21-11-2010, 10:41 AM
|
عضو
|
|
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 1
|
|
نحو اقتصاد عالمي أكثر عدالة
:
يعاني العالم منذ بداية الثمانينيات مشاكل اقتصادية. كالتضخم، البطالة، تراكم الديون لدى الدول النامية، ومعوقات تحقيق التوازن في المبادلات التجارية بين الدول، كما هو بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والصين. وللتغلب على هذه المشاكل بدأ علماء الاقتصاد البحث عن قواعد ونظريات ومعادلات للوصول إلى وضع نظام اقتصادي عالمي متكامل يعالج تلك القضايا. وبالرغم من أن هذه الدعوة قد بدأتها الدول النامية بقصد التغلب على المشاكل التنموية التي تعانيها، إلا أنه سرعان ما تبنتها الدول الصناعية الكبرى لكي يتسنى لها إدارة دفة الحوار والتغيير بما يخدم مصالحها، فقررت الدول الكبرى عمل الدراسات لمعرفة العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت السبب الرئيسي في استفحال المشاكل الاقتصادية في العصر الحاضر.
أظهرت تلك الدراسة أن تزايد الاستهلاك(الإنفاق) العالمي مع عدم وجود نظام للتكافل الاجتماعي، سوء توزيع الدخل القومي للدول، نقص الغذاء، الفقر، عدم الاستقرار النقدي، البطالة، وظاهرة الاضطرابات العرقية والسياسية تعتبر من العوامل الأساسية التي ساعدت في ظهور المشكلات الاقتصادية القائمة، وتشير تلك الدراسات أنه لا يمكن إصلاح النظام الاقتصادي الدولي الحالي دون إحداث تغيير جوهري في قيمه السياسية والأخلاقية والاجتماعية، والسلوكية. ودعت تلك الدراسة أن تتخلى الدول الكبرى عن السيطرة الاقتصادية على الدول الصغرى.
وبينما العالم اليوم يحاول التغلب على مشاكله الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والسلوكية عن طريق قوانين وضعية ابتدعها الإنسان القاصر باجتهاداته الشخصية نجد أن الإسلام يكفل تحقيق التوازن بين عالمي الروح والمادة ويدعو إلى المساهمة الجماعية في وضع حلول حقيقية للمشكلات(عامة) التي يواجهها المجتمع الإنساني. فالإسلام يرى أن هدف الاقتصاد تحقيق أنسب قدر ممكن من الإنتاج المادي المقبول اجتماعيا، وذلك بالاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية والتكنولوجية مع العدالة في توزيع ذلك الإنتاج، وأنه لن يحقق كل من الإنتاج والتوزيع أهدافهما "الرفاهية" إلا بوجود نظم للقيم، ومعايير أخلاقية وسلوكية، التي يعتبرها الإسلام من المقومات الأساسية في عملية الإنتاج والتوزيع، بقصد تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية المنشودة بين طبقات المجتمع.
إن مبادئ وقواعد الاقتصاد المتوازن ودلالاته، نجدها في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، حيث مئات الآيات القرآنية وعشرات الأحاديث النبوية تشير وتوحي إلى أن المجتمع العالمي لن يسعد، و سيعم الفساد والشقاء ونسود الحياة البائسة، إذا لم يعمل بما ترشده وتأمره به وتبينه له الشريعة الإسلامية والسنة النبوية.
فهذه الدلالات ترشدنا إلى مفهوم "مبدأ تفعل أو لا تفعل" الذي كان ينادي به "الشيخ المرحوم محمد الشعراوي" الذي يعتبر معيار الصلاح أو الفساد. قال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) الروم: 41. وقال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا، كتاب الله وسنتي" رواه الإمام أحمد.
والدول الإسلامية اعتمدت منذ فترة الاستعمار وحتى وقتنا الحاضر مذاهب
و نظريات اقتصادية مختلفة في معاملاتها الاقتصادية والتجارية لا تتوافق مناهجها مع الفكر والمنهج الإسلامي، حيث أخذت المؤسسات الاقتصادية والمصرفية الإسلامية تتبع أشكالا عديدة من المذاهب الاقتصادية الغربية(الرأسمالية والاشتراكية) في معاملاتها الاقتصادية ومبدلاتها المصرفية والتجارية، مع العلم أن تلك الأنظمة الغربية لم تحقق النجاح الذي كانت تنشده، وعلى إثر ذلك أخذت تتجه إلى استراتيجيات اقتصادية أكثر اعتدالا في أفكارها وفي مناهجها. وهذا يعني أن مذهبا اقتصاديا وضعيا محددا أو مذهبا آخر لن يفي باحتياجات كافة الأمم في جميع العصور والأزمان، ما دام هذا المذهب من صنع البشر، حيث التبديل والتغيير على ذلك المذهب واردان مع مرور الزمن، حسب تغير الأحداث وتطور أساليب الحياة. بينما المذهب الاقتصادي المنزل من خالق الكون العلم قي كل شيئ( الذي لا يخفى عليه شيئ في الأرض ولا في السماء) الأعلم بحاجات عباده وأمانيهم، كما في قوله تعالى: (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) الأنعام: 3. وهذا يعني أنه لا يحق لأحد الإتيان بتفسير مخالف، ولغرض غير الذي بينه وحدده رب العالمين، قال تعالى: (فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا) فاطر:43. وقال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر: 9.
لقد جاء الإسلام لكافة البشر ولجميع الأزمان وأمرا الله تعالى الإنسان ألا يموت إلا على فطرة الإسلام كما في قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)الروم:30. حيث وضع الله أحكاما عامة توجه سلوك المسلم في مختلف أعماله وأنشطته وجعل حدودا، ليس للمسلم حق في تجاوزها، بما فيها النشاط الاقتصادي. فحرم الله الربا وبيوع الغرر والاحتكار وكفل الحد الأدنى للمعيشة بما يضمن الحياة الكريمة للمسلم وجعل المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة. كذلك أباح الملكية المزدوجة وشرع الميراث وأقر العمل بالعقود والعهود محافظة على مصالح الناس وأجاز أن يأخذ فقهاءه بالمنهج الاقتصادي الذي يلاءم حاجات المجتمع في إطار أحكامه العامة، لأن الإسلام يشتمل على جميع الأحكام والتوجيهات والأوامر التي تفيد المسلم في شؤون حياته الفردية والأسرية والمؤسسية وعلاقاته مع خالقه ومع الناس. كذلك يعالج الإسلام قضايا العقود والمواثيق والالتزامات و يحدد أنواعها وحدودها. وقد وردت في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أمثلة عديدة لأنواع لمبادلات والمعاملات والعقود والبيوع والمرابحات والاستثمارات والوكالات والوصايا والهبات والأوقاف والمواريث التي أمر الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، المسلم العمل بها والتقيد بجميع ما ورد بها من التزامات، وعهود ومواثيق لأنها أوامر الله ورسوله.
فالنظام الاقتصادي في الإسلام يعتمد على فريضة الزكاة والصدقات والنذور والكفارات والهبات وأحكام المواريث، كذلك يحرم الإسلام الربا ويحمي الملكية الخاصة والعامة، كذلك توفر الدولة أسباب المعيشة الكريمة لجميع رعاياها، لأن الإسلام يمنع الاحتكار وكنز الأموال ويقر العدالة في توزيع دخل الأمة، وألا تكون دولة بين الأغنياء، وكذلك أمر بتخصيص حصة سنوية وهي(الزكاة) تؤخذ من مال المسلمين وتعطى للمحتاجين من المساكين والفقراء، حتى أن الخليفة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان يفرض" فريضة الأرزاق" في حق المحتاجين من المسلمين وأهل الذمة. ولا يخفى علينا أن دولة الإسلام تزخر بثروة فقهية تشريعية تغطي جميع جوانب الاقتصاد، بينما نرى أن المذاهب الاقتصادية الوضعية الأخرى تهيمن على أعمال المؤسسات الاقتصادية والمالية في دول المسلمين، وذلك زعما من البعض في جواز تلك المعاملات بحكم الاتصال بالغرب، وبالتالي تدعوا الحاجة إلى تطبيق نظمه الاقتصادية، وذلك لتسهيل حاجات المسلمين، لكن مثل هذا الزعم يعتبر تحاملا على الإسلام وأحكام القرآن الحنيف وسنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وإن الذين يطالبون بالتيسير على الناس في المعاملات المالية والتجارية، والذين يدعون أن الأوضاع الاقتصادية في العالم قد تغيرت، مما يجب أن تتغير معه نظرة المسلمين إلى القاعدة الربوية، ويرون أنه لا يصح للمسلمين التخلف عن ركب الحضارة بتمسكهم بحرفية النصوص القرآنية، ونسوا
أن الإسلام يدفع المسلمين نحو العمل لتحقيق غايات وأهداف سامية ومثل عليا وليس الكسب المادي فقط. قال تعالىوقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) التوبة: 105.
لكي ينهض العالم الإسلامي اقتصاديا عليه التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية والسنة النبوية التي تدفعه إلى العمل والإنتاج والتنمية، لأن الاقتصاد الإسلامي ذا نزعة إنسانية وغايات نبيلة ويقود المجتمع إلى التضامن التكافلي والإيثار وتقرير الحقوق والالتزامات بين الناس والدولة في عمليات الإنتاج والتوزيع. لقد عم الجدب الروحي والشقاء النفسي والفقر كل الشعوب الإسلامية لتركها العمل بأحكام وقواعد ومنهج الاقتصاد الإسلامي، وانجرفت وراء أساليب الاقتصاد الغربي "الاقتصاد الوضعي" وسارعت بالبحث بكل الوسائل عن الفائدة الربوية التي عمت جميع المعاملات المالية والتجارية بين المسلمين. فالاقتصاد الإسلامي يؤكد الصلة الوثيقة بين المصلحة الفردية والجماعية من حيث المفهوم ويدعو كذلك إلى رفاهية الأفراد والجماعات.
ولقد أظهرت الدراسات والأبحاث المتعددة في الميادين الاقتصادية أنه لا يوجد في تاريخ البشرية مذهب يصل إلى المستوى الرفيع الذي وصل إليه منهج الاقتصاد في الإسلام، والذي هدفه النهوض بالإنسانية نحو حياة أفضل. فالمذاهب الاقتصادية الوضعية المعاصرة، على اختلاف مذاهبها و مناهجها ووسائلها المالية، تتحد في غاياتها التي تتلخص بالرفاهية الاقتصادية فقط، دون اعتبار للقيم الإنسانية والأخلاقية وجودة وكفاءة الإنتاج والعدالة بتوزيع الثروات. فهي أنظمة اقتصادية وضعية لا تخلو من تقصير وضعف في مبادئها وأصولها وفي مراحل تطبيقها. بالإضافة إلى أنه ليس لتلك الأنظمة فلسفة واضحة تفوق نظرة الإسلام إلى القضايا الإنسانية. فالاقتصاد الإسلامي ليس مجرد أحكام شرعية وسنة نبوية، وإنما هو جزء من نظرية إسلامية متكاملة، شاملة تهدف إلى معالجة الأوضاع والمشاكل الاقتصادية عبر نموذج محدد المعالم والأهداف، وعلى ذلك، فمن الصواب أن نحاول اكتشاف النظرية الاقتصادية الإسلامية اعتمادا على أصولها وأحكامها وامتدادها الشمولي نحو قضايا الإنسان والمجتمع. وهذا يعني أن البحث في الاقتصاد الإسلامي، ليس من اختصاص رجال الاقتصاد فحسب، وإنما يمكن لأصحاب المفكر الإسلامي أن يساهموا بإعداد الإطار العام لهذا النظام، معتمدون في ذلك على المصادر الأساسية التي تساهم في خلق الإطار العام للنظام الاقتصادي في الإسلام.
فنحن بحاجة للرجوع إلى مصادر الأحكام في الفكر الاقتصادي الإسلامي، لأن هذا الفكر هو الذي يشكل معيار وميزان الاقتصاد الإسلامي، فهذه المصادر تختلف بجوهرها عن مصادر الفكر الاقتصادي الوضعي. فالمصادر الأساسية للاقتصاد الإسلامي مرتبطة بالشريعة والإسلامية، ولا يمكن للمسلم المؤمن أن يرفض ما جاءت به شريعة الله وسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعلى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) الأحزاب: 36. فالأحكام والأوامر التي نصت عليها الشريعة الإسلامية والسنة النبوية تمثل الأسس الجوهرية التي تقوم عليها نظرية الاقتصاد الإسلامي. وقد قدم العديد من الفقهاء ورجال الاقتصاد المسلمين بحوثا قيمة في هذا الميدان كان لها الأثر العظيم في إبراز مفاهيم النظام الاقتصادي في الإسلام، وعملوا على تطويره حسب ما تقتضيه متطلبات العصر، فقاموا بتطبيق تلك المفاهيم في المعاملات التجارية والمالية ومختلف الأنشطة الاقتصادية التي تقوم بها بعض المؤسسات والشركات المالية والمصارف الإسلامية، والتي حققت النجاح الباهر، مما شجع أن تتوجه العديد من الدول الإسلامية إلى العناية بهذا الموضوع، حتى أن العديد من البنوك الأوربية والأمريكية وبعض دول جنوب شرق آسيا، قامت بإنشاء إدارات خاصة باستثمار الأموال حسب الأحكام الإسلامية عندما رأت شدة إقبال المسلمين المقيمين فيها بإيداع واستثمار أموالهم في مشروعات الاستثمار والمرابحة والمضاربات التي تدار حسب أحكام الشريعة الإسلامية. وما زالت معظم الشعوب الإسلامية تترقب ظهور نظرية اقتصادية عالمية موحدة تكون دعامتها مبنية على دلائل ومفهوم الاقتصاد الإسلامي في القرآن والسنة النبوية فهي سبل الحق واليقين. قال تعالىقل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون، وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون) يونس: 35-36.
المصدر: الدلائل الاقتصادية في القرآن والسنة النبوية - د. صالح حسن العساف الفضالة - الفصل الثالث عشر - الناشر مؤسسة غراس للنشر والتوزيع - الكويت -2003. ودار التوحيدي للنشر والتوزيع والاعلام - المغرب – الرباط - 2004.
|