الدفتر القديم هو دفتر المحاضرات الذي سجل فيه محاضرات استاذه العلامة محمود محمد شاكر، الذي تلقى العلم بين يديه في كلية دار العلوم..
بدأ دراسته في هذه الكلية في 1957/10/12 وحظي الطالب بأساتذة عمالقة علماء، الاستاذ عبدالسلام هارون المحقق الشهير وهو ابن خالة الاستاذ الكبير محمود محمد شاكر، والدكتور محمد غنيمي هلال الذي تخصص في النقد من جامعة السوربون بباريس، ومن اساتذته عمر دسوقي، والدكتور ابراهيم انيس، والدكتور عبدالرحمن ايوب والدكتور كمال بشر الامين العام لمجمع اللغة العربية السابق في القاهرة، والدكتور يحيى هويدي، والاستاذ محمود قاسم أحد عمداء الكلية.. من كتاب الدكتور يعقوب غنيم «همس الذكريات» صفحة 72 – 73.
أما الدفتر القديم فهو الذي دون فيه محاضرات أستاذه محمود محمد شاكر.. من الفصل الدراسي الذي بدأه في دار العلوم في اكتوبر 1957.
ومن زملائه المستشار عبدالله علي العيسى، والاستاذ صالح العثمان، والاستاذ جمعة ياسين دون الدكتور يعقوب الغنيم محاضرة الاستاذ محمود شاكر ابتداء من يوم الثلاثاء 1957/10/19.
الدرس الاول:
كان عن الشاعر سُحيم بن وثيل الرياحي، وقصيدته المشهورة:
أنا ابن جلا وطلاّع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني
التي استشهد بمطلعها الحجّاج بن يوسف الثقفي في اول خطبة له عندما وُلي على العراق.
هذه القصيدة شُرحت شرحاً وافياً في كتاب مطبوع بتحقيق عالمين كبيرين هما الاستاذ احمد محمد شاكر وهو شقيق الاستاذ محمود شاكر، والاستاذ عبدالسلام هارون.. واضاف الى شرحهما، مع ذكر المفردات، الاستاذ محمود شاكر مع ذكر المراجع العديدة.
سُحيم بن وثيل الرياحي شاعر مخضرم في الجاهلية ثم في الاسلام حيث أسلم وحسن اسلامه، وفي فترة أصابت بعض مدن العراق مجاعة منها الكوفة فخرج اهلها الى البوادي فعقر غالب بن صعصعة والد الفرزدق لمن وفد عليه ناقة صنع منها طعاما ونحر سُحيم ناقة.. وتفاخر الاثنان حتى نحر كل منهما مائة ناقة، وزاد سُحيم حتى نحر ثلاثمائة ناقة وكان ذلك في زمن خلافة الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فمنع الناس من اكلها وقال: «انها مما أُهل لغير الله به» حتى أكلها السباع والطيور الجوارح والكلاب.
وقصيدة الشاعر سحيم جاءت كاملة في كتاب طبقات ابن سعد تحقيق الاستاذ محمود شاكر ص576.
-1 أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضعِ العمامة تعرفوني
-2 ألم تر أنني في حِمْيَريٍ
مكان الليثِ من وسط العرين
-3 وإني لا يعود إليَّ قِرْني
غداة الغِبِّ إلا في قرين
القرين الحبل، والقرن وهو الذي تُقرن به الدابة.. والقرين الأسير المقيد بالحبل.
-4 بذي لبد يَصُدُّ الركبُ عنه
ولا تؤتى فريسَتُهُ لحينٍ
أي: إلى حين.
-5 عذرتُ البُزلَ إذْ هي خاطرتني
فما بالي وبال ابنيْ لبون
-6 وماذا يدَّري الشعراء مني
وقد جاوزت رأس الأربعين
البزل: جمع بازل وهو البعير المسن، ابن لبون: ولد الناقة، خاطرتني: راهنتني على نحر المزيد من النوق ودفعتني الى قول هذه القصيدة.
-7 أخو خمسين مجتمعا أشدِّي
ونجذّني مداورةُ الشؤون
نجذني: عرفتني الأشياء وجعلتني محنكا، مداورة: معالجة، الشؤون: الامور.
-8 فإن عُلالتي وجِراءُ حولي
لذو شِقٍّ على الضَّرع الظَّنُون
العلالة: الجري بعد الجري، والبداهة: أول الجري، جراء حولي: مجاراتي، الشق: المشقة، وكذلك الشرب بعد الشرب.
-9 سأحيا ما حييت وإنَّ ظهري
لذو سند إلى نضد أمين
-10 متى أحلل إلى قطن وزيد
وسلمى تكثر الأصوات دوني
وقال انه يلقى الترحيب كلما نزل بديار اخواله، قطن وزيد وديار خالته سلمى وهمام عمه..
-11 وهمام متى أحلل عليه
محل الليث في عيص أمين
-12 ألفّ الجانبين به أسودٌ
مُنطقة بأصلاب الجفون
ووضع العمامة، لبسها، وخلعها استعدادا للحرب.. والوضع شرحه الشيخ محمود شاكر بالخلع حسب التعبير القرآني في: {وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة}.
هذه سطور من شرح قصيدة سحيم بن وثيل الرياحي، كما دون الدكتور الغنيم في مذكرته وهو طالب في كلية العلوم من محاضرة الاستاذ محمود محمد شاكر.. الدرس الاول.
الدفتر القديم هو دفتر المحاضرات الذي دون فيه الدكتور يعقوب الغنيم محاضرات استاذه المرحوم محمود محمد شاكر، ابتداء من سنة 1957.. وقل أن تجد طالباً قد احتفظ بمذكراته التي دون فيها محاضرات المدرسين.. دار العلوم كلية من كليات جامعة القاهرة إحدى قلاع المعرفة منها كنا نستقطب بعض المدرسين المميزين للإذاعة الكويتية وعند سؤال أحدهم عن سبب فصاحته في نطق الجيم والحروف الاسنانية كالثاء والذال والظاء تراه يرد عليك باعتزاز أنا «درعمي»، وفصاحتي من كلية دار العلوم..
الاستاذ محمود محمد شاكر قال عنه تلميذه الغنيم: «هو حارس التراث العربي الذي قدم لنا نماذج باهرة لكيفية تحقيق هذا التراث وتقديمه للناس بالصورة التي يجب ان يقدم عليها».
انشغل الاستاذ محمود شاكر في أدب التحقيق في تفسير الطبري وطبقات فحول الشعراء والعديد من كتب التراث، ونشر مقالات في الصحف الرائدة كالمقتطف في الثلاثينيات من القرن الماضي ومجلته «اللواء الجديد» ومجلة «الرسالة» للزيات التي كانت منبراً حراً للمفكرين العرب.. أزعج الأستاذ محمود شاكر غزو العراق الهمجي على الكويت، واعتبره تحطيماً لوحدة الأمة وإيذاء لأناس سالمين لم يؤذوا أحداً في حياتهم وكان يدعو في صلاة الفجرعلى الظالم الذي فجر هذه الجناية.. وحضر إلى الكويت مهنئاً بتحريرها سنة 1992..
٭٭٭
القصيدة الأولى التي دونها الدكتور يعقوب الغنيم من محاضرات استاذه محمود محمد شاكر هي قصيدة سحيم بن وثيل الرياحي التي مطلعها:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني
وأشرت إلى ذلك في المقال السابق أما القصيدة الثانية فهي من الاصمعيات للشاعر خفاف بن عمير ومطلعها:
ألا طرقت أسماء في غير مطرق
وأنا إذا حلت بنجران نلتقي
أما القصيدة الثالثة فهي لخفاف بن نُدبة من كتاب الاصمعيات ومطلعها:
طرقت أسيماء الرجال ودوننا
والرابعة أيضاً لخفاف بن ندبة ومطلعها:
يا هند يا أخت بني الصادر
ما أنا بالباقي ولا الخالد
وبنو الصادر: بطن من بني مرة بن عوف.. وللشاعر بن ندبة في الاصمعيات القصيدة الخامسة التي دونها الدكتور يعقوب الغنيم من دفتره القديم حيث شرحها الدكتور محمود محمد شاكر.. ويمضي حتى يأتى إلى القصيدة العاشرة لعروة الصعاليك عروة بن الورد من الشعراء الفرسان الصعاليك الذي عرف بالكرم وإيواء العجزة منهم، طبع ديوانه في المانيا سنة 1863م.
وفي قصيدته يطالب زوجته ان تكف عنه اللوم، كونه يريد أن يطوف في البلاد ليكسب مغنماً..
ذريني أطوف في البلاد لعلني
أخليك أو أغنيك عن سوء محضري
فإن فاز سهم للمنية لم أكن
جزوعاً وهل عن ذاك من متأخر
٭٭٭
شعر عروة بن الورد معظمه في شرح هالة ووصف غاراته والسعي للرزق في الاغتراب حتى أن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب قال لمؤدب أولاده، «لا تروهم قصيدة عروة التي يقول فيها:
دعيني للغنى أسعى فإني
رأيت الناس شرهم الفقير
لأن هذا يدعوهم إلى الاغتراب والبعد عن أهليهم.. ونراه يخاطب المترف السمين:
إني امرؤ مما في إنائي شركة
وأنت امرؤ مما في انائك واحد
٭٭٭
ويأتي الدكتور يعقوب الغنيم في دفتره القديم الذي دون فيه محاضرات الاستاذ محمود محمد شاكر إلى القصيدة الثامنة والعشرين لدريد بن الصمة، ودريد نشأ في أسرة من الفرسان الشجعان أبوه قائد بني جشم وكان له أربعة أخوة أشقاء قتلوا في المعارك، وخاله عمرو بن معدي كرب وكان مع أخيه عبدالله في غارة على بني غطفان يوم اللوي، فظفر عبدالله بغطفان وعاد بغنائم كثيرة ولما سار غير بعيد قال لأصحابه انزلوا لفريح فنصحه أخوه دريد ألا يفعل وحذره من ارتداد غطفان فأبى عبدالله إلا النزول، فلم يكن إلا قليل من الوقت حتى عاد بنو غطفان بمدد عظيم فاستردوا غنائمهم بمنعرج اللوى فقال دريد:
نصحت لعارض وأصحاب عارض
ورهط بني السوداء والقوم شُهّدى
حتى قال:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصح الا ضحى الغد
وهكذا يمضي الدكتور يعقوب الغنيم حتى يأتي على القصيدة التاسعة والعشرين من «الاصمعيات» التي دونها من محاضرات استاذه محمود شاكر في كلية دار العلوم في القاهرة- أيام كان في هذه الكلية نخبة من الأساتذة العلماء…،
وكيف برر انقطاعه عنك؟
- «ما يعرفش يبررها»، بماذا يبرر الصديق انقطاعه عن صديقه؟ إن الصديق يلقي بنفسه في النار من أجل صديقه. وعلى الرغم من ذلك أنا لم أتأثر بفعل إسماعيل ويحيى، لم أتأثر بسوء فعلهما، بل إن يحيى بالذات جزء مني وأنا أعرف أنني جزء منه، وكل ما في الأمر أنه انقطع عن أولادي وعن أم فهر في فترة دخولي السجن في الوقت الذي كان فيه الكويتيون يأتون إلى بيتي ويهتمون به وعلى رأسهم يعقوب الغنيم وصالح العثمان وعمر وعبدالعزيز التمار وأحمد الجاسر، كانوا يصرفون على بيتي ولذلك أنا أحب الكويتيين لأن لهم منة في عنقي لا تزول.
كيف تم التعارف بينك وبين هؤلاء الكويتيين؟
- أرسلهم إليّ الأستاذ سيد صقر الذي كان أستاذًا للأدب العربي في المعهد الديني في الكويت. وعندما أتوا عندي أحببتهم وأدخلتهم في بيتي، وعندما يسافرون إلى الكويت في الإجازات كنت أفتقدهم بشدة.
ونشأت بيني وبينهم مودة وكانوا كلهم بمنزلة أولادي ومنهم عبدالله عيسى ومحمد الرومي وحمود وغيرهم كثير.