السدرة (19)
1992 ترشحت لمجلس الأمة عن الدائرة الثالثة
بعد تحرير الكويت اتجه النظر الى اعادة البناء وترسيخ الأسس التي قامت عليها ومن أجلها جهود أجيالنا، ومن أجلها قدمنا أعمارنا وتفانينا في عملنا، ومن أجلها تقدم الشهداء وعمل العاملون كل في مجاله، ولكن في اطار الوطن الأوسع.
هذا الشعور هو الذي انتابني فور أن غادرت موقعي في كونا، وخرجت مودعا لا لأذهب الى الراحة كما يقال عادة، بل لأواصل ما خلق الانسان من أجله، عمل الصالحات، لما فيه خير الكويت وأهلها، ونصرة أمتها ودينها، ولأشتبك أيضا في ميدان آخر مع مشهد الكويت بعد التحرير.
مرشحاً لمجلس الأمة
في هذا الجو، وتحت هذا الهاجس، قررت في عام 1992 ترشيح نفسي لعضوية مجلس الأمة عن الدائرة الانتخابية الثالثة. وبوصلتي هي أن حب الوطن طاقة عطاء لا تنضب، وجهد صادق لا يتعب، ولأن خدمة الوطن اسمى وسائل التعبير، ليس عن هذا الحب فقط، بل عن ما تؤمن به وتراه الأسلوب الأمثل لحياة تتخطى الفردية الى حياة الجماعة.
لم يكن قراري كما قلت في برنامجي الانتخابي، نزولا عند رغبة أحد، ولا تجاوبا مع دعوة جهة أو جماعة، بل جاء انسجاما مع ما آنسته في نفسي من قدرة على مواصلة خدمة وطني وأهلي وأمتي في اطار ديموقراطي ومسؤولية نيابية.
كنت قد قضيت اكثر من ثلاثين عاما في الخدمة العامة في مواقع متعددة، وحصلت على تجارب متنوعة ومعرفة ثرية، وكان أملي أن أوظف كل هذا في خدمة مجلس الأمة، أن أساهم في جعل الحوار في جنباته اكثر حرية وموضوعية، والقرار في قاعاته قائما على المعرفة والاستقامة، والتعبير فيه عن ضمير الشعب وأكثريته الصامتة أكثر صدقا والتزاما.
وهذه هي حكاية تجربتي، او حكاية ما فكرت فيه في مطلع التسعينات فور أن اصبحت خارج كونا، ولكن ليس خارج كينونتي كانسان.
كان أقرب شخص لي هو عبدالعزيز الصقر، فعبرت له عن رغبتي في الترشح، وقلت: «لاأرى أحدا في الساحة، وأود ترشيح نفسي للانتخابات، وأريد أن أعرف رأيك».
واذكر أنه قال لي يومها: «ليس لدينا أحد.. توكل على الله».
وذهبت الى جاسم القطامي أطلب مشورته ورأيه. فلم أجد عنده اعتراضا، وقال أيضا توكل على الله، الا أنه نبهني الى أمر واحد: «من الصعب أن ترشح نفسك من دون أن يكون وراءك أحد».
فصممت: «أعلم هذا، وما أريده هو التجربة».
قيل لي يومها أن علي زيارة الدواوين، ولكنني كنت أعرف النتيجة سلفا، ولهذا لم أزر الا بعضها. وحصلت على اصوات قليلة كما توقعت، ولتنتهي تجربتي مع الانتخابات عند هذا الحد.
دنيا لا تتوقف
كما اعتدت دائما، وكما تعلمت من خبرتي، لا تتوقف الدنيا ولا يتوقف الإنسان عن هذا المنعطف أو ذاك، بل تواصل الحياة مسيرتها، وعلى الإنسان، مادام دافعه مختلفا عن الدوافع الشائعة، أن يواصل مسيرته على هدى طبيعته وعاطفته، وسيجد أن لديه ما يبذله وما يعطيه في أي مكان يكون فيه، سواء كان في أكثر المناصب علوا أو اكثرها تواضعاً. لهذا جاء تفرغي لعمل وأنشطة جمعية الهلال الأحمر الكويتي، وأنا أحد مؤسسيها، متطابقا مع هذه الطبيعة التي لم تفارقني، وأشعرني بسعادة كبيرة. هذه السعادة هي التي وفرت لي طاقة وقدرة على بذل الجهد والنشاط في سبيل العطاء والخير عبر الجمعية، ولم أكن أظن أن لدي مثل هذه الطاقة في عمري المتقدم.
ما أعنيه بالتطابق هو أن هدف حياتي منذ البداية لم يكن يخرج في الحقيقة عن أهداف الأماكن التي شغلتها، سواء كان مكان العمل بين الأسرة البيضاء أو بين ملفات وكالة الأنباء، او في غمار حركة الهلال الأحمر داخل الكويت وخارجها. في كل هذه الأمكنة عمل اجتماعي وإنساني تتشابك فيه تلبية حاجة المرضى والمحتاجين مع حاجتنا إلى نشر الحقيقة والمعرفة وإنقاذ الناس من الكوارث التي تسببها اضاليل البشر أو تسببها ثورات الطبيعة. في كل مكان يمكن أن نقدم مساهمتنا وعملنا الصالح.
ولا يحتاج الإنسان منا إلى كثير من التأمل ليكتشف أن جوانب عديدة، سواء في داخل مجتمعنا أو في العالم من حولنا، تحتاج منا إلى المساهمة في هذا الجهد الإنساني.
حياة أقل قلقا
في كويت الستينات، وقبل ذلك بزمن طويل، يقول لك كل من تتحدث معه ان الحياة كانت أقل قلقاً مما هي عليه الآن، وكان هناك جو من التعاون والانفتاح بدأنا نفتقده الآن. كل هذا صحيح بالطبع، ولكن هناك قضايا جديدة استجدت، وأحوال تغيرت بحكم حركة الحياة ذاتها. هناك أكثر من مليون وافد، معظمهم من العزاب أو البعيدين عن أسرهم، وهناك قضية البدون المحرومين من كل شيء بما فيه التعليم والخدمة الصحية والعمل، هناك الأسر المتعففة التي تفتقر إلى معيل. كل هذه الأمور جعلتنا نتخذ قرارا في الجمعية لتقديم المساعدة لهؤلاء المحرومين لنحمي مجتمعنا من آثار هذه الأوضاع الجانبية.
لقد وجدنا أنفسنا بعد التحرير أمام دمار وخراب أمام زيادة كبيرة في أعداد المحتاجين، 4000 أسرة تقريبا من البدون، فتحملنا مسؤوليتنا، وبدأنا مع المعاقين والعجزة وكبار السن. وواصلت تعاطفي مع الأيتام واللقطاء والعجزة أيضاً الذين كانوا موضع عنايتي عندما كنت في وزارة الصحة. فأرسلنا متطوعين إلى مقراتهم في دور الشؤون الاجتماعية، يوزعون الهدايا ويقيمون الحفلات الترفيهية ويدخلون عليهم أجواء المرح والتعاطف.
في المحيط العربي
إذا انطلقت خارجاً، إلى محيطنا العربي، ستجد لهلالنا الأحمر أكثر من قصة حدثت وتحدث في أمكنة متعددة. فعلى أرض الكويت نشأ بمساعدتنا أول هلال أحمر فلسطيني، في وقت لم يكن فيه أحد مستعداً في هذا المحيط العربي لمد يده لهذه الجمعية، ناهيك عن السعي لنيل اعتراف دولي بها.
حين بدأت تبرز حركة فتح الفلسطينية، كان اكثر الأطباء في الكويت من الفلسطينيين، وتحمسوا للتطوع وتقديم المساعدات والخدمات عبر مكتبها في الكويت، في وقت لم يكن لديهم هلال أحمر لا في الأردن ولا في لبنان. وأذكر أننا حين ذهبنا إلى مؤتمر في تونس، كان هناك خلاف بين جمعية الصليب الأحمر اللبناني والهلال الأحمر الفلسطيني الذي فرض نفسه هناك بالقوة.
هيئتان للعمل الإنساني
حين سألوني في تونس عن حل، قدمت اقتراحا بالعمل كما هو جار في الاتحاد السوفيتي، أي أن يكون لدينا في لبنان جمعية صليب أحمر لبناني وجمعية هلال أحمر فلسطيني حتى تتوقف الحساسيات عن إثارة الخلافات، فقيل لي من قبل الوفود المشاركة تقدم بهذا الإقتراح ونحن معك.
كان معي يومها يوسف ابراهيم الغانم، وتقدمنا باقتراحنا، فثار غضب رئيسة الوفد اللبناني السيدة تيريزا، وانفعلت انفعالا شديداً، وانسحب من أيدني في تقديم الاقتراح، وصرت وحيداً، وتحدثت مخاطباً رئيسة الوفد اللبناني، وقلت:
«لامانع لديّ أن أقلب الهلال إلى صليب أحمر»
ومع ذلك لم يقبل الاقتراح.
أما هنا في الكويت، فحين أرادت منظمة التحرير الفلسطينية إنشاء هلال أحمر، وكانت قد بدأت تجمع التبرعات والأدوية، تقدمت للمساعدة، ولم أتأخر أو أتردد. وكان هذا أول هلال أحمر فلسطيني ينشأ في منطقة الجابرية. واستمر وجوده إلى أن توقف بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي.
كنت من أشد المتحمسين لمد يد العون، وكان لي موقع خاص لدى الفلسطينيين.
الآن وبسبب التطورات التي مرت بها القضية الفلسطينية، لم نعد نتعامل مع الهلال الأحمر الفلسطيني التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله، لأنه يأخذ المساعدات منا ويعطيها للموالين لهذه السلطة، ونحن ضد هذا الأسلوب. نحن نريد مساعدة المحتاجين والفقراء كافة، بغض النظر عن مؤيد ومعارض، فلا دخل للسياسة في مساعداتنا الإنسانية. لهذا تم الاتفاق مع د. حيدر عبد الشافي رحمه الله على إنشاء هلال أحمر في غزة، واصبح هناك هلالان في بلد واحد، أحدهما تحت سلطة رام الله والآخر تحت إشراف عبد الشافي الرجل الفذ والأمين والوطني. وعلى هذا الأساس قمنا بتحويل التبرعات لفلسطين الى غزة عن طريق البنك العربي، وهناك توزع على المحتاجين، وتصلنا الإيصالات. وبعد وفاة د. عبد الشافي استمر الوضع هكذا.
مساعدات إلى القدس
من جانب آخر، وأمام وجود محتاجين في القدس، بدأنا شراء مواد غذائية من الكويت وارسالها إلى الضفة الغربية عن طريق الصليب الأحمر الدولي، فكانت تخزن في عمان لمدة شهر أو شهرين إلى أن تأذن السلطات الإسرائيلية بادخالها، فتنقل بسيارات الصليب الأحمر إلى داخل الأراضي المحتلة، وهناك يتم توزيعها. واستمر هذا التعاون مع الصليب الأحمر الدولي طيلة سنتين، وكلفنا الشحن من عمان إلى الضفة ما يقارب 500 ألف يورو، فاتفقنا مع سيدة تدعى «رضا خضر» على أن تكون مندوبتنا هناك، وعن طريقها يتم تقديم مشروع إفطار الصائم، ومساعدة الايتام والعجزة بحدود 400 شخص لمدة شهر، وندفع لما يقارب 500 عائلة ليس لها معيل 100 دولار شهرياً، بالإضافة إلى توفير احتياجات الطلبة الايتام من الأدوات المدرسية (7000 حقيبة مدرسية وملابس ومواد غذائية).
وقد نوه د. عبد الشافي حين زار الكويت في يوليو من عام 2004 بجهود جمعيتنا، فذكر لصحيفة «القبس»:
«إن الهلال الأحمر الكويتي استطاع أن يكسر الحواجز والجدران سعيا إلى إيصال الكثير من المساعدات إلى الشعب الفلسطيني عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر»
ويبدو أن نشاطنا هذا أثار شهية بعض من رجالات السلطة الفلسطينية فدخلوا على الخط، وأنشأوا مركزا باسم المركز الفلسطيني للاتصال الجماهيري ومجموعة العمل الأهلي طالبين أن نحول اليهم أيضاً مبالغ كبيرة كمساعدات. من ذلك رسالة وصلتني بصفتي رئيس الجمعية في 26/8/2007 من نبيل عمرو تطلب تمويل ميزانية بمبلغ 1,060,000 لتوفير متطلبات العام الدراسي بحجة مساعدة الطلبة المحتاجين للرسوم الجامعية والمنح الدراسية. فكان جوابي ان مثل هذه المساعدات غير مدرجة ضمن ميزانيتنا التقديرية، وخارج نطاق اختصاصنا، ونحن نعطي الأولوية لمساعدة ورعاية الايتام والعجزة والأرامل والمعوقين وإعانة المرضى، ومستعدون للتعامل في ما يتعلق بهذه الأمور. ثم ذكرت له أننا خصصنا لمندوبتنا رضا خضر عدة مبالغ تصرف ضمن معايير ومقاييس محددة.
..والى غزة
ولم تتوقف تدخلاتهم عند هذا الحد، بل أرسل الهلال الأحمر الفلسطيني التابع للسلطة في رام الله كتابا لنا يتساءل فيه بلهجة استنكار: كيف توجد في فلسطين جمعيتان للهلال الأحمر الفلسطيني في بلد واحد؟! فقلت في ردي عليه:
«نحن لم ننشئ هلالا أحمر في فلسطين، بل لدينا ممثل هناك».
حتى الآن ما زلنا نرفض التعامل مع هؤلاء بسبب أسلوبهم في توزيع المساعدات. وأذكر أن السيد أحمد قريع اتصل بي يسأل عن سبب هذا الموقف، فذكرت له الأسباب واقتنع بموقفنا.
أسلوبنا هذا لم ينقطع في التواصل مع المحتاجين، وخلال العدوان الأخير على غزة في أواخر 2008 وأوائل عام 2009، ذهبنا الى غزة، فوجدنا الهلال الأحمر المصري هناك، فقررنا شراء الاحتياجات من مصر، وأعددنا 10 شاحنات دخلت عن طريق معبر رفح. ومع أننا كنا طلبنا تسليم الشاحنات الى الهلال الأحمر في غزة، لكنه لم يتسلم شيئاً منها، وقيل إن «حماس» أخذتها ووضعتها في المخازن. وما زلنا نرسل المساعدات الى غزة عن طريق رفح بمساعدة الهلال الأحمر المصري، ثم يستلمها ممثل عن وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية، ويتم توزيعها، ولكننا لا نعرف كيفية التوزيع.
ولم نتوقف عند هذه الحدود، بل مضيت الى الطلب من الأمين العام للجامعة العربية عقد اجتماع لوزراء الصحة العرب لمناقشة كيفية دعم الشعب الفلسطيني على المستويين الطبي والانساني، ولكن لا أحد رد على طلبنا هذا.
.. ولبنان
وخاضت جمعيتنا حرباً انسانية حقيقية في مواجهة العدوان الاسرائيلي على لبنان واللبنانيين في صيف عام 2006. وشهدت الساحة اللبنانية الشبان الكويتيين يواجهون المخاطر والتحديات ويصرون على البقاء هناك من أجل تقديم المساعدات واغاثة اخوانهم اللبنانيين. ولم يتوقف جسر المساعدات الذي أقمناه، وأوصل ما يقارب 1142 طنا من المساعدات معظمها أدوية. وفضل الكثير من متطوعي الهلال الأحمر الكويتي البقاء في لبنان للعمل على تقديم المساعدات الى المحتاجين بأنفسهم الى جانب الاشراف على التوزيع.
ما افتقدناه في معاركنا الانسانية هذه هو دور الاعلام الكويتي الخارجي في ابراز دورنا، ليس في الساحة اللبنانية فقط، بل جميع دول العالم. وأعني بذلك دور شباننا الذين يقبلون على العمل التطوعي بأعداد كبيرة، ولا يترددون في الذهاب الى أي مكان لأداء الواجب الانساني، بينما تقف الجهات الحكومية من عملهم موقف اللامبالاة، وكأن الأمر لا يعنيها.
صفحة مجهولة
سأنتقل الآن الى رواية صفحة، ربما هي صفحة مجهولة من صفحات جهودنا لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب العراقي داخل العراق وخارجه على حد سواء، متجاوزين حتى العقبات التي كان يقيمها النظام العراقي أمامنا في التسعينات.
بدأنا بتقديم المساعدات أثناء الحرب العراقية - الإيرانية وبعدها، وواصلنا تقديم مساعداتنا بعد تحرير الكويت إلى اللاجئين العراقيين في أماكن مختلفة، بل وحاولنا الذهاب إلى العراق أثناء فرض العقوبات الدولية على نظامه.
حين وردنا من الخارجية الإيرانية خبر عن وجود نازحين من العراق على الحدود الإيرانية بحاجة إلى المساعدة، طلب منا الشيخ صباح الأحمد إرسال مساعدات إليهم، فقلت إن علينا التنسيق مع الهلال الأحمر الإيراني.
وتم التنسيق مع الهلال الأحمر الإيراني، وأرسلنا مساعداتنا عن طريق ميناء بوشهر.
وأذكر يومذاك أن باقر الحكيم، أحد الزعماء العراقيين، زارني في الديوانية وطلب منا إرسال كتب باللغة العربية إلى المدارس، لأن الإيرانيين يدرسون الأطفال هناك باللغة الفارسية. فأحضرنا كتباً من وزارة التربية وأرسلناها.
وفي لندن، اتصلت بي إيما نيكلسون، عضو البرلمان البريطاني، وكان لديها نشاط إنساني في العراق، فطلبت مقابلتي، وعبرت عن رغبتها في أن نساعدها في نشاطها، فأخبرتها أننا نواصل إرسال المساعدات.
ومن جانبها، أشادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلسان رئيسها د. مصطفى عمر، بالمساعدات التي يقدمها الهلال الأحمر الكويتي للعراقيين، خصوصا اللاجئين منهم في مخيمات إيرانية، وأشار إلى امكان التعاون والتنسيق بيننا وبين المفوضية، وعرض علينا المساهمة في المجالات التي نراها مناسبة ويتم الاتفاق عليها. وعلمت منه أن المفوضية توفر المعونات الإنسانية لللاجئين العراقيين في سوريا ولبنان والأردن أيضاً.
وفي أيار من عام 1998 بادرت إلى الإعلان عن استعدادنا لتقديم المساعدات الطبية والغذائية الإنسانية للشعب العراقي داخل العراق إذا طلبت منا جمعية الهلال الأحمر العراقية ذلك. وقلت إن تقديم هذه المساعدات سيتم بالترتيب مع الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر، وتحت إشرافه كي نضمن سرعة وصول هذه المساعدات الى المحتاجين. وأضفت، ان هذا الاستعداد ليس جديداً، فنحن قدمنا وما زلنا نقدم المساعدات للعراقيين اللاجئين في إيران، وتبحث جمعيتنا اقتراح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن نوسع عملياتنا لتشمل اللاجئين الذين يعيشون في بعض الدول العربية.
كانت مراسلاتنا مع الهلال الأحمر العراقي تتم عبر المنظمة العربية لجمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر، وعن طريق هذه المنظمة تلقينا ردًّا متأخرا من رئيس جمعية الهلال الأحمر العراقي صادق أحمد علوش، يرحب بمبادرتي ترحيباً حذراً، ويطلب أن تكون زيارة من جمعيتنا للعراق، ويشترط أن يكون هدف الزيارة «الإطلاع على آثار الحصار المدمر المفروض على الشعب العراقي حتى يضموا أصواتهم إلى الأصوات الحرة التي تنادي برفع الحصار». وانتقد الرد ما جاء في مبادرتي من ذكر لمساعداتنا للاجئين العراقيين عند الحدود الإيرانية، وأنكر وجود هؤلاء اللاجئين، معتبراً هذا الموضوع مختلقاً، وهو «تهويش دعائي رخيص» على حد تعبيره.
ولم أرغب بالدخول في جدل حول هذا الرد الذي اتضح أنه مجرد مبرر للتهرب من مبادرتي، وتمنيت ألا يحاول البعض تجيير معاناة الشعب العراقي المنكوب لتحقيق مكاسب سياسية.
كان التهرب والتنكر حتى لوجود لاجئين عراقيين محتاجين، وانتقاد أي عمل إنساني تقوم به جمعيتنا أو أي جمعية أخرى غريباً.
في 5 ديسمبر من عام 1998 وصلتنا رسالة من الهلال الأحمر العراقي يدعونا فيها لزيارة بغداد وحضور حفل افتتاح المخيم الشبابي لمتطوعي جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر العربية. فوجدت في هذه الدعوة فرصة لإعادة التأكيد على استعدادنا لتقديم ما يحتاجه الشعب العراقي من مساعدات، وذكرتهم بما سبق أن عرضناه من تقديم المساعدات في داخل العراق تحت مظلة اللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الدولي. وقلت في ردي بعد أن شكرناهم على دعوتهم، إن هذه المساعدات سيشارك في توزيعها أبناء شهدائنا وأسرانا، وسيكون لهذا العمل الإنساني مردود إيجابي على المواطن وعائلته. وذكرتهم بأن أبناء أسرانا قاموا بتوزيع المساعدات على الإخوة العراقيين اللاجئين في الأراضي الإيرانية طيلة الأعوام الماضية، وما زالوا يقومون بهذا العمل.
وكانت المفاجأة أن يصلنا رد يقول «إن القيادة العراقية قررت عدم قبول المساعدات» وحجتهم أنها لا تحل مشكلة الشعب العراقي التي لا يتم حلها إلا برفع الحصار، وكرر الرد إنكار وجود أسرى كويتيين في العراق، وزعم أنهم مفقودون شأنهم في ذلك شأن مفقودين عراقيين!
إزاء إخفاق محاولاتنا مد نطاق مساعداتنا الإنسانية إلى داخل العراق بسبب هذا التعنت، طرحت في أغسطس من عام 1999 اقتراحاً بتشكيل لجنة دولية تزور بغداد لمتابعة ملف الأسرى والمحتجزين لدى العراق لإنهاء هذه القضية الإنسانية، على أن تضم اللجنة كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة، وعصمت عبد المجيد، الأمين العام للجامعة العربية، وعز الدين العراقي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، بالإضافة إلى شخصيات دولية مثل نلسون مانديلا ورئيس البرلمان الأوروبي ورئيس اتحاد جمعيات الصليب والهلال الدولية. ورفض الاقتراح إلا إذا اقتصر حضور اجتماع هذه اللجنة على ممثلين عن الكويت والسعودية والصليب الأحمر.
كل هذه المواقف لم تؤثر في قليل أو كثير على إحساسنا بأن واجبنا الإنساني الذي وضعناه نصب أعيننا يجب أن يستمر. ولهذا كنا أول من دخل مدينة صفوان الحدودية لتقديم المساعدات في عام 2003. قبل ذلك ذهبت إلى جنيف لحضور اجتماع للدول المحيطة بالعراق للبحث في كيفية إرسال المساعدات، وقدمت اقتراحاً بضرورة الاستعداد منذ الآن، وفي حالة حدوث هجوم عسكري على العراق، نكون جاهزين للدخول وتوزيع المساعدات حتى لا ينزح العراقيون عن بلدهم ويصبحوا لاجئين، وهذه مصيبة، ولدينا تجربة مع الفلسطينيين. وتم الاتصال بالمندوب العراقي، وسجلت كل ما يريدون من مساعدات، وبخاصة في مجال الأدوية التي كانت شحيحة لديهم، ولم يتوفر منها سوى الأنواع البسيطة.
رفض الاقتراح، وتحول إلى مجرد توصية.
ولكن حين بدأت الحرب، اتصلت بالصليب الأحمر الدولي، وطلبت منهم أن نرافقهم في دخولهم إلى العراق، فأخبروني أنهم لن يدخلوا الآن، وطلبوا منا عدم الدخول، لأن اتفاقية اشبيلية تمنح الصليب الأحمر وحده حق الدخول في ساحات الحرب.
قلت:
«لن أقف مكتوف اليدين بسبب اتفاقية اشبيلية»
ودخلنا بدفعة أولى من ثماني باصات مليئة بالإعلاميين إلى صفوان. وتدافع حولنا الناس يطلبون الإعانات والمساعدات والأدوية. وعدنا وأرسلنا دفعة ثانية في وضع عمته الفوضى. وشاهد الشيخ صباح الأحمد هذا المشهد على شاشة سكاي نيوز، فاتصل بي وقال:
«الهلال الأحمرالكويتي يرمي المساعدات على الناس رميا.. ما هذه الفوضى؟»
قلت:
«بل هم ضربوا أفراد الحملة في البداية.. نحن ذاهبون إلى صفوان والناس لا يعرفون النظام وخائفون وفيهم من المخابرات العراقية».
بعد ذلك شكل الأميركيون لجنة إغاثة بالتعاون معنا، ورشحوني مسؤولا عنها، فاعتذرت، ورشحت محمد البدر، فاعتذر ورشح آخر، ولم يأخذوا بترشيحه. وأخيرا وضعوا علي المؤمن مسؤولا عن الإغاثة.
__________________
تهدى الامور بأهل الرأي ماصلحت ***************** فان تولوا فبالاشرار تنقاد
|