيث يعمل والده تاجرا، ثم استقر بالكويت يؤكّد ثقافته العربية على أيدي مدرسين اعتنوا به، ثم في «المباركية» المدرسة الأولى التي أنشئت سنة 1911، وقد جعله رصيده المعرفي ينجز سنوات الدراسة بنصف الزمن العادي وكان أول من تولّى التدريس من الجيل الجديد وهو فتى يتدفق حيوية وحماسة.
وقد سافر إلى الهند «بومباي» وأقام خمس سنوات يعمل في التجارة فأتقن الإنكليزية واطلع على لغات هندية، وأنشأ المطبعة العمومية وأخرج عددا من الكتب العربية، ثم عاد إلى الكويت ومنها إلى البحرين 1922 - 1927 حيث عمل بالتدريس وإدارة المعارف وفي إدارة المجلس البلدي إلى أن نفاه الإنكليز عنها، فكانت محطّته الثالثة في السعودية حيث رحّب به الملك عبدالعزيز آل سعود الذي كان يبني الدولة الموحدة في الجزيرة العربية، وقد باشر خالد الفرج إنشاء بلدية القطيف ثم الدمام، كما أنشأ المطبعة السعودية هناك، وشارك في تكوين الإذاعة بالرياض، وتفرّغ لمشاريع في الدمام إلى أن سافر إلى الشام العام 1952 فأقام بدمشق حتّى توفي في بيروت بعد عامين.
ثلاث من الرؤى تتضح مع رحلة خالد الفرج: الأولى أنه كان يشعر بوحدة الأرض العربية وارتباطه بها فهو يعمل ويغوص في تفاصيل الحياة العملية في كلّ بقعة في الوطن العربي الكبير مهما واجهته المتاعب والصراعات، وبهذا تتجسّد الرؤية الثانية أي السياسة بمعناها الشمولي أي إدارة الحياة والدفاع عنها، فهو يربط الفكر والإنجاز على الأرض بين الناس ورقيّ حركتهم وقدراتهم الاقتصادية والعملية، وأما الرؤية الثالثة فهي تبلور الشخصية الحضارية العربية التي تتعامل بوعي مع المنجز الإنساني تأخذ منه أدواته وما صحّ من أساليب وتقاوم الاستلاب، فهو آمن بوحدة الأمة وحقّها في الحرية والاستقلال والإسهام في الحضارة الإنسانية.
لقد عمل على تنظيم الحياة في القرى والمدن، وشارك بالتدريس والإدارة التعليمية واهتم بالكتاب العربي وطباعته، وأشرع قلمه بالمقالات والدراسات ووظّف شعره في التأريخ والتوثيق وحمل القضايا العربية، وراسل وتفاعل مع المؤسسات العلمية والصحفية في دمشق والقاهرة مع الكويت والسعودية والبحرين.
وعندما نتأمل تنقّله وأسفاره نرى أنه كان يبحث دائما عن اكتمال وجوده بتحقيق تلك الرؤى، لا بالوصول إلى حياة فردية تركن إلى شؤونها المادية ومشاغلها القريبة.
منارات المعرفة والفن
إن الريادة النهضوية التي كان يعيشها خالد الفرج جعلته يرسل إنتاجه في وجهات متعددة ومحاور تداخل بين التراث والواقع وأدوات معرفية لها، وأول ما نلحظ هو إنتاجه الإبداعي في ألوان الأدب وهذا سنقف عنده بشيء من التفصيل، والجانب الآخر توزّع على:
- كتاب يرسم خطة لتطوير القراءة والتعلّم كانت نواته دراسة نشرها له المجمع العلمي بدمشق 1930 بعنوان «علاج الأمية في تبسيط الحروف العربية» وقد استفاد من خبرته العملية في الطباعة «الهند، الكويت - أول مطبعة - السعودية».
- جمع وتحقيق لديوان «عبد الله الفرج» 1252-1319 « هجرية» من الشعر النبطي وقد نشره أولا في بومباي ثم في دمشق 1953.
- مجموعة من الشعر النبطي في نجد. في جزأين «طبعا مؤخرا».
- الخبر والعيان في تاريخ نجد. شرح قصيدة تاريخ نجد البائية. طبعت 2000 م.
- مقالات وأحاديث في الإذاعة السعودية.
لئن عرف خالد الفرج بأنه شاعر لقد أراد كذلك فتح آفاق الأنواع الأدبية، وذلك عندما نشر أول قصّة كويتية وهي: «منيرة» في مجلة الكويت التي كان يصدرها عبد العزيز الرشيد 1930 وهي عمل فني ناضج بأبعاد اجتماعية تلمس جوانب سلبية وتشير على طريق الخلاص، وجاء التفاته إلى المرأة مؤشر وعي وجرأة في التناول، وكتب قصة أخرى «المسدس» لم يتم نشرها أشار إليها د.خليفة الوقيان في كتابه «الثقافة في الكويت» 2006م، كما عثر خالد سعود الزيد على مسرحية شعرية لم تكتمل هي «في بلاد عبقر ووبار»، وقد ذكرها في مقدمات ديوان خالد الفرج في طبعته الجديدة العام 1989 مع ملحوظة هامة وهي صياغة هذا العمل بالشعر المحدث، وعندما نقرأ ما دوّنه من أسفار عن السيرة النبوية الشريفة، وعن تاريخ آل سعود ندرك أصالة المنحى السردي لديه وقد ظلت النزعة القصصية والإيقاعات الدرامية في الذات المبدعة لخالد الفرج، فتبدّت في قصائد ديوانه الباقي كما في «المهاتما والشاعر والجموع المتصارعة» وهي تستقل بالقصة أو تخالط الغنائية. وإذا أردنا أن نتابع ألوان شعره فسنرى:
- ديوانه الأول «أحسن القصص» 1348 هجرية الذي أفرده لتاريخ الملك عبدالعزيز آل سعود وحركة نهوض دولة جديدة، ونقرأ بعضا منه أو على نمطه ونسيجه في ديوانه الذي صدر 1954م، وتبدو لنا سمات التاريخ والتوثيق مع خط ّملحمي في حماسة وبساطة في البنية الفنية، وأرى أن الرغبة في التوصيل عبر أسلوب يماشي ما يألفه أهل الجزيرة والخليج العربي في الشعرالنبطي السائر بينهم والمحفوظ في ذاكرتهم كانت وراء خيار خالد الفرج وقد تبين من أعماله عنايته بشعر عبدالله الفرج وإعداده المختارات النبطية وبهذا مزج بين السياسي والثقافي بالإعلامي عندما أطلق القصائد وربط بين الرسالة والجمهور المتلقي، إضافة إلى أن هذه البنية تلائم الجانب التسجيلي للأحداث والشخصيات وبذلك لا تناقش هذه المجموعة وفق التصوّر الغربي للملحمة وسماتها، وإنما بحسب تفاعلها مع ساحة التلقي وشروطها الاجتماعية والثقافية.
- أما الجانب الآخر من شعر خالد الفرج فهو شعره السياسي الذي تناول أحوال بلاد العرب وتطلّعها إلى استقلالها وحريتها، ووقف عند أحداث وشخصيات عالمية كلها يصبّ ويتفاعل مع أحوال الأمة حافزا للنهوض وأمثولة، وكان وقوفه المبكّر مع قضية فلسطين 1936 إشارة إلى بصره بالوقائع والمصائر، وظلّ يدعو إلى العلم والعقل وهما سبيل إلى قوة واتحاد يجمع الكل في مسار العروبة الحضاري، فلم تكن الحماسة ظاهرا وإنما توجّه الفرج إلى البناء فيقول سنة 1925:
ويعبّر عن وعي بمسافات لجدل الماضي والحاضر، فلا يرى جدوى من التغنّي بأمجاد غبرت إن لم يكن الفعل الحاضر في مستوى المواجهة الحضارية، وفي قصيدة ألقاها في الكويت 1927 يراوح بين رمز الشرق وبلاد العرب في مداورة أسلوبية لبث رؤيته:
ومن بلاد الشرق التي يرى أن نجعلها أمام أنظارنا يستحضر صورا لتلك الشعوب وهي تشقّ طريقها إلى المستقبل، كما في قصيدتي: «المهاتما غاندي» ويتجلّى فيها كفاح غاندي في سبيل الهند تجاه الأمبراطورية البريطانية، و«الجابان» التي أضاءت سعي الشعب الياباني في دروب العلم والصناعة والحفاظ على الشخصية المميزة، ومن خلال قصائده الطويلة ومقطوعاته ندرك أنه يلم بأحداث العالم ومسارات السياسة، ويعرف خفايا علاقات الدول والأحلاف بعد الحرب الأولى وبين الحربين وفي خضم الحرب الثانية وما تلاها، ويمتلك البصيرة التي تكشف سبل النجاة لمن أراد أن يسمعوا ويبصروا.
وفي هذا المجال نشير إلى أن قصائد الفرج التي رافقت مواسم أو شخصيات في احتفال أو زيارة أو ضمن باب الرثاء ليست كما يخيّل إلى بعض النقاد الشكليين قصائد مناسبات عابرة، وإنما هي رسائل ارتبطت بالحدث أو بالشخصية إطارا يوصّلها إلى جمهور يستمع وتتناقلها الأسماع أو يدوّن في صحيفة، وهذا من موروث التلقي الذي يتهيأ معه الناس نفسيا وتحرّكهم المؤثرات للتفاعل مع الشعر ومؤداه الذي حمّل بين الأحداث، كما في احتفاله بالزعيم والعالم التونسي عبدالعزيز الثعالبي، والكاتب الصحفي أمين الرافعي الذي فتح صفحات جريدته «الأخبار» لعرض قضايا العروبة والمقاومة في الخليج العربي.
ونخصّ النوع الثالث من ألوان شعره بإشارة تبرز جوهر الإبداع لديه، ذلك أننا نصادف قصائد ومقطوعات قليلة ولكنها ثمينة في دلالتها على الحالة والموقف، وكذلك على الطاقة الخلاّقة.
قد تكون حياة خالد الفرج الاجتماعية والبيئات التي أحاطت به والمهام التي تصدر لها بعيدة عن فسحة لينفث أحاديث الحبّ والهوى في قصائده، لكننا نقرأ بعض الأعمال تكشف عن روح عذبة وأدوات يوظّفها على نحو يؤكّد أنه يملك أوتارا لكل الألوان التي خاض فيها، فيستخدم مجزوء البحر، أويفرد تفعيلة تتلوها أبيات على نمط الموشح، مع جمل رشيقة خفيفة على السمع ذات دلالات قريبة تحمل إيقاع زمن قديم يلبس إهاب الحاضر، فمن الأولى:
من المواقف الإنسانية الطريفة وقوف الفرج أمام حالة تحرّك الشجن وتثير الفكر، وقد استحضر معها صيغة الموشّح بتعدد القوافي وحروف الرويّ وتقطيع يعين على وقفة التأمل وترجيع النظر، إنه يرثي «حمادي» وهو طفل من أهل القطيف كان أبله ومات أبوه مجنونا، وكما يقول الشاعر «وحمادي في بلهه يمثل الفطرة الإنسانية الفاضلة، وفي شخصه تتوفر الخصال التي يتخيلها الفلاسفة في أهل طوبى» وهكذا يتخذه رمزا يجول معه في صور الحياة والناس في أسى وخوف وحذر:
وعندما يبعث برسالة على لسان طفل إلى الكبار يدعوهم إلى أن يقتربوا من عالمه ليروا من البسيط كيف تتفتح الدنى والآفاق، إن الشاعر يتخيّر مجزوء البحر في الموسيقا، وينوّع القوافي والرويّ ويتبع المقطع بلازمة متكررة، وتنساب الصور متلائمة مع المرسل وعينه التي تأخذ القريب منها نقصد الطفل الذي أنشد هذه القصيدة في حفل مدرسي:
شعاع في شعر الكويت
لقد كان خالد الفرج ملء السمع والبصر على المنابر، وحملت المجلاّت والصحف قصائده، ومنها مجلة الكويت ومجلة البعثة وكان شباب الكويت المتطلع إلى المعرفة والثقافة والمشحون بحماسة النهوض وبناء عالم جديد يرى ويقرأ، ومن ثم انطبعت نفوس عدد منهم بما قدّمه خالد الفرج سواء في المواقف والوعي، أوفي الأسلوب والأدوات الفنية، وههنا نكتفي بالومض والمدى واسع للدرس والتفصيل بعد إننا نجد تأثرا في بعض قصائد الشاعر عبدالمحسن الرشيد بأعمال لخالد الفرج، ومن ذلك قصيدة: هيئة الأمم التي توافقت فيها القافية مع الوزن، وتماهت صور مع تطوير في زوايا منها، ويلتقي أحمد العدواني مع الرشيد في إهاب خالد الفرج حيث يجعل المجتمع همّه، ويسعى إلى تجاوز مرحلة التراخي والجهل إلى معرفة وإضاءة للحقيقة، ولكن العدواني التقط جانب السخرية اللاذعة، والتنويع الموسيقي في المقطوعات، والقصائد لدى الفرج، ووجد أنهما يعينان على أن يرسل بين أطرافهما ما يودّ أن يحسّ به المتلقي من غير بوح صريح ويمكن أن نقارن بين قصائد مثل «السياسة، حمادي، الاتحاد، تمخّض الجبل» وما جاء في ديوان أجنحة العاصفة للعدواني: «سمادير، أفكارنا دجاجة، معزتنا العجفاء». ويمكننا أن نجد مؤثرات بلغت الشاعر محمد الفايز عندما صاغ مطوّلته «مذكّرات بحّار» فإلى جانب ما كتبه جاسم القطامي أواخر الأربعينات حول «يوميات بحار، ونهاية بحار ومذكّرات بحّار» لابدّ أن الريادة القصصية في الشعر والنثر وتدوين التاريخ والوثيقة شعريا لدى خالد الفرج قد تركت آثارها خاصة في قصيدة «الجموع المتصارعة» التي صوّرت انتظار المراكب التي تنقل المياه العذبة في البحر إلى أهل الكويت.
إن شخصية خالد الفرج الفكرية والإبداعية صفحات يتعدد عطاؤها مع تعدد القراءة وزوايا الرؤية لدى النقاد ولاتزال سطور فيها تنتظر قرّاءها.
منقول من مجلة الكويت
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
ادبنامه لوطرقت الارض شرقا او جنوبا في تهامه لن تجد للاسم ذما يفرض الاسم احترامه غايتي ان ابقى دوما في جبين العز شامه الآرض تحيا اذا ما عاش عالمها متى يمت عالم منها يمت طرف كالأرض تحيى أذا ما الغيث حل بها وأن أبى حل بها التلف
|