قد تكلم الأستاذ ابن رشيد عن شعراء الكويت وأدبائها فلا حاجة لإعادة ذكرهم، وإنما أراه ترك عدداً من شعراء الكويت لهم المحل الأرفع ولم يذكرهم في تاريخه. وإليك البيان عنهم.
(1) عبدالله الفرج:
هو شاعر بالعربية والنبط والزهيري، وله شهرة كبيرة في زمانه في الكويت وتسمى بمحيي الهوى لقوله:
يقول محيي الهوى بالحب زايد غرامه ** عطشان يشكو الظما..
وأكثر شعره في الشكوى من الزمان وأهله، والسبب في ذلك أن والده خلف له مالاً كثيراً ولكنه لم يحسن التصرف فيه، ونفد من يده في مدة قليلة، وأعرض عنه الناس بعد ذهاب المال من يده، وأحسن قصائده بالعربية قصيدته في السلطان عبدالحميد التي مطلعها:
هلم لطالع الملك السعيد ** وسلطان الورى عبدالحميد
أما بالنبط فأحسن ما قال قصيدته في مدح الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد، أمير حائل التي مطلعها :
ما حلا النظم المسطر كالعقود ** والسلام اللي جما الدر النضيد
إلى أن يقول:
ما خفي من طالعه نجم السعود ** ولد عبدالله محمد بن رشيد
ومنها :
سل بني عتبه وسل عنه السعود ** والخليفة قاطبة وآل بو سعيد
وأنشد العربان قطان العدود ** يخبرونك عنه بالعلم الوكيد
عن ربيع الضيف عن ريف الوفود ** عن ذرى الملهوف عن ملجا الطريد
وكان من اللازم على محمد بن رشيد أن يكافئه على هذا الثناء بما هو أهل له، ولكن كانت مكافأته لا تنسب إلى مكانة الأمير ومكانة عبدالله، لأن عبدالله من بيت رفيع وكان صاحب ثروة، وأحوجه الأمر للثناء ملتمساً رفد الأمير ولا نقول إلا أن لكل جواد كبوة.
وقد قضى عبدالله معظم حياته آخر زمنه في يوسفان في بيت الحاج أحمد النعمة من ضواحي البصرة، وكان يجيد الضرب على العود وغيره من آلات اللهو، وله مهارة في التلحين وله أصوات كثيرة مبتكرة من تلحينه، أما مبلغ شعره من حيث البلاغة والطلاوة فهو وسط وأرى أنه لا ينسب شعره لشعر خالد بن محمد الفرج في العربية، كما أن شعر حمود الناصر في النبط أمتن من شعر عبدالله، ومما يؤخذ عليه استعمال الشعر القديم بدون تنبيه أو إشارة لقائله. مثل قوله:
وفاضت دموع العين مني صبابة ** على فقد سكن الدار والمنزل البالي
فالشطر الأول لامرىء القيس، ويوجد غير هذا في شعره. توفي سنة 1320هجرية عن عمر يقارب 80 سنة ورثاه ملا عابدين بقصيدة فيها تاريخ وفاته وهو "لقد غاب محيي الهوى في اللحود".
(2) حمود بن ناصر البدر:
هو شاعر مجيد في النبط وعنده اطلاع واسع في مفردات اللغة وأكثر شعره في الغزل، حتى قال بعض الأدباء عنه عند المقارنة بين شعره وشعر العوني "إن حموداً بلاغته في الغزل فقط". ولما بلغه الخبر أنشأ قصيدته المشهورة التي مطلعها:
أنحي الدجا وانجال عن لذ الكرى ** جفن من أسباب الحوادث مسهراً
وتنكبت شهب النجوم وغربت ** وانجال جنح الليل والصبح أسفرا
وهي قصيدة طويلة بدأ فيها بالغزل ثم خرج إلى الثناء على ممدوحه وهو سالم بن مبارك الصباح ثم طلب العفو من الله بالسماح في ختامها، ومن الغزل فيها:
رعبوبة رقت حواشي حسنها ** خوذ لها لب الفؤاد مسخراً
يشبه غضيض الموز ناعم عودها ** من نود نسمات النسيم يهصرا
ومن الثناء:
كالأحنف المشهور حلمه والذكا ** ياس المسمى والشجاعة عنترا
أعنيك يا زين الجوازي سالم ** أن باه مفقود اليقين المبهرا
حيث أنت يا ديم المحول وريفها ** جذوة جهامتها منير المجمرا
ومن طلب العفو :
يا لله يا من لا إله غيرك ** ارحم ضعيفاً لك بدأ يتعذر
وأشهر من هذه قصيدته بالصريف التي مطلعها :
يا راكبين أكوار ست تبارى ** فج النحور أفحاز ما بين الأزوار
فقد صارت لها شهرة كبيرة في الكويت، والحقيقة أن حموداً شاعر مقتدر، ولكن أغلب شعره في الغزل، ومن ابتكاراته التي لم أطلع على أحد سبقه لهذا المعنى قوله في قصيدة مطلعها :
لا باس يا دمثات ترفات الأبدان
حيث يقول :
إلى زها الملبوس والعمر ما زان ** واضيعتاه بين السرف والغواتي
ومنها:
عن حور عدن لا تسألون رضوان ** جان استقر وقال ذا أكمل صفات
استغفر الله ما على الحور قصران ** لكنهن عن ما فعل قاصرات
بدقاق رمش امدوعجة خرس الأعيان ** نجل سهام الحاظهن مفتنات
(3) محمد الفوزان:
هو شاعر مجيد بالنبط، وشعره لا يخلو من حكمة أو ظرف، وقد أقبل أهل الكويت على شعره لما فيه من سهولة اللفظ ووضوح المعنى، وأكثر شعره في الشكوى من الزمان وأهله. لأنه من المقلين، فمن قصائده الشهيرة قوله:
الله من كثر الهواجيس بالبال ** يا ليت بفراق الهواجيس ساعة
إلى أن يقول:
أصحابنا هالوقت يا خيبة الفال ** لو هربدوا وياك عدوان قاعة
ياقون عثرات القوي صاحب المال ** وإلا الفقير إن طاح داسو خناعه
ويقول:
لولا السبيل ولذعته تردع الياش ** خطر يطيش العقل من زود ما فيه
ثم أخذ يشكو الزمان وعدم توفيقه من جميع الجهات حتى قال فيها:
ومنين ما تلتاح والرق حواش ** والبلد حذفه ما يجديه راعيه
وقد دعاه محمد المطوع على باجه وخبز ودبس التمر فلما قام من الأكل قال:
الحمد لله السمي * شغله دني * دبسة وراسة غثني
(4) السيد عبدالمحسن بن السيد عبدالله طباطبائي:
نبغ في الشعر وهو حديث السن فكان ينظم الزهيري والنبط والعربي وهو من المكثرين في ذلك، وله سعة اطلاع في مفردات اللغة، ولما رد ابن جمهور على حمود الناصر في قصيدته التي مطلعها :"يا راكبين أكوار ست تباري".
وقال في رده:
ذي لابةٍ ما يلبسون الوزارا ** ولا يمعوها من حساوي وبحار
رد عليه السيد عبدالمحسن بقوله:
احمود ما داس المظالم وجارا ** كلا وقولك له هو الخزي والعار
إلى أن قال في أهل الزبير بسبب حبهم لابن رشيد وكرههم لمبارك بن صباح:
مثل الذي يعرس بحايل قفارا ** وبدار ابن عوام يضرب له الطار