بدر الكندري : جمع الأنتيك هواية راقية وعالم متواضع
جاسم عباس
القبس اليوم
«الأنتيك» كلمة تعني كل ما ينتمي الى التراث أو القديم، فهو عبارة عن مقتنيات مر عليها الزمن ولها ذكريات في المجتمع، و«الأنتيك» يشد الهواة والمحترفين الى عالم متواضع، فهم الذين يعرفون قيمة القطع والوثائق التي بين أيديهم، مقتنيات عندما تشاهدها تذكرك بالأجداد وإلى حياة اجتماعية عاشوها، وكيف قضوها، ،فكل قطعة ورقية كانت أم معدنية أم فخارية لها قيمة ومكانة عند المفكرين وعشاق التراث، وكل قطعة لها قصة ورواية ايضا، وهي التي تقوي العلاقات بين محبيها.
بدر محمد الكندري (أبوطلال) شاب يعشق القديم ويكثر من هذه الأنشطة، فقويت هوايته بأسرته وغيرها من الأسر الكويتية وتفرغ سنوات لجمع هذا الأنتيك الذي تخصص به «الملبس» من الأواني حتى أصبح لديه رأسمال للمستقبل، والتفكير العقلاني.
قال الكندري: قصدت عشاق الانتيك لكي احصل على القوطين المصنوعين من الصفيح، وعلى العصا التي كانت توضع على الأكتاف، مهنة آبائي وأجدادي يوصلون الماء الغالي الى اهالي الكويت. الكندرية تسمية مهنية جاءت من العصا (كندر بالفارسية) واتمنى ان احصل عليها من ابي نواف (جاسم المزين) ومازالت المفاوضات جارية.
تخصص بالملبس
أضاف الكندري: أنا من شباب يعشقون القديم، بدأت قبل سنوات وأنا صغير، اصدقائي واخواني واهلي هم الذين دفعوني وشجعوني على هذه الهواية الراقية بكل معنى الكلمة، واعتبر «المزين» هو الكبير والعود الذي لا انساه، فبعد جمع القطع المتعددة تخصصت بالملبس وهي عبارة عن أوان مثل: الصحن، والطاسة، والبادية والابريق، أوان مغطاة بطبقة من الصين حيث يطلى من الداخل والخارج، واذا وقع أي وعاء من الملبس على الارض، او اصطدم بأي صلب انسلخ جزء صغير منه، ويقال قديما: «انكشع» أي انقشر وبعد فترة يصدأ الملبس، وانا اختصاصي الملبس بكل انواعه النادرة، قطع عمرها من 60 الى 70 سنة تقريبا، وعددها 400 قطعة، وهي من اوائل القطع التي دخلت الكويت، والملبس استخدم في المطبخ الكويتي وللتقديم اول قطعة حصلت عليها من ابو بسام الرجيبة وهي عبارة عن بستوك صغير نادر من الملبس الاصيل، صنع في يوغسلافيا، وهذا المصنع اغلق عام 1972م ويوجد عندنا ملبس آخر صنع في تشيكوسلوفاكيا وبولندا، وايضا اغلقت المصانع مع انهيار الاتحاد السوفيتي والموجود الآن في الاسواق «ملبس صيني».
واوضح ابو طلال: ان قطع الملبس التي تشاهدونها في المسلسلات الكويتية القديمة من متحفي ومن متاحف غيري من عشاق التراث، واما استعمال الملبس فمنع من قبل منظمة الصحة العالمية، ولكن الجديد مصرح به بعد ان صنع في المملكة العربية السعودية، ودخل عليه تطور في الصناعة ومازال الملبس يستخدم في بعض البيوت وفي موسم الربيع والشتاء في الخيام.
المكحلة.. المرش
وقال أبو طلال: المكحلة هي وعاء تضع فيه المرأة مسحوق الكحل، وكانت المكحلة قديما من النحاس أو الفخار، وهي من قطعتين احداهما بيضاوية مجوفة والثانية هي المكحال او الميل، وهو عبارة عن قضيب املس تعلوه ماسكة مزخزفة سمكها يتناسب مع قطر الفتحة في القطعة الاولى، وانا عندي 40 مكحلة قديمة، واحدة منها من العهد العثماني وعلى قضيبها علامة العثمانيين، واما المرشات فهي كويتية قديمة ومنها مرشات مكة والمدينة، والمرش عبارة عن قمقم من النحاس له عنق طويل وفيه عدة ثقوب تسمح بمرور ماء الورد، هذه المكاحل والمرشات لها تاريخ في الروشنة الكويتية الرف الذي كان يحفر في جدار الغرفة توضع فيه بعض الحوائج الصغيرة، والروشنة لفظة عربية (روزنة) تقال للرف.
والدي.. هاو
اما عن والده ووالدته فقال ابو طلال: والدي يجمع المعادن والنحاسيات ،ولا أعتقد أن الهواية تأتي بالوراثة، ولكن والدي له دور بالتشجيع وتسهيل المهمات، وهو له متحفه الخاص يشمل القدور والاباريق والاطباق.. الخ، ولا يوجد تنافس بيننا لان كل ما املك له، وانا تحت يديه.
واضاف ابوطلال: ووالدتي لها هوايتها في تجميع اصدارات مجلة «العربي»، وعندها كل الاعداد وبعضها مكرر، وهي ايضا اعطتني من هذه الاعداد، وعندما اتجول بين المتاحف اشعر ان لدي مخزونا ثقافيا ومعلوماتيا عن بلدي لان في كل قطعة قصة، تراثنا وموروثنا تجب المحافظة عليهما، كيف ننشر قصص الف ليلة وليلة وقصصنا لا نعلم عنها، ومن خلال ادوات والدي سعدت بلقاء الكثيرين من داخل الكويت وخارجها، واكثرها عالقة في الذاكرة، وامام عيني ولا اشعر بالملل، وانا مدين لهما، فالخسارة لمن لا انتيك له.
أغلى النوادر
وقال الكندري: لا اهتم بالسعر، ولا اقيم القطعة بالدينار الذي يسعرها به اصحاب المزاد. القطع القديمة هي تحكي وتناديك، وانا اعتبر كل قطعي نادرة وغالية لا ابيع منها بل اشتري غيرها، وكلها كويتية بالتأسيس، وبعضها صنعت للكويت ولاجوائها وطبيعتها، ومنها قطع للاهل لا تخرج خارج متحفي اما عندي واما عند احد افراد العائلة في بيوتهم، متحفي في الكبد غني بالقطع الكويتية النادرة، بالاضافة الى الطيور الكويتية، وبعض الحلال، اقضي ما بين 6 الى 7 ساعات يوميا مع الانتيك والمزادات الخاصة فيما بيننا، ولكن المزاد العام لا احضره لان الزين لا ينزل.
دور المدرسة
يضيف: امنياتي ان تدخل القطع الكويتية في المناهج المدرسية، فواجب المدرسة ان تحتضن القطع القديمة برسوماتها ونماذجها في ممرات المدرسة، لان الانتيك يعطي العادات الصالحة وينمي الشخصية ويربي الاجيال ويرقي النشء الى جانب حبه للعلم والمعرفة، وقضاء اوقات الفراغ، والقطع القديمة تعمل على غرس القيم الصالحة، وتوجه العقل والقلب الى الحاضر والماضي والى الهوايات الصالحة الهادفة، فمن يهمل ماضيه لا حاضر ولا مستقبل له، فالانتيك او اي هواية اخرى كالطوابع والعملات.. الخ. هوايات مبدعة مبتكرة وتساهم في الحياة العامة خاصة
الانتيك أي التراث والقطع الأثرية التي توجهنا نحو معرفة الماضي والاعتزاز به، وتعالج الكثير من مشكلات الطلاب والشباب في العطل ووقت الفراغ، والقطع القديمة تبعد النزف والرفاهية، الهواية مكسب الى جانب الجد والحياة المليئة بالفهم والاهتمام، والبحث بين القديم في الأسواق والتجوال بين الدول، فالبذل الجيد نتائجه أكيدة.
وقال الكندري: اطلب من إدارات المدارس راجيا منها ان تخصص متحفا صغيرا يشمل القطع الكويتية القديمة ولو صورها ونماذجها، وحتى لو كانت من صنع أيدي الطلاب.
نصائح للشباب
وفي الختام طلب أبو طلال، عاشق القديم، ان يهتم الشباب بالأنتيك في ما بينهم بالتبادل كهدايا بالمناسبات، وتوضع في ديوانياتهم والحفاظ ولو على قطع معدودة حتى لا تندثر، واذا أردت أيها الشاب أن تعرف اسرار النجاح فتجدها في الهوايات فهي من التفكير والإنجاز، لأن الحياة تعتمد على الأفكار، ومن يفكر من دون ان يعمل انما يربي الفساد، والأنتيك يميز لك الصحيح من الزائف وله علاقة بالذكاء والتفكير، وينمي شخصيتك وقدراتك، ويدلك على عقل العاقل.