النقد البنَّاء ... إعمارٌ وبِنَاء
الحمد لله وحده وبعد...
فإني لما رأيتُ سوق النقد قد راج، وبحره قد هاج، وولج فيه الحاجّ والداجّ، وساءت النوايا ونَفَثَ المصدور وانقلبت الموازين والأمور = سطرتُ هذه العُجَالة ونشرتُ هذه المقالة، نصحاً للعموم.
فأقول:
النقدُ الهادفُ البنَّاء ضرورةٌ علميةٌ لا غنى لنا عنها، ذلك أن النقد سبيلٌ لتصحيح الأخطاء وتلافيها ولما كان المرء قد لا يدرك أخطاءه بنفسه كان لا بد حينئذٍ من ناصحٍ بصيرٍ يبصره بعيوبه.
لكن وللأسف بدلاً من أن يكون النقدُ بِنَاءً وإِعْمَاراً صار هدماً ودماراً .
وما مقدّمات (بعض) المحقِّقين، ومقالات (بعض) الكاتِبِين إلا خير دليل وأوضح سبيل على ما أقول.
ولا شك أن هذا خللٌ في المنهج وبعدٌ عن الجادَّة وانحرافٌ عن الهدي.
فنحن وللأسف قومٌ لم نتعود على تقبل النقد أيا كان وممن كان ولو كان النقد هادفاً بناءاً ، والسبب أننا فوق كل نقد!!
وإن من الناس من عنده حساسية مفرطة ضد النقد فتجده إذا انتُقِدَ وَلِيمَ (من اللوم) انتفخت أوداجُه وثار غُبَارُه وعَجَاجُه وسبَّب له ذلك النقد ((بَرْطَمَة دائمة)) وصار حاله كما قال القائل:
مُبَرْطِمٌ بَرْطَمَةَ الغَضبَانِ *** بِشَفَةٍ ليست على أَسنَانِ
[قال أهل العربية: البَرْطَمَةُ عبوسٌ في انتفاخٍ وغيظ، والبُرطُم: الشَّفَة، وهي كلمةٌ عربيةٌ أصيلةٌ].
وإن من الناس من يجلس يتخبط في أخطاءه ويخوض في مستنقع زلاته ولا أحد يوجهه ولا ناصح ينصحه اتقاءً لفحشه وسلاطة لسانه ولمكابرته في رد النقد وعدم قبوله.
ولا شك أن مَن هذا حاله سيخسر خيراً كثيراً .
وقد قيل: من أكبر الخطأ عدم الاعتراف بالخطأ.
فالواجب على المنقود أن يكون واسع الأفق رَحْبَ الصدر متقبِّلاً لكل نقد.
وعلى الناقد كذلك أن ينقد بعدل وعلم ، أو يسكت بأدب وحلم.
فإن الناس في نقدهم أصناف وأجناس:
فمنهم المنصف المعتدل المتزن في نقده، وهذا خيرُ الأصناف.
ومنهم المبالغُ المضخِّمُ للأخطاء النافخُ فيها، وهذا شرُّ الأصناف.
فمن الناس من لو رأى خطأً واحداً في بحر صوابك حكم عليك بالتشهير المؤبَّد وطاف بك في كل المنتديات رافعاً بالفضيحة صوته: (هذا فلانٌ فاحذروه).
ولا شك أن هذا ظلمٌ وجورٌ (والله لا يحب الظالمين).
وإذا انتُقِدَ الواحد منا فلينظر في ذلك النقد الموجَّه له فإنه لا يخلو من أمرين:
إما أن يكون النقد واقعاً في موقعه ونازلاً في محله -بغض النظر عن القالب الذي سُبِكَ فيه- فالواجب حينئذ شرعاً وعرفاً وعقلاً وفطرةً وسلوكاً قبول ذلك النقد وعدم المكابرة في رده، وعلى المنقود حينئذ أن يصحِّح أخطاءه ويُعدِّل مساره.
وإما أن يكون ذلك النقد مجانباً للحق والحقيقة فعلى المنقود حينئذ أن لا يلقي له بالاً ولا يحرك لأجله غربالاً وفي ذلك من الصحة النفسية والجسدية ما لا يخفى لأنه متى ما وقف عند كل نقد وانزعج من كل لوم يوجه إليه فإنه سيقل –حتماً- إنتاجه ويضعف نَتَاجُه.
وقد رأيتُ بعض الإخوة الأفاضل ممن لديهم ((رُهَابٌ نَقدِيٌّ)) يترك بعض الأعمال خوفاً من سهام النقد أن تبطش به .
ولا شك أن هذا مرضٌ نفسيٌّ بحاجة ماسة إلى جرعاتٍ نَقْدِيَّةٍ صباحيَّةٍ ومسائيةٍ حتى يصبح النقد بالنسبة له أمراً مألوفاً مقبولاً.
وختاماً أقول:
ليربي الإنسان نفسه على حسن النقد وعلى حسن تقبله والاستفادة منه فإنه بذلك سينال خيراً كثيرا.ً
ودمتم في حفظ الله ورعايته.
منقوووول للفائدة