محمد سعود عبدالعزيز سلطان الفليج
(1355 – 1419 هـ) (1937 – 1999م)
المولد والنشأة:
هو محمد بن سعود بن عبدالعزيز سلطان الفليج، المولود في منطقة القبلة عام 1355هـ الموافق لعام 1937م، في أسرة طيبة اشتهرت في دولة الكويت منذ زمن بعيد بالجود والكرم وحسن الخلق.
وقد نشأ – رحمه الله – في كنف أسرة ارتبطت بالإحسان ودرجت على أعمال الخير والعطاء داخل الكويت وخارجها، وهو الثالث بين الذكور من إخوته الأحد عشر (خمسة ذكور وست إناث)، وقد كان والده الحاج سعود الفليج – رحمه الله – أحد رموز العطاء والبذل في هذه العائلة الكريمة، إذ بنى مسجد الفليج بجليب الشيوخ في الكويت في السبعينيات من القرن الماضي، كما تبرع لجمعيات كثيرة تعمل في الكويت وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وساهم في الأمانة العامة للأوقاف، وبنى مسجداً كذلك في الهند وآخر في نيبال، وكان له دور وطني مشهود بدعمه الأسر الكويتية المرابطة في الكويت أثناء الاحتلال الغاشم عام 1991م.
وكذلك عرف اخوته جميعاً بعمل الخير، وقد برز منهم في هذا المجال أخواه فيصل وغازي وأخواته نسيمة ومريم ومنى.()
تعليمه:
التحق المحسن محمد الفليج - رحمه الله - بالمدرسة المباركية، وحصل منها على الشهادة الابتدائية، ولما كان ذا طموح كبير وهمة عالية انتقل إلى القاهرة، فالتحق بالمدرسة السعيدية الثانوية - وهي من أرقى المدارس على مستوى جمهورية مصر العربية - وبعد أن حصل على الشهادة الثانوية العامة منها، التحق بجامعة القاهرة عام 1966م، القريبة من المدرسة السعيدية، حيث درس بكلية التجارة، وحصل على شهادة التخرج فيها عام 1970م.
حادث أليم
في عام 1955م، وبينما كان محمد الفليج في الثامنة عشرة من عمره، تعرض لحادثة أليمة سببت له مشاكل صحية في ظهره، وقد ظل يعاني سنوات طويلة إثر هذا الحادث، وتألم كثيراً من ذلك، ولم يعش مستريحاً قط، بل ظل ينتقل فترة طويلة بين القاهرة والكويت ولندن وأمريكا للعلاج، وقد حالت هذه الظروف الصحية دون زواجه، ولكن رغم هذا الحادث الأليم، لم يقعد عن الاجتهاد ومواصلة الدراسة، بل حصل على الثانوية العامة ثم بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة. وهذا ما يؤكد ما سبق أن أشرنا إليه من علو همته واجتهاده وصبره وقدرته على تحدي الصعاب للحصول على العلم.
عمله
كان من الطبيعي أن يحصل المحسن محمد الفليج على وظيفة جيدة بعد تخرجه من الجامعة، توازي اجتهاده وكفاءته، لاسيما أنه كان من القلائل الذين حصلوا على مؤهل عال من جامعة القاهرة – تلك الجامعة العريقة – في هذه الفترة المبكرة نسبياً.
وقد عمل المحسن محمد الفليج – بعد تخرجه - ملحقاً في السفارة الكويتية بالقاهرة، وكان محل ثقة أبناء الكويت هناك، فكانوا يحفظون الأمانات لديه.. وكان يحرص دائماً على مد يد العون لأبناء بلده المغتربين: الطلبة منهم والسياح، ولذا كان له مكانة خاصة في قلوبهم.
وكان مخلصاً في عمله مجتهدا فيه متقناً له، لذا ظل يتدرج في المناصب حتى وصل إلى منصب (القنصل العام) في أوائل السبعينات.
واستمر في عمله هذا حوالي ستة أعوام، مقدماً فيه المثل والقدوة في الانضباط والمثابرة، رغم ظروف مرضه، ورغم المشاكل التي كان يعاني منها في ظهره، ثم عاد إلى الكويت وتفرغ للأعمال الحرة.
صفاته وأخلاقه:
اتصف المحسن محمد الفليج - رحمه الله - بالعديد من الأخلاق الحميدة والصفات الكريمة، التي شهد بها الجميع والتي تدل على حسن فهمه للإسلام وتطبيق آدابه عملياً.
ومن الصفات التي اتسم بها أنه كان دمث الأخلاق، اجتماعياً متواضعاً محباً لأسرته ولأهله، واصلاً لرحمه خاصة إخوته، حتى إنه عندما أجرى العملية الثانية في ظهره في الولايات المتحدة الأمريكية كان يوصي أخاه فيصل - قبل الدخول – خيراً بإخوته.
أوجه الإحسان في حياته:
سبق أن ذكرنا أن المحسن محمد الفليج - رحمه الله - نشأ في عائلة سخية كريمة، تجذر فيها حب الخير وخلق الإحسان، ولذا كان طبيعياً أن يتأثر هو بهذه البيئة الصالحة، فتعددت أوجه الإحسان في حياته، وشمل إنفاقه العديد من أبواب الخير مصداقاً لقوله تعالى: "إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128)" سورة النحل
إنفاق راتبه في سبل الخير
لقد كان بيته في مصر مفتوحاً للمحتاجين والضيوف ليس فقط من أبناء بلده الكويت الطلبة والزائرين، بل من كل الجنسيات العربية الأخرى، إذ كان يساعد كل منهم بماله وجهده، مما جمع القلوب حوله وملأها بحبه والإعجاب بجوده وكرمه.
وقد كان ذلك يكلفه - رحمه الله تعالى - كثيرا حتى عرف عنه في تلك الفترة التي عمل بها بالقاهرة أنه كان ينفق كل راتبه على أوجه الخير المختلفة، وينفق أيضاً أكثر منه من ماله الخاص ، وفق ما ذكره لنا أخاه فيصل موثق هذه السيرة العطرة.
فكان المحسن محمد سعود الفليج – رحمه الله - كريماً بطبعه يجود بما عنده، محباً لعمل الخير، حريصاً على فعله، راغباً في أن يكون قريباً من الله تعالى ومن الناس، عاملاً في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنْ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنْ النَّارِ وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنْ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنْ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنْ النَّارِ وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَالِمٍ بَخِيلٍ" رواه الترمذي.
وكان المحسن – محمد سعود الفليج – رحمه الله – يقدم الكثير من التبرعات والصدقات والمعونات للمحتاجين ليس داخل الكويت فقط، بل كذلك إلى دول أخرى، منها مصر، فكان يساعد مالياً بعض الأسر المحتاجة أثناء فترة إقامته بها التي استمرت ست سنوات.
ثلثه الخيري (وصيته)
حرص المحسن الكريم محمد سعود الفليج – رحمه الله – أن يترك قبل وفاته وصية بالثلث الخيري، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلاثَ لَيَالٍ إِلا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ" رواه مسلم.
ولذلك فقد أوصى – رحمه الله – قبيل وفاته بإنفاق ثلث كل ما يترك من أملاك لعمل الخيرات وما يعود عليه بالنفع حال وفاته، وخص بالذكر في هذه الوصية أن يُبنى مجمع إسلامي ومسجد في القاهرة ومسجد في الكويت، جعلهما الله تعالى في ميزان حسناته، مصداقاً لقوله تعالى: "...وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (60)" سورة الأنفال.
مجمع ثلث محمد سعود الفليج بالقاهرة
لما كان المحسن محمد سعود الفليج - رحمه الله – قد قضى فترة طويلة من حياته في القاهرة، سواء دارساً أو موظفاً في سفارة بلاده بمصر، فقد أتاح له ذلك أن يطلع عن قرب على ظروف أهل مصر وأحوالهم، وقد لمس فيهم تدينهم الفطري ورغبتهم في إعمار بيوت الله تعالى، وحاجة بعض المناطق الماسة للمساجد ولغيرها من الخدمات الأخرى، التي تعود بالنفع على سكان المناطق الفقيرة والمزدحمة.
وكانت المنطقة التي اختارها القائمون على الوصية بالتنسيق مع مكتب بيت الزكاة – الكويت (فرع القاهرة)، هي منطقة الخيالة المزدحمة بالسكان، والقريبة من ضاحية مصر الجديدة، حيث غالبية سكانها من عامة الشعب.
وقد لمس المكتب حاجة أهل هذه المنطقة (الخيالة) لمجمع إسلامي، وبالفعل فقد تأسس هذا المجمع بالكامل على نفقة الثلث الخيري للمحسن محمد سعود الفليج – رحمه الله – وضم مسجداً جامعاً ومصلىً للنساء وسكناًً للإمام والمؤذن، وقاعة تستخدم في المناسبات الدينية ومناسبات العزاء، وضم كذلك مكتبة إسلامية كبيرة تخدم أبناء تلك المنطقة وغيرهم، ليشبعوا فيها حاجتهم إلى العلم الشرعي.
وقد تكلف هذا المشروع المبارك مبلغ أكثر من 60 ألف دينار – أنفقها القائمون على وصية المحسن محمد سعود الفليج – رحمه الله - راغبين فيما عند الله تعالى من خير، وعد به المنفقين في سبيله، قال تعالى: "الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (262)" سورة البقرة.
وقد بدأ العمل في بناء هذا المركز الإسلامي بتلك المنطقة "الخيالة" عام 2000م ، ووضع حجر الأساس له أخوه السيد غازي الفليج بحضور مفتي جمهورية مصر العربية.
وقد افتتح المركز بفضل الله تعالى في عام 2002م، وهو قائم يدل على خير هذا الرجل وعطاء أهل الكويت، نسأل الله تعالى أن يكون هذا العمل في ميزان حسناته وصدقة جارية له إلى يوم الدين.
مسجد محمد سعود الفليج بالكويت
لم يكن للمحسن محمد الفليج أن ينسى بلده ومسقط رأسه، ذلك البلد الذي ولد على أرضه ونشأ في كنفه وتلقى فيه قسطاً كبيراً من التعليم والمعرفة، وتعلم منه الوفاء والعطاء، لذا كان هذا الهدف جزء من وصيته المباركة - رحمه الله .
وبالفعل بذل القائمون على الوصية جهدهم لتحقيق ما أوصى به أخيهم رحمه الله تعالى، فاختاروا القطعة الأولى بمنطقة قرطبة، بالتنسيق مع قطاع المساجد في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ليبنى فيها هذا المسجد المبارك، وبالفعل تم البناء بفضل الله تعالى، وقد اتبع تصميمه النمط الكويتي القديم في البناء.
وقد سمي المسجد باسم مؤسسه المحسن محمد سعود الفليج – رحمه الله – وافتتح المسجد فعلياً للمصلين، جعله الله تعالى في ميزان حسناته، مصداقاً لقوله تعالى: "... فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)} سورة الحديد.
دار أيتام المرحوم محمد سعود الفليج بمصر
قام الأوصياء على الثلث الخيري للمحسن محمد سعود الفليج – رحمه الله - بالمساهمة في مشروع خيري يقوم به بيت الزكاة، وهو مشروع لذوي الاحتياجات الخاصة، لا يزال تحت الإنشاء في جمهورية مصر العربية، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منه خلال هذا العام إن شاء الله تعالى. وذلك من خلال قيام الأوصياء على الثلث الخيري للمحسن محمد سعود الفليج بإنشاء دار الأيتام في هذا المشروع، والذي يخدم الأيتام من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
وقد تكلف تأسيس هذه الدار مبلغ (26000) ستة عشرين ألف دينار كويتي، تبرع بها إخوة المرحوم محمد سعود الفليج – رحمه الله – من ثلثه الخيري لبيت الزكاة بدولة الكويت، مساهمة منهم في تخفيف العبء عن هذه الفئة التي تحتاج إلى رعاية خاصة ومتابعة مستمرة، راجين من الله تعالى بأن يكون هذا العمل الطيب مصداقاً لقول نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: "تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" رواه البخاري.
حلقة تحفيظ القرآن الكريم
أدرك القائمون على وصية المحسن محمد سعود الفليج – رحمه الله - أنه ليس هناك أفضل ولا أشرف من تعليم كتاب الله الخالد، وتحفيظه للناشئة، ليكون ذلك ثواباً دائماً للموصي - رحمه الله - وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" رواه البخاري.
فعمدوا إلى تنظيم حلقة قرآنية لتدارس كتاب الله تعالى وحفظه، على نفقة الثلث الخيري للمحسن محمد سعود الفليج – رحمه الله - وفيها يلتقي الناشئة والكبار على مأدبة الرحمن، ويجتمعون على الخير، تحفهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة وتنزل عليهم السكينة، ويذكرهم الله تعالى فيمن عنده، ومازالت هذه الحلقة قائمة إلى الآن في مسـجد محمد سعود الفليج – رحمه الله – بمنطقة قرطبة، ويشرف عليها د. جمال يوسف الدعيج إمام المسجد.
وفاته
بالرغم من أن المحسن محمد سعود الفليج – رحمه الله - قضى جل حياته يعاني من أثر الحادثة التي تعرض لها في شبابه والتي منعته من الزواج. فقد واصل حياته مؤدياً دوره في الحياة كمواطن صالح؛ سواء في عمله بسفارة بلاده في القاهرة، أو في الأعمال الحرة في الكويت بعد عودته، وظل على ذلك حتى عام 1417هـ (1997)، أي قبل وفاته بعامين، حيث أصيب بمرض لازمه لمدة عامين، إلى أن لبى نداء ربه: "كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)" سورة آل عمران.
وقد صدق الشاعر القائل:
ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لـكان رسول الله حـيا وباقـيا
ولكنها تفنى ويفنى نعيمـها وتبقى المعاصي والذنوب كما هيا
وقد قدر الله تعالى للمحسن محمد سعود الفليج أن يلبي نداءه في شهر ذي القعدة عام 1419هـ الموافق لشهر مارس عام 1999م، عن عمر يناهز الاثنين والستين عاماً.
نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجعل أعماله في ميزان حسناته.
المصادر والمراجع
-
مقابلة مع السيد فيصل سعود الفليج شقيق المحسن المرحوم محمد سعود الفليج.
- التقرير السنوي للمكتب الكويتي للمشروعات الخيرية بالقاهرة – بيت الزكاة – للأعوام 2000م، 2001م، 2002م.
- بيت الزكاة في الكويت – إدارة النشاط الخارجي – قسم المشاريع.
- تقويم القرون لمقابلة التواريخ الهجرية والميلادية – د. صالح محمد العجيري – مكتبة العجيري – الكويت 1967م.
- وثق هذه المادة السيد فيصل سعود الفليج.
منقول محسنون من بلدي .