شملان بن علي آل سیف
المولد والنشأة:
ولد المحسن شملان بن علي آل سیف في الحي الشرقي من مدينةالكويت في بیت عز وجاه وثراء، توفي والده سنة 1304 ھ - 1886 م وعمره نحو 23 سنة، فورث ھو وشقیقه الأكبر منه حسین بن علي آل سیف (وھو من الرجال البارزين الذين خدموا الكويت - توفي سنة 1336 ھ) ثروة طائلة تقدر بمئة وخمسین ألف روبیة في ذلك الوقت.
نظرا لفطنته واستعداده الفطري للاعتماد على نفسه ومواصلة الحیاة بعد وفاة والده بجد واجتھاد لم يركن شملان إلى ما ورثه عن والده من ثروة وسعى جاھدا في تنمیتھا ولما كانت مجالات العمل في الكويت آنذاك منحصرة في التجارة أو العمل في البحر لصید اللؤلؤ فقد اشتغل شملان بتجارة اللؤلؤ يشتريه من الغوّاصین ثم يسافر بتجارته الى مراكز بیعه في البحرين أو الھند بمشاركة شقیقه الأكبر سنا حسین بن علي رحمھما الله
فزادت الثروة وذاع صیته بین التجار لصدقه وأمانته، وبلغت ثروتھما أول العشرينیات ثمانمائة وخمسین ألف روبیة، وكان ھذا المبلغ كبیرا جدا في ذلك الوقت.
شارك شملان في أول مجلس للأعیان في الكويت سنة 1921 م في أول حكم الشیخ أحمد الجابر الصباح وكان رئیس المجلس آنذاك المرحوم حمد الصقر.
كانت ديوانیة شملان بن علي ملتقى أھل العلم والشورى في الكويت يستضیف فیھا العلماء الوافدين حیث تعقد حلقات العلم وتبادل الآراء.
ولما عقد أھل الرأي والشورى العزم على بناء مدرسة حديثة سمیت مدرسة المباركیة تبرع شملان بمبلغ ( 5000 ) خمسة آلاف روبیة لتأسیسھا وھكذا كان تواقا للقضاء على الجھل ونشر نور العلم في وقت كان التعلیم فیه محصورا في الكتاتیب التقلیدية القديمة.
تعلیم الأيتام :
رغم وجود مدرستي المباركیة والأحمدية - إلا أن المدرستین ضاقتا بطلاب العلم، ووجد شملان بن علي أن ھناك كثیرا من الیتامى محرومین من نعمة التعلیم لعدم وجود عائل ينفق علیھم.
فھداه الله الى تأسیس مدرسة خاصة تضم الیتامى من أھل الكويت يتلقون فیھا بالمجان علوما مختلفة أسوة بغیرھم من الطلاب المنتسبین إلى مدرستي المباركیة والأحمدية وسمیت "مدرسة السعادة" وخصص لھا جزءا من ماله وعین للعمل فیھا مدرسین أكفاء وأوكل إدارتھا إلى الشیخ أحمد الخمیس الذي كان راتبه مائة روبیة وھو مبلغ كبیر في ذلك الوقت، وقد فتحت المدرسة أبوابھا في عام 1343 ھ ( 1924 م) وكانت ثالث
مدرسة نظامیة بالكويت، وكان التعلیم فیھا مجانا للطلاب وأبناء التجار والنواخذة، وبلغ عدد طلابھا نحو ثلاثمائة تلمیذ. في سنة 1934 م اضطر لإغلاقھا حیث لم يعد بوسعه الصرف علیھا بعد ذھاب ثروته إثر كساد تجارة اللؤلؤ، بسبب ظھور اللؤلؤ الصناعي
قالوا عنه:
في الاحتفال الذي أقامه شملان بن سیف بمناسبة افتتاح مدرسة السعادة سنة 1924 م، قام الشاعر الشاب المرحوم عبد اللطیف إبراھیم النصف يثني علیه بقصیدة وردت فیھا الأبیات التالیة:
الیوم نال العلا والمجد ما طلبا
مذ أصبحا لأبي الأمجاد قد نسبا
مازال يدأب والخلاّق يكلؤه
حتى استكان له الأمر الذي صعبا
الله أكبر يا (شملان) كم لك من
مكارم فقت فیھا العجم والعربا
رفقا بنفسك قد كلفتھا شططا
رفقا بمالك قد حملته تعبا
جردت ھمة لیث لا يساورھا
وھن الرجال ولا تستصحب النصبا
بنیت مدرسة أم شدت مفخرة
أم نلت مكرمة أم فزت منقلبا
لله مدرسة الأيتام مدرسة
قد أبھجت ببناھا العلم والأدبا
وقد قال الشیخ يوسف بن عیسى في ھذه المدرسة وفي مؤسسھا الفاضل قصیدة غرّاء على لسان أحد الأيتام:
أيا من شاد للأيتام دارا
حباك الله مجدا واعتبارا
وأولاك الجلیل جلیل فضل
يشید به من العلیا منارا
وأسكنك الجنان جنان عدن
تحلّ برحبھا دارا فدارا
لئن شیدت للأيتام دارا
أضاء العلم فیھا واستنارا
فكم والیت معروفا لراج
بنیل لا يقاس ولا يجاري
وكم لك في الجمیل جمیل ذكر
يؤم بنا إذا ما المجد سارا
ودارك للضیوف لخیر دار
تناديھم بترحیب جھارا
وبیتك في البیوت أجلّ بیت
سما فضلا وجودا واعتبارا
فیا (شملان) يا رفّ الیتامى
وملجأ البائسات من العذارى
أزف الیك شكرا مستديما
مدى ما لاح بدر أو توارى
كما أن العالم الجلیل الشیخ عبدالله الخلف الدحیان قد نظم قصیدة في مدح شملان لافتتاحه ھذه المدرسة الفريدة من نوعھا ، ختمھا ببیت أرخ فیه لافتتاح المدرسة سنة 1343 ھ - 1924 م فقال :
وإن رمت تاريخي فھاك مؤرخاً
ألا إن خیر البر ما كان عاجلاً
ھذه طريقة لطیفة اتبعھا علماء المسلمین منذ القدم في توثیق الأعداد المھمة ، وحسابھا مبني على جمع الأرقام المقابلة للأحرف الواردة في العبارة التي يحددونھا (شطر البیت المذكور في ھذه الحالة) ثم الحصول على التاريخ المطلوب ، وذلك باعتبار أن كل حرف من الأحرف الأبجدية يقابله رقم تعارف علیه العلماء ، ومن الطريف أنھم قدموا استخدامات علمیة وفلكیة ورياضیة عديدة لمثل ھذه اللغة الرقمیة.
إطعام الفقراء وقت العسرة:
ورث شملان بن علي عن أبیه كريم الخصال ، فعاش حیاة حافلة بجلیل الأعمال الخیّرية، واشتھر بإحسانه إلى الفقراء والمساكین في السّر والعلن مع شقیقه الأكبر سناَ حسین بن علي ، وتجلّى إحسانھما وقت العسرة عندما حلّت الأزمة الاقتصادية بالمنطقة العربیة كلّھا أثناء الحرب العالميةحیث انقطعت سبل المواصلات وتوقَف التجّار عن عملھم وبلغت الأزمة منتھاھا ، فسارع شملان وأخوه إلى إطعام الفقراء والمساكین ، وكان ديوانھما مفتوحاَ للضیوف والفقراء وغیرھم .
الماء للعطشى:
كان الماء قديماَ يجلب من خارج الكويت من شط العرب أمام البصرة بوساطة السفن وكان شملان بن علي وشقیقه حسین خصصا لھذا الغرض سفینة تسمى " رانقون " وجعلا نصف ما تجلبه السفینة من الماء لسقاية الفقراء مجّانا في وقت كانت حاجة الناس للماء شديدة في صیف الكويت القاسي.
العناية بالمساجد :
لم يتوقف إحسان شملان بن علي رحمه الله تعالى على الأيتام والمحتاجین أو على إنفاق ماله في سبیل الدفاع عن وطنه أو على المساھمة في تشجیع العلم فقد كان لتعمیر المساجد وتجھیزھا حظّ وافر من ماله.
فبعدما تأسس مسجد شملان ذو المئذنتین ، تبرع شملان بن علي آلسیف بثلث مال ابنه علي رحمه الله عام 1340 ھ - 1921
لجاسم بن إدريس فعمل منه خلوة ومكاناً للوضوء ، ويقع ھذا المسجد في المرقاب عند تقاطع شارعي الھلالي (ش الشھداء حالیا) وعبد الله المبارك وجددته وزارة الأوقاف عام 1379 ھ - 1959 م.
وفاتة:
بعد عمر قضاه شملان بن علي آل سیف في البر والاحسان توفَاه الله يوم14 ربیع الأول سنة 1364 ھ الموافق 26 فبراير 1945 م ، وعمره حوالي 83 سنة ، أسكنه الله فسیح جنّاته وجعل أعماله في میزان حسناته وجزاه الله عن الكويت وأھلھا خیر الجزاء.
المراجع :
- الموسوعة الكويتیة المختصرة - حمد السعیدان - الجزء الثاني - الطبعةالثالثة.
- خالدون في تاريخ الكويت - الشیخ عبدالله النوري - الطبعة الأولى.
- تاريخ الكويت - الشیخ عبد العزيز الرشید - الطبعة الثانیة.
- رجال في تاريخ الكويت - يوسف الشھاب - الحزء الثاني - الطبعة الأولى.
- قصة التعلیم في الكويت في نصف قرن - الشیخ عبدالله النوري - الطبعة الأولى.
- دراسات كويتیة - فاضل خلف - الطبعة الثالثة.
من تاريخ الكويت - سیف مرزوق شملان - الطبعة الثانیة.
- تاريخ مساجد الديرة - عدنام سالم الرومي - الطبعة الأولى.
* وثقت المادة في مقابلة مع المؤرخ الكويتي العم سیف مرزوق الشملان.
منقول من كتاب محسنون من بلدي