شعر المناسبات الإسلامية في الكويت
شعر المناسبات الإسلامية في الكويت
بقلم: د. يعقوب يوسف الغنيم
المولد النبوي الشريف
شهر رمضان يقتضي منا أن نقف وقفة نتحدث فيها حديثاً غير الذي اعتدنا أن نقدمه كل يوم أربعاء في «الأزمنة والأمكنة» لأن الروح الدينية والروحية المسيطرة خلال أيام هذا الشهر ولياليه تتطلب أن نقدم شيئاً عن الأمور المتصلة بالنواحي المشابهة.
نجد في الشعر الذي تركه لنا شعراء الكويت القدماء كثيراً من ذلك، وهذا ما دفعنا إلى أن نجعل مقالات شهر رمضان لهذه السنة ذات محور واحد هو «شعر المناسبات الإسلامية في الكويت»، ولما كانت المناسبات الإسلامية متعددة. فقد وجدنا أن من الأفضل تقسيم الموضوع إلى أربعة أقسام بحيث يغطي كل قسم مناسبة من تلك المناسبات.
هذا ونحن عندما قلنا هنا عبارة شعرائنا القدماء فإننا نقصد أولئك الذين قدَّموا قصائدهم منذ فترة تصل إلى ستين سنة مضت وما حولها، وكانت البلاد في ذلك الوقت الذي أنشدوا فيه تلك القصائد تحتفل بالمناسبات الدينية احتفالات تليق بها. ومن ذلك أن دائرة معارف الكويت كانت ترعى احتفالات حاشدة عند كل مناسبة، وكانت المدارس كالمدرسة المباركية والمدرسة الشرقية ومعهد الكويت الديني تشارك في ذلك.
أما دائرة الأوقاف العامة؛ فكان لها دورها منذ أن صدر قرار إنشائها في سنة 1949م إلى اليوم، فهي لا تتأخر عن الاحتفاء بالمناسبات الإسلامية جميعها، وهي - على كل حال - مناسبات جديرة بالاحتفاء.
وسوف يكون أول مقال من مقالات الشهر المبارك مكتوباً عن القسم الأول منها وهو : «شعر المولد النبوي» وهذا هو موضوعه:
مولد الرسول الكريم من أهم المناسبات الإسلامية، به يحتفل الناس، ويعلنون فرحتهم، وكانت المساجد قبل أن تقوم المدارس والجهات الحكومية الأخرى تقوم بالمهمة، ففي مساجد تلك الأيام كانت الاحتفالات تقتصر على قراءة قصة المولد النبوي بعد صلاة العشاء من كل سنة، وكانت المساجد تكتفي بالمستمعين الذين يحرصون على المشاركة في هذه المناسبة السعيدة.
أما الاحتفالات المدرسية فهي متنوعة فيها الخطب والأشعار، وفي بعضها فصول من تمثيليات تاريخية لها دلالتها على المولد، وكان شعراء الكويت في ذلك الوقت يتبارون في تقديم ما لديهم من شعر ويتنافسون فيما بينهم كل منهم يريد أن يُقدّم الأفضل. ثم يقوم بعضهم بنشر ما قدمه في الاحتفال في إحدى المجلات الكويتية كالبعثة وغيرها.
ومن هؤلاء الشعراء الذين اعتادوا المشاركة في مثل هذه المناسبات الأستاذ أحمد السقاف الذي لم يترك مناسبة إلا وكان له صوت فيها، وقد نشر شعره، ثم أصدره مجموعاً في ديوان له صدر في سنة 1988م.
والأستاذ أحمد السقاف أديب وشاعر كويتي كبير، له إنتاج وافر أبدع فيه كل الإبداع، ومؤلفات عدة ملأى بالفوائد الثقافية والتاريخية والسياسية، وهو رائد من رواد الأدب الكويتي، بدأ نشاطه هذا منذ أمد طويل ، وأسهم في الحركة الأدبية في عدة مجالات منها الندوات التي كان يعقدها في منزله ويلتقي فيها ببعض المهتمين من أبناء البلاد. ومنها المشاركة في الاحتفالات التي تقام في المناسبات المختلفة وذلك ما أشرنا إليه قبل قليل، ومنها التأليف حيث نجد له مؤلفات كثيرة منها: الأوراق، والعنصرية الصهيونية في التوراة، وتطور الوعي القومي في الكويت، وله ديوان شعر شامل لكل شعره ذكرناه في ما مضى لنا من حديث. وأسهم الأستاذ السقاف في مجال الصحافة الكويتية حين أصدر في ربيع سنة 1948م مجلة «كاظمة» وكانت أول مجلة تصدر وتطبع في الكويت، وقد قام مركز البحوث والدراسات الكويتية في سنة 2001م بإعادة طبع كافة ما صدر منها في مجلد واحد.
وشارك في مجالات أخرى تحسب له، وتدل على اهتمامه بالنشاط الاجتماعي في الكويت فقد أسهم في قيام النادي الثقافي القومي، وتولى مسؤولية تحرير مجلته الإيمان وقام فيه بدور بارز من خلال أنشطته المتعددة.
وشارك – أيضا – في رابطة الأدباء الكويتيين، وكان أمينا عاما لها حتى سنة 1984م، وقام من خلالها بأنشطة كثيرة، ورأس وفودها إلى المؤتمرات الخارجية لعدة سنوات، وشارك في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عندما كان هذا المجلس يقوم بدوره الذي أقيم من أجله، وكانت مشاركة الأستاذ أحمد السقاف فيه قد بدأت منذ سنة 1972م حتى سنة 1976م.
وفي الأعمال الرسمية كان وكيلا لوزارة الإرشاد والأنباء (الإعلام) منذ سنة 1962م، وفي هذا المنصب قام بأعمال كثيرة تحمّل خلالها العبء الإعلامي والثقافي معا. ونشأت بجهوده مجلة «العربي» التي اختار لها الدكتور أحمد زكي لكي يكون رئيساً لتحريرها، واهتم بنشر وتحقيق المخطوطات العربية فصدرت في عهده مجموعة قيمة من تلك المخطوطات النادرة وكان آخرها كتاب «تاج العروس» وعدد آخر من الكتب التراثية. وكان كتاب تاج العروس قد استغرق وقتاً طويلاً حتى تم إنجازه بعد مغادرة الأستاذ السقاف للوزارة، وذلك لأن هذا الكتاب يتكون من مجلدات كثيرة.
وجرى – بعد فترة – تعيينه نائباً لرئيس الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي بدرجة سفير، وذلك في سنة 1965م، وبقي في عمله هذا إلى أن استقال منه في سنة 1990م تاركاً آثارا بارزة في مختلف البلدان التي كانت هذه الهيئة تعمل من أجلها.
وكان – رحمه الله – حريصاً على عمله الرسمي، يعتبره رسالة يقوم بأدائها، ولا يرضى إلا بالأفضل، ولهذا فهو يتشدَّدُ في اختيار العاملين معه لأنه يريدهم أن يكونوا جميعاً في مثل إخلاصه. وأن يتمتعوا بالحرص الذي جبل عليه حتى يكون ناتج العمل بعيدا عن النقد مرضيا لكل مراقب.
أما فيما يتعلق بالأعمال الأدبية الخاصة به، فقد استمر في انتاجها إلى آخر أيام حياته، فكان يقول القصائد، ويكتب المقالات، ويؤلف الكتب في كل ما يخطر على باله من موضوعات أدبية وفكرية. وكانت الروح القومية العربية بارزة في كل إنتاجه مما جعل له صفة مميزة، ووقعا في النفوس مختلفا.
وقد حزنا جميعا لوفاته في اليوم الرابع عشر من شهر أغسطس لسنة 2010م. رحمه الله.
٭٭٭
سوف تكون لنا وقفة مع ثلاثٍ من قصائد الأستاذ أحمد السقاف التي قالها في ثلاثة احتفالات جرت في الكويت في سنوات متفرقة، وكانت كلها حول المولد النبوي الشريف.
ألقى القصيدة الأولى من هذه القصائد الثلاث في احتفال أقامته المدرسة المباركية في سنة 1947، وقد صادف زمن الاحتفال صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وهو قرار صدر بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا. ولم يرض هذا القرار أحداً من العرب أو من المسلمين، وكان وقعه على أبناء فلسطين وقع الصاعقة، فقد جاءهم في وقت كانوا فيه ينتظرون الإنصاف من هذه الهيئة الدولية ولكن ظنهم فيها خاب، فما وجدوا إلا الاستمرار في الجهاد طريقا لتحرير وطنهم. وقد انتهز الشاعر فرصة الاحتفال للتعبير عن هذه الكارثة الجديدة غير المتوقعة، فذكر أن هذا القرار جاء لكي يدفع بنا إلى الجهاد فهو يعطينا إشارة البدء فيه، ويترك لنا أي عذر في التراخي.
بين فتك الظُْبى وخوض الملاحم
ظهر المجد وهو جذلان باسمْ
بارك الله في الجهاد ولا عا
شت نفوسُ تعيش عيش البهائم
ذا أوان النهوض يا معشر العُـ
ربِ، فلا عُذر بعد ذاك لنائم
وهو يرى أن الدول التي تكاتفت مع إسرائيل ودعت إلى الأخذ بمبدأ التقسيم هي التي سعَّرت الحرب وأعطت اليهود فرصتهم الذهبية حتى يدركوا مرامهم بابتلاع الأرض العربية وتدنيس القدس الشريف.
إنهم سعروا الحرب، وروعوا حرم القدس بهذا الحكم المتحيز الغاشم.
لقد هُزت الأرض إنكارا لفعلهم، ومادت فيها العُرْبُ والأعامم
وتعالت فيها نداءات: الله أكبر ممتدة من مصر إلى الهند من كل مصلٍّ وصائم.
سعَّروها وروعوا حرم القد
س بحكم بادي التحُيِّز غاشم
سعَّروها فّهُزتِ الأرض إنكا
را، ومادت في عُربها والأعاجم
فتعالت الله أكبر، من مصـ
ر إلى الهند من مصلٍّ وصائم
إنهم اختلقوا المزاعم لكي يبرروا إسنادهم لقرار التقسيم الغادر، وذلك ليأخذوا بثأر حطين التي حطمتهم وأبادت جموعهم، عندما انتصرت فيها جموع المسلمين بقيادة صلاح الدين على الصليبيين، في تلك الحرب التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، إذ قضت على آمالهم في البقاء على أرض فلسطين وما حولها.
ثم يوجه القول إلى هؤلاء الذين يدعون أنهم حماة السلام فيقول لهم:
يا حماة السلام منى سلام
محرق كالشواظ غضبان ناقمْ
ليس عدلا أن يُشنق العدل في القد
س، وان تُستباح منه المحارم
ليس عدلا أن تُنجزوا حلم صهيو
ن، وصهيون فاقد الرشد واهم
جَلَّ ما تطلبون يا أيها القو
م، وهيهات أن تَضام الأكارم
لقد أقسم العرب عل أن تصان فلسطين، وعلى ألا يروعها التقسيم، واستعدوا للجهاد:
فالعقال الأبيُّ شد على العز
م، وليثت على الثبات العمائم
ومضى الشاعر السقاف في قصيدته معبرا عن آلامه لما حل بأمته العربية، مُنَدِّدا بما اقترفته أيدي الجور ضدها وضد فلسطين التي باتت فريسة للتقسيم، ولقد جاء ذلك في الوقت الذي كنا ننتظر فيه أن تظهر الحقيقة، وأن يعود الحق إلى نصابه ولكن ذلك لم يتحقق بسبب الموقف الذي جارى الظالمين المغتصبين وأنكر حق أصحاب الحق.
٭٭٭
هكذا عبر شاعرنا عن إحساسه بالكارثة التي حلت بفلسطين نتيجة لقرار الأمم المتحدة بتقسيمها، وقد انتهز فرصة وقوفه في ذلك اليوم من شهر ربيع الأول لكي يطلق ما في نفسه ويُعَبِّر عن آلامه. ومن هنا اتجه إلى الرسول الكريم قائلا:
سيد المرسلين الهمتني الشعـ
ـر، فأسْكَتُّ صادحات الحمائم
وتغنيتُ إذ تغنيتُ بالمجـ
ـد، وبالعرب والحمى والصوارم
ومسحتُ الجراح في وحي ذكرا
ك، وذكراك للجروح مراهم
لقد كان قدومك – أيها الرسول الكريم – في يوم سعيد رقصت له البيد، وانتشت التهائم والوهاد، وصار الوجود كله يرفل في ثوب ناصع من البشر المطرز بعظائم ما شهدته البشرية جمعاء يوم المولد الشريف.
هذا الوجود الذي شهد عظائم الأمور وصارت:
تتنادى الفتوح فيه وتشتا
ق إلى ملتقى الليالي القوادم
انجبت خالدا وسعداً وأمسى
مِلءَ ساحتها الكماة الضراغم
إنها وثبة عظيمة حطمت صروحَ الطغيان وأبادت الطواغيت ثم هدَّت عروشهم وعواصمهم.
وفي آخر القصيدة يوجه قوله إلى الدهر طالبا منه أن ينحي عنه بعض صده، وأن يوجه نظره إلى تلك الحقبة الرائعة من حياة الأمة التي ازدانت بأعمال أولئك الجنود:
أيها الدهر بعض صدك واذكر
حِقَبا زانها الجدود بَوَاسمْ
نحن كالشمس لم يشنها إذا ما
حُجَبت ساعة وراء الغمائمْ
وفي هذين البيتين وهما آخر ما جاء في القصيدة التي عرضناها يعبر الشاعر عن أمله وأمل أمته بيوم جديد، يعاود المجد فيها وقوفه مع أبناء هذه الأمة ويقول إننا شمس تغيب أحيانا وراء الغمائم ولكنها باقية لا تزول بسبب ذلك. وسنبقى شمساً مشرقة تعم الدنيا وتعمر الكون على رغم من عادانا.
٭٭٭
كان الأستاذ أحمد السقاف في سنة 1950م ناظرا للمدرسة الشرقية، وكان يبرزها في أنشطة متعددة، ويسعى إلى جعلها شعلة متوهجة في ذلك الوقت الذي تحتاج البلاد فيه إلى من يقوم بمثل ذلك النشاط الذي يُحيي النفوس ويجدد الآمال بسرعة الوصول إلى التقدم المأمول. وقد أقام في تلك السنة حفلا باسم مدرسته الشرقية احتفالا بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشارك شخصيا في هذا الحفل بقصيدة عصماء عبَّر فيها عن سروره بهذه المناسبة وعن إجلاله للرسول الكريم.
تدل القصيدة على حزن دفين عاش بين أضلاع الشاعر في قلب أحب العروبة والإسلام، وتمنَّى أن تختلف تلك الأوضاع المؤلمة التي يعايشها في وقته ذاك، وبخاصة أن سنة 1950م كانت من السنوات العسيرة على الأمة وذلك لأنها جاءت بعد أن حلَّت بنا مأساة فلسطين ونكبنا جميعا بما حل بها، وكان الظلام سائداً فلا يرى عربي بارقة من أمل تُنبئ بمستقبل طيب مما أثر في الشاعر وهو يصوغ قصيدته. وقد ألهمه ذلك الموقف أن يعبِّر عن المأساة التي يراها رؤية العين وأن يستنجد برسول الله صلى الله عليه وسلم آملا تفريج الهم بإزاحة المأساة عن دروبنا. وهو يقول:
أملي لأنت، وأنت كل رجائي
يا باعثا ألمي وشجو غنائي
يا موطنا لعب الشتات بأهله
حتى غدا متعدد الأسماء
حاشاك تجحد ما بقيت قصائدي
ولو أنها دمع وبعض دماء
ويستمر الأستاذ السقاف في قصيدته، ذاكراً حيرته قائلاً لنفسه: ماذا أقول وقد تتابعت الرؤى وهي تحمل الأكدار والإرزاء معها. إنني مهما أجلت طرفي وجدت أمة تحيا على نزواتها وأهوائها، في الوقت الذي عاث الدخيل ببلادها مستغلا آفتها المسيطرة عليها وهي: الاسكانة لرغبة الدخلاء.
لقد تغير حال أمتنا حتى:
أضحت مجزَّأة وليس بنافع جسم تُبعثره إلى أشلاء
ذهبت مع الايمان كل عظيمة ومضى مع التوحيد كل علاء
ومع ذلك فإن الوطن لايستحق أن يكون وضعه على هذه الحالة السيئة التي وصفها الشاعر فقال:
يا موطنا لبسَ الهوان وأرضه أرض الخلود وجنة الشعراء
نظمت محاسنك الطبيعة مثلما نٌُظمت عقود لآلئ الحسناء
أجدب فليس العرب مهما طنطنوا أهلا لعيشة هذه الآلاء
والواقع أن من يقرأ هذه الأبيات الثلاثة وينتهي إلى آخر بيت فيها سوف يكتشف مدى اليأس المسيطر على الشاعر نتيجة لحيرته الناجمة عن مشاهداته في ديار قومه. وليس هذا فحسب، بل هو يتابع القول فيما هو أجلّ منه فيطلب من الوطن أن يُذيق أهله بؤس الحياة أضعافا مضاعفة وأن يتركهم وقد صاروا من جملة الفقراء وذلك لأنهم:
هم ضيعوك حماقة وتسابقوا ركضا وراء مشورة الأعداء
إنهم في جبن مسيطر عليهم حققوا لأجبن الجبناء ما كانوا يحلمون به، ولكنهم لا يصلون إليه. كان هؤلاء ليوث الغاب ولكنهم أخلوا غابهم فرقا وأسلموه إلى الحرباء. فأين الإباء؟ وأين كل مزية؟ بل أين الثأر للعزة والكرامة. إننا نرى اليوم ذلك الحديث عنهما نوعا من الكذب ننمقه لأنفسنا، ثم لا يفيدنا هذا التنميق بشيء.
ثم يقول:
لقد مضت خمسون سنة لم نحضر لأنفسنا فيها غير الكلام ومباريات الخطباء فيما بينهم. بينما غيرنا من الناس يحثُون الخطى إلى الأعمال وإلى التعمير والتقدم والرقي، لقد تركوا الكلام ومضوا في طريقهم إلى العلا وكأنهم الشهب، لقد كانت هممهم عظيمة وطموحهم عاليا، وهم يعرفون أن الكون قد جرى نظامه على ألا يكون العز للضعفاء.
ولكن الأمل في الأمة موجود ولذلك قال:
قومي وإن جار الزمان عليهم وتخاذلوا في الليلة اللَّيلاء
سيوحِّدُون صفوفهم كجدودِهم وسيثأرون بنخوةٍ وإباء
بأبي الكميّ مدججا بسلاحه يحمي مواطنه صباح مساء
ومن هنا يصل إلى الحديث عن المولد الشريف الذي كان الحفل قائماً من أجله فيقول:
رقصت لمولده بطاح تهامة وَهَفَتْ إليه روائع الصَّحراء
فهوى على الشرك الذميم مهدِّما وبنى من الإيمان أي بناء
هذا العالم السعيد بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو سعيد لأن في مولده قضاء على الشرك وتوحيدا للأمة، ومعه تتجاوب أصداء التكبير لله تعالى يرددها أسود الجزيرة الذين تحقق رجاؤهم حين ولد الهدى وعمت الدنيا أنواره.
٭٭٭
وفي سنة 1952م ألقى الأستاذ أحمد السقاف قصيدة ثالثة عنوانها: «في ركب محمد» وعلق عليها في ديوانه بقوله: «ألقاها الشاعر في احتفال ضخم بذكرى مولد الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم».
بدأ القصيدة بالتساؤل عن هذا الحفل الكبير الذي جمع الناس من كل مكان فتساءل: لمن الحفل؟ ولمن هذا الشعر العاطر؟ ولمن اجتمعت هذه الجماهير بأعدادها الزاخرة؟ هل هذا المهرجان لزعيم يحبه الشعب؟ أم لبطل شجاع بارز في ساحة المجد؟ قد عاد للوطن بعد انتصار فبذل الناس أقصى ما يقدرون عليه من أجل تكريمه. أم من أجل مليك عادل يشيدون به ويقيمون له منابر الثناء؟ ثم يتوقف الشاعر ليقول:
لا وربِّي هذا أجلّ من القصــ
ــد وأسمى مما ذكرت وأخطر
أنما الحفل للذي هزم الشر
ك، وأعلى في الكون «الله أكبر»
لقد عُرف الحق يوم ميلاده الميمون، وكان الحق يُهدر قبل ذلك.
وعرف بانتصاره على أعدائه بفضل تأييد الله له وبفضل شجاعته. ولقد أعز الله به العرب فانتصروا في مجابهتهم لأعدائهم أجل انتصار:
إنما العرب أمة الله في الأر
ض وعنها مصادر الخير تنشرْ
خَصَّها الله بالرسالة والمجــ
ــد، وبالمصلح الذي قد تَخَيَّرْ
أما وضع الأمة العربية في الوقت الذي ألقى فيه قصيدته، فلم يكن وضعاً حسناً وبخاصة بعد احتلال إسرائيل لجزء كبير من فلسطين:
إيه شعري قد ذاب جسمي للخطــ
ــب، وقلبي لهوله قد تفطَّر
ما عهدنا العرين يحتله قر
د، وعنه يزاح شبل وقَسْورْ
ثم يعيد القول مرة أخرى:
تفديك نفسي يا بلادي، فأنا حائر في هذا الوجود المزوَّر فواقع الأمر أننا في مجال الثراء أقوى وأقدر، وفي مجال الكثرة والعدد فإننا لسنا بأقل الشعوب بل نحن أكثر، أما العلوم فمنا هُذِّب الذوق والدماغ تنور:
فلماذا غزتك هذي الحثالا
ت، وفي أرضك العدوُّ تَنَمَّرْ
جلجلي يا صواعق الموت حتى
يُنسفَ الكون فالنهاية أجْدَرْ
ويختمها بقوله: يا بلادي أنت السناء من الكون وأنت الجمال الساحر، ولقد جاش شعري عليك حين أضاعوك فقد تفجر من قلبي الرقيق، فاقبلي شعري هذا لأنه أنَّةُ من جريح، وإنه الدم وقد سال من شهيد مُعَفَّرْ.
٭٭٭
هذه هي قصائد الأستاذ أحمد السقاف التي ألقاها بمناسبة المولد النبوي الشريف، ولاقت الاستحسان، ودلت على شاعريته المبهرة.
http://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?Id=210133
http://watanpdf.alwatan.com.kw/alwatanpdf/2012-07-25/42.pdf
http://watanpdf.alwatan.com.kw/alwat...2-07-25/43.pdf
__________________
***** ๑۩۞۩๑
{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين} هود114 ๑۩۞۩๑
*****
|