العبث بتاريخ الكويت - د. سعود محمد العصفور
القبس - 17/12/2011
التاريخ دون وثائق، كالمقال الأدبي، الذي لا يحمل في طياته التوثيق، فالوثائق تعطي التاريخ أصالة وتميزاً نتيجة لمعاصرة الوثيقة للحدث.
والملاحظ على الكتب، التي يظن أصحابها انها تصب في تاريخ الكويت، غياب أصحابها عن استخدام وثائق العصر الذي كتبت فيه، الأمر الذي يجعل كتاباتهم اجتراراً وتكراراً لمن سبقهم من الباحثين.
فالوثائق ممتلئة بمعلومات كثيرة تعكس أوجه الحضارة في تاريخ الكويت من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها، لكن من ركب سفينة البحث في تاريخ الكويت ينظر بعين واحدة في المضمار، فيركز على الناحية السياسية دون غيرها من أوجه الحضارة، وكأنما يقول إن التاريخ هو التاريخ السياسي فحسب.
وحتى من كتب التاريخ السياسي للكويت يعرض ما يوافق ذلك المؤرخ أو غير من دون تحليل لأبعاد الأحداث وسياقاتها التاريخية.
وعلم الآثار هو الآخر يصب في سياق التعاطي مع تاريخ الكويت، فلا نجد عناية بالمواقع الأثرية في الكويت ترقى إلى ما هو معمول به عند، حتى الدول العربية، كمصر والشام، فلا تحديد ولا تسييج لتلك المواقع الأثرية، ولا علامات دالة عليها، وكأن الزائر إليها عليه أن ينقب عنها من جديد!
ولا أذيع سرًّا ان مُقرَّر الآثار في قسم التاريخ بجامعة الكويت، قد ألغي من صحائف التخرج من دون النظر إلى حتمية وجوده، كمقرر أصيل لتاريخ الوطن.
وإذا نظرنا إلى حتمية التخصص في العاملين في التنقيب الأثري ألزمنا ذلك تهيئة جيل من طلبة جامعة الكويت قادر على التعاطي مع المواقع الأثرية ومحاكاة البعثات الآثارية، التي يتم استقدامها واستضافتها من فترة إلى أخرى.
وعملاً بالمنهجية البحثية التاريخية لا نجد لأرشيف الدولة نشاطاً ملحوظاً في دعم الأبحاث التاريخية وإصدار ما يمكن أن يكون تأصيلاً لكل فترة زمنية تاريخية، وهذا القصور نابع من عدم تخصيص ميزانية مناسبة لهذا الغرض أو عدم الاتيان بباحثين كويتيين لهم خبرة التخصص لفك رموز كل وثيقة بمعرفة اللغة التي كتبت بها.
إن تاريخ الدولة يُعبث به - بلا أدنى شك - من أناس غير متخصصين، حار العقل في بقائهم سنين طويلة من دون إنجاز يسجل في مصلحة بلد تم احتلاله تحت ذريعة تاريخية باطلة.
إننا - حقّا - بحاجة الى إعطاء أصحاب التخصص دورهم في بناء أرشيف متميز يحاكي دولاً تحترم تاريخها، وبحاجة ماسة إلى تأصيل دور الآثار في المقررات الدراسية وفي جامعة الكويت الحكومية بصفة خاصة، كما اننا بحاجة الى دور أصيل في مواصلة التنقيب عن آثارنا، التي ما زلت دفينة التسويف وقلة المتخصصين في التنقيب عنها.
إن عجلة التنمية المقبلة سريعة في إنشاء الكثير من المدن الإسكانية والمشروعات ذات الصلة، ولا بد من مواءمة بين ما تُزمع إقامته من مشاريع وبين حركة تحديد المواقع الأثرية والشروع بالتنقيب فيها.
هذا نداء عاجل لمن بيدهم صريح القرار ولوازمه، والأمل يحدونا في كل مسؤول وطني يستشرف الخير للوطن.
د. سعود محمد العصفور
(جامعة الكويت - قسم التاريخ)
|
العرض العادي
