'القربق' قديما والسالمي حديثا
انه مكان وموقع في أرض الكويت، لكنه انتهى منذ زمن بعيد ولم تبق إلا لمحات عنه في كتب الأدب والتاريخ، هذا هو 'القربق'، يجب أن نفرق بينه وبين 'الغردق - الغردك' بالغين لا بالقاف، بينما الموقع الذي نحن بصدد دراسته بالقاف الأولى والأخيرة.
'والغردك' بالغين ذكرها المرحوم حمد السعيدان في معجمه الجزء الثالث صفحة ،1075 وذكر انها نبات لكن 'الغردق' حديثنا وبحثنا اليوم هو موقع في أرض الكويت في منطقة السالمي.
لقد ارتبط هذا المكان بمكان آخر يسمى 'عباعب' وبمكان ثالث يسمى 'الشجا' والشخص الذي ارتبط بهذه الأسماء اسمه سالم بن قحفان العنبري هذه هي الأولويات.
وتدور أكثر الروايات التي وردت عن 'القربق' حول سالم بن قحفان العنبري الذي أودر شعره، ونص هذا الشعر أكثر من عالم على اسم الموقع 'القربق'. وسأترك الحديث عن سالم بن قحفان العنبري إلى مرة أخرى.
وإذا كان الشاعر أبو تمام هو من أوائل من ذكر سالم العنبري في 'حماسته'، وابو تمام توفي سنة مائتين وواحد وثلاثين للهجرة لكن نعود إلى 'القربق' موضوع حديثنا.
إن أقدم نص وصلنا هو للحسن بن لفدة الأصفهاني في كتابه 'بلاد العرب' ، هذا الكتاب الذي حققه المرحوم حمد الجاسر والدكتور صالح علي، يقول في صفحة 248 عن منازل القبائل التي سكنت هذه المنطقة بين الكويت والسعودية خصوصا منطقة الجهرة، السالمي وحفر الباطن اليوم.
يقول كتاب 'بلاد العرب' الحسن بن لفدة المتوفى (310)، أما منازل بني عدي بن جندب فبطن فلج من طريق مكة، وملكهم من الطريق ما بين ذات العشر إلى الرقيعي، والرقيعي ثمر لهم ينسب إلى بني رقيع وفيه يقول الشاعر:
يا ابن رقيع هل لها من مغبق
أم هل لها عندك من معلق
ما شربت بعد قليب الغربق
من قطرة غبر النجاء الأدفق
ويلاحظ ان (الغربق والرقيعي) اسمان متلازمان، والغربق التي ذكرها المرحوم حمد الجاسر بالغين ليس بالقاف خلاف كثير من المراجع ربما أصل كتاب 'بلاد العرب' كما أوردها المرحوم الجاسر.
والذي يلاحظ ان أسماء العنبري والرقيعي، الذي هو الرقعي اليوم والرباب، كل هذه الأسماء موجودة في عائلات كويتية، وان آل العنبر خصوصا آل جندب، الذين منهم سالم بن قحفان العنبري من أبناء هذه المنطقة وسكانها، نعود الى القربق حيث اوردها اسماعيل بن قماد الجوهري في صحاحه والجوهري، المتوفى في سنة ،393 يقول في كلمة 'قربق' حيث ذكر في الجزء الرابع صفحة 1548 'القربق' اسم موضع وأنشد الاصمعي:
يتبعن ورقاء كلون العوهق
لاحقة الرجل عنود المرفق
يا ابن رقيع هل لها من مغبق
ما شربت بعد طوى القربق
من قطرة لا غبر النجاء الادفق
ويقول، ورواه ابو عبيدة 'الكربق' بالكاف وبالقاف ايضا، وقال هو البصرة، وقال النضر بن شميل هو الحانوت فارس يعني كلبه.
ويأتي هنا البكري عبدالله بن عبدالعزيز البكري المتوفى (487) ويقول في 'معجم ما استعجم' التالي حول قربق (القربق) بضم اوله، واسكان ثانيه بعده ياء معجمة بواحدة مضمومة، وقال على وزن 'فعلل' قليب معروفة بالبادية، قال الراجز سالم بن قحفان العنبري:
ما شربت بعد قليب القربق
من شربت غبر النجاء الادفق
يا ابن رقيع هل لها من مغبق
وفي هامش 'معجم ما استعجم' التالي تابع لبقية الابيات:
يتبعن ورقاء كلون العوهق
لاحقه الرجل عنود المرفق
ويقول في الكتاب نفسه الجزء الاول صفحة 327 وقد بدا لي في اللوى المنطق:
رأس الشجا مثل الفلو الابلق
ويأتي الحسن الصاغاتي المتوفى (650) في كتابه 'التكملة'، الجزء الخامس، صفحة 144 يقول 'القربق' قال الجوهري القربق اسم موضع وانشد الاصمعى:
يتبعن ورقاء كلون العوهق
لاحقه الرجل عنود المرفق
يا ابن رقيع هل لها من مغبق
ما شربت بعد طوي القربق
من قطرة غير النجاء الأدفق
بعدها جاء الفيروزبادي المتوفى 817 في كتابه القامونس المحيط يقول في صحفة 582 الجزء الثالث (قربق) (كجندب) دكان البقال معرب كربه واما ما في قول أبي قحفان العنبري ـ ما شربت بعد قليب القربق فالمراد البصرة بعينها.
وآخرهم الزبيدي المتوفي سنة 1205 يقول في كتابه تاج العروس ـ في الجزء السادس والعشرين صفحة 235 و336 ما نصه: (القربق، كجندب) كتب في بعض النسخ بالحمرة، والصواب كما هنا: (دكان البقال) وكذلك الكربج، والكربق، فارسي (معرب كربه) هكذا في سائر النسخ. وقال ابن شميل: القربق: الحانوت، فارسي معرب كلبه، كما نقله الجوهري والصاغاني.
قلت: وهذا هو الصواب. واما كربه الذي ذكره المصنف وضبطه بالكاف الفارسية، فإن معناها عندهم الهرة، واما الدكان فهي كلبه لا غير.
(وأما) القربق (في قول أبي قحفان) عبدالله بن قحفان (العنبري)، وأنشده الأصمعي لسالم بن قحفان، وصوبه ابن بري:
يتعبن ورقاء كلون العوهق
لاحقه الرجل عنود المرفق
يا ابن رقيع هل لها من مغبق
'ما شربت بعد قليب القربق'
ويروي طوي القربق.
'من قطرة غير النجاء الأدفق'
ويروى: بقطرة.
وقال أبو عبيد: 'يا ابن رقيع'. وما بعده للصقر بن حكيم بن معية الربعي. قال ابن بري: والذي يروى للصقر بن حكيم: قد أقبلت طواميا من مشرق
تركب كل صحصحان أخوق
وبعد قوله: يا بن رقيع:
' هل أنت ساقيها سقاك المستقى'
وروى أبو علي: 'النجاء' بكسر النون. وقال: هو جمع نجوة، وهي السحابة. والمعنى: ما شربت غير ماء النجاء، فحذف المضاف الذي هو الماء، لأن السحاب لا يشرب. قال: والظاهر من البيت عندي انه يريد بالنجاء الأدفق السير الشيديد، لأن النجو هو السحاب الذي هراق الماء، وهذا لا يصح أن يوصف بالغزو والدفق. (فالمراد البصرة بعينها)، قاله أبو عبيدة. ورواه أيضا بالكاف. قال الصاغاني: وهذا مما يستثنى من غيره، يقول: انها لم تشرب ماء منذ خرجت من البصرة حتى وردت الرقيعي بقطرة، أي: بقليل. امام هذه النصوص نبين التالي:
1 ـ ان الشيخ حمد الجاسر ذكر في تحقيقه لكتاب بلاد العرب للأصفهاني ان القربق هي (الغربق) بالغين لا بالقاف.
2 ـ إسماعيل الجوهري في كتابه الصحاح ذكر القربق بالقاف اسم موضع وبالكاف.
3 ـ ويأتي اليكري في معجمه بأن القربق بئر قليب في البادية.
4 ـ ويأتي الصاغاني في كتابه التكملة القربق بالقاف وانه موضع.
5 ـ ويأتي الزبيدي في تاج العروس ان 'القربق هي البصرة بعينها'. وانها لم تشرب ماء منذ خرجت من البصرة حتى وردت الرقيعي.
ان قصة القربق تدور حول الشاعر سالم بن قحفان العنبري والذي يلاحظ التالي: أولا: ان سالم العنبري من بني العنبر الذين يسكنون هذه المنطقة وهم فرع من قبيلة بني تميم والمعروف ان العنبر هو ابن عمرو بن تميم وهو احد اخوة هم: الحارث (الحبط) قطبه/ بشه مرة/ الهجيم/ اسيد/ مالك/ القليب/ كعب انجب العنبر مجموعة من الابناء هم: عامر/ مالك/ جندب/ بشه/ كعب.
ومن جندب ابن العنبر ومن ابنائه مالك/ كعب/ صنجود/ عدي/ عرفج/ عمرو.
ونمسك عدي الذي انجب عبده/ وجهنمة وعريج وجهمه انجب سمحة ورزام والحارث والمنذر، والحارث انجب جندب والمنذر وجناب، وجندب انجب عمرو/ والحارث/ وسنان، وعمرو هذا انجب ثعلبة الذي اسمه ايضا رقيع ورقيع انجب ربيعة/ وربيعة انجب خالد.
والذي يلحظ ان كلا من اسم جندب ورقيع يتردد في المراجع اللغوية وكلاهما يدور حول سالم بن قحفان العنبري وهنا ما دام القائل هو من ابناء المنطقة من اعرف الناس بمنطقته فليس الاسم كربق ولا غربق، بل هو قربق كما ورد في الشعر الفصيح وهو يدور حول اثمن شيء عندهم وهو الماء حيث ما اورده البكري انها البئر والماء العذب الذي يعتمدون عليه في حياتهم وما دام يذكرون سالم بن قحفان العنبري فانظر ماذا يقول :
وقد بدا لي في اللوى المنطق
رأس الشجا مثل الغلو الابلق
وهي في القصيدة نفسها وعندما تنظر الى خريطة الكويت التي عملت قبل خمس وخمسين سنة وهي تذكر في مناطق متقاربة الشقايا ومفردها شقا/ وفي اللهجة الكويتية (شجا) وعلى مقربة منها الرقعي التي في الاصل الرقيعي وهي لبنى الجندب اليس القربق بئر ماء قليب كما ذكرها البكري في معجمه.
هذا ملخص لقريق التي تعتبر في اطراف حدود الكويت في الرقعي والسالمي والتي نقلها المرحوم الشيخ حمد الجاسر لتكون على مقربة من حفر الباطن.
القربق على الخريطة
جريدة القبس 20/4/2007
للكاتب: فرحان عبدالله الفرحان