العم الحاج \ حمزة عباس رضا تقي اشكناني
الرعيل الأول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا من الاثنتين وذاقوا حلاوتيهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموح أو بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم فان قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الأيام الخوالي. القبس شاركت عددا من هؤلاء الأفاضل والفاضلات في هذه الاستكانة.
في مستهل لقائنا مع السيد حمزة عباس رضا تقي أشكناني قال: ولدت في فريج سعود أحد أحياء الكويت بالقرب من الفرضة، وقديما كانت الكويت (الديرة) مقسمة الى اربعة احياء كبيرة وكل حي فيه فرجان أو فرقان، وهي: الجبلة وشرق والمرقاب وحي الوسط، ولدت عام 1929، ومن جيراننا بيت جاسم العنجري، وفهد وعثمان العنجري، وجاسم القطامي صاحب التشالة كان والدي معه في تكسير الصخور في العشيرج، ومن جيراننا ابراهيم النصرالله، ومحمد صالح العوضي، والحسيني، السمكه (المعجل)، المباركي، التورة، بوقريص.. الخ، وسمي فريجنا بفريج سعود نسبة الى الشيخ سعود بن جابر الصباح، وبراحتنا كانت تسمى ساحة سعود، والآن موقعها تقاطع شارع الجديد (عبدالله السالم) مع شارع علي السالم، ونقعة سعود اتذكرها بالقرب من قهوتنا وفريجنا. ومسجد سعود في فريجنا هدم 1963، وأنا أوصلت الرمل والصخر الى المسجد عندما كنت في دائرة الأوقاف، ومن جيراننا ايضا احمد الطعان، وسالم الخشتي، ووالده أحمد، أحمد بن سلامة، علي حسن الحسيني (المؤذن) يوسف الجوعان، وكان شاوينا (مزيد) يأخذ روبية على كل ماعز، ولكن اثناء قراع (اعتلاء التيس على احدى النعاج) يتقاضى بدل «كَراعة» روبية أخرى اضافية، واذا ولدت الماعز أو الشاة أثناء سير الشاوي بها يحمل المولود ويأخذ مبلغا مقابل اتعابه، وشاوينا (مزيد) له ذاكرة عجيبة يعرف كل الأغنام وأصحابها ومنازلها، وأما الذي كان يوصل لنا الماء من بركة الغنيم فهو عبدالله الكندري، وزاير غلوم الكندري، وخالو آمد (خالي أحمد الكندري) وكنا نسميه خالي، لا أنساهم أبدا كانوا ينقلون المياه العذبة من البرك القربية بعد أن تُملأ بواسطة السفن من شط العرب، رحمهم الله، فقد حملوها على أكتافهم، وهذا العذب الحلو للشرب والطبخ فقط، وأما الاستحمام والوضوء وغسل الأيدي قبل وبعد الأكل وغسل الأواني، فكان بماء الجليب الموجود في بيتنا، وحتى هذا الخريج (المالح) نوفره ونحافظ عليه حتى لا يستنزف وينصب، ولهذا كان غسل الملابس على البحر، والصابون بدلا منه قطع الجص أما متوفر في البيت، وبعض النساء يخلعن من الجدران المهترئة.
وباء الجدري
وقال أبو ناصر: تعرضت الكويت في عام 1932، وعمري وقتها 3 سنوات، لموجة من مرض الجدري والذي تحول الى وباء وظل لمدة 5 شهور يفتك بالناس، خاصة الاطفال، مات منه من مات وأصبت أنا به في وجهي وعيني اليسرى، وكل ما أقوله إن هذا الوباء لم يترك بيتا الا طرقه واصاب أهله، وبعد أن منّ الله سبحانه على اهل الكويت بالعافية، عرفنا ان عدد ضحايا هذا الجدري أكثر من 3000 وفاة، وأنا عولجت في المستشفى الأميركي والتاريخ يشهد لمواقف المستشفى والاطباء الذين قاموا بأعمال انقذت بقية الناس، منهم الدكتور اسكدر وعباس وحيدر حكيمي والدكتورة «بارني» والدكتور «قرين» والدكتور «إيزي» وكذلك مستوصف دار الاعتماد والحجر الصحي قدم خدمات لا تنسى لنا من تطعيم وعلاج وأدوية، واستمر العمل منذ بداية الخمسينات ثم تسلمت دائرة الصحة، والتنيتونة (التطعيم) كان له دور في تجنيب أهل الكويت الأوبئة والأمراض التي انتشرت بعد عام 1932، وتسمى هذه السنة بسنة الجدري منها: أمراض العيون والأذن، وأغلب الأطباء كانوا يقومون بزيارة المرضى في بيوتهم.
يضيف أبو ناصر: بما أنني أتحدث عن العلاج والطب، فمن الواجب عليّ ألا أنسى المرحوم احمد عبدالرزاق الهندي الذي بدع في الختان (الطهور) فقد قام بختاني مع أولاد فريجنا، وأتذكر الموس (الشفرة) والعود الذي يلف به الجلد الزائد، ويلف مكان الجراحة بخرقة (قطعة قماش) وكانوا يجمعوننا ويصحبوننا الى البحر لتنقيع الخرقة وإسقاطها، وله علاقة جيدة مع والدي وعمي أبو عبدالله صاحب وكالة زيوت السيارات مع ناصر العبدالجليل.
واثناء وجودي مع جدي في قهوة سيف الجولان كنت ألعب في البحر ووقعت على باورة خشبية وتسمى ايضا «بيورة» او «الهلب» (HELP) فانكسر فكي الايسر، اخذني جدي الى الاميركان وارادوا وضع «الجبس» على وجهي، ولكن الدكتور رفض فوضع الشاش الابيض وبعد اسبوعين شفيت ولله الحمد والشكر، وعلى ما اعتقد الحادثة كانت عام 1934.
من الجعفرية إلى الأحمدية
وقال ابو ناصر عن الدراسة: درست في المدرسة الجعفرية لمدة اشهر في بداية تأسيسها عام 1938 وكان مقرها بالقرب من نقعة معرفي على البحر وموقعها الحالي مقابل مسجد الخليفة، ومدير المدرسة على ما اذكر هو محمد علي العادلي عراقي، وانتقلت بعد ذلك الى المدرسة الاحمدية التي تأسست عام 1921 بعد اشهر من 1938، واتذكر من المدرسين في الجعفرية في تلك السنة او بعدها جاسم معرفي، عبد الحسين الخباز وكان صديقا لعمي ابو عبدالله وكان يكتب الرسائل باللغة الانكليزية الى عمي لارسالها الى الخارج، وعبد الحسين وسيد محمد الموسوي، اما الطلبة اتذكر منهم: دعيج العون ــ جواد يلي بهبهاني ــ حمزة مقامس واعتذر للبقية، اما «الاحمدية» فدرست فيها من عام 1939ــ1942 وللاسف هدمت الاحمدية ولم يحافظوا على مبناها للتاريخ، دخلتها وعمري ما بين 9 الى 10 سنوات، ويعود تأسيس الاحمدية الى جماعة من الكويتيين اهل الخير والبر والفضل، اصحاب الايادي البيضاء على مر تاريخ الكويت.
وفي الحي القبلي (فريجنا) افتتحت المدرسة القبلية للبنات عام 1938، ودرست في مدرسة العجيري وانا طفل صغير، كانت المدرسة للاطفال بالقرب من بيت سيد ياسين في القبلة.
قهوة بو عباس
وقال ابو ناصر: انا حفيد ابو عباس (رضا تقي اشكناني) صاحب اقدم قهوة في الكويت، وهي من المقاهي القديمة كان يؤمها النواخذة والبحارة على السيف في فرضة الجولان، قهوتنا كانت عبارة عن عريش كبير من البواري، تقع قهوة بو عباس على حافة البحر، يحدها من الشرق الجمرك القديم، ومن الغرب فرضة الجولان، وفي اثناء السجي (المد) كانت مياه البحر تصل الى داخل قهوتنا وكان والدي واعمامي وجدي ينقلون «التختات» اي الكراسي الكبيرة بعيدا عن الماء.
كما كان جدي، رحمه الله، يذهب بعد صلاة الفجر الى بيت بن سليم لجلب الحليب الطازج وكانت لديهم ابقار يبيعون حليبها ولبنها.
ويجهز النار بالقرم وعمل الشاي والحليب، وتجهيز القداوة استعدادا لاستقبال رواد قهوته، وكان لجدي في تلك القهوة جمل يجلب عليه الماء صباح كل يوم من آبار الشامية أو الأخرى القريبة من السور وأحيانا كان يصل سد الشعب، والقهوة تقدم وجبة الإفطار من الخبز والحليب والشاي، كما تم بيع النامليت بعد افتتاح المعمل التابع لعبدالغفور في سوق ابن دعيج في بداية الثلاثينات، وكان تسمى الزجاجة «بوتيلة» وسعرها بآنة واحدة، وأما الشاي ببيزة واحدة، وكذلك القدو ببيزة لأن التتن كان من العميل وإذا كان التتن على صاحب القهوة تصبح التكلفة آنة واحدة (4 بيزات)، ورواد قهوة بوعباس بعض مسؤولي الجمرك، ومن الألعاب في قهوتنا «المحيبس» والدومينو، والمغلوب منهم يشتري غوري من الشاي أو الحليب لرواد القهوة، وكان جدي مكلفا من قبل الشيخ سالم المبارك الصباح حاكم الكويت من 1917 ــ 1921 بجمع «العشور» من جت (برسيم) وچولان من أصحاب الأبلام، نظرا لوجود قهوتنا على فرضة الچولان مباشرة، ومتابعة ومشاهدة السفن القادمة من العراق وإيران، والعشور كلمة تعني %10 من الفرض على البضاعة الواردة خاصة الأعلاف والكرب والذي كان مكلفا بجمع %10 من جدي المرحوم عيسى بن عون، وإذا كانت النسبة من السلعة فيقوم جدي بتوصيلها إلى جواخير الشيوخ، ومن ثم انتقلت قهوتنا إلى الصفاة عند مدخل الشارع الجديد مقابل معرض فورد القديم التابع للحميضي، وكانت من المقاهي المشهورة وكانت لوالدي وعمي نسيبنا زوج عمتي أم محمد زمون الذي عمل في البنك البريطاني والامبراطوري حتى أصبح المرحوم أبو جاسم (محمد زمون) من المسؤولين في البنك، وهذه القهوة (عباس وزمون) قدمت القدو والنامليت المشروب الغازي الذي لا يباع إلا برخصة من البلدية، وعمي تقي (بومهدي) وعمي عبدالحسين (بوطالب) أيضا لهما قهوتهما الخاصة يعملان فيها، وكانا مشهورين بوضع 10 إلى 12 استكانة شاي على يد واحدة من الكف إلى الذراع، وأخيرا اشتغل والدي في الميناء مع جاسم العنجري وعمي تقي في الأشغال وطريق الرياض، وأما عمي أبوطالب فعمل مع عمي أبوعبدالله (غلوم رضا تقي) في تجارة زيوت السيارات وقطع غيارها.
أضاف أبو ناصر: وقد نجحت في تراي (الفحص) على قيادة السيارة، وكان سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمه الله، مسؤولا في الشرطة، ويقوم بالفحص على السواق الجدد، وفي عام 1959 تولى رحمه الله منصب نائب رئيس الشرطة، وأثناء الفحص في سكيك القبلة قلت لسموه رحمه الله: يا طويل العمر أنا أكبر منك في العمر سنة واحدة فقط. ضحك، وقال: أنتم كبار في كل شيء. شعرت ان التواضع والمعرفة هما كمال حقيقي للإنسان، والى الآن منذ 62 سنة، أي منذ عام 1948 لا أنسى فضائل هذا الإنسان وتحليه بالأخلاق والصفات الحميدة. ومن ثم اشتريت سيارة لوري ماركة «أفنس» كندية الصنع من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وعملت بالسيارة على طريق الرياض، كنا نحمل من الكويت جنادل، حبال، بواري، باسجيل، اسمنت، كان الطريق رمليا بقطع الطريق والجبال والمرتفعات ليلا ونهارا، ولم أتذكر انها غرزت (عجلات السيارة في الرمل) لأنها دبل كير، والذين مضوا من السواق لديهم خبرة في الطرق، واشتريت سيارات أخرى سكراب (تالفة) كنت أجمع القطع وأضعها على السيارة الأصلية التي أقودها أثناء تعطلها، وكل سيارة سعرها 400 روبية، وأما الأولى بـ 800 روبية، وبداية مسيرنا من سوق البشوت، وأحيانا من ساحة الصفاة، نصل الى الجرية جمارك السعودية، نستريح حتى بعد صلاة الفجر في حوطة كبيرة للتفتيش، وبعد التصريح نتجه الى المغفلة والرماح والدهنة والصمان، والحمراوي، وروتيجب ومعيزلة سميت لأنها معزولة، والحمراوي لأن رمالها حمراء اللون، حتى نصل الى جبال «أبويب»، وهناك نمشي على أقدامنا لوضع العلامات من القماش للسيارات القادمة من أعالي الجبال، لأن الطريق لسيارة واحدة فقط، ومن ثم الى البطحاء تتجمع السيارات الكويتية هناك، وأتذكر كان عددنا 10 سيارات، وأحيانا تصل الى 15 أو أكثر، ويأتينا التاجر صاحب البضائع ينادي باسم السائق، ونوع البضاعة ليدلنا على مخازنه، وكنا نحمل معنا البنزين والماء، وأكلنا تمرا ومموش ولبن، والمسافة كانت ما بين 6 - 8 أيام، كل هذا الجهد والتعب والصعوبات لنحصل على 200 روبية، وأحيانا أكون لوحدي في السيارة مع القافلة. ومع العودة من الرياض نحمل معنا التمر والدبس أو العبرية أي الركاب من عابري السبيل، وكان معي من السيارات سيارة سليمان فهد الطخيم رحمه الله كان يلازمني، وعمي تقي (أبو مهدي)، وأهم مشاكلنا تعطيل السيارة لعدم وجود قطع الغيار لها في الرياض.
دائرة الأوقاف
أنشئت الدائرة في عام 1949، حيث اوكلت بالاشراف على مساجد الكويت واوقافها الخيرية، والقيام على صيانتها، وكان رئيسها المغفور له الشيخ عبدالله الجابر، واما المجلس فمن الشخصيات البارزة، واختاروا المرحوم عبدالله العسعوسي اول مدير للاوقاف، وحرص العسعوسي على تعيين ذوي كفاءات عالية، فاختار الائمة والخطباء والمؤذنين، وقسما للصيانة والنقليات، والمالية والتحصيل، واما السائق فكان واحدا فقط وهو «انا»، وسرعان ما تقدمت النهضة، وبنيت المساجد حتى بلغ عدد الموظفين 115 موظفا تقريبا.
واضاف اشكناني انا كنت انقل الرمل والاسمنت والطابوق الى مواقع البناء والصيانة بسيارتي الخاصة (افنس) تقريبا لــ60 مسجدا وجامعا لصلاة الجمعة، وكان من العاملين معنا علي خضر الملقب بعلي تنديل مسؤول العمال، ومحمود جاسم بوحسن، ومن المسؤولين الكبار ولا انساه المرحوم العم خليفة العسعوسي الذي كنت ألازمه دائما (مدير الكراج)، ثم نقلني معه ووفر لي سيارة شفر موديل 1953، كان موقع دائرة الاوقاف في الصفاة، ثم انتقلت الى ساحة الصرافين، ثم الى مجمع الاوقاف الحالي مع الكراج، وعملت محصلا لعمارات الاوقاف.
وتذكر اخيرا وبعد ثمانين سنة بعض الباعة الذين كانوا يتجولون في الاسواق، ويوفرون الاكلات الخفيفة صاحب العربانة عليها مظلة لبيع الكباب العراقي في القدر الحار، وعربانة دندرمة (ايسكريم) لصاحبها حسين محمد عباس اشكناني، ومجني الغواري (مصلح) اسمه كنكوني، وآخر الحاج خير الله، وحجي راشد كان ايضا يصلح الراديوات، ومن ذكرياته تعطل سيارته في الاحمدي محملة بالاسمنت والطابوق، فمشى سيرا الى المقوع حتى منتصف الليل، وانقذه احد العمال في الشركة بسيارته (همبر) زوده بالوقود بعد 8 ساعات.
العم عباس رضا اشكناني ....... العم حمزة عباس اشكناني عام 1957
متوسط ميكانيكي دائرة الاوقاف