مجلة الفكاهة - 1950م- غير مسؤولة عن الذين يموتون من الضحك!
(جريدة الدار - 18/2/2009م)
تؤكد في صدور عددها الأول أنها غير مسؤولة عن الذين يموتون من الضحك
«الفكاهة» خطوة جريئة ونوع جديد من صحافتنا .. زمان
طرقت الصحافة في الكويت بابا جديدا في فترة «الخمسينات» من القرن الماضي، ويبدو انها ارادت بذلك توفير مناخ من الفكاهة والمرح للقارئ بعيدا عن القضايا السياسية وهمومها.
أول عدد
وهذا ما اقدم عليه عبدالله خالد الحاتم بصدور العدد الاول من مجلته الفكاهة في «12» اكتوبر 1950م، والتي اسندت رئاسة تحريرها الى فرحان راشد الفرحان، اما صاحب الامتياز فهو عبدالله الحاتم، وقد جاء في صدور عددها الاول عبارة «مجلة فكاهية اجتماعية» ومعنى هذا انها تعني بقضايا المجتمع والفكاهة على السواء، فالفكاهة اول مجلة اسبوعية تشهدها الكويت في تلك الفترة، وقد اكدت المجلة في صدور عددها الاول انها غير مسؤولة عن الذين يموتون من الضحك.
عبدالله الحاتم في مكتبه عام 1950 جرأة وتوقف
مجلة الفكاهة جريئة بلاشك، فقد شهدت نهاية المجلات الجادة الواحدة تلو الاخرى، ومع ذلك اتخذت لنفسها نكهة خاصة وراحت تشق طريقها في جرأة وتحد، فقد صدرت في بيئة توصف بانها متزمتة او محافظة كما توصف بالعزوف عن الصحف عموما في تلك الفترة الا انها لم تلبث ان توقفت بعد تسعة اعداد فقط 7/21951م.
«97» عددا
كان الشيخ عبدالله الجابر رئيسا لمجلس المعارف انذاك، وقد منح المجلة تصريح الصدور، لكن المعارف اشتركت في المجلة لستين نسخة فقط قيمتها «630» روبية، فقد كانت المجلة تطبع الف نسخة من كل عدد يتلف منها سبعون نسخة اثناء الاعداد والتوزيع، وكانت تكلفة النسخة خمس انات، وكان عليها بيع جميع النسخ والا تعرضت للخسائر لعدم توافر الاعلانات، وهذا ما ادى الى توقفها، وقد كانت في حاجة الى الف روبية لتعود، وظلت تبحث عن هذا المبلغ الضخم بمقياس تلك الفترة حتى صدر العدد العاشر بعد اكثر من ثلاث سنوات اي في «20/7/1954م»، وظلت تصدر بصورة شبه منتظمة حتى توقفت نهائيا في «2/11/1958م» وقد اكملت «97» عدداً.
مهمة صعبة
الملاحظ عند مناقشة ظروف توقف «الفكاهة» ان صحفا اخرى قوية كانت تصدر في ذلك الوقت، وانها قد جذبت اهتمام القراء مثل صحيفة «الشعب» كما ان الفترة التي توقفت فيها «الفكاهة» كانت فترة قلاقل سياسية ونزاعات اقليمية وكذلك نشاطات عقائدية وهذا بحد ذاته جعل من مهمة «الفكاهة» مهمة صعبة جدا.
إلى دمشق
ان المجلة في مرحلتها الثانية كانت في طريقها الى التوقف بتخليها عن طابعها الكويتي الاساس، فقد كانت تطبع في مرحلتها الاولى بالكويت في المطبعة الاهلية، ولكن هذه المطبعة كانت قد توقفت عندما عادت المجلة للظهور، وكانت مطبعة «مقهوي» تطلب اسعارا مرتفعة، فرحل صاحب الفكاهة بمجلته الى دمشق وظل يطبعها هناك في المطبعة العمومية، وربما يكون قد استدعى هذا الامر ان يشارك بعض ابناء الشام في تحريرها امثال الياس منصور وهو من شعراء المهجر، ومهما يكن من امر فقد اختفى الطابع الكويتي بالتدريج، ولكن تبقى المحاولة في ذاتها جريئة وجديرة بالالتفات والتسجيل.
مشكلات جادة
لقد اهتمت «الفكاهة» ايضا في نشر اكبر قدر من الشعر الشعبي «النبطي» لشعراء البادية الكويتيين وغيرهم فحفظـته بذلك من الضياع كما انها كانت تشارك بالرأي الجاد وتلتزم بالموقف القومي النزيه من خلال كتاباتها المرحة والضاحكة، والاعتماد على النكتة اللفظية والمشارك بالرسم الكاريكاتيري كما انها ناقشت في بعض الاحيان مشكلات جادة غير «الفكاهة» وان جعلت من «الفكاهة» لها عنوانا.
من كتابات «الفكاهة»
بقلم رئيس التحرير:
لا احاول في كلمتي هذه ان اقلل من قيمة صحافتنا، او التقليل من اهمية موضوعاتها التي تبحثها هذه الصحف وتعرضها امام الرأي العام ولا اريد ان اظهر هذه الصحف بالمظهر غير اللائق بها او الحد من النشاط الفكري المستولي على شبابنا وادبائنا، او اكون من اولئك الذين يضعون الورود فوق الاشواك في طريق ارباب هذه الصحافة، او يحفرون الحفر العميقة ثم يغطونها بالخوص والاتربة كما اني ارجو من كتاب هذه الصحف ان لا يحملوا لحملتي هذه على ظاهرها ويتخذوا من بحثي هذا مادة دهنية ليملأوا بها اعمدة هذه الصحف.
اريد ايها الاخوان الاعزاء قبل كل شيء التفكير قبل القدوم على عرض مثل هذه الموضوعات التي لا تقدم ولا تؤخر في حياتنا العامة، والتي لا تأثير لها مطلقا في مجتمعنا الذي لا يزال غالبيته مرتديا، «المزوية والوزار».
اقول التفكير في مدى معلومات ومؤهلات المجتمع ومدى قابليته لقبول مثل هذه الموضوعات، وهل هو على استعداد لقضمها وهضمها، بغض النظر عن الاقلية الضئيلة التي ارتشفت من منهل العلم ولم ترو بعد.
وهذا الاقلية تميل الى الصحف الاجنبية اكثر من ميلها الى صحافة بلادنا وهي الحقيقة التي لا مجال الى انكارها والتي لا غبار عليها.
ويستطيع ارباب هذه الصحف ان يتفهموا اولا عقلية الشعب ومدى معرفته من الكمية الضئيلة المنصرفة من هذه الصحف.
على صحافتنا ان تستقي موضوعاتها من صميم المجتمع ومن حياة الفرد التي يحياها داخل محيطه ولان مجتمعنا، كما قلنا - لا يزال متأثرا بتقاليده وعاداته المعاكسة للتطوير العام والمغايرة للحياة التي نتوخاها ونريد السير في ركابها جنبا الى جنب.
نريد من هذه الصحف ان تكون مرآة صادقة واضحة جلية يرى فيها المجتمع صورته واضحة ليتمكن من تصحيح اخطائه وتعديل ما اعوج منها وتهذيب حياته حتى نماشي ركب التقدم والحضارة في العالم، وتكون امة لا ينقصها شيء من حياة الشعوب الراقية، لانني اعتقد انه لا عذر لنا في التخلف والركود ما دامت هناك امكانيات هائلة تستطيع ان تمدن بلدا زاخرا بالسكان واجهل شعب في اقصى سرعة بالنسبة لحياة الفرد لا الشعب.
هذه هي كلمتي التي اريدها لهذه الصحف.. وفق الله القائمين عليها وسدد خطاهم لما فيه الصالح العام والسلام.
الفكاهة - السنة الاولى
العدد «الواحد والعشرون» 8 آذار «مارس» 1955.
من كل دائرة نادرة
على محرر «الفكاهة» ان يطوف بدوائر الحكومة ليسجل ملاحظاته وما وجد في هذه الدوائر فتم له ما اراد لكن فاته القصد.. فبدل ان يسجل اهم الاخبار فيها اخذ يسجل النوادر التي تمر بهذه الدوائر كل يوم بل في كل ساعة، وقد بدأ المحرر طوافه باهم دائرة في الكويت، الا وهي دائرة الاشغال، وان كانت الدوائر مهمة من حيث الاختصاص واهمية العمل المتعلق بها.
نادرة دائرة الاشغال
ان هذا المنظر هو كل ما لفت نظري واثار شعور الاطلاع في نفسي بالنسبة للمناظر الاخرى التي تعج بها هذه الدائرة صباحا ومساء، ولانني اذ اسجل هذا المنظر فانما اسجله على سبيل التندر:
استدعى انتباهي شاب يبدو انه عامل بسيط واقف حول باب احدى غرف هذه الدائرة وبيده مظروف كبير وقد ظهر عليه الاعياء والملل، فتقدمت نحو لاقف على سر هذا المظروف الكبير فسألته عن سبب وقوفه في هذه الساعة المتأخرة عن الدوام، وما هذا المظروف الكبير، فقال باللهجة العراقية الدارجة:
«والله يا اخي انا صار لي واقف اكثر من اربع ساعات اريد ادخل ولا احد يسمحلي بالدخول، شنهو صاير قابل جاي اسوي فرهود او ادور على شغل، انا جيبت الان اريد اقدم استقالتي من الشغل لاني اريد اسافر الى اهلي» فقلت له:
هل وظيفتك مهمة الى درجة انك في حاجة الى تقديم استقالتك في هذا المظروف؟.. شنهو انت؟!
قابل رئيس وزارة او مدير دائرة، او «السير الكسندر جيب».
الكهرباء
شاهدت عاملين يحاولان شد بعض الاسلاك الكهربائية ولكنهما خائفان من التكهرب، واخيرا صعد احدهما على طرف احدى سيارات الشحن الكبيرة ثم تبعه الاخر، وصعد على ظهر صاحبه وما كاده يداه تلمس السلك حتى رماه السلك هو وصاحبه بعيدا من على ظهر السيارة ولم يشعرا الا وهما منطرحان في المستشفى وقد لفت رؤوسهما باللفائف والاربطة.
إدارة الأمن العام
بينما كنت جالسا عند احد الموظفين المعنيين في مسألة الكفالات الشخصية اذ دخل شخص وبيده كتاب ازرق اللون فتقدم الى هذا الموظف وناوله الكتاب وبعد ذلك انفجر الموظف بالضحك وضحكت لضحكه ثم التفت الي وقال: اقرأ هذه النادرة التي يتعذر عليك الوصول الى امثالها بهذه السهولة: فاذا هو يتضمن هذه العبارة: «الى حضرة سيدي رئيس الامن العام المحترم.. وبعد المعروف امام سعادتكم هو ان حامل كتابنا هذا هو من رعايا اهل العمارة يريد يسافر فنرجو تسفيره ودمتم.. الداعي عبدالزهرا.
وبعد ذلك سأله الموظف عن الكفيل وطلب اليه ان يحضره، وبعد قليل حضر الكفيل فإذا هو الاخر عراقي من لواء العمارة دخل الكويت «تهريب» ولكن بطريقة شريفة لانه لم يأت للكويت ـ على حد زعمه ـ بالسيارة «تريله» بل جاء بسيارة صغيرة، وهنا تم تسفير الكافل والمكفول».
الشرطة العامة
ان اشد ما اجذب انتباهي واثار حب الاطلاع في نفسي هو ذلك الرجل الواقف حول باب مأمور السير في ادارة الشرطة العامة. وهذا الرجل اعرفه سائقا في احدى سيارات الاجرة. وكان يقف الى جانبه رجل هندي يرتدي عمة هائلة من تلك العمائم التي ترتديها جماعة «السيك» وقد عصب رأسه بالخروق والاقطان، فسألت صاحبنا عن سر وقوفه فأجابني بحدة شديدة وقال: «والله يا أخي بينما كنت ارجع بسيارتي الى الخلف واذ بالسيارة تصدم احد عواميد الكهرباء وما كنت اعلم انه كان على طرف العمود هذا الهندي فسقط على ظهر السيارة، ثم نزل علي شتما وضربا ثم نادى احد مأموري السير ليقتادني الى هنا، وبعد ذلك اخذ شهادة سياقتي مني تمهيدا لمحاكمتي، افليس من الظلم ان تؤخذ شهادة سياقتي مني؟! فاجبته بقولي: اني لا ارى في هذا التدبير شيئا من الظلم لانه لو لم تصدم عمود الكهرباء الذي يبلغ طوله عشرة امتار لما سقط الهندي واصيب بهذه الرضوض لو انك لم تصدم هذا العمود لكنت صدمت شخصا اخر غير العمود.
إدارة الجمرك البحري
كانت العادة الا تفرش غرف هذه الدائرة بالسجاد ما دامت الارض مغطاة «بالكاشي» الجميل الملون الذي كان يشبه السجاد تمام الشبه، صحيح ان النوادر تأتي مع اصحابها. بينما كنت جالسا الى جانب احد موظفي هذه الدائرة اذ برجل يحاول خلع حذائه ليدخل فقلت له بعد ا ن اتم عملية خلع الحذاء ودخل: «ليش يا أخي تخلع حذائك؟ وين انت قابل انت بالجامع»؟!
الفكاهة ـ العدد 38
السنة الثانية ـ 15 شباط «فبراير 1956»
.
__________________
ومنطقي العذب للألباب مستلبٌ *** ومبسمي نضَّ فيه الدر والنضرُ لازم منادمتي وافهـم مناظرتي *** واسمع مكالمتي يفشو لك الخبرُ
|