خالد الشلفان: رابطة الاجتماعيين أدت دورها بالتوعية .. ومازالت
الرعيل الاول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا من الاثنتين وذاقوا حلاوتيهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموح أو بعضا منه. ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، فإن قاسما مشتركا يجمعهم، هو الحنين الى الايام الخوالي.
القبس شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة.
في مستهل لقائنا مع خالد عبدالعزيز الشلفان، مواليد 1942 قال: ولدت في الحي القبلي فريج سعود، كان من جيراننا يوسف الرشود، وبيت العنجري والفارس والفهد، والطريجي، والصرعاوي، وبوتقي والسمكه، والعوضي.. الخ، وبعد تثمين البيوت لبناء الشارع الجديد في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات، وبعد ان استكملت الحكومة كثيرا من البيوت الواقعة في هذه المنطقة، قامت بشق شارع يربط ساحة الصفاة بساحل البحر، وأصبح فيما بعد من أهم أسواق الكويت الحديثة.
انتقلنا الى حي المرقاب. وأما عن الدراسة، فقد درست في الروضة في القبلة كان ناظرنا عقاب الخطيب، ثم درست في مدرسة المرقاب، وأتذكر من المدرسين عبدالرحمن العبدالجادر، وناظرنا خالد المسعود، ونجم الخضر، وجاءنا ناظر المدرسة «الدوسري» ثم الحبشي، ودرست في صلاح الدين المتوسطة في شارع السور، التي أصبحت بعد ذلك كلية المعلمين.
قال الشلفان: درست في ثانوية الشويخ عام 1955 التي تعتبر نموذجاً وتميزت بمعالم جعلتها فريدة من نوعها، سكنت السكن الداخلي الذي كان يتألف من 12 مسكنا للطلبة، وكل بيت كان يتسع لستين طالبا، وكل بيت مقسم الى 4 عنابر: 3 للسكن وواحد للدراسة، وثانوية الشويخ فيها سبع عشرة قاعة للتدريس، و3 مختبرات و14 داراً للاساتذة المتزوجين، و30 داراً لغير المتزوجين من المدرسين. درست فيها بعد سنة واحدة من افتتاحها، ولكن الدراسة بدأت فيها عام 1953.
اضاف الشلفان: السكن الداخلي كان فيه موسم ثقافي بقيادة المرحوم عبدالعزيز حسين خاصة في 1958 ـ 1959 من أرقى ما شهدتها الكويت من المواسم الثقافية منهم، الجواهري وعائشة عبدالرحمن ومفكرون من سوريا ومصر، أتمنى ان تعود مثل هذه المواسم ونكررها في الجمعيات والاندية، عشنا في الثانوية جوا جامعيا ثقافيا، وللاسف الآن لا يوجد نشاط طلابي، كنا للكويت وعملنا لبلدنا ولا نعرف غير الكويت، أرجو ان نرجع الى الكويت، لا الى اشياء اخرى، حتى لا يتصيد علينا الأعداء أرضها وخيراتنا.
وقال الشلفان: عندما أتحدث عن ثانوية الشويخ يجب ألا ننسى مجسم الكرة الأرضية من أبرز المعالم فيها في وسط الدوار، نُصب تزينه أعلام الدول الشقيقة والصديقة، وكذلك برج الساعة، بُني على الطراز الأندلسي القديم والساعة تشاهدها على جوانب البرج الأربعة.
رابطة الاجتماعيين
وتحدث الشلفان عن الرابطة التي كان فيها رئيساً، وقبل ذلك كان الأمين العام، فقال: تأسست عام 1967، والرابطة لها أهداف واضحة أهمها، العمل على الوصول بالتوعية الاجتماعية الى جميع فئات المجتمع الكويتي، وتحقيق أقصى قدر من التماسك والاستقرار والتكافل الاجتماعي بالتعاون مع الهيئات الرسمية والتطوعية الأخرى، ومن أهداف رابطة الاجتماعيين في الكويت تبادل المعلومات والخبرات مع الهيئات الخليجية والعربية والدولية، واجراء البحوث والدراسات، ومن أهدافها رعاية مصالح العاملين، والعمل على الارتفاع بمستواهم المهني.
قال: نحن مستمرون بالمواسم الثقافية، وكذلك أصدرنا 40 كتاباً عن الآثار الاجتماعية والنفسية على الشخصية الكويتية، ودور الجمعيات في بناء الكويت، والتوافق النفسي للشباب الكويتي، وواقع التعليم في الكويت، وملامح تاريخ الكويت، ومجموعة محاضرات عن النفط والمستقبل، وأزمة الديموقراطية، ونحو استراتيجية للعمل الخليجي المشترك، والكويت والمجتمع المدني.. الخ، عملنا مستمر من 43 سنة ولم يقف الا سنة الغزو الغاشم، ولنا احتفالات في شهر رمضان المبارك، ولنا عمل مع المسنين والمعاقين، والمرضى، وهناك دروس في العمل الاجتماعي، وحتى غير الكويتيين ندرسهم.
وأضاف: رابطة الاجتماعيين جمعية وطنية ولا تتحيز إلى أي مذهب، كويتيون ومسلمون وعرب، ولا نمشي مع أي تيار منذ عام 1967.
مجمع ثقافي
وقال: لقد زرت تقريباً أكثر من خمسين دولة وعاصمة، عندما كنت نائب المدير العام للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية من 1963 إلى 1993، وبصفتي في رابطة الاجتماعيين كنا نحضر كل الاجتماعات في أغلب دول العالم، لم نزر مدينة أو بلداً إلا وفيها مجمع ثقافي شامل لكل الأنشطة، وللأسف نحن في الكويت ينقصنا مثل هذا المجمع يجمعنا ويجمع العمل المنظم، ونحن لدينا المجلس الوطني للثقافة، ونقيم معارض للكتب، ومهرجانات صيفية وتكريم الفنانين، وتأتي فرق أجنبية إلينا وتقدم عروضها، وكذلك العربية منها، ولدينا في الكويت أنشطة مسرحية، وأطلب راجياً مثل هذه المجمعات الموجودة في مدن العالم أن يكون لنا مجمع يحمينا، زرت كوالامبور، والبحرين، والقاهرة، وأمستردام، ودولاً أخرى فيها مجمع يتسع لـ 1200 شخص وأكثر، ومسارح عدة في مجمع واحد لـ 600 شخص، وصالات لعرض أعمال المبدعين في الشعر والتشكيل والمجمع المناسب سيجذب وينمي الخبرات وأنشطتنا، وهذه القاهرة فيها منذ عام 1860 دار أوبرا خرجت الأدباء والعلماء وعرضت في الكويت مبدعين، لكن لا مكان لهم ليحيوا إبداعاتهم، قدمنا كتباً ودراسات من 7 سنوات مضت لكي نحصل على مجمع ثقافي، وقابلنا المسؤولين في الدولة، وعقدنا اجتماعات عدة مع جمعيات النفع العام، نريد أن نرجع ماضينا الثقافي، أيام عبدالعزيز حسين وأحمد العدواني وحمد الرجيب هؤلاء طوروا وبنوا وتابعوا حتى في المناطق الحديثة لا تبنى وتتوسع الا وفيها مكتبة ومسرح، جزاهم الله خير الجزاء على اخلاصهم.
وذكر من مؤسسي الرابطة الذين واصلوا لخدمة الاجتماعيين والمجتمع من بداية التأسيس الى الآن منهم: عبدالرحمن التوحيد - احمد المزروي - راشد العثمان - خالد الشلفان - عبدالعزيز الصرعاوي الذي ترأس الرابطة سنوات طويلة، وخالد السلطان - بدور العيسى - عزيزة البسام - اصيلة الرفاعي - عبدالله غلوم الصالح - فيصل الصانع - عبدالرزاق السيد الحنيان وعبدالحميد البعيجان، رابطة الاجتماعيين كان مقرها في منطقة كيفان في شقة من 1967، وانتقلت الى العديلية 1973م.
وقال الشلفان: ما زالت تراعي مصالح العاملين في الميدان الاجتماعي، والارتفاع بمستواهم المهني، وكذلك اجراء البحوث الميدانية بهدف تحديد حجم المشكلات، وتبادل المعلومات والخبرات المهنية - وما زلنا نقيم الندوات والمؤتمرات ونحضر الداخلية منها والدولية، والرابطة اكتسبت الشخصية الاعتبارية من يوم اشهارها.
منطقة المتعة
وقال: قرية الفنطاس كان لنا فيها بيت السياحة والمتعة وراحة النفس، قرية لنا فيها فرصة ايام العطل والمناسبات ننأى عن المشاغل وتعب الفكر، كنا نقصدها للسياحة، ونتطلع فيما حولها من الاماكن المناسبة مثل: المنقف، والفنيطيس وابوحليفة وسواحلها، كنا نعيش في احضان الطبيعة، حيث المياه والخضار الواسعة والسواحل ذات الرمال الذهبية، اين الفنطاس والطمأنينة وراحة البال؟ وقد اسبغ الله سبحانه على هذه المناطق بنعمة الاسماك الوفيرة التي كانت تباع الأوقيتان بسعر الأوقية الواحدة، واول الليل مجانا او ترمى في البحر، وكنا نتمتع بزغاريد بلابل الفنطاس والخضيري الجميل الملون. الذي يغلب عليه اللون الأخضر، كنا نسميه (الوروار) وله ذيل طويل، لماذا غادرنا ولم يعد؟ الفنطاس السياحية الغنية بطيور الهداهد (هدهد) كنا نسميه حتى بالانكليزية بجماله وتاجه المميز على رأسه Hoopoe، وعرفت أن اسمه العلمي Hpupa epops، ويعتبر طائر الهدهد مقيماً وعابراً بين مزارعنا، وحدائقنا الآن عبر وغادر ولم نشاهده، وكما زعموا أن الانسان له قصة من خرزة الهدهد، وحفظنا أشعاراً وأبياتاً عن الهدهد منها:
وقف الهدهد في باب سليمان بذلة
قال يا مولاي كل عيشتي صارت مملة
مت من حبة بُرّ أحدثت في الصدر غلة
لا مياه النيل ترويها ولا أمواه دجلة
كلما دامت قليلاً قتلتني شر قتلة
فأشار السيد العالي الى من كان حوله
قد جنى الهدهد ذنباً وأتى في اللؤم فعله
ما أرى الحبة إلا سُرقت من بيت نملة
تلك نار الإثم في الصدر وذي الشوكي نعله
إن الظالم صدر يشتكي من غير مله
نعم وفيرة كانت في الفنطاس ما جعلها مطمع كل الناس في الكويت في تلك الفترة من بداية الخمسينات.
الأندية الصيفية
وتحدث أبو بدر عن سنوات مضت من 1952، و1953 حتى نهاية السبعينات، نعم الأندية والمشرفون عليها، نماذج تولت المسؤولية بين الشباب في فصل الصيف، وكانت نعمة التدريب أفرزت وأبرزت واكتشفت مواهب جديدة قدمت للأندية والمكتبات والجامعات، كان المسؤولون يؤمنون بأهمية الأندية ونشاطاتها وفعالياتها، كانت الأندية الصيفية رافداً رئيسياً للمسيرة التربوية، أندية في خلال شهرين قد غطى مختلف النشاطات ومنها: النشاط المكتبي، العلمي، الاجتماعي، الديكور، الفني، المسرحي، الرياضي، الموسيقى، كانت عاملاً متجدداً لاكتشاف مهارات وخبرات وتجارب لا تتوافر في المدارس أو أماكن أخرى، وكانت تشغل أوقاتنا، واستفدنا من الوقت، وتنفسنا الصعداء بسبب الأندية بعد عناء الدراسة والامتحانات.
وقال: الأندية الصيفية لم تكن سلبية حتى يقلص عددها أو تغلق، كانت محصناً تربوياً بمعنى الاستمرار في الرسالة التربوية، كانت فائدة في الحياة العملية أيضاً، زرنا المستشفيات وجمعيات النفع العام، ومراكز الإطفاء، والمكتبات، وشركة النفط، والموانئ، وعرفنا الأسعار من خلال الاجتماعات مع المسؤولين في الأسواق، لابد من عودتها لتأدية واجباتها، خصوصاً في فترة الصيف للقضاء على وقت الفراغ، والابتعاد عن أصدقاء السوء، لتوفر المدارس خلال الصيف، عن طريق الأندية الصيفية، وصالات لصيانة وتعليم الكمبيوتر، وتوفير أحواض سباحة فيها، وإدخال الكشافة البحرية فيها أيضاً، ولنجعل زيارة لطلابنا لمزارع الوفرة والعبدلي، ومراكز الثروة السمكية والحيوانية، وزيارات المحميات الطبيعية لمعرفة أصناف النباتات الكويتية.
الغطاوي.. التعاجيز
لنعد إلى ماضينا كما طاب لنا مما سمعناه من الآباء والأجداد في ليالي الشتاء، وأوقات الفراغ، أو في فصل الربيع عندما كنا نلتف حولهم، ولنعد إلى طفولتنا في الأحياء، والبرايح، عندما كنا نلعب ونتبارى بالغطاوي أي المعاضلات (التعاجيز) اللسانية، لتدريب عقولنا وأفكارنا ولساننا على الفصاحة، النتيجة كانت المرح وتنمية العقول، بالإضافة إلى رسائل التسلية والترويح عن النفس، وسرعة البديهة والتدريب عليها، وكنا نشعر بلذة ساعتها، وكشف ما وراء هذه الغطاوي والتعاجيز منها:
ــ اسمه على اسم النبي مصرول بالحطب يسجد له الشايب والصبي «الموس».
ــ سبعة أولاد «مسبحين منظفين» كل ما نام أخ حط بطنه في ظهر أخيه «الفناجين»
ــ قطعة وراء جبل تلقط كل خبر «الأذن.
ــ ثلاثة شايلين ميت والميت يتكلم وهم لا يتكلمون «أصابع اليد والقلم»
ــ اسمه على جسمه «البيضة أو البرتقالة».
- أكو شي لا يفكر ولا ينطق بس يقول الحق (الميزان)
- حي جاب ميت، والميت جاب حي (الدجاجة والبيضة)
- داخله مفقود، طالعه مولود (البحر)
قال الشلفان: وهناك لعبة مسلية تدربنا على مخارج الحروف وصحة اللسان وسرعة النطق بدون توقف، كنا نسميها التعاجيز أو ما يعجز اللسان عن نطقه مثل:
حوش بيتنا خوش حوش - عند بيتنا حطب وعند بيتي الخطيب مطب، ما ادري حطبنا ضبط حطب الخطيب ما ادري حطب بيت الخطيب ضبط حطبنا - خميس وحبش تكامشوا بالخشوم، خميس كمش خشم حبش، وحبش كمش خشم خميس - شجرة الحقحق والحويقحقان ولا يحقحقها الا متحقحق.
وقال ابو بدر الشلفان:
لماذا لا ندفع ابناءنا وبناتنا الى هذه الغطاوي وامثالها، للحفاظ على ماضينا وممارسة التفكير
خالد الشلفان
من اليسار: خالد الشلفان، وعبدالعزيز الصرعاوي (رحمه الله) بعد اجتماع الاتحاد الدولي للاخصائيين الاجتماعيين
جريدة القبس - 31/12/2010
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
|