(2) وقعة الصريف:
كتب عبدالعزيز المتعب أمير حائل إلى يوسف بن إبراهيم يدعوه، فلبى طلبه، ولما علم مبارك بوصول يوسف إلى حائل استاء جداً وتوحش من عبدالعزيز المتعب، وأيقن أن الحرب واقعة لا محالة بينه وبينه، ولهذا حرك عبدالرحمن الفيصل وأمره أن يغزو عشائر ابن رشيد فغزاهم في الروضة وأخذهم، ثم جهز مبارك أخاه حمود الصباح للهجوم على شمر، عرب ابن رشيد القاطنين على الرخيمة، فأخذ طرفاً منهم، وبعد هذه الحادثة اشتدت العداوة بين مبارك وابن رشيد، وأخذ كل منهما يستعد لوقعة حاسمة، فجهز مبارك كثيراً من عرب البادية، من العجمان، والعوازم، وعريب دار، والمنتفق وبني هاجر، وأكمل هذا الجيش بالحضر من أهل الكويت ومن تبع عبدالرحمن الفيصل، وآل سليم، والمهنا أمراء عنيزة وبريدة والملتجئين إلى الكويت. وسار هذا الجيش العرمرم إلى نجد بقيادة مبارك بن صباح ولم يجد أمامه أدنى مقاومة، فدخل آل سليم بلدهم عنيزة وآل مهنا بريدة، ودخل عبدالعزيز السعود الرياض واستولى عليها ما عدا القصر الذي فيه الأمير عبدالرحمن بن ضبعان، من قبل ابن رشيد ومعه حامية من الجند فأنه حاصره بالقصر إلى أن خرج عبدالعزيز بن سعود من الرياض بعد أن جاءه الخبر بانكسار مبارك بن صباح، وتمزق جيشه، أما صفة الوقعة فأنقلها عن ثقة من آل الصباح، كان حاضر الوقعة وهو من جند ابن رشيد فهو يقول : "مضت مدة طويلة على مبارك وجنده في أطراف نجد ، وليس لابن رشيد اسم يذكر أما ابن رشيد فعنده علم عن هذه القوة الهائلة، فأخذ يعد لها العدة، فلما تم استعداده توجه لمقابلة خصمه، فالتقى الجمعان في الصريف في شهر ذي القعدة سنة 1318 هجرية، فنزل ابن رشيد في محل منخفض من الأرض، بينه وبين جيش مبارك مرتفع يمنع الرؤيا، وأرسل كشافة من خيله على المرتفع، ورجعوا يخبرونه بما شاهدوا من الجيش، وكان عزم ابن رشيد أن يؤخر القتال إلى الغد، ولكن أشار عليه مبارك بن عذبي (وهو من آل الصباح) بمناجزة الحرب، وقال له: إن بت هذه الليلة بهذا المحل هجم عليك العجمان لأنهم أهل براعة في هجوم الليل. فقبل مشورته، وساق المسيوق أمامه (المسيوق جملة من الأباعر يربط بعضها ببعض وتساق أما الجند لتكون وقاية لمن خلفها)، أما جند مبارك فإنهم لما بدت لهم طلائع خيل ابن رشيد استبشروا بها لأنهم يعتقدون أن النصر لا محالة لهم لكثرتهم، فأخذوا يركضون لملاقاة العدو بلا نظام ولا تدبير، ولما التقى الجمعان غارت الخيل من جند مبارك من بدو وحضر، فردت على أعقابها ثم جاءت أخرى من الجناح الآخر فكسرت، أما الحضر من أهل الكويت فإنهم لما ساق ابن رشيد عليهم المسيوق ردوه خاسراً، فأخذ الأمير ابن رشيد مع عمدة قومه يردون المسيوق إلى الحضر الكويتي، ولما تبين لابن رشيد أن بدو مبارك انهزموا جميعهم، ولم يبق إلا الحضر أمر خيله أن تحيط بهم، فصار حضر الكويت بالوسط يرمون من الأمام والخلف، وانهزم مبارك مع المنهزمين وترك الحضر يجاهدون حتى قضي عليهم بالإنكسار والتشتت.
وقد عمل ابن رشيد بعد الواقعة أعمالاً تمثل الوحشية والهمجية والظلم الذي لم يسمع له مثيل منذ خلق الله الأرض ومن عليها، أخذ يتتبع الفارين والمنهزمين ويجمعهم ويقتلهم صبراً بلا رحمة ولا شفقة مع علمه أن هؤلاء المساكين سيقوا للحرب بالقوة، ولم يكفه من قتل منهم في المعركة بل أخذ يتتبعهم في بيوت القصيم والقرى والمساجد، وحذر أهل نجد أن يلوذ بهم أحد من جند ابن صباح، ولهذا العمل الشنيع عاقبه الله بعد مد طويلة بالقتل وتمزيق ملكه على يد أعدى عدو له وهو عبدالعزيز السعود، الذي قتله شر قتله.
__________________
للمراسلة البريدية: kuwait@kuwait-history.net
|