الحـفــر
الهوبجه - أو حفر أبي موسى ثم الحفر أو حفر الباطن، هكذا مرت التسمية بهذه البقعة من الأرض التي أصبحت اليوم عقدة المواصلات والاتصالات التي عرفت في التاريخ القديم باسم «الهوبجه» والتي اليوم أشهر من ان تذكر بالنسبة لأبناء الخليج، سواء القادمون من البحرين والإمارات وقطر وعُمان وهم ذاهبون الى بلاد الشام: الأردن، سوريا ولبنان إلا ويمرون بهذه المدينة المعروفة اليوم بالحفر.
من يصدق ان هذه التسمية مرت برحلة تاريخية من اسمها القديم عند أبناء الجزيرة اسمها الهوبجه (هاء واو وباء وجيم وهاء) ثم أخذت من التسميات الى أن استقر على اسم الحفر اليوم، وهو انه لما أمر سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ادخال العراق وايران الى حظيرة الإسلام، أمر القائد خالد ابن الوليد للتوجه لهذه المهمة لكنه سبقه قبل تقدم خالد وجيشه ان أمر الصحابي أبا موسى الأشعري لدراسة الطرق التي سيسير عليها الجيش ودراستها من تقديم الغذاء والماء والراحة، ولما وجد أبو موسى ان المنطقة من نجد الى الكويت اليوم (كاظمة) تخلو من الآبار للتزود بالماء وهي مهمة لهذا الجيش للراحة، فقد أشير عليه ان يحفر آبارا في منطقة الهوبجه.
وهنا أنقل ما أورده البكري في معجمه والحموي في معجمه والزبيدي في تاجه يقولون بالترتيب.
يقول البكري في معجمه صفحة 457 التالي:
«الحَفَر» بفتح أوّله وثانيه، وبالراء. المهملة: موضع بالبصرة. وهو حَفَرُ أبي مُوسَى، بين فَلْج وفُلَيْج، وهو على خمس مراحلَ من البصرة.
وجاء بعده الحموي في معجمه الجزء الثاني صفحة 475 التالي:
حَفَرُ: بفتحتين، وهو في اللغة التراب الذي يستخرج من الحُفرة، وهو مثل الهَدَم، وقيل: الحَفَرُ
المكان الذي حُفر كخندق أو بئر، وينشد:
قالوا انتهينا وهذا الخندق الحفر
والبئر إذا وسّعت فوق قدرها سميت حفيراً وحفراً وحفيرة.
حفر أبي موسى الأشعري، قال أبو منصور:
الأحفار المعروفة في بلاد العرب ثلاثة: حفر أبي موسى، وهي ركايا أحفرها أبو موسى الأشعري على جادة البصرة إلى مكة وقد نزلت بها واستقيت من ركاياها، وهي بين ماوية والمنجشانية، بعيدة الأرشية، يستقي منها بالسانية، وماؤها عذب، وركايا الحفر مستوية، ثم ذكر حفر سعد، وقال أبو عبيد السكوني: حفر أبي موسى مياه عذبة على طريق البصرة من النباج بعد الرقمتين وبعده الشجي لمن يقصر البصر، وبين الحفر والشجي عشرة فراسخ، ولما أراد أبو موسى الأشعري حفر ركايا الحفر قال: دلوني على موضع بئر يُقطع بها هذه الفلاة، قالوا: هوبجة تنبت الأرطي بين فلج وفليج، فحفر الحفر، وهو حفر أبي موسى، بينه وبين البصرة خمس ليال، قال النصر: والهوبجة أن تحفر في مناقع الماء ثماداً يسلون الماء إليها فتمتلئ فيشربون منها.
بعدها جاء الزبيدي في كتابه «تاج العروس»، وذكر هذا الموضوع في الجزء السادس في كلمة «هوبجة» صفحة 267، ثم ذكرها مرة ثانية في الجزء الحادي عشر صفحة 66 حول كلمة «حفر»، وهنا أنقل ما ورد في الجزء الحادي عشر حول كلمة حفر التالي:
(و) في التهذيب: الأحفار المعروفة في بلاد العرب ثلاثة، فمنها «حفر أبي موسى»، بفتح الحاء والفاء، وقد جاد ذكرها في الحديث، وهي «ركايا احتفرها» أبوموسى الأشعري، رضي الله عنه (على جادة البصرة إلى مكة)، قال الأزهري: وقد نزلت بها واستقيت من ركاياها، وهي ما بين ماوية والمنجشانيات وهي مستوية بعيدة الرشاء عذبة الماء، و(منها حفر ضبة)، وهي ركايا بناحية الشواجن بعيدة القعر عذبة الماء.
وفي الجزء السادس من كتاب «تاج العروس» ذكر كلمة «هوبجة» في صفحة (267) التالي:
(و) قال النضر: الهوبجة: «أن يحفر في مناقع الماء ثماد يسيلون الماء اليها» فتمتلئ «فيشربون منها»، وتعين تلك الثماد اذا جعل فيها الماء.
قال الأزهري: ولما اراد أبوموسى حفر ركايا الحفر، قال: دلوني على موضع بئر تقطع به هذه الفلاة.. قالوا: هوبجة تنبت الارطى بين فلج، وفليج فحفر الحفر، وهو حفر أبي موسى، بينه وبين البصرة خمسة أميال.
عندما أورد هذه النصوص شغل بالي أمر مهم وهو ما ورد في الجزء السادس، وهو حفر ابي موسى بينه وبين البصرة خمسة اميال التي أمامك في السطر السابق وعندما قرأتها في معجم ما استعجم يقول «خمس مراحل من البصرة».
ونحن هنا في الكويت عندما نتجه الى حفر الباطن أمامنا 200 كيلومتر على أقل تقدير من البصرة الى الكويت 120 كيلومترا والمسافة من البصرة حتى حفر الباطن لا تقل عن 300 كيلومتر، فكيف انقلبت في «تاج العروس» طبعة الكويت الى خمسة أميال؟ الذي قام بتحقيق هذا الجزء السادس هو الدكتور حسين نصار وراجعه الدكتور جميل سعيد وعبدالستار فراج، وهذا الجزء طبع في سنة 1969 يعني حفر الباطن معروفة وكانت تمر بها السيارات وهي موقع أشهر من أن يذكر ولم يدر بخلد المحقق والمراجعين أن الخمسة أميال من البصرة حتى حفر الباطن حتى لو كنت في طائرة فلا يمكن أن تقطع ثلاثمائة كيلومتر بهذه السرعة، من المؤكد أنهم في اثناء المراجعة على بعض مخطوطات «تاج العروس» التبس عليهم خمسة أميال بخمس ليال، على أن لام ليال اعتبرها ألفا ونطقها أو كتبها «أيال» وهذه لا يمكن النطق به وادخل عليها الميم لتنسجم مع القراءة والفهم وكان بودي أن يكون واحد من الثلاثة الذين تصدوا لهذا الجزء وهم:
د. نصار ود. سعيد وفراج أن يعيشوا المسافة بين البصرة والحفر، ولو رجعوا الى غالبية المراجع التي كتبت في هذا الموضوع ذكر بعضها خمس (ليال) والبعض قال: خمس مراحل ومعروف أن الجمال تقطع في اليوم أربعين كيلومتراً في حسبتنا وان المسافة تكون على هذه الحالة 200 كيلومتر وهي حسبة بسيطة.
إن الامام ابي منصور محمد بن احمد الأزهري الذي توفي سنة ثلاثمائة وسبعين وعاش في هذه المنطقة عندما اسره بعض ابناء المنطقة، يقول: وقد نزلت بها واستقيت من آبارها بعيد القعر وذكر بعد المسافة بينها وبين البصرة ولم ينتبه له أحد.
هذه «الهوبجة» أو حفر الباطن لم تكن الوحيدة التي يعتمد عليها الغادون والرائحون والمسافرون بل هناك القيصومة وهناك الرقمتان ومطرية في أرض الكويت كلها كانت محطات يمر بها الركبان ويستقون منها وكانت المياه فيها عذبة.
هذه هي «الهوبجة» التي لا يعرف اسمها القديم الا قليل القليل من الناس حتى كلمة حفر ابي موسى انقرضت وحلت مكانها كلمة حفر الباطن.
وهي المفتاح الموصل الى كاظمة الكويت اليوم والتي يمر بها الكثيرون للذهاب الى نجد والصمان والمنطقة الشمالية من المملكة السعودية حتى بلاد الشام.
فرحان الفرحان - جريدة القبس - 10/12/2010
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
|