السلام عليكم
اخي العزيز هو الشاعر مبارك العقيليوثيقة عثمانية تكشف عن هوية الشاعر الأحسائي مبارك العقيلي 1- 2
عاصر نوابغ الشعر كابن مسلم وعبدالحي والمغلوث
قاسم الرويس
* مبارك بن حمد العقيلي أديب وفقيه وشاعر متعدد المواهب، نظم الشعر الفصيح كما نظم الشعر العامي وهو مجيد في كليهما ولكنه لم ينل من الشهرة ما ناله غيره من الشعراء الذين هم أقل منه معرفة وتجربة، ولكنه يكاد يكون الشاعر النبطي الوحيد الذي خاطب السلطات العثمانية بصفته شاعراً أحسائياً كما عرف نفسه في الوثيقة التي نشرها الدكتور سهيل صابان في العدد الثاني من المجلد الحادي عشر لمجلة المخطوطات والنوادر وقد خلد هذا الشاعر اسمه في أرشيف الدولة العثمانية بعدد من الوثائق التي أظهرت شعوره بهموم أمته الإسلامية وحرصه على تاريخها المجيد.
ورغم أن نتاجه الشعري من الكثرة بمكان إلا أن المصادر لم تذكر له إلا عدداً محدوداً من القصائد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة حيث لم يورد له الصويان في (فهرست الشعر النبطي) إلا أربع قصائد بل إن بعض المصادر أخطأت في اسمه حيث أسماه الحاتم في كتابه (عيون من الشعر النبطي): (حمد بن مبارك العقيلي)، في حين جمع الإماراتي بلال البدور سنة 1995م ديوان العقيلي النبطي المسمى (كفاية الغريم عن المدامة والنديم) باكورة لسلسلة أدباء الإمارات اعتماداً على مخطوطة بخط الأستاذ محمد بن عبدالرحمن بن حافظ كتبت في 25جمادى الثانية 1358ه وزاد عليها ما وجده في كتاب حمد خليفية أبو شهاب (تراثنا من الشعر الشعبي) وضمنه شيئاً من سيرته، بعد ذلك بأربع سنوات تقريباً نشر ناصر بن محمد بن عبدالرحمن آل زرعة ديواني العقيلي الفصيح والعامي تحت عنوان (كفاية المراهم لأهل الغرام ويليه كفاية الغريم عن المدامة والنديم) حيث إنه حصل على مخطوطة للديوانين فقام بتحقيقهما ونشرهما في سفر واحد، وأنا في يقين أن آل زرعة لم يطلع على كتاب البدور ولم يعلم عنه لأنه ذكر أنه حاول الحصول على سيرة الشاعر ولم تتوفر فلم يمنعه ذلك من إخراج الكتاب، في حين أن البدور قد تناول سيرة العقيلي وحياته، وكذلك إبراهيم الخالدي الذي نشر صورة العقيلي في كتابه (المصور البدوي) نقلاً عن أحد المصادر ولكنه أشار إلى عدم عثوره على نماذج من شعره.
على أية حال تكتسب المخطوطة التي أخرجها آل زرعة أهمية خاصة لكون ديوان الشعر العامي فيها كتب بخط الشاعر وذلك في 18رجب 1341ه كما أن ديوان الفصيح قد قام الشاعر بمراجعته وتعديل أخطائه. وسنعرض هنا لسيرة هذا الشاعر من خلال ماجاء عند البدور وآل زرعة.
اسمه ونسبه:
هو مبارك بن حمد آل مانع بن عقيل كما كتب بخطه، وتعود جذوره إلى منطقة الحوطة في جنوب نجد
مولده ونشأته:
ولد بالأحساء حيث تزوج والده من إحدى العائلات هناك بعد هجرته من نجد، وكان مولد شاعرنا سنة 1293ه بدليل قصيدته التي قالها وهو في دبي سنة 1320ه وفيها:
مضى لي من الأعوام عشرين حجة
وسبع وأنا في منهج الغي مايل
وهنا روايات ترى أنه من مواليد 1300ه.
فهو بهذا يكون قد عاصر عدداً من شعراء الأحساء النوابغ كالشاعر محمد بن مسلم الأحسائي وسليم عبدالحي وحسين الصايغ والمغلوث وغيرهم.
توفي والده في عمان إثر سقوطه من جمله، وكان مبارك صغيراً فكفله الشيخ إبراهيم آل مبارك، فنشأ العقيلي في بيئة علمية حيث كانت الأحساء تشكل مركزاً علمياً ومنبراً ثقافياً في تلك الفترة كما كانت زاخرة بمجالس العلم والأدب وفيها عدد من العلماء الجهابذة والشعراء الأفذاذ، فأخذ العلم عن بعض العلماء في علوم اللغة العربية والتفسير والفقه وخاصة المشايخ من آل مبارك فتمذهب بالمالكية تأثراً بهم وكان طلعة في ثقافته نبيهاً في تعلمه ذا خط جميل.
سجنه ورحلاته:
وما أن تجلى في ريعان شبابه حتى اتهم زوراً بمناوأة الأتراك في الأحساء ووشي به فأدخل السجن حيث قال:
دخلنا بحبس الترك من غير سبة
نجازي بها والنفس فيها نلومها
وقال في قصيدة أخرى:
هم انكروا دفعي لهم بالمحامات
عنهم والله شاهدي في جدالي
بعد خروجه من السجن رحل من الإحساء إلى العراق وعاش هناك في كنف صالح المنصور أحد أمراء المنتفق ولا يستبعد لقاءه بعلماء العراق وشعرائها واستفادته منهم، وبعد وفاة المنصور انتقل إلى دبي وكان قبل عام 1320ه بيقين وهو في مقتبل شبابه حيث قال:
جيت دبي وأنا صبي
من غير أم وأب
ولكنه بعد ذلك تنقل بين دبي وعمان وأبوظبي والبحرين وكذلك الأحساء ومدح بقصائده شيوخ الخليج وارتبط معهم بعلاقات متينة، ونال حظوة عند سلطان عمان فيصل بن تركي ولكنه ألقىِ عصا التسيار واستقر أخيراً في دبي بمنطقة الرأس بديرة عام 1347ه واكتسب بعلمه وأدبه مكانة وتقديراً عند آل مكتوم حكام دبي وكان له مجلس معروف يغشاه الأمراء ويرتاده الأدباء والعلماء.
وثيقة عثمانية تكشف هوية الشاعر الاحسائي مبارك العقيلي 2- 2
جمع بين نظم الشعر الشعبي والفصيح وتميز بالبحر الهلالي
قاسم الرويس:
* عرضنا في الجزء الأول مقدمة عن الشاعر الأحسائي مبارك بن حمد العقيلي الذي خاطب السلطات العثمانية بصفته شاعرا أحسائيا، كما عرف نفسه في الوثيقة التي نشرها الدكتور سهيل صابان في العدد الثاني من المجلد الحادي عشر لمجلة المخطوطات والنوادر. وقد خلد هذا الشاعر اسمه في أرشيف الدولة العثمانية بعدد من الوثائق التي أظهرت شعوره بهموم أمته الإسلامية وحرصه على تاريخها المجيد كما تطرقنا إلى اسمه ونسبه ومولده ونشأته وسجنه ورحلاته ونستكمل في هذا الجزء عن:
اتجاهاته السياسية:
يعتبر العقيلي من دعاة القومية العربية المرتبطة بالإسلام، ولذا نجد في الوثيقة التي نشرها الدكتور صابان ذات التصنيف HR.SYS.93/37 والمؤرخة في 27رجب 1324ه مدافعته عن مؤسسة الخلافة الإسلامية ومقاومته الشديدة للاستعمار الإنجليزي، كما أن هذا الخطاب يؤكد أن اتهامه بمناوءة الأتراك وسجنه في الأحساء كان ظالماً.
وكان شاعرنا قد كتب هذا الخطاب الذي هو في الأصل خطبة، أثناء وجوده في إمارة دبي بسبب منشور التقط من الطريق العام في 17جمادى الثانية 1324ه بعنوان (بوق من السما) يدعو المسلمين إلى التمرد على الدولة العثمانية ويحرضهم على معادتها فكان هذا الخطاب رداً عاصفاً صب فيه الشاعر جام غضبه على بريطانيا واللورد كرزون الذي كان يضع الخطط لاستعمار العالم العربي والإسلامي بعد هدم مؤسسة الخلافة.
ولكن بعد تغير الخرائط الجغرافية وسيطرة الملك عبدالعزيز على الأحساء وطرده للأتراك عام 1331ه انصرف إلى تأييده بقوة وعبر عن مشاعره نحو ذلك بقصيدة أولها:
بدور السما تزهو بهالة تمامها
وروض العلى فتح بورد أكمامها
ومن ظريف أخباره أنه في سنة 1333ه وردت إليه الأخبار باختلال الأمن في الأحساء وانقطاع السبل بسبب تمرد إحدى القبائل فعن له قول الشاعر:
من لا يجينا والديار مخيفة
لا مرحباً به ولاديار عوافي
فغادر دبي متجهاً إلى مسقط رأسه الأحساء مروراً بالبحرين فتعطل في البحرين بسبب بعض الأمور والإجراءات واستمر على هذا الوضع لمدة شهرين وكان تحت عناية عبدالله بن حسن القصيبي فقال قصيدة فيه جعلها مدخلاً لمدح الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وعرض فيها إلى أسباب رحلته وأولها:
يا بوحسن جينا من دبي شفقين
مطلوبنا يا بوحسن شوف الأوطان
شعره ونتاجه الأدبي:
يتضمن ديوانه النبطي عدداً كبيراً من القصائد يتجاوز الثمانين قصيدة ومع طرقه لجميع البحور والأوزان فهو يميل إلى القصيدة القديمة ذات القافية الواحدة أو البحر الهلالي ويبدع فيه أيما إبداع خاصة إذا ما افتتح قصائده بجملة "قال العقيلي" أو "يقول العقيلي" مثل قوله:
يقول العقيلي في بيوت أشادها
وضاح معانيها بيان رشادها
وقوله:
يقول العقيلي في رسوم المثايل
معان يعانيها عديم المثايل
وقوله:
قال العقيلي في تراكيب الإبداع
أمثال تطرب في الملا كل واعي
وقوله:
قال العقيلي والوفا طبع الأحرار
والحر له رعي الجميلات عادي
ويتميز شعره عموماً بجزالة لفظه وعمق معناه وتغلب عليه الحكمة وهو يذكرنا في نهجه هذا بنهج الشاعر راشد الخلاوي وهذه سمة عامة في شعره، مع العلم أنه طرق أغراض الشعر الأخرى كالمدح الذي شكل عقوداً من قصائده واستغرق مدح الأمراء والحكام الجزء الأكبر منه، ثم الغزل العفيف الذي يفيض رقة وينساب عذوبة، ومن الأغراض التي تناولها شعره الشكوى من الزمان وأهله، وهو شاعر ذو نفس طويل ورغم أن شعره يصطبغ بالجدية والرصانة، إلا أن هناك العديد من القصائد والمقطوعات الطربية والأهازيج الإيقاعية والإخوانيات التي تحلو بها مجالس السمر.
وأما في الفصيح الذي يتجاوز قصائد ديوانه السعبين فهو يتكئ فيها على مخزون علمي وخلفية ثقافية واسعة وليس أدل على ذلك من عنوان ديوانه (كفاية يالمرام لأهل الغرام) مستلهماً التراث العربي ومعتمداً عليه وناهجاً منهج الشعر التقليدي الأصيل الذي برز فيه من مجايليه ابن عثيمين وغيره من الشعراء.
وأما في الخطابة فهو الخطيب المفوه الذي لا تلين قناته ولا تفتر لهاته نجد ذلك ظاهراً في ثنايا الوثيقة العثمانية التي ذيلت باسمه والتي يظهر لنا أنها في الأصل خطبة ألقاها في الناس داعياً إياهم للتكاتف والتمسك بالوحدة الإسلامية ونبذ المستعمرين، وهو ما يؤكده زكريا كورشون ومحمد القريني في كتابهما "سواحل نجد (الأحساء) في الإرشيف العثماني" ويظهر أن شاعرنا كتبها بعد ذلك وأرسلها إلى السلطات العثمانية كتعبير عن ولائه بدليل تذييلها بجملة "المحب للدولة والملة".
وفاته:
عاش شاعرنا وحيداً دون زواج ومات رحمة الله عليه في دبي سنة 1374ه عن عمر يناهز الثمانين عاماً.
وأخيراً أتمنى أن أكون وفقت في عرض سيرة هذا الشاعر الأحسائي العملاق الذي خفيت سيرته حتى على بعض أهل الأحساء وسيكون لنا في القريب العاجل وقفات مع بعض قصائده الرائعة.
جمع بين نظم الشعر الشعبي والفصيح وتميز بالبحر الهلالي
قاسم الرويس:
* عرضنا في الجزء الأول مقدمة عن الشاعر الأحسائي مبارك بن حمد العقيلي الذي خاطب السلطات العثمانية بصفته شاعرا أحسائيا، كما عرف نفسه في الوثيقة التي نشرها الدكتور سهيل صابان في العدد الثاني من المجلد الحادي عشر لمجلة المخطوطات والنوادر. وقد خلد هذا الشاعر اسمه في أرشيف الدولة العثمانية بعدد من الوثائق التي أظهرت شعوره بهموم أمته الإسلامية وحرصه على تاريخها المجيد كما تطرقنا إلى اسمه ونسبه ومولده ونشأته وسجنه ورحلاته ونستكمل في هذا الجزء عن:
اتجاهاته السياسية:
يعتبر العقيلي من دعاة القومية العربية المرتبطة بالإسلام، ولذا نجد في الوثيقة التي نشرها الدكتور صابان ذات التصنيف HR.SYS.93/37 والمؤرخة في 27رجب 1324ه مدافعته عن مؤسسة الخلافة الإسلامية ومقاومته الشديدة للاستعمار الإنجليزي، كما أن هذا الخطاب يؤكد أن اتهامه بمناوءة الأتراك وسجنه في الأحساء كان ظالماً.
وكان شاعرنا قد كتب هذا الخطاب الذي هو في الأصل خطبة، أثناء وجوده في إمارة دبي بسبب منشور التقط من الطريق العام في 17جمادى الثانية 1324ه بعنوان (بوق من السما) يدعو المسلمين إلى التمرد على الدولة العثمانية ويحرضهم على معادتها فكان هذا الخطاب رداً عاصفاً صب فيه الشاعر جام غضبه على بريطانيا واللورد كرزون الذي كان يضع الخطط لاستعمار العالم العربي والإسلامي بعد هدم مؤسسة الخلافة.
ولكن بعد تغير الخرائط الجغرافية وسيطرة الملك عبدالعزيز على الأحساء وطرده للأتراك عام 1331ه انصرف إلى تأييده بقوة وعبر عن مشاعره نحو ذلك بقصيدة أولها:
بدور السما تزهو بهالة تمامها
وروض العلى فتح بورد أكمامها
ومن ظريف أخباره أنه في سنة 1333ه وردت إليه الأخبار باختلال الأمن في الأحساء وانقطاع السبل بسبب تمرد إحدى القبائل فعن له قول الشاعر:
من لا يجينا والديار مخيفة
لا مرحباً به ولاديار عوافي
فغادر دبي متجهاً إلى مسقط رأسه الأحساء مروراً بالبحرين فتعطل في البحرين بسبب بعض الأمور والإجراءات واستمر على هذا الوضع لمدة شهرين وكان تحت عناية عبدالله بن حسن القصيبي فقال قصيدة فيه جعلها مدخلاً لمدح الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وعرض فيها إلى أسباب رحلته وأولها:
يا بوحسن جينا من دبي شفقين
مطلوبنا يا بوحسن شوف الأوطان
شعره ونتاجه الأدبي:
يتضمن ديوانه النبطي عدداً كبيراً من القصائد يتجاوز الثمانين قصيدة ومع طرقه لجميع البحور والأوزان فهو يميل إلى القصيدة القديمة ذات القافية الواحدة أو البحر الهلالي ويبدع فيه أيما إبداع خاصة إذا ما افتتح قصائده بجملة "قال العقيلي" أو "يقول العقيلي" مثل قوله:
يقول العقيلي في بيوت أشادها
وضاح معانيها بيان رشادها
وقوله:
يقول العقيلي في رسوم المثايل
معان يعانيها عديم المثايل
وقوله:
قال العقيلي في تراكيب الإبداع
أمثال تطرب في الملا كل واعي
وقوله:
قال العقيلي والوفا طبع الأحرار
والحر له رعي الجميلات عادي
ويتميز شعره عموماً بجزالة لفظه وعمق معناه وتغلب عليه الحكمة وهو يذكرنا في نهجه هذا بنهج الشاعر راشد الخلاوي وهذه سمة عامة في شعره، مع العلم أنه طرق أغراض الشعر الأخرى كالمدح الذي شكل عقوداً من قصائده واستغرق مدح الأمراء والحكام الجزء الأكبر منه، ثم الغزل العفيف الذي يفيض رقة وينساب عذوبة، ومن الأغراض التي تناولها شعره الشكوى من الزمان وأهله، وهو شاعر ذو نفس طويل ورغم أن شعره يصطبغ بالجدية والرصانة، إلا أن هناك العديد من القصائد والمقطوعات الطربية والأهازيج الإيقاعية والإخوانيات التي تحلو بها مجالس السمر.
وأما في الفصيح الذي يتجاوز قصائد ديوانه السعبين فهو يتكئ فيها على مخزون علمي وخلفية ثقافية واسعة وليس أدل على ذلك من عنوان ديوانه (كفاية يالمرام لأهل الغرام) مستلهماً التراث العربي ومعتمداً عليه وناهجاً منهج الشعر التقليدي الأصيل الذي برز فيه من مجايليه ابن عثيمين وغيره من الشعراء.
وأما في الخطابة فهو الخطيب المفوه الذي لا تلين قناته ولا تفتر لهاته نجد ذلك ظاهراً في ثنايا الوثيقة العثمانية التي ذيلت باسمه والتي يظهر لنا أنها في الأصل خطبة ألقاها في الناس داعياً إياهم للتكاتف والتمسك بالوحدة الإسلامية ونبذ المستعمرين، وهو ما يؤكده زكريا كورشون ومحمد القريني في كتابهما "سواحل نجد (الأحساء) في الإرشيف العثماني" ويظهر أن شاعرنا كتبها بعد ذلك وأرسلها إلى السلطات العثمانية كتعبير عن ولائه بدليل تذييلها بجملة "المحب للدولة والملة".
وفاته:
عاش شاعرنا وحيداً دون زواج ومات رحمة الله عليه في دبي سنة 1374ه عن عمر يناهز الثمانين عاماً.
وأخيراً أتمنى أن أكون وفقت في عرض سيرة هذا الشاعر الأحسائي العملاق الذي خفيت سيرته حتى على بعض أهل الأحساء وسيكون لنا في القريب العاجل وقفات مع بعض قصائده الرائعة.
جمع بين نظم الشعر الشعبي والفصيح وتميز بالبحر الهلالي
قاسم الرويس:
* عرضنا في الجزء الأول مقدمة عن الشاعر الأحسائي مبارك بن حمد العقيلي الذي خاطب السلطات العثمانية بصفته شاعرا أحسائيا، كما عرف نفسه في الوثيقة التي نشرها الدكتور سهيل صابان في العدد الثاني من المجلد الحادي عشر لمجلة المخطوطات والنوادر. وقد خلد هذا الشاعر اسمه في أرشيف الدولة العثمانية بعدد من الوثائق التي أظهرت شعوره بهموم أمته الإسلامية وحرصه على تاريخها المجيد كما تطرقنا إلى اسمه ونسبه ومولده ونشأته وسجنه ورحلاته ونستكمل في هذا الجزء عن:
اتجاهاته السياسية:
يعتبر العقيلي من دعاة القومية العربية المرتبطة بالإسلام، ولذا نجد في الوثيقة التي نشرها الدكتور صابان ذات التصنيف HR.SYS.93/37 والمؤرخة في 27رجب 1324ه مدافعته عن مؤسسة الخلافة الإسلامية ومقاومته الشديدة للاستعمار الإنجليزي، كما أن هذا الخطاب يؤكد أن اتهامه بمناوءة الأتراك وسجنه في الأحساء كان ظالماً.
وكان شاعرنا قد كتب هذا الخطاب الذي هو في الأصل خطبة، أثناء وجوده في إمارة دبي بسبب منشور التقط من الطريق العام في 17جمادى الثانية 1324ه بعنوان (بوق من السما) يدعو المسلمين إلى التمرد على الدولة العثمانية ويحرضهم على معادتها فكان هذا الخطاب رداً عاصفاً صب فيه الشاعر جام غضبه على بريطانيا واللورد كرزون الذي كان يضع الخطط لاستعمار العالم العربي والإسلامي بعد هدم مؤسسة الخلافة.
ولكن بعد تغير الخرائط الجغرافية وسيطرة الملك عبدالعزيز على الأحساء وطرده للأتراك عام 1331ه انصرف إلى تأييده بقوة وعبر عن مشاعره نحو ذلك بقصيدة أولها:
بدور السما تزهو بهالة تمامها
وروض العلى فتح بورد أكمامها
ومن ظريف أخباره أنه في سنة 1333ه وردت إليه الأخبار باختلال الأمن في الأحساء وانقطاع السبل بسبب تمرد إحدى القبائل فعن له قول الشاعر:
من لا يجينا والديار مخيفة
لا مرحباً به ولاديار عوافي
فغادر دبي متجهاً إلى مسقط رأسه الأحساء مروراً بالبحرين فتعطل في البحرين بسبب بعض الأمور والإجراءات واستمر على هذا الوضع لمدة شهرين وكان تحت عناية عبدالله بن حسن القصيبي فقال قصيدة فيه جعلها مدخلاً لمدح الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وعرض فيها إلى أسباب رحلته وأولها:
يا بوحسن جينا من دبي شفقين
مطلوبنا يا بوحسن شوف الأوطان
شعره ونتاجه الأدبي:
يتضمن ديوانه النبطي عدداً كبيراً من القصائد يتجاوز الثمانين قصيدة ومع طرقه لجميع البحور والأوزان فهو يميل إلى القصيدة القديمة ذات القافية الواحدة أو البحر الهلالي ويبدع فيه أيما إبداع خاصة إذا ما افتتح قصائده بجملة "قال العقيلي" أو "يقول العقيلي" مثل قوله:
يقول العقيلي في بيوت أشادها
وضاح معانيها بيان رشادها
وقوله:
يقول العقيلي في رسوم المثايل
معان يعانيها عديم المثايل
وقوله:
قال العقيلي في تراكيب الإبداع
أمثال تطرب في الملا كل واعي
وقوله:
قال العقيلي والوفا طبع الأحرار
والحر له رعي الجميلات عادي
ويتميز شعره عموماً بجزالة لفظه وعمق معناه وتغلب عليه الحكمة وهو يذكرنا في نهجه هذا بنهج الشاعر راشد الخلاوي وهذه سمة عامة في شعره، مع العلم أنه طرق أغراض الشعر الأخرى كالمدح الذي شكل عقوداً من قصائده واستغرق مدح الأمراء والحكام الجزء الأكبر منه، ثم الغزل العفيف الذي يفيض رقة وينساب عذوبة، ومن الأغراض التي تناولها شعره الشكوى من الزمان وأهله، وهو شاعر ذو نفس طويل ورغم أن شعره يصطبغ بالجدية والرصانة، إلا أن هناك العديد من القصائد والمقطوعات الطربية والأهازيج الإيقاعية والإخوانيات التي تحلو بها مجالس السمر.
وأما في الفصيح الذي يتجاوز قصائد ديوانه السعبين فهو يتكئ فيها على مخزون علمي وخلفية ثقافية واسعة وليس أدل على ذلك من عنوان ديوانه (كفاية يالمرام لأهل الغرام) مستلهماً التراث العربي ومعتمداً عليه وناهجاً منهج الشعر التقليدي الأصيل الذي برز فيه من مجايليه ابن عثيمين وغيره من الشعراء.
وأما في الخطابة فهو الخطيب المفوه الذي لا تلين قناته ولا تفتر لهاته نجد ذلك ظاهراً في ثنايا الوثيقة العثمانية التي ذيلت باسمه والتي يظهر لنا أنها في الأصل خطبة ألقاها في الناس داعياً إياهم للتكاتف والتمسك بالوحدة الإسلامية ونبذ المستعمرين، وهو ما يؤكده زكريا كورشون ومحمد القريني في كتابهما "سواحل نجد (الأحساء) في الإرشيف العثماني" ويظهر أن شاعرنا كتبها بعد ذلك وأرسلها إلى السلطات العثمانية كتعبير عن ولائه بدليل تذييلها بجملة "المحب للدولة والملة".
وفاته:
عاش شاعرنا وحيداً دون زواج ومات رحمة الله عليه في دبي سنة 1374ه عن عمر يناهز الثمانين عاماً.
وأخيراً أتمنى أن أكون وفقت في عرض سيرة هذا الشاعر الأحسائي العملاق الذي خفيت سيرته حتى على بعض أهل الأحساء وسيكون لنا في القريب العاجل وقفات مع بعض قصائده الرائعة.
جمع بين نظم الشعر الشعبي والفصيح وتميز بالبحر الهلالي
قاسم الرويس:
* عرضنا في الجزء الأول مقدمة عن الشاعر الأحسائي مبارك بن حمد العقيلي الذي خاطب السلطات العثمانية بصفته شاعرا أحسائيا، كما عرف نفسه في الوثيقة التي نشرها الدكتور سهيل صابان في العدد الثاني من المجلد الحادي عشر لمجلة المخطوطات والنوادر. وقد خلد هذا الشاعر اسمه في أرشيف الدولة العثمانية بعدد من الوثائق التي أظهرت شعوره بهموم أمته الإسلامية وحرصه على تاريخها المجيد كما تطرقنا إلى اسمه ونسبه ومولده ونشأته وسجنه ورحلاته ونستكمل في هذا الجزء عن:
اتجاهاته السياسية:
يعتبر العقيلي من دعاة القومية العربية المرتبطة بالإسلام، ولذا نجد في الوثيقة التي نشرها الدكتور صابان ذات التصنيف HR.SYS.93/37 والمؤرخة في 27رجب 1324ه مدافعته عن مؤسسة الخلافة الإسلامية ومقاومته الشديدة للاستعمار الإنجليزي، كما أن هذا الخطاب يؤكد أن اتهامه بمناوءة الأتراك وسجنه في الأحساء كان ظالماً.
وكان شاعرنا قد كتب هذا الخطاب الذي هو في الأصل خطبة، أثناء وجوده في إمارة دبي بسبب منشور التقط من الطريق العام في 17جمادى الثانية 1324ه بعنوان (بوق من السما) يدعو المسلمين إلى التمرد على الدولة العثمانية ويحرضهم على معادتها فكان هذا الخطاب رداً عاصفاً صب فيه الشاعر جام غضبه على بريطانيا واللورد كرزون الذي كان يضع الخطط لاستعمار العالم العربي والإسلامي بعد هدم مؤسسة الخلافة.
ولكن بعد تغير الخرائط الجغرافية وسيطرة الملك عبدالعزيز على الأحساء وطرده للأتراك عام 1331ه انصرف إلى تأييده بقوة وعبر عن مشاعره نحو ذلك بقصيدة أولها:
بدور السما تزهو بهالة تمامها
وروض العلى فتح بورد أكمامها
ومن ظريف أخباره أنه في سنة 1333ه وردت إليه الأخبار باختلال الأمن في الأحساء وانقطاع السبل بسبب تمرد إحدى القبائل فعن له قول الشاعر:
من لا يجينا والديار مخيفة
لا مرحباً به ولاديار عوافي
فغادر دبي متجهاً إلى مسقط رأسه الأحساء مروراً بالبحرين فتعطل في البحرين بسبب بعض الأمور والإجراءات واستمر على هذا الوضع لمدة شهرين وكان تحت عناية عبدالله بن حسن القصيبي فقال قصيدة فيه جعلها مدخلاً لمدح الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وعرض فيها إلى أسباب رحلته وأولها:
يا بوحسن جينا من دبي شفقين
مطلوبنا يا بوحسن شوف الأوطان
شعره ونتاجه الأدبي:
يتضمن ديوانه النبطي عدداً كبيراً من القصائد يتجاوز الثمانين قصيدة ومع طرقه لجميع البحور والأوزان فهو يميل إلى القصيدة القديمة ذات القافية الواحدة أو البحر الهلالي ويبدع فيه أيما إبداع خاصة إذا ما افتتح قصائده بجملة "قال العقيلي" أو "يقول العقيلي" مثل قوله:
يقول العقيلي في بيوت أشادها
وضاح معانيها بيان رشادها
وقوله:
يقول العقيلي في رسوم المثايل
معان يعانيها عديم المثايل
وقوله:
قال العقيلي في تراكيب الإبداع
أمثال تطرب في الملا كل واعي
وقوله:
قال العقيلي والوفا طبع الأحرار
والحر له رعي الجميلات عادي
ويتميز شعره عموماً بجزالة لفظه وعمق معناه وتغلب عليه الحكمة وهو يذكرنا في نهجه هذا بنهج الشاعر راشد الخلاوي وهذه سمة عامة في شعره، مع العلم أنه طرق أغراض الشعر الأخرى كالمدح الذي شكل عقوداً من قصائده واستغرق مدح الأمراء والحكام الجزء الأكبر منه، ثم الغزل العفيف الذي يفيض رقة وينساب عذوبة، ومن الأغراض التي تناولها شعره الشكوى من الزمان وأهله، وهو شاعر ذو نفس طويل ورغم أن شعره يصطبغ بالجدية والرصانة، إلا أن هناك العديد من القصائد والمقطوعات الطربية والأهازيج الإيقاعية والإخوانيات التي تحلو بها مجالس السمر.
وأما في الفصيح الذي يتجاوز قصائد ديوانه السعبين فهو يتكئ فيها على مخزون علمي وخلفية ثقافية واسعة وليس أدل على ذلك من عنوان ديوانه (كفاية يالمرام لأهل الغرام) مستلهماً التراث العربي ومعتمداً عليه وناهجاً منهج الشعر التقليدي الأصيل الذي برز فيه من مجايليه ابن عثيمين وغيره من الشعراء.
وأما في الخطابة فهو الخطيب المفوه الذي لا تلين قناته ولا تفتر لهاته نجد ذلك ظاهراً في ثنايا الوثيقة العثمانية التي ذيلت باسمه والتي يظهر لنا أنها في الأصل خطبة ألقاها في الناس داعياً إياهم للتكاتف والتمسك بالوحدة الإسلامية ونبذ المستعمرين، وهو ما يؤكده زكريا كورشون ومحمد القريني في كتابهما "سواحل نجد (الأحساء) في الإرشيف العثماني" ويظهر أن شاعرنا كتبها بعد ذلك وأرسلها إلى السلطات العثمانية كتعبير عن ولائه بدليل تذييلها بجملة "المحب للدولة والملة".
وفاته:
عاش شاعرنا وحيداً دون زواج ومات رحمة الله عليه في دبي سنة 1374ه عن عمر يناهز الثمانين عاماً.
وأخيراً أتمنى أن أكون وفقت في عرض سيرة هذا الشاعر الأحسائي العملاق الذي خفيت سيرته حتى على بعض أهل الأحساء وسيكون لنا في القريب العاجل وقفات مع بعض قصائده الرائعة.