الشعر النبطي بين الكويت والبحرين - يعقوب الغنيم
يعقوب الغنيم - الوطن
27 - 9 - 2011م
الشعر النبطي بين الكويت والبحرين
علاقة دولة الكويت بمملكة البحرين علاقة قديمة وراسخة وهي ذات جوانب متعددة فالأمور التي تجمع أبناء الكويت بأبناء ذلك البلد العربي العريق كثيرة ومتشعبة، ولقد تنبهت أخيراً إلى واحد من الجوانب التي أشرت إليها ولم أكن على دراية به من قبل، ذلك أنني وجدت أن الشعر النبطي هو واحد من الجوانب ذات الأثر في الترابط يضاف إلى كل الآثار الأخرى المعروفة.
سعدت في الماضي بحضور جلسة من جلسات الشيخ عيسى ابن سلمان آل خليفة أمير البحرين السابق، ووالد الملك حمد بن سلمان آل خليفة الذي يقود وطنه في هذه الأيام، لقد كان مجلس الشيخ عيسى مفتوحاً وكان يستقبل عدداً من الزوار من مختلف البلدان وبخاصة من بلدان الخليج العربي، وفي تلك الجلسة المشار إليها كان ضمن الحاضرين عدد من أبناء الكويت وكان بعضهم من الشعراء. وفي ذلك الوقت تبارى هؤلاء في تقديم قصائدهم بين يدي الأمير، كان سعيداً وهو يستمع إلى الشعر، وكان إنصاته دليلاً على حبه لهذا النوع من القصيد، ولم أكن أعلم السر في اهتمامه بما ألقي أمامه في تلك الأمسية، ولكنني علمت مؤخراً أنه رحمه الله من محبي الشعر النبطي الذين يحفظون الكثير منه، ويقربون شعراءه، بل هو يقول شعراً جميلاً على ذلك المنوال الذي سمعناه ليلتذاك.
٭٭٭
ولد الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة سنة 1933م، وتعلم على ايدي مدرسين لهم باع طويل في مجال التعليم احضرهم والده إلى داره من أجل تعليم ولده. وبعد أن استعد لمزيد من الدراسة التحق بمدارس بلاده، فشارك زملاءه الحياة الدراسية وتعرف على عدد كبير منهم بحيث صار بعيدا عن العزلة، وفور انهاء حصته من الدراسة في البحرين أرسله والده إلى أوروبا من أجل اكتساب المزيد من المعرفة، وقد تمكن في هذه المرحلة من حياته من صقل معارفه.
وقد تمكن من الانفتاح على العالم الأوروبي وفهم أسس الحضارة الغربية، ولذا فإنه لم يكن – في مستقبل حياته – بمعزل عن العالم ولا عن أحداثه المهمة التي تجري في مختلف الدول كما هو ظاهر في حياة اليوم والأمس.
لقد عاش الشيخ عيسى في كنف والده الذي حرص على تربيته أفضل تربية، وأشرف على اعداده الاعداد السليم بصفته وليا للعهد وأميرا للمستقبل في البحرين، ولذا فقد كان يكلفه بأعمال رسمية متنوعة، ويسند إليه مناصب يكتسب من وراء العمل من خلالها الخبرة التي سوف تنفعه عندما يتولى المهمة الكبرى. ولذلك فإن والده قد عينه في مجلس الوصاية على الحكم في البحرين في فترة غيابه لحضور احتفالات تتويج الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا، وكانت سن الشيخ عيسى آنذاك في حدود العشرين سنة من عمره.
وفي سنة 1956م قرر والده ان يعينه رئيسا لمجلس بلدية المنامة، وقد بقي في هذا المنصب الى ان تولى إمارة البحرين إثر انتقال والده الشيخ سلمان إلى رحمة ربه. وقد كان هذا العمل الذي تولاه بقي على رأسه عدة سنوات سببا مهما من أسباب اكتسابه المزيد من الخبرات في السياسة وفي الإدارة وأساليب الحكم.
وكان اليوم السادس عشر من شهر ديسمبر لسنة 1956م يوما مهما في حياة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، ففيه تولى مقاليد الحكم في دولة البحرين، حيث توفي والده آنذاك، وصار بذلك هو الأمير الحاكم العاشر ضمن سلسلة الحكام الذين تعاقبوا على السلطة هناك منذ ان افتتح آل خليفة البحرين في سنة 1782م، وساروا بها في طريق التقدم.
حمل الشيخ عيسى بن سلمان الامانة وسار وفق ما يراه ينصب في مصلحة وطنه، وكان له من خبرات سابقة زاد وفير اعانه على العمل، وعلى النهوض بالبلاد وكانت همته العالية سببا في ازدهار البحرين وتقدمها وكان من أوائل إعماله إصدار العملة الوطنية في شهر أكتوبر لسنة 1965م.
وفي سنة 1967م افتتح الشيخ ميناء سلمان العميق الذي سماه باسم والده، وابتدأ العمل في ابراز مشروع مدينة عيسى الإسكاني إلى الوجود، وهو مشروع تبرع له بالأرض التي انشئ عليها. وأسس في عهده مجلس الدولة ثم طوره بحيث صار في موقعه: مجلس الوزراء، وذلك في سنة 1971م.
أعلن في عهده استقلال البحرين وذلك في اليوم الرابع عشر من شهر أغسطس لسنة 1971م. واتخذ يوم السادس عشر من شهر ديسمبر ليكون عيدا وطنيا سنويا للبلاد بمناسبة الاستقلال وبمناسبة تولي الشيخ عيسى بن سلمان مقاليد الحكم.
وحرص الأمير على ان يوالي العمل على تقدم البلاد فعمل على افتتاح مزيد من المدارس، وافتتح الجامعة، وأرسل عددا كبيرا من ابناء وطنه الى الخارج من اجل الدراسة وعادوا وهم مزودون بالعلم من شتى فروعه وكان منهم الطلاب والطالبات وقد أتيحت الفرص الدراسية للجميع على حد سواء ودون تفرقة في الجنس.
كانت سياسة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة الخارجية سياسة واقعية ثابتة، ولذا فقد مكنت بلاده صلاتها مع دول العالم، واهتم الشيخ اهتماما كثيرا بصلاته مع دول الخليج وتمكن من افتتاح صفحات منيرة لهذه العلاقات ويكفي ان نذكر منها ما وصل اليه التعاون بين البحرين والمملكة العربية السعودية وهو تعاون تمثل ضمن أشياء أخرى بافتتاح جسر الملك فهد في سنة 1986م الذي ربط بين الدولتين ويسر الانتقال بينهما امام المواطنين من الجانبين في الزيارة والتجارة.
٭٭٭
لم أحظ بالاطلاع على شيء وافر من الأشعار التي نظمها الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة غفر الله له، ولكني اطلعت على قصيدة لم أرله غيرها وهي صورة لما يمكن ان يكون عليه شعره، فقائل هذه القصيدة لا بد وان يكون له انتاج شعري غزير لانها ذات دلالة على تمكنه في مجال الشعر، وقدرته على ابداع القصيد الجيد.
تحمل الشيخ عيسى بن سلمان هم الكويت ايام الغزو الفاجر لها من قبل النظام العراقي الذي كان يقوده الطاغية صدام حسين، وبذل جهده في سبيل الوصول الى الحل الذي يكفل للكويت حريتها واستقلالها وفتح بلاده لاستقبال الكويتيين الذين اطاحت بهم المحنة من كل جانب وشارك في كافة اللقاءات الرسمية الاقليمية التي عقدت من اجل تحرير الكويت، وكانت البحرين من الدول المشاركة في التحالف الذي هجم على جنود الاحتلال وحطم أنف الطاغية.
لذلك كله فإنه عندما تسلم في ذلك الوقت قصيدة نبطية من الشاعر الشيخ عبدالعزيز سعود الصباح يشكو فيها ما آل اليه أمر وطنه الكويت؛ تألم كثيرا لما عرضه الشيخ عبدالعزيز في قصيدته من امور تحز في نفس كل غيور، فقام امير دولة البحرين – آنذاك – الشيخ عيسى بن خليفة بالرد على القصيدة بأخرى لها وزنها معنويا وعروضيا وسوف يأتي الحديث عن القصيدتين بعد ان نورد شيئا عن الشاعر الشيخ عبدالعزيز سعود الصباح.
٭٭٭
الشيخ عبدالعزيز الصباح من ابرز شعراء الشعر النبطي في الكويت. له قصائد كثيرة منوعة تدل على تمكنه من فنه وعلى قدرة فائقة على الابداع الشعري. وكان ينتهز المناسبات للمشاركة بإحياء الذكريات الوطنية، والدعوة الى التكاتف والتآزر بين ابناء الشعب، وكانت مناجاته لوطنه واحاديثه الشعرية عن هوايات الصيد التي كان يحبها تشرح الصدر لانها تعبر عن صدق الشاعر مع نفسه، وتعطي القارئ صورة ناصعة عن حياة الشيخ وطيب نفسه وكرم عنصره.
الشيخ الشاعر الذي فقده ميدان الشعر، ولم يجد بعده شاعرا يحتل الموقع الذي كان يحتله في الوقت الذي كان يعيش بيننا، ويمتعنا فيه بشعره الجميل بين آونة وأخرى ولد في سنة 1919م، وكان جده لأبيه هو الشيخ محمد بن صباح بن جابر حاكم الكويت السادس الذي تولى الحكم في الفترة مابين سنتي 1892 و 1896م. وكان الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت السابع في الفترة مابين سنتي 1896 و 1915م جده لأمه.
كان شعر الشيخ عبدالعزيز الصباح – كما ألمحنا – متنوع الأغراض، ولكنه يمتاز بمستوى واحد من علو القيمة الشعرية، وقد ظل الشاعر محتفظا بهذا المستوى الرائع حتى أيامه الأخيرة. له أوصاف جميلة للربيع والأمطار ولرحلات الصيد ولكثير من الأمور التي يشاهدها، ويعبر عن مشاعره تجاهها، ففي شعره المتعلق بالربيع وأجوائه ورحلاته البرية خلال ذلك الزمن الذي كانت صحراؤنا تزدهر فيه بالأعشاب الجميلة على عكس يومنا هذا؛ يقول:
يا من لقلب هيضه شوف بَرَّاق إليا بداله كاشف زاد شوقه
شفته ونا له باول الوسم مشتاق سامر من الجبله تلاعج ابروقه
إليا انكشف نوَّه تشوفه له اطباق مترادم واقدار ربي تسوقه
إلى أن يتابع الوصف قائلا:
عشرين يومْ وعرفجه له تزرناق تلقى خضاره غامج به ازروقه
تباتلت طيلة اشتاها على ساق سيل على سيل تتابع اطروقه
عشبه تشوفه جامع كل الارناق يزهى ومايه ناقع في عروقه
وصف رائع، وتعبير في غاية الدقة وحسن تناول الموضوع، والقصيدة طويلة لا مجال لنشرها كاملة لضيق موقع مقالنا هذا.
ومن جميل شعره هذه القصيدة التي ذكر فيها التقدم في السن، وهل هو مؤثر في تراجع الأشواق عند الإنسان بحيث ينسيه ذلك سورة الحب التي كان يحس بها وهو شاب. القصيدة طويلة لكننا نقدم شيئا من بدايتها، يقول الشاعر:
الراسْ شابْ وْلكن القلب ماشابْ توَّه على اوَّلْ زمته في شبابه
عمر الفتى ما ناخذه عَدْ وحْسابْ كثر السنين وقلها مالنا به
العمر كله ساعة بين الاحبابْ واذا انقضت ما عاد للعمر ثابه
بالك تصير بْتالي العمر هيَّابْ اضرب على درب الهوى لاتهابه
راعي الهوى ماتمنعه كل الاسبابْ يمشي على جمر الغضى ما درا به
هذا الشعر الجميل يدعوني إلى التساؤل عن كامل شعر الشيخ عبدالعزيز الصباح. فهل هو موجود بكامله؟ ثم هل هو مطبوع نستطيع الحصول على نسخة منه لدراسته والاستمتاع بما فيه من إبداع؟ وإذا لم يكن الأمر كما تصورت والشعر محفوظ ولكنه غير مطبوع فهل يسعني أن أتمنى على أبنائه الكرام أن يقوموا بهذه المهمة إحياءَ لذكرى والدهم، ووفاء لكل المآثر الطيبة التي كان يتصف بها، ورصدا لنتاج أدبي مهم في عالم الشعر النبطي؟.
هذه أمنية أرجو أن تتحقق.
٭٭٭
نعود الآن إلى بداية حديثنا. فنذكر القصيدتين اللتين تحدثنا عنهما فيما سبق وهما:
أولا: قصيدة الشيخ عبدالعزيز سعود الصباح، وقد ذكرنا سبب انشاده لها، وزمن ذلك، ومكان الانشاد، كما ذكرنا أنه قدمها إلى الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة.
كان في البحرين في أثناء فترة احتلال الكويت بعد غزوها من قبل العراق، وقد عبر عن مشاعره تجاه هذا الحدث الذي ألم بوطنه، وشتت أهله ومواطنيه. فكانت هذه القصيدة التي نوهنا عنها قبل ذلك ووجهها إلى سمو امير دولة البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة.
حكى الشيخ عبدالعزيز ما يحس به من ألم وحسرة، وما اعتبره من الأمور التي لا يستطيع المرء كتمان ما يشعر به اذا ما حلت به، وليس أشد على الانسان من تعرض وطنه لكارثة:
الله من شيٍّ جرى بيَّج السَّد شيٍّ يْولعْ جمرته بالفوادِ
حاولت بَصبْر ساعة واتجلدْ وازريت عنَّه ما يجي بالمرادِ
جاسيت مما ينذر الحيل بالهَدْ مر الشراب وما أذوقه يْزادِ
ثم يتحدث عن انفراج ضيقه عندما حل في البحرين دار آل خليفة الذين وجدهم على ما هم عليه من عناية بالضيف وحماية للمستجير:
والضيق في دار الخليفه تبدَّدْ أهل الكرم والجود بيض المبادي
للشيخ عيسى كامل الفضل ينعَدْ في موقفه ساد الحضر والبوادي
وآل الخليفة ما لهم جار ينضَدْ نالوا شرف آبائهم والاجداد
يلوذ فيهم من شكى الضيم وانحدْ اكرم بهم والله طيور الهدادِ
ثم يصف المأساة التي حلت بالكويت فيقول:
هذا حصل، والكل منَّا تشرَّدْ عن دارنا هل كيف نوقي البعاد
دار لنا بالحق جدٍّ بعد جدْ ياما حموها بالسيوف الهنادي
تكاتفوا ما بينهم واصبحوا سدْ ناسٍ بنوا أمجادهم بالجهادِ
أحرار ما ناموا على ضيم من حَدْ وَاعِينْ كلٍّ اصبعه والزنادِ
ويشير إلى النتائج المتوقعة لما حدث، مؤكداً أن المعتدي سوف ينال أشد العقاب جزاء ما قام به من اعتداء:
كل واحدٍ له رادعٍ لو تمرَّدْ مهما بلغ في قوته لهْ املادي
لابد للمغرور حدٍّ وينْفَدْ سوقه مَرَدَّه للفلس والكسادِ
ما كل جار جاورك فيه تسعَدْ جارٍ عدو وجار عِدَّه اسْنادِ
لابد في يوم لهم يجزِر المدْ نجمه يغيب ومطلع الفجر بادي
وهكذا يتبين لنا موقف الشاعر في آخر قصيدته وهو يعبر بهذا على الرغم من المأساة، والظلام الدامس آنذاك فهو ينظر إلى الأمور بصورة أخرى لأنه ينهي القصيدة بروح تفاؤلية تدل على يقينه بأن الظلم لا يمكن أن يدوم، وأن هذا الظلام سوف يعقبه فجر ساطع يبدد كل الديجور، ويقتلع الظلم والظالمين، وقد تحققت هذه النُّبوءة، وتم تحرير الكويت باذن الله وحده.
هذه قصيدة من عيون قصائد الشعر النبطي، ولو كان بالامكان ايرادها كاملة لأوردتها، ولكنني الجأ هنا إلى الحجة التي طالما لجأت اليها وهي ضيق المجال.
٭٭٭
اطلع الشيخ عيسى بن سلمان رحمه الله على قصيدة الشيخ عبدالعزيز وأعجب بها، وراقه أن يجد فيها ذكرا له ولآل خليفة وللبحرين، وثناء على كل ما يقومون به تجاه ضيوفهم وآلمه أن يقرأ فيها ما أورده الشيخ عن مأساة احتلال الكويت، ولكنه ارتاح الى الآمال التي اطلقها الشاعر فيما يتعلق بالتحرير وجلاء المحتل. وقد حرك كل ذلك شاعرية الشيخ عيسى ووجد عناصر الإلهام تتقافز امامه لكي يعبر عن مشاعره هذه في مقابل القصيدة التي قرأها، ولا نحتاج الى الاشادة بالقيمة الشعرية العالية التي يتمتع بها شعر الشيخ عيسى، وبخاصة ونحن قد نوهنا عن ذلك فيما سبق، ولكنني اكتفي بعرض ما يتسع له المجال من قصيدته التي رد بها على الشيخ عبدالعزيز الصباح ففيها الدليل على ما نريد الدلالة عليه من مستوى شعري رفيع، وكم كان مهما جدا فيما لو كان بين يدينا شيء آخر من قصائده التي لم يتح لنا حظ الاطلاع عليها، وهو الامر الذي نأمل في ان يتحقق بعد ذلك إن شاء الله.
بدأ الشيخ عيسى قصيدته بقوله:
الله من وقت غدا للعرب ضِدْ ضد يساقيهم سمومه ركادِ
والعرب تفعل ما يريده ويقصدْ منقادة مستسلمه للقيادِ
شب الفتن بين الاقطار اتوقدْ ورضيوا وزادوها حطب للوقادِ
هذا هو ما فعله صدام حسين طاغية العراق، فقد كان في اعماله ضداً للعرب، يسقيهم سمومه شيئا فشيئا، وكان هؤلاء يفعلون ما يريد دون تردد، ينقادون لمقاصده ويستسلمون لقياده. أثار بينهم الفتن واوقد نارها، وهم قد رضوا بأن يكونوا حطب هذه النار التي يشعلها الحاقد الذي لا يرضيه شيء حتى يحطم جيرانه ويقضي على كل ما لديهم من وسائل الرقي والتقدم التي لم يستطع ان يوفرها لوطنه.
وتحدث الشيخ عن جار السوء، وكيف خان حقوق الجيرة التي كانت العرب تعدها من اهم الحقوق، وتنكر لكل الذمم، وسعى الى التخريب والتدمير دون ان يحركه ضمير لانه كان معدوم الضمير:
يا حيف يا ماضي العرب كيف ينهَدْ وامجادهم هل كيف راحت بدادِ
وذيك الفعايل والشيم ليت تنِرْدْ خصايل ترثة اقروم الاجدادِ
وهذا هو ما أثار أشجانه، وأرقه:
البارحه جفن الخطا بات مسهدْ سَهْر، وعيا يهتني بالرقاد
والجنب كنه فوق نار توقَّدْ كنى على ملَّه وشوكٍ وْسادي
والقلب به هم ثقيل ومجلدْ وانقضْ اجروحه ما لقى من مْنادي
ومن هنا وصل بالقصيدة الى الموضع الذي يخاطب فيه الشيخ عبدالعزيز سعود الصباح فيقول:
اعْليت يا شيخ شكى لي من الضّدْ واسْلِمْت من جملة جميع الأعادي
عبدالعزيز الضيغمي طيِّب الجدْ نسل الصباح اكرام بيض الابادي
هم عزوتي ربعى على اللين والشدْ وهم زندي اللي يشد الايادي
وحنا لهم درع حصين عن الضدْ نرخص لهم بالروح يوم الجلادِ
ولا خير في عيش عقبهم لو امتد ودنيا بلاهم جعلها للنفاد
ثم يتحدث عن الصلات العميقة التي تربط آل خليفة بآل صباح ويبين مدى تكاتفهم وتعاونهم، وموقفهم الموحَّد من الأعداء الذين تحركهم نفوسهم السقيمة للعمل على الحاق الأذى بالبلدين الشقيقين: الكويت والبحرين. ويسفه المعتدي المغتر بجيشه، وما يمتلكه من عتاد:
حتيش لو عندك جْيوش تْحشدْ ومْجمع القوات هي والعتادِ
لكن ما عندك اخلاق اتمجَّدْ وْيسرى ذكرها في الحضر والبوادي
ولا ينسى الشيخ عيسى بن سلمان أن يوجه التحية في ختام قصيدته الى الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح والشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، فيقول عن الأول:
شيخ الكويت اليومُ والأمس والغدْ رغمٍ على أنف الضِّديد المعادي
ويقول عن الثاني:
وسعدٍ عضيده كلهم للعدو ضدْ يحميهم المولى إله العبادِ
٭٭٭
هذه هي الروح التي يتمتع بها أبناء الكويت وأبناء البحرين مجتمعين مَثّلها رجلان احدهما الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين الذي توفي سنة 1999م والثاني هو الشيخ عبدالعزيز سعود الصباح الذي توفي سنة 2006ن رحمهما الله تعالى وأدام الود والوفاء بين الوطنين الشقيقين.
ملحاق خير
من الدلائل على عمق الصلات بين الكويت والبحرين تلك الزيارات المتكررة بين قيادتي البلدين، وهي زيارات استمرت منذ القدم ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا. وكان أقدم ما نذكره من تلك الزيارات هي التي تمت في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح والشيخ سلمان بن حمد آل خليفة. وتدليلا على ذلك فقد اهتمت مجلة البعثة بالإشادة بهذه العلاقات الأخوية فقامت في شهر أبريل لسنة 1953م بتخصيص عدد من أعدادها للحديث عن مملكة البحرين الشقيقة. وقد بدأت هذا العدد بصورة تمثل استقبال الشيخ عبدالله السالم الصباح للشيخ سلمان بن حمد آل خليفة عندما زار الكويت في تلك السنة ثم وضعت له صورة كبيرة في بداية العدد المشار إليه، ثم خريطة تبين موقع البحرين وأجزائها، وبعدها كلمة العدد التي أوضحت الداعي إلى صدوره بهذه الصفة.
وبدأت المقالات بمقال كتبه الأستاذ أحمد العمران مدير معارف البحرين – آنذاك – تحدث فيه عن تاريخ التعليم في بلاده ثم عن وضعه الحالي وأنظمته السائدة وقت كتابته المقال، والمقال التالي للشيخ أحمد الشرباصي وقد تناول فيه التاريخ الإسلامي للبحرين. ثم مقال للأستاذ وديع فلسطين تحت عنوان «ولاية عربية في فجر التاريخ» ومقال لخالد محمد الفرج، وحكاية تاريخية كتبها الشاعر إبراهيم العريض، عنوانها «أخت شيرين» أما الأستاذ أحمد طه السنوسي وهو من كُتّاب مجلة البعثة الدائمين فقد كتب مقالاً عنوانه: «البحرين والأوضاع الاقتصادية»، وكتب الأستاذ عبدالرحمن المعاودة مقالا عنوانه: «البحرين بين الماضي والحاضر» وقام ابن الكويت الدارس في القاهرة – آنذاك – خالد علي الخرافي بكتابة مقال عن النهضة التعليمية في البحرين وكأنه إيضاح لما جاء في المقال الذي كتبه الأستاذ أحمد العمران. وكان للنشاط الثقافي في البحرين ذكر ضمن مقال كتبه الأستاذ عبدالله الطائي، وكتب الأستاذ علي السيار مقالا عن المرأة هناك.
وتوالت بعد ذلك المقالات المتعددة وكلها تتحدث عن البحرين وأهلها. وكان مما نشر في «البعثة» قصيدة كتبها الأستاذ الشاعر محمود شوقي الأيوبي بعنوان «تحية البحرين» فيها تعبير صادق عن محبة الشاعر لهذا البلد العربي الشقيق يقول فيها:
أمرابع البحرين جئتك منشدا
لحنا يشفُّ عن الولاء مُسدِّداً
لحنا يُترجم للإخاء تحيةً
تسري كضوع المسك تغشى الموعدا
ويختمها بقوله:
صوت من البحرين قد أسْمعتُهُ
عذبا وقفت لجرسه مُتعبَّداً
فسكبت آمالي العذاب قصيدة
أُلهمتها بين الظلام مسهَّدا
وبعثت من روحي الشجيِّ تحية
تحكي من الفردوس غُصنا أَمْلَدا
امتلأ العدد الخاص بالبحرين من مجلة البعثة بصور كثيرة تمثل كافة نواحي النشاط هناك، واحتوى بيانات حكومية إحصائية فيما يتعلق بكافة الأعمال، وعلى الأخص ما ورد في النشرة الرسمية لحكومة البحرين، ومنه كشف إيرادات ومصروفات الحكومة.
وعلى العموم فإن هذا العدد مع أنه يعبِّر تعبيراً صادقاً عن المحبة التي يُكنُّها أبناء الكويت لأشقائهم في البحرين، فإنه عدد جامع، فيه كثير من المعلومات المفيدة، ويعتبر في هذا اليوم تاريخاً لتلك الحقبة التي مرت بهذا البلد الشقيق الذي تقدم كثيراً بعد ذلك الزمان الذي كتبت عنه البعثة وذلك بفضل قيادتها الحكيمة التي أثبت التاريخ قدرتها على السير بالبلاد نحو التقدم والرقي.
متابعة
في مقالنا السابق عن نادي المعلمين في الكويت ضمن «الأزمنة والأمكنة» ذكرنا عدداً من أسماء أعضاء النادي العاملين، وقلنا إن هذا العدد المذكور هو ما جادت به ذاكرة الأخ الكريم الأستاذ عبدالله الجاسم العبيد، وطلبنا ممن يتذكر أسماء أخرى أن يخبرنا بها حتى ندرجها في وقت لاحق، لأن تسجيل أسماء الجميع إن عرفناهم أمر واجب.
ولقد تكرم الأخ الفاضل الأستاذ جمعة محمد علي ياسين (أبو وائل) بإرسال رسالة تضمنت بعض الأسماء وهذا هو نص رسالته كما ورد:
صديقي العزيزا لأخ الدكتور يعقوب يوسف الغنيم
تحية طيبة وبعد
لقد أحسنت صنعاً عندما نشرتَ بجريدة «الوطن» العدد 12802 بتاريخ 17 من رمضان المبارك سنة 1432 هـ الموافق 17 من أغسطس سنة 2011 مقالتك المعنونة الأزمنة والأمكنة حول نادي المعلمين.
وقد طلبت من قرائك أن يستكملوا الأسماء الناقصة من المعلمين القدماء الذين لم تسعفك ذاكرة الأستاذ العزيز عبدالله الجاسم العبيد ذكرهم، ويسعدني أن أزودك ببعض الأسماء من رواد التعليم الذين لهم الفضل كل الفضل بتعليمي وتدريسي سواء عندما كنت طالباً بالمدرسة الأحمدية أو عندما التحقت بمعهد الكويت الديني.
وإليك بعض هذه الأسماء ممن لم تكن نشرت أسماءهم في مقالتك وهم:
-1 أحمد ياسين
-2 محمد العتيقي
-3 عيسى اللوغاني
-4 أحمد الخميس
-5 عثمان عبداللطيف العثمان
-6 محمد الفوزان
-7 عبدالعزيز الشاهين
راجياً لك دوام التوفيق والاستمرار في تسجيل رواد التعليم والأدب والشعر والسياسة.
مع خالص شكري وتقديري
أخوك
أبو وائل جمعة محمد الياسين
وأنا إذ أشكر أبا وائل على رسالته، أود أن أبين أن ما جاء في المقال يخص النشيطين في النادي المذكور ولا يعم جميع المدرسين، ومن ذكرهم أبو وائل مدرسون أفاضل نعرفهم ولكنهم لا ينطبق عليهم ما ذكرناه، أما الأستاذ عبدالعزيز الشاهين وهو ممن ورد في رسالة الأستاذ جمعة ياسين فهو مذكور في الصفحة الثانية من المقال مع صورة كبيرة له يقدم فيها هدية تذكارية للشيخ عبدالله الجابر الصباح.
إضافة إلى ذلك فإن (أبا رائد) الأستاذ عبدالله الجاسم العبيد قد أضاف اسم الأستاذ محمد الجسار الذي كان من أعضاء نادي المعلمين البارزين فوجب التنويه.
فإلى الأخوين جمعة محمد علي ياسين، وعبدالله الجاسم العبيد خالص الشكر والتقدير على ما أوضحناه.
|