28-06-2010, 02:21 AM
|
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,662
|
|
يا ساحل الفنطاس - يعقوب الغنيم
جريدة الوطن
تشتهر الفنطاس بكثير من الأشياء الجميلة، فهي معروفة بزراعتها، وأعشابها البرية، وحسن الربيع فيها إذا أقبل عليها، وساحلها الرائع، وأهلها الطيبين ذوي الأنشطة المتعددة، وأمور أخرى كثيرة سوف نعرض إليها فيما بعد.
ولذلك لم يكن من المستغرب أن يتغنى بها شاعر كبير مثل المرحوم أحمد مشاري العدواني فيقول:
يا ساحل الفنطاس
يا ملعب الغزلان
يا متعة الجلاس
يا سامر الخلان
كان يصف بأسلوبه السهل الممتنع المغاني الجميلة في تلك القرية الحلوة التي كانت ولا تزال على كل لسان.
وقد صارت هذه الأغنية مسموعة على أوسع نطاق.
نحن نتحدث هنا عن قرية صغيرة تنام على ساحل البحر في شرقيها، وتستيقظ على زهور الربيع غرباً. وذلك في الخمسينيات من القرن الماضي ولكنها الآن مدينة عامرة فيها كل متطلبات المدن من طرق ومراكز علاج ومدارس متعددة المراحل، إضافة إلى مبانيها الحديثة العالية الأدوار، وازدياد عدد سكانها وارتباطها بالقرى التي كانت قريبة منها مثل بو حليفة والمنقف والفحيحيل وقد كانت هذه متباعدة، ولكنها اليوم تكاد تكون قطعة واحدة من العمران متماسكة ببعضها.
وفي عدد شهر سبتمبر لسنة 1952م نشرت مجلة البعثة قصيدة للشاعرة دعد الكيالي عنوانها: «على شاطئ الفنطاس» ومما جاء فيها:
على شاطئ البحر عند الأصيل
مشيت أطالع سفر السماء
وبيض الطيور تغرد نشوى
وقلبي يساجلها بالغناء
تبعد الفنطاس عن العاصمة حوالي 28.5 كيلو متراً وكان عدد سكانها إلى سنة 2004م 21375 نسمة، ومن الأماكن التي كانت معروفة في الفنطاس بئر كان الأهالي يرتوون من مائها العذب تسمى سليسل ولكنها زالت الآن ونُسيَ مكانها.
***
نعود مرة اخرى إلى الحديث عن الفنطاس القديمة التي ذكرنا أنها كانت قرية من قرى القصور وأنها تقع على ساحل البحر، وقد كانت ذات نشاط زراعي حيث تحتوي على بعض المزارع التي تمد العاصمة بإنتاجها من الخضراوات. ذكرها لوريمر فقال: «إنها تبعد 16 ميلا إلى الجنوب عن بلدة الكويت».
وذكر ديكسون أنها «قرية من قرى القصور على البحر وتبعد 16 ميلا إلى جنوب الجنوب الشرقي من مدينة الكويت، وفيها 170 بيتا. سكانها من العرب الذين ينتمون إلى قبائل مختلفة كما في الكويت والفحيحيل، وفي القرية حوالي 30 بئرا، بعضها ذات مياه مالحة، وبعضها الآخر ذات مياه عذبة على عمق 20 قدما، ويبلغ اتساع فوهة البئر 20 قدما من كل جانب، مما يجعل من الممكن أن تعمل بسحب المياه منها ثلاث فرق من الحمير في وقت واحد. والزراعة في الفنطاس أغنى منها في الجهراء، مع أن الأرض المزروعة في الفنطاس أقل مساحة، ويزرع أهالي القرية الشعير والعدس والبطيخ والفجل والبصل، وتوجد فيها 600 شجرة نخيل وبعض أشجار السدر والعشر».
وذكرها الشيخ عبدالعزيز الرشيد قائلا: «الفنطاس، تبعد عن الكويت نحو سبعة عشر ميلا جنوبا عنها، وتقدر نفوسها بثلاثمائة نسمة، وفيها مسجد تقام فيه الجمعة، وعدة بساتين».
وقد نبغ فيها وما حولها عدد من الشعراء الشعبيين منهم نقيان بن سالم وسلطان بن فرزان، وقد تأثرا بالبيئة البحرية التي كانا يعيشان فيها فانطبع ذلك على شعرهما فورد ذكر البحر كثيرا فيه. وقد شارك سكان الفنطاس في الأنشطة البحرية التي كانت قائمة في البلاد سابقا بالإضافة إلى اهتمامهم بالزراعة كما ذكرنا قبل قليل. وبالإضافة إلى ذلك فقد امتاز عدد من السكان بنزعة فنية واشتهرت فيهم فنون مختلفة منها فن الغناء السامري الذي هو من الفنون المشهورة في الكويت والخليج العربي.
وقد ذكر الشاعر حمد بن عبداللطيف المغلوث الفنطاس وهو يصف الطريق من الاحساء إلى الكويت، وكان ذلك في بداية القرن العشرين يقول:
خل المقاطع على اليمنى ولا تخلفْ
ممشاك واترك جزاير هاك الأطراف
وخل الفحيحيل والفنطاس مع مشرفْ
عَنكْ يمين ونَحّرْ منوة الشافي
دار الصباح الرجال أعلى نسب واشرف
سقم العدا مروية شذرات الأسياف
ولسكان الفنطاس اهتمام بالعرضة أسوة بغيرهم من أهالي القرى الكويتية، وكانت لهم فرقة تقوم في المناسبات الوطنية بتقديم عرضتها للجمهور، وإذا كنا نعرف أن العرضة نوعان: بحرية وبرية، فإن أهل الفنطاس ابتدعوا عرضة خاصة بهم تجمع بين هذين النوعين سموها: العرضة العميرية. لقد نشأ هذا النوع في منطقة الفنطاس، وكانت تؤديه فرقة الفنطاس الشعبية، وتمزج فيه بين الفنين السابقين، ولارتباط أبناء الفنطاس قديما بالبحر من جهة، وعلاقاتهم بالبادية من جهة أخرى، فإن هذه العرضة المسماة العميرية والتي برزت عرضة برية بحرية، أصبح لها الطابع المميز الذي اشتهر به أبناء الفنطاس.
أما في مجال الشعر فإن لنا حديثا سوف نعود إليه فيما بعد لأنه يستغرق مجالا أرحب.
ولكننا لابد وأن نذكر هنا أن اهتمام البلاد كان مبكرا بالفنطاس فنشأت فيها مدرسة البنين في سنة 1945م على الرغم من قلة عدد الطلاب الذين كانوا في سنة 1951م لا يزيدون عن 45 طالبا.
وأنشأت دائرة معارف الكويت مدرسة للبنات هناك في سنة 1951م. أما المركز الصحي فقد أنشأته دائرة الصحة العامة في سنة 1953م، وكانت تقدم خدماتها الطبية قبل ذلك بوساطة سيارة خاصة فيها طبيب وممرض، وكافة الأجهزة والأدوية المناسبة.
كان اهتمام الناس بالرحلات الخلوية في أيام الربيع كبيرا وكان عدد منهم يقضون عطلة نصف السنة المدرسية في خارج المدينة فصارت الفنطاس دائما من أوائل الأماكن التي يفكر فيها الراغبون في الرحلة إلى البر، وقد شارك في هذه الرحلات عدد من غير الكويتيين منهم المدرس المصري محمد سيد الأهل الذي قام برحلة إلى الفنطاس أثناء الربيع، وكتب وصفا جيدا لهذه الرحلة نشره في مجلة البعثة ضمن أوائل الأعداد التي صدرت منها في سنة 1946م.
أدار الأستاذ حديثا مع صديق له حول موضوع الرحلات الداخلية في الكويت فكان مما قال: «هنا في إجازة الربيع ـ وقد بقي عليها يومان ـ يسرع الكل إلى الخلاء حيث يضربون خيامهم على الأرض المخضرة أو على شاطئ الخليج يقضون أسعد الأوقات وأهنأها. والفنطاس وحولي مكانان من أحسن الأمكنة في المتربع.. قلت وبعد؟ قال: وما دمت عرفت فقم وفتش لك عن خيمة وقلت وأين لي بها؟ قال: الكل إن طلبت يُعطى مُرَحّبا، قلت: ولكن قل أيهما أبعد؟ قال: الفنطاس. قلت: أنا أسبق الناس إلى الفنطاس هذه.. خرجت أفتش عن خيمة، وما كدت أشير في عبارتي إلى محدثي التاجر الكريم حتى أرسل إلي أربعاً كاملة العدة، وطرت أنا وزميلي الأستاذ المصري ومعنا.. الطاهي إلى الفنطاس.
فلما استقر رأينا على بقعة قمنا نضرب بها خيامنا، ولكن التعب أضنانا وموج البحر القريب أغرانا فتركنا عملنا وهرعنا نحو الموج ونحو الماء..».
ثم وصف كيف جاءت مجموعة أخرى من المدرسين على رأسهم الأستاذ عقاب الخطيب فقام هؤلاء بمساعدة من سبقهم في نصب خيامهم، ومن ثم الاندماج معهم حين عرفوا أنهم من أعضاء سلك التدريس. يقول: «فلما بدأت الشمس تميل رأينا سيارة كبيرة تقف بالقرب منا ونزل منها نفر من المدرسين فهرعنا إليهم نرجو العون على ضرب خيامنا فكانوا نعم المجير، ونزلوا إلى جوارنا بخيماتهم، ولما انتهينا من العمل وشد الطنب وفد علينا بعضهم يدعونا للسمر.. قلت أي سهرة ستكون هذه وما فيها الغريب ولا العجيب؟ ولكننا قضينا ليلة كأنها النهار، في صحب كالأقمار، فهنا بدر وهناك «سيار» ولا تنس حمداً وخالداً ومحمداً وصحبهم الأخيار!!.
وعقاب!! ولا يروعنك اسمه فقد حَلق في جو عال من المرح وإن حدثتك عن رسمه فوالله ما وقعت عيني على فم امتلأ بالابتسامة والفكاهة والظرف كما كان فم عقاب وكما لمعت عين عقاب...
وقضينا خمسة عشر يوماً كلها مرح ولهو ولعب وأنس وإيناس حتى كدت أنسى الدرس والمدرسة... وجاءني صديقي وقال: غداً نعود. قلت: عرفت واأسفاه!».
وقد نشرت المجلة مع هذا الحديث أبياتاً نظمها الأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري عنوانها تحية الفنطاس ومما جاء فيها:
رب صباح هاجني حسنه
والشمس لما تعتلي في الفضاء
أفقت من نوميَ لا ابتغي
غير فضاء وهواء وماء
وفي آخرها:
يا ساكن الفنطاس مني لها
تحية ليس لها من فناء
وقد ذكر الدكتور عبدالرزاق العدواني قرية الفنطاس باعتبارها موضعاً يرتاده الناس خلال الربيع، وقد نشر مقاله في البعثة ـ أيضاً ـ في سنة 1946م وكانت أول سنة صدرت فيها هذه المجلة الراقية، ومما قاله عن الفنطاس: «... وسكانها القليلون ينتحون منها ناحية، أما المتربعون فينصبون خيامهم بعيداً عن السكان، أو يحلون في بيوتهم الخاصة» وقد كان بعض المتمكنين يشترون بيوتاً في القرى من أجل النزهة والراحة.
وإذا ذكر الفنطاس أتى ذكر الفنيطيس، وهذا الموقع يمثل قرية كانت عامرة، ثم جاء وقت خلت فيه من السكان، وبقيت المساكن خالية تملؤها الرمال التي تدفع بها الرياح إلى هذا الموضع.
وكان هذا الموقع مقرا للمعسكر الكشفي فترة من الزمن وقد تم رصد المعسكر الذي أقيم فيه في ربيع سنة 1950م.
ومما ذكر عن الفنيطيس المعسكر الكشفي الذي أقيم فيه ابتداء من يوم الجمعة السابع عشر من شهر مارس لسنة 1950م، وكان ذكر هذه القرية ومعسكرها الكشفي في أحد أعداد مجلة البعثة الصادر في السنة المشار اليها، وتقول المجلة في هذا الصدد إنه في هذا التاريخ المحدد تحرك موكب الكشافة مغادرا العاصمة في اتجاه الفنيطيس، ذلك من أجل التخييم فيها طيلة أيام عطلة الربيع ولياليها وعدتها خمسة عشر يوما. وقد تم هذا المعسكر كالمعتاد إذ قضى الكشافة أيامهم في سمر وأنشطة رياضية وثقافية ممتعة.
وأقام المعسكر حفله الرئيسي المعتاد في اليوم التاسع والعشرين من شهر مارس، وقد حضر على رأس ضيوف الكشافة الشيخ عبدالله الجابر الصباح وأعضاء مجلس المعارف وعدد من كبار الشخصيات وأولياء أمور الكشافة المشاركين في المعسكر، وقد تخلل السمر عدد من الألعاب الجميلة التي حازت إعجاب الجميع.
***
من شعراء الفنطاس شاعر معروف على مستوى البلاد كلها لما له من أشعار محببة إلى النفوس، ذلك هو الشاعر نقيان بن سالم العميري، ويلقب بالقروي لأنه من منطقة القرى، فهو أحد سكان قرية الفنطاس، له شعر كثير، وأغان مشهورة، وهو من الشعراء البارزين في مجال السامري، غنى له عدد من المطربين، وكان مشتغلا في أعمال البحر، وفي الزراعة بحسب ظروف المواسم التي كانت تمر على منطقته.
ولنقيان اغنية جميلة رددها محبو الغناء، وغناها اكثر من مطرب، وغنتها الفرق الشعبية، وقد أعجب بها الكثيرون، ولا تزال تعيش في وجدان أولئك الذين يستهويهم الغناء الشعبي ولا سيما السامري منه، يقول نقيان بن سالم:
البارحة يا عبيد عييت انا ما
درب الخطا كثر على الهواجيس
غديت مثل اللي طواه الهياما
يا حالي اللي مثل طي القراطيس
يا لايم فرخ القطا والحماما
ومخضبات يطربن النواميس
والله لا صلى له فروض تماما
واسجد لخلي فوق روس الطعاميس
بالك تًشَوَّفْ نايفات العداما
ويْلوّعًكْ غرو ابزين الملابيس
يا لايمي جعلك في بحر الظلاما
وإلا حسير في دروب المحابيس
والشاعر هنا يوجه أبياته إلى أحد أقاربه واسمه عبدالله، صغره بقوله: عبيد، فيقول له إنه أبى أن ينام ليلة البارحة وعييت هنا بمعنى أبيت، ولكنه يقصد بها لم استطع، وأراد بقوله درب الخطا طريق العشق الذي أكثر عليه الوساوس وأضرم في ذهنه الأفكار المتضاربة حتى جفاه الرقاد، وقوله: غديت بمعنى صرت، وهي في العربية: غدوت بمعنى أصبحت، ثم شبه حاله المنطوية على الحزن لشدة هيامه بحال القراطيس المطوية، ثم يعجب من الذي يلومه، فكأنه يلوم فراخ القطا والحمام المخضبات (التي يشبه لون أرجلها بلون الخضاب وهو الحناء) وهن يطربن النواميس ويقصد بها الناس، والنواميس جمع نامسة في اللهجة» وهي الروح فجعلها خاصة بالناس.
ويستمر نقيان بن سالم في التعبير عن مشاعره، وهي عبارة عن شدة ولعه بالمحبوب ولعا يكاد يخرجه من مألوف عاداته، وهنا يطلب من (عبيد) ألا يعرض نفسه لمثل هذا البلاء الذي وقع هو فيه، لأنه سوف لا يكسب من التطلع إلى الجميلات سوى الأسى واللوعة، والغرق في بحور مظلمة من الحزن الذي لا يمكن أن ينقشع بنسيان.
وهذا كل ما وصلنا من القصيدة التي أظنها أكثر طولا من هذه الأبيات القليلة لأن قارئها يحس بفراغات بين الأبيات تدل على وجود أبيات لم يرد ذكرها، والظاهر أن المغنيين يختارون عادة بعض الأبيات من القصائد الطوال لأن غناء القصيدة الكاملة أمر مستحيل، ثم تشتهر هذه الأبيات وينسى الناس ـ للأسف الشديدـ باقي القصيدة.
غنى هذه الأبيات الفنان محمود الكويتي على لحن السامري المحبب، الذي قدم منه أغاني كثيرة معروفة، ومحمود الكويتي يغني مختلف الأغاني الشعبية، ويلحن لنفسه كثيرا منها، وله أغنية ارتبطت في أذهاننا بيوم العيد وبخاصة عيد الفطر، وهي:
العيد هل هلاله
كل الفرح يحلا له
حيث يعتبر سماعها من ا لإذاعة أو مشاهدتها من التلفزيون بمثابة إعلان رسمي عن حلول العيد، واسم محمود الكويتي هو محمود عبدالرزاق، وكان من مواليد سنة 1901م.
وغنى محمود الكويتيـ أيضاـ أغنية للشاعر نقيان بن سالم العميري، ذاعت في وقتها بين الناس لخفتها وسهولة ألفاظها، ولجمال الموسيقى المصاحبة لها، وهي قوله:
آه يا مرعوبْ
من تفاريق الولايفْ
كدر المشروب
صاحبي نابي الردايف
طرش المكتوب
هُوْ يبي قربي وخايف
سبة المحبوب
فتح اعيون العرايف
ذبني من صوب
بالتوجد والحسايف
من يسد النوب
يا فحل ويش انت شايف
وهو يوجه أبياته إلى صاحبه مرعوب، وهذا الرجل من سكان قرية الفنطاس، وكان يعمل بإحدى المدارس الواقعة في حي المرقاب، وقد توفي في نهاية الستينات من القرن العشرين، واسمه الكامل: مرعوب بن عبدالله القروي.
وهكذا نلم بصورة جميلة للشعر والغناء في قرية الفنطاس، هذه القرية التي كانت قطعة من الجمال المرئي والمسموع، وهي الآن قطعة اخرى من الجمال المعماري والاجتماعي ينشط فيها رجال أكفاء حافظوا على موقعهم، وعلموا أبناءهم بحيث تخرج منهم عدد وافر ممن يعمل في مختلف أجهزة الدولة، يخدمون وطنهم ويقدمون له أجل الخدمات في مقابل الحب الذي جعل أبناء الكويت كلهم يتعلقون بهم، ويعمقون معهم الصلات على مدى الأيام.
تاريخ النشر: الاربعاء 8/7/2009
|