دور سمو الأمير صباح الأحمد في كتابة تاريخ الكويت
القبس - 26 مارس، 2019
جرت أول محاولة رصينة وجادة لكتابة تاريخ الكويت على يد المؤرخ والأديب الكويتي عبد العزيز الرشيد، فكان أول من دون تاريخها في مؤلف واحد هو كتاب «تاريخ الكويت»، الذي خرج إلى النور عام 1926. ومع تزايد الاهتمام الإقليمي والدولي بالكويت، خصوصاً بعد ظهور النفط وتصديره، ظهرت الحاجة الى مؤلف تاريخي واضح يبرز أهميتها ودورها ويستطيع التصدي للتحديات والادعاءات التي تواجهها، فكان تاريخ الكويت المزمع كتابته مطالباً بالخروج من المشهد المحلي الشفوي، إلى واقع أكثر دقة ومنهجية، يضع في الحسبان التطورات المتسارعة التي تمر بها الإمارة نحو الاستقلال والدستور. جاء عام 1959م ليشهد أهم حدث، حيث شُكلت لجنة رسمية وأخذت الدولة المهمة على عاتقها. وكان سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد معنيا بشدة بإنجاز هذا المؤلف، وربما كان وجود سموه على رأس دائرة المطبوعات والنشر في ذلك الوقت أكثر إدراكاً لحاجة الكويت إلى تدوين تاريخها. ذكر بدر خالد البدر في مذكراته «رحلة مع قافلة الحياة» أنه عند عودته من لندن في 1959م ومع سابق معرفته بأن سمو الشيخ صباح الأحمد لديه رغبة ملحة في كتابة تاريخ للكويت اعتماداً على المصادر الموثوقة، يكون مرجعاً يعتمد عليه، أعاد طرح الموضوع وشرح لسموه ضرورة المضي في هذا المشروع. وأوضح البدر أنه كان دائم التواصل مع سموه لإطلاعه على المستجدات بخصوص هذا الأمر.
تشكيل اللجنة
قدم سمو الشيخ صباح الأحمد مقترحه إلى «المجلس الأعلى»، وفي 15 ديسمبر1959م وافق المجلس على الاقتراح، وأصدر قراراً بتكليف سموه برئاسة اللجنة، التي ضمت كلا من: عبد الحميد الصانع ونصف اليوسف النصف وأحمد بشر الرومي ودرويش المقدادي (فلسطيني الجنسية) ومحمد العتيبي وبدر الخالد البدر، الذين قاموا بتعيين سكرتير للجنة هو عبد العزيز الصرعاوي. وحتى نستطيع تفهم السياق التاريخي لعمل اللجنة وكيفيّة خروج مؤلفها للنور نستعرض بشكل مبسط ما أحاط بها، وكيفية اختيار اعضائها، بما فيها الدوافع والأسباب التي أدت في البداية لاختيار مؤرخ عراقي للتصدي لكتابة تاريخ الكويت ومن ثم الانتهاء باختيار الباحث الفلسطيني أحمد مصطفى أبي حاكمة ليكمل المهمة. ففي 28 ديسمبر 1959؛ عقد أول اجتماع للجنة، وجرى تكليف الصرعاوي والمقدادي بوضع خطة عمل، وقدّم الاثنان الخطة التي تضمنت الخطوط العريضة للمؤلف المزمع كتابته. وبناء على هذا التصور اتخذت اللجنة في 18 يناير 1960م قرارات منها: أولاً: يُكتب تاريخ الكويت، منذ النشأة وحتى وفاة الشيخ مبارك الصباح، وتتناول الدراسة تاريخ المنطقة، جغرافيتها، السكان الذين سكنوها والآثار الحضارية وصلاتهم بمختلف الشعوب. ثانياً: تأريخ متى وكيف نشأت الكويت والقبائل التي سكنتها والمواطن الأصلية التي هاجرت منها هذه القبائل حتى استقرت بالكويت، مع وصف معالم الحياة الاجتماعية، وأعمال السكان وأهمية هذه المعالم في حياة أهلها واتصالاتهم بالعالم الخارجي.
تجميع الوثائق
وفي ذلك الاجتماع اتخذ قرار الاستعانة بالباحث الفلسطيني أبو حاكمة، وتكليفه بتجميع الوثائق والمستندات المتعلقة بالإمارة.. وفي الاجتماع الثالث للجنة وقع الاختيار على الأكاديمي العراقي عبد العزيز الدوري أستاذ التاريخ العربي الإسلامي ليتولى إعداد الكتاب. وفي 4 مايو 1960م قررت اللجنة انتداب حسين خلف خزعل للعمل معها، وفي جلسة 29 مايو 1960 ناقشت اللجنة مواضيع منها تكوين لجنة تقوم بدراسة كتب التاريخ التي تدرس في مدارس الكويت وتصحيح ما قد يكون بها من أخطاء. وفي 21 يونيو 1960م، قررت اللجنة أن يقوم بدر الخالد وأحمد بشر الرومي بمعاونة الدوري في مهمته، وفي جلسة 24 يوليو 1960م وبعد عودة خزعل من مهمة جمع المصادر والوثائق من العراق قدم تقريراً للجنة بما قام به، وتمت إعادته إلى العراق لاستكمال مهمته. وفي جلسة 23 أكتوبر 1960م التي حضرها عبد العزيز حسين طرحت اللجنة تخوفها من اتجاهات لدى البعض قد تضر بتاريخ الكويت المكتوب لطلبة المدارس، وأشار عبد العزيز حسين الى أنه سيكلف لجنة بدراسة هذا الأمر.
فتور العمل
خلال عمل سمو الشيخ صباح الأحمد في إدارة المطبوعات والنشر جرى إصدار الجريدة الرسمية (الكويت اليوم)، وتم إنشاء مطبعة الحكومة، وإصدار مجلة العربي وإعادة نشر الكتب والمخطوطات القديمة، وإصدار قانون المطبوعات والنشر. ويمكن القول إن هذا النشاط للشيخ صباح الأحمد ربما انعكس على عمل اللجنة، فبعد نشاط واضح في نهايات عام 1959 وطوال عام 1960، فتر عمل اللجنة وتوقف نشاطها. ولمعرفة أسباب ذلك يمكن القول إنه تم في 19 يونيو 1961 الإعلان رسمياً عن استقلال الكويت وتصاعد أزمة الستينيات التي افتعلها عبد الكريم قاسم. وفي 17 يناير 1962 تم تشكيل أول مجلس وزراء في الكويت، وعُيّن الشيخ صباح الأحمد وزيرًا للإرشاد والأنباء، وفي 28 يناير 1963، عين وزيرًا للخارجية، كما شغل في الفترة من 29 ديسمبر 1963 الى 13 مارس 1964 منصب وزير الإرشاد والأنباء بالوكالة. ويبدو أن انشغاله بمسؤوليات وزارتي الخارجية والإرشاد والأنباء قد حدّ كثيراً من نشاط اللجنة، لا سيما مع انكشاف طبيعة الأطماع العراقية.. والأشد ألماً أن اللجنة فوجئت بسرقة الكثير من الكتب والمخطوطات والوثائق والمراسلات القيمة من قبل حسين خزعل الذي كتب الجزءَ الأول من كتابه «تاريخ الكويت السياسي» عام 1962.
استكمال العمل
في عام 1965م قامت اللجنة بتكليف أبي حاكمة باستكمال كتابة كتاب تاريخ الكويت، وكان وقتها يعمل في الجامعة الأردنية. وكانت اللجنة قد فقدت في ذلك الوقت عدداً من أعضائها منهم المقدادي والعتيبي، فجرى تصعيد سكرتير اللجنة الصرعاوي ليصبح أحد أعضائها، وعُيِّن إبراهيم الشطي في منصب سكرتير اللجنة وكذلك د. يعقوب الغنيم. ويمكن القول ان أبا حاكمة وخلال المناصب الأكاديمية التي تولاها لم يكن متفرغاً تفرغاً كاملاً للعمل مع اللجنة. وهو يذكر أنه خرج من الكويت في عام 1958م لاستكمال دراسته بلندن ولم يعد إليها إلا في أواخر نوفمبر 1964م. وفي أوائل عام 1965م أصدرت اللجنة قرارها بالاستعانة بالدكتور أبي حاكمة لاستكمال كتابة تاريخ الكويت، وخرج الكتاب الى النور في طبعته الأولى عام 1967م، تحت عنوان «تاريخ الكويت، الجزء الأول، القسم الأول – لجنة تاريخ الكويت 1967م» .
د. عبدالله محمد الهاجري رئيس قسم التاريخ – جامعة الكويت
|
العرض العادي
