النوخذة مبارك الخرينج قُدّر ثمن دانته بعشرة آلاف روبية امتلك سفينتين من النوع الشوعي أطلق على إحداهما لقب «سمحان»
إعداد : سعود الديحاني |
ارتبط أهل الكويت بالبحر ارتباط وثيقاً فكان لهم منبع خير أتوا بالخيرات من أعماقه وعانوا الصعاب بين كنفاته ذللوا أمواجه العاتية ووصلوا الى قعره الموحش.
النوخذة مبارك الخرينج احد اولئك الربان الذين عرفوا البحر وغاصوا فيه نتطرق اليوم إلى شيء من سيره البحرية التي كانت مصدر رزق الكويتيين في الماضي يتخلل الحديث عن المزارع التي أحياها وعمل بها فلنعرف ذلك: ولد النوخذة مبارك فهد الخرينج سنة 1878م بفريج الرشايدة وسط الكويت، حيث كان والده فهد الخرينج يمتلك بيتاً في ذلك الفريج، وقد توفي والده أثناء مشاركته في معركة الصريف سنة 1901م.
البحر
ركب النوخذة مبارك الخرينج، البحر صغيراً مع نواخذة الكويت، فتعلم فنون البحر، وتمرس على مقارعة أخطار الغوص، حتى أصبح من مشاهير نواخذة منطقة القصور، والتي تضم قرى الفحيحيل والفنطاس والشعيبة وأبوحليفة والمنقف، وقد ورد ذكره في كتاب «الأحمدي ما بين الماضي والحاضر» كأحد نواخذة تلك المنطقة.
الملك
ملك النوخذة مبارك الخرينج سفينتين من النوع الشوعي، يطلق على إحداهما سمحان، استخدمهما في ركوبه للغوص سنين عدة، وآلت ملكيته بعد موته إلى ابنه فهد، وقد وُفق النوخذة مبارك - بصحبة ابنه سالم - في أحد مواسم الغوص، فوجد دانة كبيرة «فضيلة» قُدر ثمنها بعشرة آلاف روبية، ولكنه باعها بـ 9500 روبية فقط، بعد أن تدخل أحد الشفعاء، فخفض خمسمئة روبية من سعرها، واستطاع الطواش الذي اشتراها من النوخذة مبارك، أن يبيعها في البحرين بمبلغ 80 ألف روبية!!! ومن البحرين أرسلت الى الهند، فبيعت هنالك بمبلغ كبير جداً، وهي - كما وصفت - كبيرة الحجم، ومن جمال تلك الدانة وصفائها أن من حملها ونظر فيها شاهد صورته بها بوضوح وصفاء شديدين.
الزراعة
ظل النوخدة مبارك الخرينج يزاول مهنة الغوص، ثم اتجه بعدها الى الزراعة، فأحيا أرضاً في الرميثية، وزرع بها بعض الخضراوات والرقي، لكن انتاجها لم يكن على الصورة التي كان يرجوها، فتركها وانتقل الى منطقة الفحيحيل، وهناك أسس مزرعة على أرض ذات مساحة كبيرة وواسعة، ثم انتقل الى منطقة المنقف، حيث أحيا هناك ثلاث مزارع، اثنتان منها ذات عيون «قلبان» كبيرة لسقي الخضراوات، وكان أكثر ما يزرع في هاتين المزرعتين هو محصول الطماطم.
إحدى المزارع في العهد الماضي
الثالثة
أما المزرعة الثالثة فكانت بمنطقة الجفرة شمالي المنقف، ولا تزال آثارها هنالك الى اليوم.
كان لدى النوخذة مبارك الخرينج العديد من الصبيان الذين يعملون في مزارعه بالأجرة، وكان يضع محاصيل مزارعه عند عميله ابن الشيخ الذي كان يتولى تسويقها له وبيعها. كما كان يعتمد في شراء المواد الغذائية والتموينية على عميله ابن ردعان.
الحضور
وعلى الرغم من انشغال النوخذة مبارك الخرينج في مهنة الغوص، وبعدها بالزراعة، على مدار العام، إلا أن ذلك لم يصرفه عن مشاركة أبناء بلده في أداء الواجب الوطني، فعندما نشبت معركة الجهراء، كان مع أهل الفزعة الذين انطلقوا من الكويت بحراً الى كاظمة والخويسات، وكان يرافقه أخوه محمد. كذلك شارك النوخذة مبارك الخرينج في بناء السور الثالث سنة 1919م.
الصفات
أما عن صفات النوخذة مبارك الخرينج، فقد كان محمود السيرة طيب السريرة، عطوفاً على الفقراء والمساكين، ذا خلق رفيع، مما جعله مثار حب واعجاب سائر أبناء بلده. أضف الى تلك الصفات ما كان يتحلَّى به من جلد وصبر، وقوة إرادة وعزيمة، حمل ذات يوم ابنه سلمان يوم كان طفلاً صغيراً من بيته في المنقف، قاصداً المستشفى الأمريكاني بالكويت، مشياً على الاقدام، وقطع نفس المسافة اثناء عودته من الكويت الى المنقف مشياً على الاقدام ايضاً.
محمد
الغيص محمد الخرينج
ومن آل الخرينج الكرام محمد بن فهد الخرينج، كان من رجالات البحر، وقضى أكثر من 30 عاماً غيصاً مع النوخذة أبوسلاموه، وركب مرة واحدة مع ابن دبوس، وهو من مواليد فريج الرشايدة في الكويت. لبى نداء الوطن في معركة الجهراء فرافق أهل الفزعة الذين انطلقوا من النقعة على ساحل الكويت الى كاظمة والخويسات، وشارك في بناء السور الثالث. ومحمد بن فهد الخرينج رغم أنه قضى جل عمره غيصاً الا انه عمل ايضاً في الزراعة الى جانب أخيه النوخذة مبارك الخرينج.
المستلزمات
والجدير بالذكر، ان مستلزمات الغوص التي كانت خاصة بمحمد بن فهد الخرينج «الفطام والحجرة والدجين» آلت الى متحف الكويت الوطني، فقد أرسلت اليه عندما طلب المسؤولون به ما يتعلق بالبحر، لكي يحفظ ذكرى للأجيال التي لم تدرك تلك الحقبة الزمنية من تاريخ بلدنا الحبيب الكويت.
فهد
ولد النوخذة فهد مبارك الخرينج في بيت أسرته بفريج الرشايدة وسط مدينة الكويت، وتلقى تعليمه على يد صديق والده الشيخ أحمد مبارك المطوع، شيخ منطقة الفحيحيل في ذلك الوقت، وقد تلقى النوخذة فهد مبارك الخرينج عند الشيخ أحمد المطوع مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ بعض سور القرآن الكريم.
الكتاب
ومن الكُتَّاب اتجه النوخذة فهد مبارك الخرينج الى العمل بالزراعة حيث كان والده يملك مزرعة بمنطقة المنقف، لكنه لم يستمر في العمل بالزراعة طويلا، فما لبث ان اتجه الى العمل في البحر، فرافق والده في بعض رحلات الغوص، ثم رافق بعد ذلك بعض نواخذة الكويت منهم النوخذة خالد الجابر... حتى اذا ما اتقن ركوب البحر، وصار ذا خبرة ودراية بعلومه تنوخذ على شوعي والده، الملقب بـ «سمحان»، وقد ظل يستخدم هذا الشوعي عدة سنين، الى ان بدأت مهنة الغوص في الانقراض، وأزف نجمها بالأفول، فحينئذ اتجه النوخذة مبارك الخرينج الى العمل بالتجارة، فافتتح له دكانا بالكويت بالقرب من دروازة عبدالرزاق، كان يبيع فيه المواد الغذائية والتموينية، ثم التحق بالعمل الحكومي، مؤذنا في احد مساجد المنقف.
سمحان
ويعد النوخذة فهد مبارك الخرينج من نواخذة ساحل العدان «القصور». اما الشوعي سمحان الذي آلت ملكيته اليه بعد والده، فقد ظل زمنا طويلا قابعا على ساحل (أبوحليفة) بالقرب من القهوة الشعبية، وكان النوخذة فهد مبارك الخرينج يحضر كل عام احد القلاليف لكي يقوم على اصلاحه وطلائه.
ابنيه
الغيص ابنيه الخرينج
وممن ركب البحر من آل الخرينج الكرام ابنيه متعب الخرينج، حيث كان غيصا مع التركيت، قال متعب الخرينج في لقاء حديث الذكريات في «الرأي العام»: «والدي رحمه الله ركب البحر غيصا مع التركيت وكذلك عمي ظاهر ودخيل ركبا البحر، لكن لا اذكر النواخذة الذين ركبا معهم. اما والدي فأذكر النوخذة، ويعود سبب ذلك الى حجة والدي رحمه الله، فهو عندما أراد ان يحج استأذن النوخذة لكي يأذن له فهو خرج من الغوص مطلوبا، فلم يأذن له حتى يسدد الذي عليه، فاستلف (استدان) وسدد ما عليه، واستأذن من صاحب السلفة واذن له».
الصدق والأمانة
والجدير بالذكر ان ابنيه الخرينج كان اميرا على 18 مركزا للهجانة «الخويا» تبدأ من الفنطاس ولا تنتهي الا عند الخفجي، وجميع المراكز الساحلية كانت تبعا له، كان ذكره عند الناس طيبا ومحبوبا للجميع، حيث جمع خصلتين كريمتين جعلت الناس تحبه، وهما «الصدق والأمانة» ومن أحبه الله أحبه الناس ووضع له القبول في الأرض.
النقع البحرية لسفن الغوص