دراسة قيمه بمجلة العربي قبل خمس وأربعين سنة استعرضت تاريخ الكويت الاقتصادي والاجتماعي والسياسي
«الكويت قبل الزيت»
مقالة لأول رئيس برلمان كويتي
العم عبدالعزيز حمد الصقر
كتب طلال الرميضي
من أمتع الدراسات التي كتبت عن تاريخ الكويت السياسي والاقتصادي والاجتماعي مقالة تاريخية هامة سطرها رئيس مجلس الأمة الكويتي قبل خمسة وأربعين سنة السيد عبدالعزيز حمد الصقر تناول خلالها نواحي مختلفة من تاريخ دولة الكويت ، وبأسلوب جميل ممتع ، وقبل عرض هذه المقالة القيمة التي نشرت بمجلة العربي في عددها السابع والستين الصادر شهر يونيو من عام 1964م ، نود أن نتعرف على كاتبها وشذرات من تاريخ حياته السياسية والاقتصادية الحافلة بالاحداث والمشاركات الكثيرة .ثم نستعرض هذه المقالة بقراءة سريعة ، ثم نعرضها بالكامل للسادة القراء أملا أن تحوز على اهتمامهم كما حظيت على إعجابنا، سائلين الله عز وجل أن يتغمد روح كاتبها فسيح جناته.
رئيس السلطة التشريعية
ولد السيد عبدالعزيز حمد عبدالله الصقر عام 1913م في مدينة الكويت بمنطقة القبلة في بيت كويتي عريق فوالده كان رئيسا لمجلس الشورى في عام 1921م ذلك المجلس الذي كان أول مجلس بتاريخ الكويت الديمقراطي .
وعرف السيد عبدالعزيز الصقر من الرموز السياسية بالكويت ،وله تاريخ مشرف في مشاركاته البارزة في تاريخ الكويت المعاصر،فهو رجل قدم الكثير لأبناء وطنه ،واتسم رحمه الله بالحكمة والحنكة والقوة في اتخاذه للقرارات الهامة ومن أبرزها استقالته من عضوية مجلس الأمة بعد تزوير الانتخابات سنة1967م.
وإذا أردنا أن نسلط الضوء على أهم مساهماته فقد ساهم بتأسيس بنك الكويت الوطني في عام 1952 والخطوط الجوية الكويتية في عام 1954 وشركة ناقلات نفط الكويت في عام 1957 وشركة السينما الكويتية في 1957، كما ساهم في تأسيس غرفة تجارة و صناعة الكويت في عام 1959 وترأسها لمدة 36 سنة.
كما إنه كان عضوا في المجلس البلدي في عامي 1952 و1955 وانتخب أيضا عضواً في المجلس التأسيسي في عام 1962، وكان عضواً في مجلس الأمة لعام لدورتين سنتي 1963 و 1967م وانتخب كأول رئيس لمجلس الأمة عام 63م ،وعندما قامت السلطة بالكويت بحل مجلس الأمة عام 1986م يتذكر عام 1989م قيام العم عبدالعزيز الصقر الجميع بحملة شعبية مطالبة بعودة العمل بالدستور دشنها بعريضة تحمل توقيعه مع وجهاء الكويت وتجارها ويسميها الناس «عريضة عبدالعزيز الصقر» ورفعت آنذاك إلى سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد أمير الكويت .
كما تولى عام 1962م منصب وزير الصحة في أول مجلس للوزراء بتاريخ الكويت.
كما كانت له أيادي بيضاء يعرفها الجميع وتبرعات سخية في مساعدة الآخرين ومنها مشاركته في دعم جمعية الهلال الكويتي .
مقالة تاريخية هامة
نشرت هذه المقالة في مجلة العربي الكويتية التي كان يترأس تحريرها الدكتور احمد زكي ، وقد كان يبذل جهودا كبيرة في اختيار المواد المنشورة بها للرقي بمستواها ، ومن هذه المقالات القيمة التي نشرت في العدد السابع والستين والصادر بشهر يونيو من سنة 1964م هذه الدراسة التاريخية الهامة بقلم رئيس البرلمان الكويتي العم عبدالعزيز حمد الصقر والتي تحمل عنوان الكويت قبل الزيت وتحدث خلالها عن جوانب مختلفة من المجتمع الكويتي ما قبل النفط مستعرضا الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيه ، وبأسلوب أدبي رائع يستمع به العامي قبل المثقف ، شارحا حياة الأجداد وما كانوا يكادحونه من مشاق وعناء من اجل كسب قوتهم ، حيث تطرق إلى مهنة الغوص على اللؤلؤ وتفاصيلها الدقيقة ثم تحدث عن أبوام السفر الشراعي والتي تحمل البضائع والسلع الى ابعد البنادر والموانئ مبرزا الدور الكبير التي قامت به الكويت ليجعلها في مركز مرموق بالملاحة العربية ، مبرزا أمانة التجار الكويتيين ومحافظتهم على كلمة الشرف التي تعد أقوى من وثيقة تبرم بينهم ، داعيا على ضرورة المحافظة على هذا التراث العريق ،كما تناول الحياة الاجتماعية كاشفا أواصر التكافل والتعاون بين الأهالي وضاربا أروع الأمثلة الجميلة التي جرت بالماضي ويختم مقالته القيمة بالحديث عن الناحية السياسية بين الحاكم والمحكوم مؤكدا بأن الشورى أساس العدل بهذه الأرض الطيبة وأنه لا حجاب بين حكام الكويت وشعبهم .
خلاصة هذه الدراسة الممتعة تراث عريق وتاريخ جميل لأمارة الكويت قبل تفجر الذهب الأسود في أراضيها كشفه هذا الكاتب الذي يرتقي هرم السلطة التشريعية آنذاك.
واليكم نص المقال:
« الكويت قبل الزيت »
إن الحكم على اي مجتمع من اي ناحية من النواحي لا يكون صحيحا اذا لم يكن صدور هذا الحكم على ضوء ماضيه القريب بل وماضية البعيد.
فقد يكشف هذا عن ان ما قد يبدو للعين المجردة كأنه طفرة كبيرة، ليس الا تطورا طبيعيا لماضي المجتمع، واستكمالا منطقيا لحلقات تطوره العادية المتتابعة.
وقد يكشف النظر الى الماضي عن عكس ذلك تماما. لهذا راقني وقد شغل الكثيرون بالكلام عن حاضر الكويت في عهد الزيت، ان اتكلم عن ماضي الكويت قبل الزيت.
ومثل هذا الكلام لا تكمل حلقاته الا اذا تناولت هذا الماضي من النواحي الاساسية الثلاثة.
الاقتصادية.
الاجتماعية.
والسياسية.
ملتزما الإيجاز الذي لا يتسع المقام لاكثر منه، وذلك على النحو التالي.
الناحية الاقتصادية
قبل ان يبرز النفط كمورد رئيسي للكويت في اعقاب الحرب العالمية الثانية، كان لهذه البلاد اقتصاد قومي مزدهر تزايد ازدهاره بصفة خاصة خلال الفترة التي مرت من بدء الحرب العالمية الاولى حتى نهاية الحرب العالمية الثانية «وذلك باستثناء فترة الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم حوالي سنة 1930، وكان لها بالطبع صدى في الاقتصاد الكويتي».
ويمكن القول بأن ذلك الاقتصاد الكويتي السابق على النفط كان يقوم على ثلاثة مقومات أساسية هي: الغوص وراء اللؤلؤ، والملاحة، والتجارة.
وسأحاول إعطاء فكرة عن كل هذه المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي القديم.
الغوص
كان استخراج اللؤلؤ مهنة أساسية في الكويت ذات دور رئيسي في الدخل القومي، وكانت ترتبط بها وتكملها مهنة الاتجار في اللؤلؤ، وقد بلغت مهنة الغوص أوجها منذ حوالي الخمسة والأربعين عاما، حيث بلغ عدد السفن الكويتية العاملة في الغوص حينذاك حوالي الألف والمائتي سفينة، وكان يتراوح عدد أفراد السفينة بين خمسة أشخاص وخمسة وسبعين شخصا تبعا لحجمها، وكان هؤلاء الأشخاص- فيما عدا الربان- مجموعة ممن يسمون «الغيص» و«السيب»، ويقصد بالأول الشخص الذي ينزل إلى البحر لاستخراج اللؤلؤ، أما «السيب» فهو الشخص المكمل لعمل «الغيص» إذ انه هو الذي يشده إلى سطح الماء عند تلقي أو إشارة منه بذلك، بالإضافة إلى أعماله الملاحية الأخرى باعتباره المسؤول عنها دون «الغيص»، الذي تقتصر مهمته على عملية «الغوص» وحدها.
مهنة تقليدية تتلاشى
وانه لمن دواعي الاسف الشديد ان هذه المهنة التقليدية في الكويت، وفي الخليج عامة، قد اخذت بعد ذلك الازدهار الذي اشرت اليه تتلاشي عاما بعد عام. فإذا بعدد السفن الكويتية السابق ذكره يتناقص حتى لم يبق منه في الوقت الحاضر الا سفينة واحدة «يملكها السيد راشد بن علبان». ويعمل عليها حوالي الخمسة والاربعين شخصا.
ولا شك ان لهذه الظاهرة المؤسفة اسبابا متعددة أدت الى اندثار تلك المهنة وانقراض السفن الكويتية، ومن اهم هذه الاسباب في نظري ظهور اللؤلؤ الذي يربيه اليابانيون في المحار اصطناعا «المعروف في الانكليزية باسم الكلتشر Culture، وانتشاره على نطاق واسع، وتأثيره الكبير على سوق اللؤلؤ الطبيعي.
كما ان التطورات الفكرية والاجتماعية في العالم قد طورت في نفس الوقت نظرة الانسان الى الكماليات، ومنها اللؤلؤ، فتحول الكثيرون عنه الى مظاهر كمالية اخرى مستحدثة اصبحت معها النظرة الى اللؤلؤ الطبيعي والاقبال عليه غير ما كانت عليه الحال قبل هذا التطور.
كذلك ادى ظهور مورد النفط في الكويت الى مضاعفة هذا التحول عن مهنة الغوص، فقد نجم عن ظهوره هذا تغيير كبير في حياة الكويت الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، ففتح ابوابا جديدة مريحة للعمل وكسب الرزق، وهي لا شك اقل مشقة بكثير من مهنة الغوص، واكثر فائدة ودخلا، فتحولت اليد العاملة عن الغوص الى غيره مما زاد اجورها فيه بدرجة كبيرة، وذلك في الوقت الذي تدهور معه دخل الغوص وانخفضت اسعار اللؤلؤ الطبيعي في الاسواق العالمية.
تجارة اللؤلؤ
اما الشق المكمل لعملية استخراج اللؤلؤ فهو تجارة اللؤلؤ، فقد تخصص البعض في هذه التجارة في الكويت وسائر بلدان الخليج العربي، وكان عمل هؤلاء التجار مرتبطا بعملية الغوص، يبدأ ببدئها، ويساير رحلات سفن الغوص، وكان التجار ينتقلون بين هذه السفن وموانيها ويشترون محاصيلها. وكانوا كثيرا ما يقدمون بعض القروض مسبقا الى بعض اصحاب سفن الغوص، فيلتزم هؤلاء بأولوية البيع للتاجر الذي قدم القرض. وعند نهاية الموسم- وكانت مدته اربعة اشهر- كان بعض تجار اللؤلؤ يبيعون بضاعتهم محليا أو في البحرين ذات الاهمية الكبيرة في تجارة اللؤلؤ، في حين كان البعض الآخر يسافرون الى «بمباي» أو يرسلون بضاعتهم اليها، باعتبارها المركز الرئيسي في الشرق لتجارة اللؤلؤ بمثل ما تعتبر باريس مركزا لهذه التجارة في الغرب.
ومن الطبيعي ان يمتد التطور والكساد السابق ذكرهما بخصوص استخراج اللؤلؤ الى تجارته كذلك، فأخذ التجار يهجرونها تدريجيا لذات الاسباب حتى اصبح هذا النوع من التجارة في حكم المنعدم بالكويت في الوقت الحاضر.
الملاحة
مارست الكويت النقل البحري منذ تاريخها القديم، وقد ازدهرت الملاحة في هذا البلد مع الزمن، وبخاصة بعد نشوب الحرب العالمية الاولى حيث طرأ على السفن الكويتية تطور ملموس، فازداد عدد قطعها وارتفعت كمية حمولاتها، ثم تتابع هذا التطور حتى الحرب العالمية الثانية. وقد وصل عدد هذه القطع الى حوالي مئة وثمانين سفينة يتراوح عدد افراد الواحدة منها بين 12 و45 شخصا، كما تراوحت حمولة السفينة الواحدة بين 90 و500 طن، وقد بلغت جملة الطاقة المقدرة لحمولات مجموع سفن الاسطول التجاري وقت ازدهاره حوالي الثلاثين الف طن.
ويلاحظ ان جملة البضائع التي كانت تشحن سنويا بهذا الاسطول كانت تزيد على هذا التقدير الاسمي للحمولات نظرا لتعدد رحلات السفينة الواحدة «ذهابا وايابا» خلال العام الواحد.
كذلك يلاحظ انه بالاضافة الى سفن الاسطول التجاري الكويتي كان التجار الكويتيون يستأجرون الأكثرية العظمى من السفن المملوكة لغير الكويتيين في مختلف بلدان الخليج والجنوب العربي، وبخاصة في تجارة التمور. وقد كانت هذه السفن المستأجرة تقارب الاسطول التجاري الكويتي من حيث الطاقة وعدد السفن.
وقد كان موسم رحلات السفن يبدأ في الشهر الثامن، اغسطس، من كل عام وينتهي بعودة جميع قطعه في اواخر الشهر الخامس، مايو، من العام التالي، وقد يمتد الى الشهر السادس.
سفن الكويت تحمل التمور خاصة إلى الهند وشرق افريقيا اما الوجهة الاساسية للرحلات المذكورة فهي شط العرب، بالعراق وايران، حيث يتم شحن السفن بالتمور «العراقية منها بصفة خاصة» لحساب التجار الكويتيين، وذلك مع امكانية شحن نسبة ضئيلة تكاد لا تجاوز ثلاثة في المئة تقريبا من مجموع حمولات السفن، من الحبوب وبصفة خاصة الذرة العراقية. وكانت هذه السفن تتجه بحمولاتها المذكورة الى الهند، شاملة حينذاك دولتي الهند وباكستان الحاليتين.
جريدة عالم اليوم - الكويت
العدد : 655 بتاريخ: 02/03/2009
نستكمل الحلقة الثانية من نشر المقالة التاريخية التي كتبها رئيس أول مجلس الأمة الكويتي المرحوم عبد العزيز حمد الصقر ونشرتها مجلة العربي قبل خمسة وأربعين سنة في عام 1964م وذلك في عددها السابع والستين ، ويحدثنا العم عبد العزيز عن تاريخ الملاحة قديما بإمارة الكويت وحجم الأسطول البحري الذي كان ينقل البضائع والسلع من الكويت إلى مختلف موانئ التجارية بالخليج العربي والهند وأفريقيا ، ويشرح لنا بكل شفافية أسباب تراجع الملاحة البحرية بالكويت وبناء السفن الشراعية بسبب ظهور النفط والتنافس الغير متكافئ مع البواخر الحديثة وتوقف شحن التمور إلى بنادر الهند وباكستان ،ويحث الصقر على ضرورة المحافظة على هذا التراث البحري العريق لأهل الكويت ، كما تطرق إلى أهمية الكويت كمركز تجاري وممون رئيسي للبلدان المجاورة في الماضي ،ويتكلم عن أهمية كلمة الشرف لدى التاجر الكويتي والتي تعد أقوى من الوثائق المكتوبة ،وغيرها من المواضيع الشيقة ،حديث ممتع من شخصية لها تاريخها السياسي والاقتصادي نأمل أن تحوز على قبول الإخوة القراء .
الأسباب التي من أجلها
تراجعت ملاحة الكويت وبناء سفنها
أما اسباب هذا المصير الذي صارت اليه الملاحة وصناعة السفن الشراعية في الكويت فمتعددة اهمها ما يلي:
أ- بروز النفط كمورد رئيسي للبلاد، فقد ضاعف فعالية غيره من الاسباب، كما اضاف اليها من ذاته سببا جديدا اسهم بدوره فيما سبقت الاشارة اليه – عند الكلام عن «الغوص» - من التطورات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي عمت الكويت والتي تفتحت معها ابواب جديدة للرزق اكثر من الملاحة ربحا، وأقل منها مشقة واخطارا.
ب- النقص الملموس في كمية التمور التي كانت تشحن بالسفن الشراعية الى الهند وباكستان، وذلك لأنه بعد ان كان التصدير الى تلك الجهات حرا، اصبح – عقب استقلالها وانتهاجها سياسة التوجيه الاقتصادي كغيرها من الدول- خاضعا لانظمة خاصة بالاستيراد كالاجازات اللازمة لذلك.
فنجم عن هذا ان ضاق الخناق على تصدير التمور بالسفن الشراعية، بل ان تصديرها الى الباكستان قد توقف نهائيا. ولا يخفى ما لهذا من تأثير على ايراد تلك السفن نظرا لأن تصدير التمور كان يمثل جزءا كبيراً من ايراد رحلة السفينة.
جـ- كانت الكويت وسائر بلدان الخيج العربي تستورد من ميناء «كليكوت» بالهند كل حاجتها من الاخشاب اللازمة للبناء ولأعمال النجارة ولصناعة السفن، وكانت هذه الاخشاب تشكل نسبة كبيرة جدا من حمولة السفن الشراعية الكويتية وهي عائدة، فتناقص استيراد هذه الاخشاب ونزل الى حوالي عشرة في المئة مما كان عليه أو الى اقل من ذلك. ويرجع السبب في هذا التناقص الكبير الى ما حدث من تطور في الكويت خاصة وفي بلدان الخليج بصفة عامة، بحيث استعيض عن الاخشاب الهندية التي كانت تستورد للنجارة بانواع اخرى افضل منها بدأت تستورد من بورما وبانكوك، وكذلك من اليابان وأوروبا. هذا بالاضافة الى التناقص الكبير الذي طرز كذلك على بناء السفن الشراعية ذاتها، وقد كان بناؤها يستنفد فيما مضى كميات كبيرة من الأخشاب.
د- لم تكن البواخر ترد الى الكويت حتى اواخر القرن الماضي، ولذلك كان ا عتماد الكويت كليا حينذاك على سفنها الشراعية.
وفي اواخر القرن الماضي بدأت بعض البواخر القادمة من «بمباي» تصل بين فترة واخرى الى بعض موانئ الخليج- ومنها ميناء «المحمرة» بشط العرب بايران وتسمى الآن خرم شهر- وحينئذ اخذت ترد بعض البضائع من «بمباي» الى هذا الميناء برسم الكيوت وتنقل بواسطة سفن شراعية الى الكويت، ولكن منذ مطلع القرن الحالي اخذت البواخر تصل رأسا الى الكويت.
وظل ذلك فترة من الزمن بمعدل باخرتين كل شهر تقريبا.
وقد ساعد ازدهار اقتصاديات الكويت واتساع نطاق تجارتها مع الخارج على اتجاه هذه البواخر العالمية اليها وهي في طريقها بين الشرق والغرب، وبخاصة ما كان يأتي منها من الشرق، فكانت تحمل في طريقها وضمن حمولتها الكبيرة اي كمية من البضائع المراد شحنها الى الكويت ، فضيقت بذلك مجال العمل على السفن نفسها في وضع غير متكافئ مع هذه البواخر الحديثة المكتملة الشروط والموفورة الامكانيات هذا برغم ان بعض مالكي السفن الشراعية قد شرعوا منذ حوالي سنة 1946 في ادخال بعض التطوير على سفتهم بان زودوها بمحركات بحرية «موتورات ديزل» واخذت هذه الظاهرة تعم تدريجيا حتى شملت معظم السفن المتبقية حينذاك.
والواقع ان هذه الخطوة كانت ارتجالية، بدليل انه لم يوجد بالكويت انذاك اكثر من واحد او اثنين من القادرين فنيا على تشغيل هذه المحركات، فاستعان اصحاب السفن باشخاص غير كويتيين من البلدان المجاورة ودون ان تكون لهم الخبرة الفنية اللازمة الا نادرا.
وقد كانت النتيجة ارتفاع تكاليف هذه المحركات وصيانتها الي حد جعل هذه الخطوة غير عملية من الناحية الاقتصادية، وبخاصة بالنسبة الى هذه لاسفن غير الكبيرة الحجم اذا ما نظرنا الى رحلاتها المعتادة الى الموانئ النائية.
لابد من تطوير الملاحة بالكويت
ونتيجة لكل ما ذكر يمكن القول بأنه ما لم تتطور الملاحة بالكويت لتجاري المستوى الملاحي العالمي الذي تقتضيه ضرورات العصر الحاضر بجميع متطلباته، بما في ذلك نوع السفن وحجمها وتدريب الملاحين والعمال على العلوم والاساليب الحديثة، فستصبح الملاحة بالكويت خاصة والخليج عامة اثرا بعد عين ولهذا ارى ان الكويت وهي ليست بلادا زراعية ولا صناعية بل هي بلد ساحلي اعتمد طول حياته على الملاحة، واصبح له فيها تاريخ مشرف وباع طويل- من واجبها حكومة وشعبا التضافر للحفاظ على هذا المقوم الاساسي للمجتمع الكويتي.
لنأخذ في ذلك مثلا لنا بلدانا كالنرويج واليونان يعمد اهلها اعتمادا كبيراً على الملاحة برغم ما لديها من امكانيات أخرى صناعية وزراعية وغيرها وهناك دول لم يكن لها تاريخ طويل في الملاحة العالمية كالهند مثلا قد اولت هذه الناحية عناية فائقة بحيث يؤمل ان تصبح في بحر سنوات قليلة جداً في مصاف الدول الملاحية العريقة، اذ ينتظر ان تصل حمولة اسطولها التجاري بضعة ملايين من الاطنان وللباكستان كذلك سياسية مماثلة في هذا الاتجاه.
الكويت قبل الزيت
هذا مع العلم بأن شركة ناقلات النفط الكويتية المؤسسة سنة 1957«برأسمال كويتي» قد بدأت انشاء ناقلات نفط وستصل جملة حمولاتها في أوائل سنة 1965 إلى حوالي 153000 طن، ولكن للأسف لم يتحقق للآن امل الشركة في ان يقبل الكويتيون على العمل في الملاحة.
«يجب المحافظة على هذا التراث»
في ذلك كله رد على من قد يقول ان للكويت في النفط غناء عن التفكير في الملاحة فهذا القول مردود عليه بأن النفط بطبيعته مورد يستنزف مع الزمن، في حين ان الملاحة مورد متزايد غير متناقص، هذا بالاضافة إلى ما تصفيه الملاحة على الافراد من الرجولة وقوة الشكيمة وقدرة على مجالدة الزمن والاعتماد على النفس وعدم الاتكال على الغير والصلابة في مواجهة المصاعب.
وقد كانت هذه صفات الكويتيين على مر الاجيال بحيث اصبح لنا في هذا المضمار تراث نعتز به ونحرص على ان لاندثر ولذلك ارى من واجبنا المحافظة على هذا التراث المنبثق من طبيعة بلدنا وعلى تلك الصفات التي نرجو ان يزيدها مورد النفط قوة بدلا من ان ينال منها أو يوهنها.
«التجارة»
تحدثت بمناسبة الغوص عن جانب مهم من جوانب التجارة كمهنة رئيسية في الكويت وكأحد المقومات الجوهرية لمجتمعنا والآن اتحدث عن هذه المهنة بمختلف جوانبها دون تخصيص.
ويمكنني القول ان الكويتي ليس صانعا ولا زارعا وانما هيأته طبيعة بلاده لان يكون تاجرا ماهرا ولذا نرى التجارة امتدت حتى إلى القائمين على الملاحة من ابناء الكويت اعنى من يركبون السفن على النحو السابق ذكره فهؤلاء كذلك قد اصبحوا بالفطرة تجارا وكان اغلبهم يتولون بأنفسهم تصريف امورهم ومعاملاتهم التجارية بالخارج، وذلك بالإضافة إلى مسؤولياتهم ومهامهم الملاحية ولهذا برز من بينهم تجار مهرة، وانسجاما مع حكم الطبيعة والفطرة على هذا النحو كان لابد وان يعتمد الكويتيون على انفسهم وان يجعلوا عملهم داخل بلدهم متمما لتجارتهم الخارجية، وبذلك كان للكويت دور تجاري مهم في هذا الجزء من العالم.
الكويت مركز تجاري لجيرانها عامة
وبالطبع قد تفاوتت أهمية هذا الدور تبعا لما مر بالبلاد من فترات متباينة وأدوار مختلفة، فمثلا كانت الكويت قبل الحرب العالمية الأولى مركزا تجاريا على جانب من الأهمية، لا بالنسبة لها فقط وإنما بالنسبة لجيرانها عامة وللملكة العربية السعودية خاصة.
الكويت كانت الممِّون الرئيسي للسعودية
وكانت تعتبر حينذاك المموِّن الرئيسي للسعودية، وحتى بعد أن أصبح ميناء جدة الميناء المهم للمملكة السعودية، وأخذ يساهم في تموينها بالبضائع ظلت الكويت الممون الأكبر للملكة إلى عهد قريب، ولكن بعد أن اتسع ميناء الخبر من جهة، وسيرت قطارات السكة الحديدية إلى الرياض، انخفض الصادر من الكويت إلى المملكة السعودية وكان هذا الانخفاض أمرا طبيعيا ونتجية حتمية، فمن جهة، ولعلها أهم الاعتبارات، لا جدال في أن مصاريف النقل بواسطة الخط الحديدي جاءت انسب وأقل تكلفة وذلك برغم تطور وسائط النقل بين الكويت وبلدان نجد وتحولها من الابل إلى السيارات الكبيرة.
امتدت تجارة الكويت إلى العراق وإيران
كذلك امتدت صادرات الكويت في أحوال كثيرة رلى العراق وإلى إيران، فقد كانت الكويت في الماضي، وهي تصدر ما يتجاوز حاجة استلاهكها المحلي، تصدر حوالي النصف من هذا الصادر للمملكة السعودية والنصف الآخر لإيران والعراق وغيرهما من البلدان، وكان ما تصدره إلى المملكة هو الأرز والأقمشة والقهوة والسكر، أما الآن فلا تزال الكويت تصدر إلى المملكة، ولكن بنسب أقل بكثير مما كانت تصدره إليها قديما، وتحتوي هذه الصادرات على جانب من الكماليات، وهو كذلك الحال بالنسبة لإيران والعراق.
ومما لا شك فيه أنه قد ساعدت على هذا الازدهار التجاري بالكويت عوامل شتي زهمها وضع الكويت لاجغرافي، واسطولها التجاري، وعدم القيود علي التجارة فيها، وانخفاض الرسوم الجمركية بها، والتسهيل في الاجراءات وشرف المعاملة، كل هذه العوامل مجتمعة جعلت من الكويت مركز الثقل التجاري بالنسبة للخليج وغيره.
تجار الكويت ارتبطوا بكلمة الشرف المنطوقة، بدون الوثائق المكتوبة
ولا يفوتنا ونحن بصدد التاريح التجاري للكويت أن نورد شيئا عن العرف التجاري ونوع المعاملة التجارية انذاك، فلقد غدا معلوما للكافة أن التاجر الكويتي كان يعتمد على كلمته وشرفه التجاري، فلم يكن يوجد بالماضي أي تبادل خطي ومعظم الصفقات كانت إلى عهد قريب تتم بين التجار بدون واسطة، وقد تأصلت الأعراف التجارية على هذا النحو، حتى ان التاجر كان يأنف بل ويغضب لو سألته أن تكون الصفقة بواسطة أو ان تثبت بشيء خطي، وكان التاجر يعتبر مثل هذا الطلب رهانة له واشعارا بعدم الثقة به، وفعلا كان الناس يبتاعون ويشترون فيما بينهم شفويا.
وكانت البضاعة تبقى في مخزن البائع مدة، وقد تزيد الأسعار في خلال تلك المدة إلى حوالي 30 في المئة أو أكثر، ومع ذلك كان يسلمها البائع للمشتري دون أي نكول أو محاولة للنكول عن الصفقة ولم نجد في تاريخ التجار الكويتيين أي حادثة نكول في مثل هذه الحالات.
كان بين تجار الكويت تفاهم وتعاطف
كان من التقاليد العربية المستحبة في الكويت وفي سائر المنطقة ما عرف باسم«البضعة»، وهو أسلوب تعاوني كريم يقدم بموجبه أحد التجار مالا أو بضاعة لفرد يسعى في استثمارها تجاريا ويقسم صافي الربح عند التصفية بينهما بنسبة الثلثين للأول «التاجر» والثلث للثاني.
أما في حالة الخسارة أو الهلاك فإن التاجر – أي المالك – هو الذي تحمل هذا العبء وحده، وكانت هذه«البضعة» مظهرا كريما للتعاون والتعاطف بين الناس.
كذلك كان الشأن بين التجار المستوردين وبين التجار المحليين، فقد كان رائد الجميع دوما في الكويت التسامح في المعاملة، فلم يكن احد فعلا يتجاهل ظروف عملائه من حيث مدة السداد أو شروطه، بل كان يتفادى كل ما يرهقهم أو يحرجهم. كما انه قل ان نجد في تاريخ هؤلاء التجار خلافات أو قضايا تحتاج للإلتجاء الى القضاء. وحتى عند وجودها وكان الكويتيون يؤثرون طريق التقاضي بل كان هناك دائما تاجر معروف من بينهم ارتضوه ليكون حكما في هذه الحالة. وفعلا كان ذوو الشأن يأتون اليه فيفضل بينهم، وكان هذا الفصل يتم في دقائق معدودة احيانا، يخرج الجميع بعدها راضين بحكمه.
تغير الأوضاع
على ان الكثير من هذا النهج في الحياة قد تغير مع الزمن وبخاصة منذ الحرب العالمية الثانية تبعا لاتساع الكويت وكثرة من هاجروا اليها من الخارج بعد توسع مجالاتها الاقتصادية كنتيجة لظهور النفط. كما ان سبل المعاملات التجارية قد تغيرت تبعا لكون صلات التاجر الكويتي قد اصبح اكثرها مع تجار خارج الكويت. فنجم عن ذلك كله تبدل في الاوضاع الاجتماعية وفي اسلوب المعاملات التجارية.
وفي ختام هذا «الجانب الاقتصادي» من كلمتي أود ان اشير الى ما سيأتي ضمن حديثي عن الجانب الاجتماعي من مظاهر التكافل المادي بين الكويتيين على اساس اسلامي عربي يحقق افضل صورة للاشتراكية الاسلامية العربية التي نشأ عليها مجتمعنا، واستقرت على اساسها نظرتنا الاصيلة لخير العام وللعدالة الاجتماعية
لقد عاشت الكويت - وبخاصة إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية- في شكل أسرة كبيرة تقوم على التعاطف بين أفرادها والتكافل الاجتماعي، بكل ما في ذلك من معنى وما له من صور وتطبيقات، حتى شمل جميع ضروب الحياة في الكويت. ولما كان الكلام عما وراء هذا الاجمال من تفصيل أمر يطول شرحه ولا تحصى تطبيقاته، فإنني اقتصر على ذكر بعض التطبيقات الهامة على سبيل المثال:
عندما تغرق سفينة أو تتحطم
معلوم أن الكثيرين من الكويتيين الملاحين كانوا هم ملاك السفينة، وكانت هي مصدر رزقهم ورزق عائلاتهم، ومن المعلوم كذلك أن مثل هذا العمل محفوف بالمخاطر وبخاصة في الأزمنة الماضية، لذلك كان هذا المجال أحد المجالات التي برزت فيها روح التعاطف والتكافل بين الكويتيين، فإذا ما وقعت كارثة بإحدى السفن -ولا مفر من وقوع بعضها كل عام- كغرق السفينة أو تحطمها أو ما إلى ذلك، كان يسارع الأصدقاء والمعارف كافة وبدون استعطاف أو طلب إلى جمع التبرعات دون علم من اصابته الكارثة، وكانت هذه التبرعات التي تجمع عاجلاً كفيلة بتغطية الخسارة كلها، بل كانت تزيد على جملة الخسارة.
عندما تجنح سفينة أثناء رحلتها
وبمثل هذه الروح كان يسارع الكويتيون دون تفريق إلى انقاذ السفن التي تجنح في الخليج اثناء رحلاتها أو تلاقي من الأهوال ما يلزم العاملين عليها لتركها فيه لاستحالة عملية الانقاذ عليهم، وكان تكوين هذه الحملات الانقاذية بصورة تطوعية وسريعة وشاملة تبعث العجب، ويجب ان نعتز بها كصورة لتعاطف مجتمعنا وتآزره، وقد يبلغ عدد أفراد الحملة الانقاذية الواحدة أحيانا مئة شخص. أما مصاريف الحملة الفعلية فكان يتكفل بها واحد أو أكثر من الموسرين ان تعذر على صاحب السفينة أو اصحابها تحملها.
عندما تنزل سفينة إلى البحر
وكانت تبرز روح التعاون والأخوة كذلك في عملية انزال السفن الجديد إلى الماء، فكان رفع العلم الكويتي عليها ايذانا بالشروع في عملية انزالها إلى البحر، وكان كذلك ايذانا بتهافت ممثلين لمختلف العائلات من أصحاب السفن ليسهموا متكاتفين في العملية المذكورة، وكان هذا التطوع يتم ايضا دون طلب صاحب السفينة أو التماس العون من الآخرين.
إذا شب حريق
وإذا تركنا الملاحة عند هذا الحد ونظرنا إلى حياة المدينة وجدنا ذات الوضع، ففي حالات الحريق مثلا كانت نجدة أهل الحي تحصل بسرعة خاطفة، وفي جرأة نادرة رغم بساطة الوسائل والإمكانيات حينذاك.
كل مسؤول عن أسرة جاره عند غيابه
وبمثل هذه الروح لم تكن الأسرة الكويتية تفتقد الطمأنينة إلى الأمن أو إلى توفير حاجياتها فترة غياب عائلها أثناء رحلات السفن الطويلة، بل كان كل مقيم من أهل المنطقة يشعر بأنه مسؤول أدبيا عن أسرة جاره أو صديقه أو أخيه المسافر، وكان يتحسس في أدب جم أحوال جيرانه وعشيرته لجلب ما قد يحتاجه «زيادة على ما كان يتركه المسافر لأهله قبل سفره لسد حاجاتهم المعيشية» نظرا لطول فترة السفر مثلا عما كان مقدرا لها.
كذلك كان كل رجل في حيه أشبه بحارس يقظ لهذا الحي بحيث كان لا يسهل لغريب أن يدخل إلى الحي.
كان في الكويت، اشتراكية إسلامية وعدالة اجتماعية
ولعل أكبر شاهد على قيام التكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والاشتراكية الإسلامية في المجتمع الكويتي هو ذلك النظام الذي اتبعته الكويت في توزيع حصيلة السفن من رحلاتها «وكانت اكبر موارد البلاد حينذاك»، فقد اعتبر داخل السفينة في كل سفرة حصيلة مشتركة توزع بين الجميع -بما فيهم المالك- على أسس اشتراكية عادلة، وذلك بعد خصم المصاريف الفعلية لطعام العاملين على السفينة ورسوم الموانئ المقررة، «وكان الجميع يطعمون معا وعلى مستوى واحد دون تفريق أو امتياز لاحد»، أما أسس توزيع تلك الحصيلة فقد جرى بها العرف والتزمها الناس كافة.
ويمكن باختصار القول بأنها كانت توزع على النحو التقريبي التالي:
10 في المئة تقريباً لمصاريف الطعام المذكورة ورسوم الموانئ.
45 في المئة تقريبا جملة ما يؤول إلى العاملين في السفينة على اختلاف انصبتهم.
35 في المئة تقريبا جملة ما يؤول لصاحب السفينة ويتحمل منها مصاريف الصيانة وما إليها.
مجتمع الكويت الحديث يستمد من مجتمعه القديم: تكافلا وتعاوناً
هذا هو المجتمع الكويتي القديم، لم أذكر عن حياته إلا النزر اليسير من تطبيقات التكافل الاجتماعي والتعاون والعدالة الاجتماعية فيه.
وان مجتمعا هذا شأنه لا شك في انه بيئة صالحة للعديد من الإصلاحات الاجتماعية التي استحدثتها دولة الكويت بعد ذلك كما حدث مثلا في العلاج وفي التعليم وفي غيرهما، ولم يكن غريبا كذلك ان يأتي دستور هذا المجتمع الكويتي الصادر يوم 11/11/1962 موليا هذا الجانب الاجتماعي عناية خاصة في نصوصه واحكامه. والامل كبير ان تتابع الكويت هذا الاتجاه النابع من ديننا وتقليدنا والمتفاعل مع احاسيسنا وافكارنا، حتى يكون هذا البلد انموذجا للتضافر القومي الشامل في سبيل الخير المشترك وتحقيق الرفاهية للجميع، وحتى نكون- كما قال الرسول الكريم- كالجسد الواحد، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
الناحية السياسية
لقد كانت الكويت من اقرب بلاد العالم العربي الى التقاليد الاسلامية والروح العربية الاصيلة في شأن علاقة الوالي بافراد الامة، فقد كانت هذه العلاقة اقرب الى روح العائلة الواحدة منها الى مجرد الرباط السياسي الذي يضم الناس تحت لواء امارة أو دولة بأوضاعهما الشكلية المرسومة، وكنت تجد هذا الاحساس عند الجميع وفي مختلف المناسبات. وزادت من قوة هذه الصلات العائلية روح التعاون والتكافل بين ابناء المجتمع الكويتي من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية السابق الكلام عنهما.
لا حجاب بين حاكم ومحكوم
اما الشوري كأساس اسلامي للحكم فقد كانت تتمثل في الكويت قبل الدستور في بساطة مظاهر الحكم السياسي وعدم اقامة حجاب بين الحاكم والافراد، مع ماجبلت عليه نفوس الكويتيين من احترام للنظام والتقليد، وتوقير الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، مما جعل الامور العامة للدولة محل الاستشارة وتبادل النظر مع ذوي الرأي في البلاد.
النظام النيابي الجديد لم يكن طفرة
ولهذا لم نشعر- كما قد يظن الشخص الغريب عن حقيقة الكويت- بأن في الاخذ بالنظام النيابي الدستوري سنة 1962 اية طفرة أو أي سبق للزمن، بل بالعكس شعرنا بأن هذا هو التطور الطبيعي السليم، وانه هو التسجيل العادل لمنطق تطور افكارنا واساليبنا في الحكم والسياسة، وبخاصة اذا لوحظ ما سبق بيانه من مقومات مجتمعنا المتطور في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والفكرية مما يقتضى بالضرورة تطويرا مماثلا في مقومات هذا المجتمع السياسية والحكومية. وهنا ايضا اذكر ظهور النفط وما تبعه من ثراء عام كسبب آخر للتطور السياسي وكعامل تقوية لاسباب التطور الاخرى التي اشرت اليها.
الشعب الصغير اقدر على مراقبة نوابه وحكامه
ويمكنني ان اضيف الى هذه العوامل مجتمعة عاملا آخر يخص الكويت بالذات، وهو ان صغر هذه الدولة وقلة عدد سكانها بالنسبة للدول الاخرى يجعل بيئتها اكثر صلاحية لمتابعة رقابة الشعب لأعمال نوابة ورقابته لحكامه حتى ان الحكم النيابي فيها يكاد يكون في واقعه حكما مباشرا للشعب.
كما ان هذه البيئة الصغيرة السريعة التطور، الموفورة الامكانيات، اقدر على تعرف المسائل العامة على وجهها الصحيح دون مجال للتمويه السياسي الذي قد يتسع مجاله في الجماعات الكبيرة ويستشري ضرره.
ولهذا أود- رغم ما لابد وان يكون هناك من ملاحظات على تجربتنا النيابية الدستورية- ان اسجل تفاؤلي بالتنافس المشروع داخل مجلس الامة وفي دوائر الحكومة لتحقيق اكبر قدر من الاصلاحات الشعبية على احسن مستوى، وفي اسرع وقت،وبأقل ثمن. وهذه كلها اهداف نسير نحوها ولا يمكن ان تتحقق كاملة بين يوم وليلة، ولكن من الاهمية بمكان ان يكون اتجاهنا صحيحا نحوه، وان نقوّم عيوبنا، وان تكون وسائلنا لبلوغها ديمقراطية سليمة، لا تنسى ماضينا، ولا تتنكر لتراثنا، أو تفقد مجتمعنا المتطور ايا من مقوماته السليمة سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية.
وعلى الله التوفيق.
مقالة أكثر من رائعة لعلم من أعلام الكويت وشاهد صادق على أحداث جرت على أرض الكويت وتاريخها .
رحم الله العم عبدالعزيز الصقر
وكل الشكر للاخ جون الكويت على عرض الموضوع المنشور للباحث طلال الرميضي
مقالة أكثر من رائعة لعلم من أعلام الكويت وشاهد صادق على أحداث جرت على أرض الكويت وتاريخها .
رحم الله العم عبدالعزيز الصقر
وكل الشكر للاخ جون الكويت على عرض الموضوع المنشور للباحث طلال الرميضي
حياكم الله أخي الناصر .. وشكراً على المرور
وبالفعل المقال ممتع من المرحوم الصقر ..فقد أوجز واستوعب الكثير.
أما الشكر الفعلي فللباحث النشيط الرميضي ..بارك الله فيه