الطليعه
الأربعاء 29 نوفمبر 2006
العدد 1752
عبدالمالك التميمي ومرسل العجمي قدما قراءة تاريخية وشخصية
الوقيان يتناول الثقافة من منظور اجتماعي وكتابه يثير اهتمام الباحثين
·التميمي: المؤثرات الخارجية أحد عوامل الثقافة المبكرة في الكويت
·العجمي: عرفت الوقيان صديقا شاعرا واليوم هو باحث مؤرخ
·الوقيان: حكومة الظل تمارس رقابة فكرية وتغتال نموذج التنوع والثراء
كتب آدم يوسف:
ضمن فعاليات النشاط الثقافي المصاحب لمعرض الكتاب، أقام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ندوة أدبية تمحورت حول كتاب الدكتور خليفة الوقيان "الثقافة في الكويت·· بواكير واتجاهات" قدم خلالها د· عبدالمالك التميمي قراءة تاريخية، ود· مرسل العجمي قراءة شخصية·
أدارت الأمسية وقدمت لها الإعلامية أمل عبدالله وقد امتازت الندوة بتفاعل كبير من الحضور، حيث قدمت العديد من المداخلات حول منهج الكتاب والظروف والعقبات التي تواجه الباحث العلمي في الكويت·
في مفتتح الندوة ألقى الدكتور خليفة الوقيان كلمة أشار فيها الى التحديات والمشكلات التي تواجه الباحث ومنها مشكلة المنهج، وكذلك مصادر الدراسة، والمشكلة المتعلقة بهامش الحرية المتاحة للباحث، لافتا الى أن موضوع دراسته في الكويت هو الثقافة، والثقافة مفهوم متسع يستغرق العادات والتقاليد والقيم والأفكار والمعتقدات، وكل ما يتصل بالنتاج البشري تجاه الكتابة والإبداع·
مؤكدا صعوبة التحدث عن جميع المفاهيم السابقة في نطاق زمني محدود، فكلمة "بواكير" الواردة في عنوان الدراسة يختلف تعريفها في الشعر عنه في الرواية، أو المؤسسات الثقافية، فعملية التوازن كانت إحدى مشكلات المنهج·
ومن مشكلات المنهج التي أشار إليها د· الوقيان اختيار العنوان، وقال ربما يكون عنوان الدراسة "الثقافة في الكويت بواكير واتجاهات" عنواناً غير دقيق ولكنني اضطررت إليه حتى لا أقول "الثقافة الكويتية" فالدراسة في مجملها تتحدث عن "النموذج الكويتي" ويتبين كيف نشأ هذا النموذج، ووفق أية أسس قام واستمر حتى الآن، وما مقومات بقائه إن أردنا لهذا النموذج أن يبقى ويستمر·
وأشار د· الوقيان الى مشكلة أخرى كانت عقبة في طريقه هي مشكلة "المصدر"، فالمصادر التي كانت تهم الدراسة شحيحة للغاية، لأنها متعلقة بالمراحل السابقة للقرن العشرين·
وأبدى الوقيان أسفه لما يراه من أن بعض الناس يمتلكون وثائق ومصادر تفيد الباحث، ومع ذلك هم يضنون بها ويشحون بها على الباحث، ومن المفارقة أن هذه المصادر قد تذهب الى "سوق الجمعة" أو تأكلها الأرصفة والفئران، ولا يصل اليها الباحث، وضرب د· الوقيان بعض الأمثلة لهؤلاء الأشخاص الذين يمتلكون مدخرات ثمينة من الوثائق ويضنون بها على الباحثين·
وبين د· الوقيان أن المثقفين في الكويت يعانون في الوقت الحالي ضيق هامش الحرية، مشيرا الى أن المشكلة لا تتعلق بقانون المطبوعات، وإنما بالقوانين غير المكتوبة التي تقوم بتطبيقها "حكومة الظل" أو الحكومة الخفية في الكويت، وقال: أعتقد أن هناك حكومة أخرى غير الحكومة القائمة بموجب الدستور في الكويت، تمارس رقابة قاسية على المبدعين والباحثين والمفكرين، وتقوم بإيذائهم· لذلك يضع الباحث هذه الحكومة الخفية في اعتباره وهو يكتب، وإذا أراد لدراسته أو لإبداعه أن يذاع بين الناس فهو مضطر لأن يتقيد بشروط وتعليمات هذه الحكومة الخفية إلى حد ما، وأوضح الوقيان أن هذا الأمر يضر كثيرا بالثقافة الكويتية، لأنه إذا ما قدر لهذه الحكومة إمضاء رأيها أو إنفاذ رأيها فهذا معناه أن النموذج الكويتي القائم على التنوع والثراء سوف يختفي، وسوف تتحول الكويت الى دولة تحكمها وجهة نظر واحدة مغلقة جدا، مما قد يؤدي الى تفجر المجتمع وتحوله الى شظايا عرقية وطائفية ···الخ·
الباحث د· عبدالمالك أشار في ورقته التي قدمها الى أن د· الوقيان يرجع الاهتمام المبكر بالثقافة إلى أربعة عوامل هي طبيعة السكان وطبيعة الموقع والنظام السياسي والمؤثرات الخارجية، ويشير في العامل الأول "حول طبيعة السكان" الى أن الوقيان ركز على أن المهاجرين من البدو الرحل قد أقاموا في الكويت لسبب أساسي هو الأمن بعيدا عن الصراع القبلي والعرقي والطائفي في المناطق المجاورة، وكذلك للبحث عن الكلأ، وليسمح لي الأخ خليفة بالقول إن قضية البحث عن مكان آمن فعلاً كانت القضية الرئيسية في خضم الصراع القبلي الذي شهدته مناطق مثل وسط وشمال وشرق الجزيرة العربية وجنوب العراق هذا في النصف الأول من القرن الثامن عشر بيد أن منطقة الكويت وحتى قبل تسميتها بالكويت قد شهدت استيطاناً بشرياً قبل قيام الكيان بفترة تقارب القرن من الزمان، وقد أشار د· خليفة الى نشأة الكويت في الربع الأول من القرن السابع عشر، أما بحث البدو والرحل عن الكلأ فلم تكن الكويت جاذبة للرعي حينها بل أعتقد أن موقعها على ساحل الخليج وعلى رأسه هو الذي أغرى المهاجرين الأوائل بعد سني القحط التي أصابتهم في وسط الجزيرة العربية وأشار المؤلف الى ذلك القحط فهو العامل الرئيسي أو يتساوى مع عامل البحث عن مكان آمن في الأهمية، ذلك يعني أن العامل الاقتصادي كان المحرك لتلك الظاهرة التاريخية، فالخليج العربي قديم بتجارته العابر ومراكزه التجارية ومصائد اللؤلؤ منذ العصور الوسطى لا بل منذ القديم، فقد ذكر د· خليفة بأن العتوب القادمين من الجزيرة العربية توجهوا في بادىء الأمر الى الزبارة في قطر، وأتقنوا فيها مهنة الملاحة والغوص على اللؤلؤ ومنها ارتحلوا الى الكويت ثم جاءت الهجرات الأخرى من المناطق المحيطة بالكويت، ومن المهم التأكيد على وجود استيطان بشري في هذه الأرض قبل العتوب·
ويستطرد قائلا: لقد ذكر المؤلف مصطلح أو مسمى المدن مثل نشأة مدينة الكويت وهجرة العتوب من مدن الجزيرة العربية إلخ··، وخوفاً من أن يفهم ذلك بالمعنى المعاصر للمسمى فهي قرى وحواضر أكثر منها مدنا بالمفهوم المتداول اليوم للمدينة، فقد تطورت لتصبح مدناً ولكن لم تكن مدنا في النشأة فالمدينة تعني التمدين والحضر وهذه العملية قد أخذت زمنا حتى أصبحت كذلك· في ص 16 و17 عند الحديث عن الرحالة الذين زاروا الكويت وتحدثوا في مذكراتهم عن ازدهار تجارتها وصناعة السفن فيها بدأ الباحث بالكولونيل لويس بيلي الذي زار الكويت عام 1863 ومن جاؤوا بعده، في الحقيقة هناك رحالة أجنبي قد زار الكويت قبل ذلك بقرن من الزمان ووصف الكويت وتجارتها هو الرحالة الدنماركي كارستن نيبور في عام 1765م، وأعرف أن المؤلف هنا يذكر أمثلة على ذلك ولا يؤرخ لكتابات كل الرحالة وهنا تجدر الإشارة الى أن كتابات الرحالة الأجانب عن الكويت في ذلك الوقت المبكر تعتبر المصدر الأساسي عن تلك الحقبة المبكرة ومن دونها لا يمكن معرفة تلك النشأة وذلك الازدهار التجاري، وينتقد د· خليفة أولئك الذين ربطوا جذور الثقافة في الكويت بالتعليم الحديث وأنا من بينهم، ويقول: "إن التاريخ الثقافي في الكويت أقدم من ذلك حيث إن الثقافة لا ترتبط بالتعليم النظامي الحديث فقد كان يدير الكتاتيب والمدارس في العقود الأولى من القرن العشرين (علماء) لم يدخلوا التعليم النظامي، وهناك مخطوطات لكتب ألفها مثقفون في القرن التاسع عشر وربما قبل ذلك"· أما طبيعة موقع الكويت كعامل لبواكير الثقافة فيها فيركز على أن فقر الكويت عند النشأة قد خلق لدى سكانها تحديا لظروف الحياة القاسية والإصرار على خلق الظروف واستغلال البحر كمورد أساسي للرزق في التجارة، والغوص على اللؤلؤ، وصيد السمك، وجعل الكويت محطة ومركزاً لنقل البضائع الى المناطق المجاورة برا وبحرا· وكون الكويت تقع على طريق الحج لعدد كبير من الحجاج المسلمين فقد ساعد ذلك على التعرف إلى ثقافة الآخرين·
الباحث د· مرسل العجمي قدم قراءة شخصية في كتاب الوقيان وقال:
عرفت الدكتور خليفة الوقيان ثلاث مرات في حالات ثلاث، جاءت المرة الأولى في منتصف السبعينات، أثناء دراستي في جامعة الكويت، ففي ذلك الزمان الجميل، قابلت الوقيان الشاعر عندما قرأت ديوان "المبحرون مع الرياح"، ثم تعمقت المعرفة والصحبة الشعرية عبر صفحات "تحولات الأزمنة" و"الخروج من الدائرة" و"حصاد الريح"· وأصارحكم بأنني قد فرحت بهذا الصوت الشعري المتميز، الذي نقل الشعر الكويتي - مع زملائه الآخرين - الى مستويات فنية تضارع أنضج التجارب الشعرية العربية المعاصرة، في المرة الثانية، قابلت الوقيان / الباحث عبر كتابه القيم "القضية العربية في الشعر الكويتي"، ثم تطورت هذه العلاقة بعد قراءتي لكتابيه" شعر البحتري: دراسة فنية و"الثقافة في الكويت: بواكير واتجاهات"· وأعترف لكم بأنني قد استفدت كثيرا من هذه الكتب الثلاثة، التي كشفت عن دقة الباحث في مقاربته لمواضيعه، وعن تدقيقه في بسطه لقضاياه، وعن توثيقه لمعلوماته ومصادر دراسته، مما جعل هذه الكتب الثلاثة نموذجا ممتازا للبحث العلمي الرصين، في أوائل التسعينات عرفت الوقيان/ الإنسان، وذلك عندما عرفته معرفة شخصية عبر لقاءاتنا المتكررة في رابطة الأدباء والتي بدأت منذ عقد من الزمان، ولا أخفيكم أني عرفت إنسانا نبيلا، وكسبت صديقا رائعا، عرفت فيه تواضع الكبير، وتدقيق الباحث، وتحري العالم، وإشفاق الصديق، لهذا لا تستغربوا إذا قلت: "إن زمانا جاد بمعرفة الوقيان - في حالاته الثلاث - لزمان كريم"·
وتوقف د· العجمي عند عنوان الكتاب حيث قال: ستكون وقفتي الأولى أمام عنوان الكتاب الذي جاء على هذا النحو: "الثقافة في الكويت: بواكير واتجاهات"، بعد فراغي من قراءة الكتاب، وجدت الباحث قد تقيد بعنوانه وأنجز وعده أو عقده مع القارىء بصورة كاملة، فعلى مستوى العنوان يعلن المؤلف أنه سيبحث في الثقافة بمعناها العام الذي يستوعب الأدب والموسيقى والغناء والفنون التشكيلية، وهكذا أرضى توقع القارىء الذي ينظر الى كلمة الثقافة بهذا المعنى الواسع، من ناحية أخرى، يُلاحظ أن المؤلف قد تحوّط عندما أضاف "بواكير واتجاهات" مستبعدا صيغة التعريف عن الكلمتين، حتى لا يقع في مأزق الزعم بأنه سيقدم كل البواكير "لكل" الاتجاهات"، وذلك لأن الباحث لا يسعه القول إنه قد وصل أو حصل على "كل" ما كتب من بواكير، كما لا يسعه القول - مرة أخرى -- أنه تحدث عن "كل" الاتجاهات نتيجة للمقدمة السابقة·
اقتراحان
وفي ختام ورقته قدم د· العجمي اقتراحين أولهما يتعلق بوضع ملحق نماذج نصية تقدم أجناسا أدبية مختلفة، وتغطي فترات زمنية متتالية، وثانيهما، يتمحور حول نقطة شكلية تتعلق بعنوان وعناوينه الداخلية، ويقول كما تعرفون، فقد جاء عنوان الكتاب على هذا النحو: الثقافة في الكويت: "بواكير واتجاهات"، وعنوان الفصول بالعناوين الداخلية التالية: الفصل الأول: عوامل الاهتمام المبكر بالثقافة، الفصل الثاني: مظاهر الاهتمام المبكر بالثقافة، الفصل الثالث: اتجاهات فكرية، والفصل الرابع: ريادات إبداعية· ويلاحظ غياب كلمة "بواكير" من متن الكتاب، وظهور "ريادات" في الفصل الرابع، وأحسب أن هذا الغياب والظهور أثر على نسقية العنونة بين العنوان الخارجي والعناوين الداخلية· وهنا استميح المؤلف العذر في أن أقدم له اقتراحا لا يلزمه بطبيعة الحال، ولكنه تبادر الى ذهني بعد أن فرغت من قراءة الكتاب· ويتمثل هذا الاقتراح في إضافة كلمة "ريادات" في العنوان الخارجي، وفي زيادة كلمة "بواكير ثقافية" على الفصلين الأولين، ليصبح العنوان الخارجي - في الطبعة الثانية، إن شاء الله - على هذا النحو:
الثقافة في الكويت: بواكير واتجاهات وريادات، وتصبح العناوين الداخلية هكذا:
- الفصل الأول: بواكير ثقافية:: عوامل الاهتمام بالثقافة·
- الفصل الثاني: بواكير ثقافية: مظاهر الاهتمام بالثقافة·
- الفصل الرابع: ريادات إبداعية·