من كبرى الآفات التي تصيب أي مجتمع وتهدد وجوده واستمرار تطوره في الصميم مسألة التفكك بين عناصره وأفراده وغياب الترابط والتلاحم فيما بينهم، ولعل هذه المعضلة تظهر حاليا في بعض المجتمعات الغربية التي تعاني التباعد والتفكك على المستوى الأسري بل والمجتمعي ككل، ما يجعل من البعض يرون أن هذه الحال تؤذن بانهيار تلك الحضارة وزوالها، كذلك فإن من سمات الدول الفاشلة سوء العلاقة بين الأنظمة الحاكمة والشعوب وغياب اهتمام كل طرف منها بالآخر وحرصه عليه وعلى استمرار وجوده وفي أفضل حال. على النقيض من كل ذلك كانت الكويت دوما ولاتزال تتمتع بانصهار عناصر المجتمع وأفراده وتلاحمهم وتوادهم وترابطهم لاسيما في مواجهة الشدائد، كما ان هذا البلد الطيب تميز بوجود علاقة قوية لا تنفصم عراها بين الحاكم والمحكوم اللذين تبادلا على الدوام حبا بحب واحتراما وتقديرا واشتركا في الحرص على مصلحة الأم الرؤوم الكويت. تتجلى مظاهر هذه السمات الطيبة التي حبا الله بها الكويت من خلال حديث ضيفنا هذا الأسبوع العم غانم يوسف شاهين الغانم، الذي ينقسم اللقاء معه إلى جزأين، عن ذكرياته التي لا تزال عالقة في ذهنه عن كويت الماضي وأحوال المجتمع فيها واتحاد الرأي والجهد في مواجهة المواقف الصعبة. يحدثنا عن سمات المجتمع الكويتي في فترة ما قبل ظهور النفط وما كان يتسم به الكويتيون من تقارب ووحدة في التعامل مع شظف العيش وشدائد الحياة، كما يتطرق إلى بعض الجوانب الحياتية والاقتصادية وبعض الأحداث وكيف أثرت على حياة الكويتيين. يقدم لنا العم غانم الغانم صورة جميلة لحياة الكويت في الماضي نستقي منها العبر والدروس، فإلى تفاصيل الجزء الأول:
يبدأ العم غانم يوسف شاهين الغانم حديثه عن مشواره الطويل في دروب الحياة منذ الولادة والطفولة في بيت الجد فيقول: ولدت في الكويت بالحي الشرقي بفريج الرومي وذلك عام 1922 اي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بثلاث سنوات، توفي والدي وكنت طفلا صغيرا وعشت في بيت العائلة والوالدة ومعي أخي ابراهيم أكبر مني سنا.
ويكمل ويقول عن حياته الطويلة وما واجهه من أفراح وأتراح على مدى عقود من الزمن: مما أذكر اخواني بالرضاعة من أبناء الفريج أبناء الجسمي وأبناء الهاشم والراشد وأبناء الجسار، وكثير من الأطفال بذلك الوقت، وسبب وجود اخوة في الرضاعة بين الكثيرين في تلك الفترة ان المرأة كانت عندما تزور جارتها وتجد الطفل تأخذه وترضعه فالجميع اخوة من الرضاعة وهذا منتشر بين ابناء الفريج ولذلك أقول ان حياتي طويلة، وتاريخ حياتي طويل في هذه الديرة الطيبة ومن يريد ان يتحدث عن نفسه يجب ان يشرك غيره معه لأن الذين عاصرتهم وعشت معهم لكل واحد منهم قصة طويلة في الحرص على بلوغ المثاليات وهذا ديدن الكويتيين وأنا واحد منهم.
رقي واعتزاز
فالكويتيون يتسابقون على الوصول الى المثاليات والتعامل بأرقى مستوى خاصة عندما كانت حالتهم التي يعلم بها الله سابقا لكنهم معتزون بكرامتهم، ومما أذكر انه عندما يولد الطفل في ذلك الوقت يصير عندنا كرنفال بذلك اليوم لوالدة ذلك الطفل، فجميع سيدات الفريج يجتمعن مع السيدة الوالدة ويساعدنها ويستبشرن بذلك الطفل وزيادة عدد الأولاد بالحي (الفريج)، وهكذا يفتح الطفل عينيه على مشاهدة نساء وأمهات وبنات يشاهدهن من اول يوم، وهذا يجعل منه ولدا كويتيا لأن الغرفة الطينية التي ولد فيها والنساء والأمهات وأمه التي ولدته والمتر (السرير) كل ذلك يفتح عينيه عليه، كذلك الأطفال والنساء اللاتي يرضعنه وعيناه على صورهن عكس ما يحدث اليوم، حيث يولد الطفل وعيناه بوجه الممرضة في المستشفى.
أحيانا عندما يكبر الطفل يبكي فتنادي الجدة هاتوا الاطفال فيجتمعون حوله فيسكت الطفل فالطبع النفسي جعله يسكت، هكذا نحن عشنا حياتنا مثلما ذكرتها، فعندما ينمو الطفل ويتدرج ويكبر ويلعب ويحبو على يديه ويخرج في الليوان ويحبو الى باب البيت المطل على الشارع ويشاهد الأطفال يلعبون من صميم البيئة ويقول سيد عمر «ما يصير الأكل زين الا اذا كان العيش زين والدهن والماء نظيف والطباخ زين» نحن تتلمذنا على هذه الحال، كان الأولاد يلعبون بكرة صغيرة نسميها «أمها وأبوها»، أذكر ابن هندي «يطهر» الأطفال وذلك حسب الميعاد والأولاد مجتمعون والنساء وأهل الطفل يجهزون البيت ويفرشون الحوش بالحصر ويجهزون الحلويات بالقناطي وماء الورد والشربات وعندنا ذلك حلو. والذي أحلى منه هو حضور أبناء الفريج والنساء الاجتماع والترابط الأسري بين نساء الفريج وممن اذكر من الجيران بالحي الذي كنا نسكنه بيت جسار الجسار وطاهر وعلي الوزان وعبداللطيف الهاشم وبيت الفرح وراشد الكوس واحيانا اذا كانت الشمس من القبلة الاطفال يجتمعون تحت العريش.
الاحتفال بالعرس
بصفة عامة كان لكل احتفال طريقته حتى الزواج حيث كان المعرس او والده يدعو رجال الفريج والمصلين معه في المسجد وكان الرجل ليلة الزفة يزفونه إلى زوجته في بيت والديها وفي ليلة زواجي كان من المدعوين المرحوم الشيخ عبدالله الجابر الصباح وفرقة اللنقاوي للأفراح، وكان حفل الزواج يقام بالطيران والطبول ويبقى المعرس في بيت اهل زوجته لمدة اسبوع، هذا جزء من الحياة الاجتماعية والاحتفالات كثيرة عندنا في الكويت، ومن ذلك ايام المواسم مثلا في اول شهر شعبان يستعد الكويتيون لشهر رمضان المبارك مثلا بيت بجانبه بعير وبيت آخر يقف امامه حصان وآخر حمير وهكذا.
وأول مرة رأيت فيها ذلك بحياتي كان عمري ثماني سنوات وقلت للوالد هذا بعير فقال هذه البعارين تنقل الصقرية الكبيرة الى الصفارين لتنظيفها لأنه بعد شهر سوف نستقبل شهر رمضان وهذه الصقرية ينظفونها لطبخ الهريس في رمضان، المهم البعير تنقل صقريتين، وتبدأ عند الكويتيين الاصلاحات والاستعداد لشهر رمضان في منتصف شهر شعبان، والبعض يجهز الاكل، كما كان هناك بعض الاشخاص الذين يدبرون بعض الامور الخيرية المرتبطة بهذه المناسبات منهم شخصيات كويتية كبيرة.
المرحوم سلطان الكليب
يكمل العم غانم يوسف الغانم حديثه عن استعداد الكويتيين للمناسبات المختلفة واهتمام بعض الشخصيات بالعمل العام قائلا: على سبيل المثال كان الراحل سلطان الكليب رحمه الله همه وعزمه وعمله الاصلاحي في خدمة البلد بأن يأخذ بعض الزكاة والصدقات من التجار لكي يعمر بها المساجد ويبنيها ويفرشها بالسجاد وكذلك تجهيز الشاي والقهوة.
ورجال كثيرون كانوا يقدمون خدمات جليلة وحسناتهم كثيرة وخاصة في شهر رمضان.
دق الهريس
ومن العادات والتقاليد القديمة في شهر شعبان وخاصة في بيوت التجار وعندهم المنحاز وجمعه مناحيز ودق الهريس له اغنيات خاصة مرتبطة بهذه العملية.
ولفت نظري احد المواقف حدث امامي وهو يعكس سلوكا كان سائدا في رمضان، فقد رأيت ثلاثة من كبار السن كانوا ماسكين أيادي بعضهم البعض، الاوسط من الرجال كان الاثنان كل واحد منهما يدعوه للافطار عنده يوميا بعد مدفع الافطار وهذا يجره من اليمين والآخر يجره من الشمال.
والاثنان الكبار من التجار شاهين الغانم وصالح الابراهيم والثالث يقال له ابومنصور وكنت صغير السن في مرحلة الشباب وسألت الرجل فقال كل واحد منهما يريد مني ان افطر عنده في رمضان، فقال هذه عادة عند الكويتيين واتفقنا على ان افطر الخمسة عشر يوما الأولى عند شاهين الغانم والنصف الثاني من رمضان عند صالح الابراهيم أرضيت الاثنين.
صناعة الحلويات
كما أذكر عائلة ابو الحسن وهم احسن من يصنع جميع أنواع الحلويات التي لم يصنعها أحد من قبلهم مثل اللقيمات والباسيه الحلوة وعندهم طوس مجهزة لوضع الحلويات فيها، وأما سوق الخضار ففيه انواع من الخضار من بداية سوق بن بحر إلى المباركية، الخضار موجود وفي سكة بن دعيج. هكذا فإن شهر رمضان فيه جميع ما يحتاج اليه المواطن.
وإذا حصل ان الرجال في ايام السفر فأصحاب المحلات يتساهلون في اعطاء اهل البيت بالبيع حتى عودة الرجال من السفر، كان التساهل بين الكويتيين موجودا واذكر انه اذا غرقت سفينة أحد التجار فالكويتيون جميعا يهبون ويسارعون إلى نجدة ومساعدة صاحب السفينة، شاهدت يوما المرحوم الشيخ صباح الناصر مع محمد شاهين الغانم بيدهم ورقة ويجمعون مبلغا من المال لأحد التجار لغرق سفينته وبالفعل جمعوا مبلغا لا بأس به وسلموه لصاحب السفينة.
كانت الكويت وأهلها اصحاب خير بالقناعة والتعاون وليس بالمال فقط وكان اكبر تاجر في الكويت آنذاك لا يملك في صندوقه مائة ألف روبية. ويساعد بها الغير فالكبير يساعد الذي اصغر منه وهو بدوره يساعد الذي أصغر منه وهكذا وهذه العادات والتقاليد شملت جميع الكويتيين على جميع مستوياتهم ولا يوجد فرق فيما بينهم ومما أذكر انه عند انهيار سوق اللؤلؤ عام 1936 صار الكويتيون كل واحد يطالب الآخر الدائن والمديون فارتبك الكويتيون وبعض الرجالات من أهل الخير قاموا بزيارة للشيخ احمد الجابر امير الكويت، وطلبوا منه الغاء الدين عند الجميع فبادر وأصدر اوامره بالغاء جميع الديون عن جميع الدائنين والمدينين للدائنين الآخرين.
تثمين البيوت
ومما أذكر أن التثمين للبيوت بدأ عام 1946 ومشاري هلال المطيري فتح صندوق والده ووجد فيه وصولات فيها اموال على المواطنين وجمع اخوانه حمد وفجحان وبندر وقال لهم يا اخواني الكويتيون مدينون وما عندهم فلوس يسددون ماذا تقولون في أن تنتهي هذه الديون فرد عليه اخوانه «اللي تفعله نحن معك» اشعل النار في صندوق والده وحرق كل ما فيه من اوراق ووصولات واسقط الدين عن الجميع هذا أفضل رجل طيب ساعد الكويتيين وانجاهم من الديون هكذا كانت الكويت ورجالها.
ولعل هذا شبيها بما ذكرناه آنفا عن قيام الشيخ أحمد الجابر باصدار قرار بأن تلغى جميع الديون عن زيد وعمر والصغير والكبير وعلى الجميع ان يبدأ من جديد في حياته الاقتصادية ولا يضيع البلد بسبب الديون.
انتهت الديون عن جميع الكويتيين وذلك بواسطة رجال مخلصين لوطنهم وهم المرحوم يوسف الفليج وحمد المشاري وعبدالعزيز السدحان والشيخ أحمد الخميس ويترأس الوفد المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وارتاحت الناس وبعد تلك الفترة بدأ ظهور النفط، وعام 1946 بدأ تصدير أول شحنة نفط في عهد أمير الكويت المغفور له الشيخ أحمد الجابر.
دور المرأة الكويتية
بعد ذلك يتطرق ضيفنا لنقطة مهمة ومحورية تتناول مشاركة المرأة الكويتية في نشاط المجتمع وبنائه وتنميته، ويذكر نموذجا لدور المرأة حيث يقول: مما اذكر ان والدة الشيخ عبدالله الخليفة الصباح كان لها دور كبير في المجتمع وكانت ساكنة في حولي ولها تاريخ كبير في المساعدات وكانت تقدم للمحتاجين ما يطلبونه من مساعدة، مثلا المنقطع في الطريق تساعده على الأكل والماء وما يحتاج له في طريقه، ومن يضل الطريق ترشده الى الطريق، وكذلك شاهة الصقر ساعدت على فتح المكتبات من مال والدها والمساجد وساعدت على الأعمال الاجتماعية.
الكويتيون ـ رجالا ونساء ـ كانوا يقدمون المساعدات للفقراء والمحتاجين وقد صنعوا أنفسهم وفي عام 1945 أثناء الحرب العالمية الثانية ساعدوا الهند في نقل البضائع داخليا بسفنهم الشراعية ونقلوا التمور من العراق الى الهند وقدموا خدمات كثيرة.
وكان للكويت ما يشبه السفراء في الخارج مثل جاسم شاهين الغانم ومعه خالد الحمد في عدن وكانوا يساعدون الكويتيين هناك وفي مدينة مومباي العيسى والإبراهيم والبسام والقاضي وكانوا موجودين هناك لمساعدة الكويتيين وحل مشاكلهم.
وفي مدينة كراتشي فهد المرزوق وعبدالرحمن الشاهين وفي مدينة البصرة بالعراق يوجد عبدالله الخالد القناعي ومحمد ثنيان وأبا الخيل، وعبدالعزيز السالم تاريخه كبير وهو أول سفير للكويت وهو من المحكمة التركية وله تاريخ كبير وله طريقته الخاصة في الدفاع عن الكويت والكويتيين، وهو رجل غني ومتحدث وهو رجل من رجالات الكويت القدماء المنسيين حاليا وأطلب من المسؤولين أن يطلقوا اسمه على أحد شوارع الكويت. أولئك الرجال يجب أن تطلق أسماؤهم على شوارع ومدارس الكويت مثل عبدالعزيز السالم ومن ذكرتهم.. مرت سنون كثيرة واذكر سنة الطفحة (زيادة اللؤلؤ).
الكويتيون ساعدوا العراقيين في زراعة أراضيهم البور بعدما اشتروها مثل أبوالخصيب والفاو وحمدان ومهيجران.. تلك الأراضي ملك الكويتيين وفي احدى السنوات وفي عهد عبدالكريم قاسم قلت لأحد الفلاحين الذين يعملون بأراضينا يا عيسى اعطني كمية من رطب البرحي، فقال: شنو هذا ما أعطيك ما سمعت ماذا قال الزعيم ان الأرض لمن يزرعها».
انقلب وتغير ذلك الرجل وقلت له ما سمعت الشاعر الذي يقول:
الصاحب اللي توده ما تقول له (توكك)
العراقي عراقي لا يتغير
«صبه حقه لبن».
نقل المياه
ولقد سافرت في سفن نقل المياه ومما أذكر اني في احدى السنوات سافرت في سفينة التورة وعند مدخل شط العرب بدأنا ننقل الماء بواسطة «الزيله»، وكان الماء فيه ملوحة فدخلنا داخل الشط وحضر عندنا لنج عراقي فقال أحد من فيه اخرجوا لماذا دخلتم الى الشط؟ وطردنا من داخل الشط، وقال لزميله قل لهم اعطنا عشرين روبية، حتى الماء قطعوه عنا، المرحوم الشيخ عبدالله السالم امير الكويت بعدما اسس له لجنة قال: العراق لا فائدة منهم نفكر باقامة تصفية لمياه البحر، وقد صوت نصفهم او اكثر بعدم استيراد ماء من شط العرب وعلينا ان نضع ونصنع ماكينة التصفية وباشر المرحوم الشيخ فهد السالم الاشراف على العمل، وفي عام 1954 سنة الهدامة كان يشرف على بناء البيوت التي هدمت ومما اذكر ان جندل غرف بيتنا له صوت اثناء نزول المطر فسألت الوالدة عن ذلك فقالت انه يسبح الله.
الشيخ فهد السالم اهتم بالكويتيين وكان يدير ويشرف على المستشفى الاميري. واشرف على انشاء بناء التصفية واذكر ان الكويتيين كانوا يأخذون مياه آبار الماء بنفس منطقة الشيراتون لوجود الآبار. والمنطقة فيها مياه، واذكر ان مستر هاستون مهندس حضر الى الكويت، واسسوا ماكينة التصفية وبدأ الماء العذب وبدأ الكويتيون يشربون الماء الصافي العذب بفضل حكمة حكامهم. ماكينة التقطير لم تكلف الكثير واستفاد منها الكويتيون وموقعها في الشويخ.
واذكر ان يوما من الايام الكويتيون سافروا الى شط العرب بأربع سفن خشبية من نوع الدوبه واحضروا الماء العذب وتم توزيعه على جميع الكويتيين، انطلق الشيخ فهد السالم في فعل وعمل الخير للكويتيين وبنى المدارس، واذكر مدرسة عائشة ومدرسة الزهراء في الحي القبلي بداية الخمسينيات وكان في عهد وحكم المرحوم الشيخ عبدالله السالم امير الكويت وكان المرحوم عبدالمحسن العريفان احد المسؤولين في المستشفى الاميري، وللشيخ فهد السالم الصباح حسنات كثيرة وهو اول من بنى قصرا في النويصيب وكذلك المرحوم الشيخ عبدالله المبارك بنى له قصرا في الخيران. الكويت محفوظة من الله وحكامها الذين صانوا ارضها واستقلالها.
تعاون وترابط
ومما اذكر اني قابلت المرحوم الشيخ فهد السالم وقلت له يا طويل العمر ان بيت بن ناصر تهدم من الامطار الغزيرة وبعد يومين بدأ العمل به وتصليحه وبعد سنوات تم تثمين بيوتنا في المدينة وخرجنا الى المناطق الجديدة، تاريخ الكويت طويل ومنذ نشأت الكويت والكويتيون متعاونون مع بعضهم البعض ونشاطهم واحد ان كانوا من البحارة او التجار او العمال جميعهم يعملون ويساندون الحاكم كانوا متعاونين، واذكر اثنين من عائلة الطراح كانوا يوزعون الاكل على الفقراء، اولادنا عليهم ان يدرسوا تاريخ الكويت خاصة التاريخ الاجتماعي، خاصة الذين درسوا في الدول الاجنبية. قصدى نشر الكتاب ومطالعته وقراءة مادته وليس الثراء وتجميع الاموال. تاريخ الكويت طويل فيه امور ومواد ومعلومات كثيرة وعلى الشباب قراءة الكتب المسؤول الحالي غير المسؤول السابق، وبعض الشباب لا يعرفون شيئا عن الكويت والشهادة الجامعية عندهم جواز مرور للوظيفة، نحن كبار السن عشنا حياتنا واخذنا فرصتنا وكان هناك تنظيم في الاجيال السابقة، فقد كان التاجر الكويتي عندما يسافر يأخذ معه اولاده لكي يتعلموا مما تعلمه والدهم.
مثلا السفينة الشراعية يديرها النوخذة وهو الآمر الناهي وفيها المعلم والسكوني والمجدمي والبحار ونوخذة الشراع وراعي البركة وراعي البلْد وهو الرجل الذي يقيس عمق البحر ونوع ارضيته ويبلغ النوخذة لكي يعرف اين هو من البحر.
صاحب البلْد يبلغ النوخذة وهو يسأله ما هو نوع قاع البحر يقول له قحّة او ارض طينية او ارض رملية والنوخذة يعرف مكانه من البحر بهذه المعلومات ويعرف طريقه الصحيح، وكانوا يعرفون المطالع والمخارج مثل ياه فرقد، نعش عيون وسلميار وقطب والقطب الشمالي والقطب الجنوبي.
وأحد عشر نجما ثابتا يقيسون عليها النواخذة، والبحارة يعرفون.
النوخذة موسوعة علمية في البحر يعرف كيف تسير السفينة بين الامواج وفي عمق البحار، كان الكويتي يعمل بجميع المهن من اجل لقمة العيش والعمل مترابط بين جميع من يعمل على ظهر السفينة.
الصبر والعطاء
يجب على المواطنين الصبر على المدين وعدم الشكوى والصبر والحل وديا والبلد بخير، فالاقربون اولى بالمعروف.
من يملك عليه ان يعطي الاقربين من اقاربه واهله ربما فيهم فقراء لكنهم متعففون فلهم الاولوية في العطاء، وهذه صفحة بيضاء عند الكويتيين في عملهم وعطائهم، وبالنسبة للوضع الحالي عندنا مجلس امة وعندنا حكومة طيبة واميرنا اطيب واطيب، عسى الله ان يحفظه، ونحن بحاجة ماسة لحياة طيبة، قرأت ان ثلاثة وتسعين الف كويتي ممنوعون من السفر، فبدلا من هذا تعمل دراسة ولجان تدرس حال كل واحد منهم بدلا من منعهم من السفر.
ومما اذكر من القضايا ان اثنين من المواطنين اختلفا على دين بمبلغ خمس روبيات عند الشيخ عبدالله الجابر، فقال لاحد الرجال واسمه كهف «اصلح ما بينهما»، فخرج من المجلس وتشاور معهما على سداد الدين فاتفقا على ان يسدد له من يسره بالراحة التامة.
وانتهى الموضوع ببيع ماعزته واعطاه نصف المبلغ سعر الماعز وانتهوا على خير.
الله يكفينا شر الآتي ويحفظ الكويت وأهلها من كل شر.. كما أرى ان من المشاكل الموجودة والتي يجب حلها مشكلة البدون ومشاكل العمالة الوافدة الذين يرتكبون الجرائم.
قضية الطلاق
هنا يتناول العم غانم الغانم قضية اجتماعية مهمة للغاية تؤثر على المجتمع بأسره حاضره ومستقبله ألا وهي أبغض الحلال «الطلاق» وعن ذلك يقول: الطلاق عند الكويتيين قديما لم يكن الطلاق بأعداد كبيرة لا تذكر، فقد كانت المرأة مطيعة لزوجها إلا ما ندر، أما الآن فالطلاق زاد عدده لأسباب في المجتمع، كان في الماضي من الصعوبة ان يحدث الطلاق ومن الطرائف الموجودة كان بفريجنا 4 سيدات اسم كل واحدة منهن «حصة» وحصل ان احداهن زوجها يريد السفر وقال لأحد الجيران يا أبوخالد أوصيك على زوجتي، 3 رجال وكلوا رجلا واحدا.. المهم الثلاثة سافروا وبقي الرابع وحصل سوء تفاهم بين حصة وحصة الثانية وقال الرجل انتما الحصتان طالقتين فردت الاثنتان الأخريان قائلتين يا عمي نحن الطالقتان أو هما الطالقتان فقال انتما الاثنان ايضا طالقتين، فطلق الأربع وعاد رجالهن من السفر وذهبوا للقاضي وقال ارجعوا الى أزواجكن لأن هذا الرجل منفعل غير مصيب.
كان الطلاق في ذلك الزمن مخيفا فلا يقع الطلاق بسهولة، والسيجارة تخيف الشباب وكنا نحرمها، أما «الرادو» فعندما كنا صغارا وفي منتصف الثلاثينيات كان الرادو غير منتشر ومن عندهم في ذلك الوقت قليلون مثل عبدالرحمن البحر وعبدالله الملا وقهوة بوناشي وقهوة زمون في الصفاة وآخرين والرادو حجمه كبير وكان محمد رفيع بهبهاني المستورد للرادو (المذياع) وتلك المقاهي تضعه على طاولة مرتفعة وكنا نسمع نشيد:
يا شباب النيل يا عماد الجيل
هذه مصر تناديكم
فلبوا دعوة الداعي
وهذا كان في زمن النحاس باشا، وكانت تغنيها أم كلثوم وتبثها إذاعة الشرق الأوسط.
وأحيانا يصير خطأ في بث المادة على سبيل المثال، يقول المذيع الآن نستمع الى أغنية فريد الأطرش ونفاجأ بأن نسمع أغنية لأم كلثوم.
وسمعت أغنية للمرحوم عبداللطيف الكويتي يقول فيها:
أهلا وسهلا ومرحبا وأبدي سلام وتحية قلبي يرددها مديم
مني سلام للملك وأبدي سلام
نقلت كلمات الأغنية لملك المملكة العربية السعودية نقلها أحد المترددين على الكويت بأنها كلمات غير لائقة.
وصل الخبر الى الكويت بالتدقيق والتحري عن كلمات الأغنية بواسطة المقيم التجاري السعودي وطلبوا حضور عبداللطيف الكويتي وقابل جلالة الملك عبدالعزيز وسمع منه كلمات الأغنية وأهداه ألف ليرة.
ساحة الصفاة
يذكر العم غانم يوسف الغانم حركة البيع والشراء وساحة الصفاة فيقول: كانت سوق عكاظ، تجد كل رجل فيها يبيع ويشتري الدهن والاقط وبيع الجمال والعرفج وكل منتجات الالبان والاغنام وكان عندنا سوق البقر وسوق السلاح والتمر، كانت الكويت موسوعة كبيرة والجميع يخدم خاصة التجار الذين بنوا السفن وغامروا بها فعبروا البحار والمحيطات، كانت ساحة الصفاة فيها كل ما يريد المواطن من اغراض وحاجات لبيته، واذكر ان التجار ايام الحرب العالمية الثانية كانوا يشترون المواد الغذائية ويبيعون ولكن صار نزول كبير في الاسعار وبعدما نزلت الاسعار خسر التجار في بعض المواد التي يتاجرون فيها لكن التجار صبروا على من خسر.
المرحوم الشيخ أحمد الجابر
عن انتشار الأعمال الخيرية يقول العم غانم يوسف الغانم: كان من مظاهر الخير المنتشرة في المجتمع الكويتي توزيع الطعام على الفقراء فقد كان ابن عمير مثلا يطبخ الاكل ويوزعه على الفقراء والمحتاجين من الناس واذا دخل شهر رمضان يعطيه المرحوم الشيخ احمد الجابر كمية كبيرة من العيش لكي يغطي الاعداد الزائدة من الناس في وقت الافطار ويكفيهم فيطبخ ثلاثة قدور من الرز بزيادة الكمية من الشيخ أحمد الجابر، وهذا دليل على أن الناس من الشعب الكويتي بينهم علاقة ود ومحبة مع الحاكم الذي لا يغفلهم ويعطيهم من الصدقات والزكاة وبعض المواطنين يأخذون الأكل معهم الى بيوتهم والبعض الآخر يأكلون عند البيت. وهذا جزء من حسنات شهر رمضان.
جريدة الأنباء - 25/9/2010
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
|