راسل ادارة الموقع جديد المشاركات التسجيل الرئيسية
  #1  
قديم 18-08-2011, 01:10 PM
الصورة الرمزية bo3azeez
bo3azeez bo3azeez غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: ديرة بو سالم
المشاركات: 461
افتراضي حديث عن المباركية

عبرة الذكرى في تحقيق الفكرة... (1) حديث غير محكي عن المباركية
ثلاثة محاور مصاحبة لأحداث ولادة المباركية

يعقوب يوسف الإبراهيم
يترافق هذا العام حلول الشهر الفضيل مع شهر أغسطس مثل عام 1911، ليقدح زناد الذاكرة مرجعا اياها الى قرن كامل مضى بخيره وشره، بحلوه ومره، ولكن الذكرى توقفت بنا لتستقر بجانب حدث مفصلي مهم خطت فيه الكويت نحو بوابة التعليم الحديث تاركة وراءها من دون رجعة ايام «اللوح» المطلي بــ «الطين خاوة» الذي يكتب عليه الملا حروف الهجاء، وتختفي معه مفردات صاحبته ابدا مثل «النافلة» و«الدخالة» و«الخميسية» و«الفطرة» و«الجزو» وغيرها، حتى تدرك «الختمة» وعندها يبلغ الصبي اشده بعد ان نال من ملاه عقاب «المطرق» و«الفلقة» والتي يسمونها «الجحيشة» نسبة للعصا التي يساق فيها «الجحش» اذا توقف عن المشي (حَرَن)، كل هذا والملا يحفظ الصبيان البيت القائل:
فرحم الله الذي أبكاني
لأنه للخير قد هداني

قد يفلت من ذلك الموقف أبناء السراة والشيوخ على مبدأ المثل «طق الكلب يستادب السبع»، ولكن لن يغيب عن البال «الصنقل» تلك السلسلة الحديدية التي يربط فيها ساق الصبي اذا ما ارتكب جرم السباحة في البحر الذي مسح ماءه دمغة الحبر على ساعده فينال الحبس معها في فترة الغداء وقد يأخذها معه الى البيت لترافقه بضعة أيام.
اما اذا هرب سيئ الحظ من كل هذا ارجعه ولي امره الى الملا مرفوقة بمقولة اصبحت «كليشيه» على كل لسان: «عندك اياه ملا جزاك الله خيرا.. لك اللحم ولنا العظام».
يحدث كل هذا لفترة سنتين أو ثلاث هي مدة الختمة (قراءة القرآن كله) في حجرة مستطيلة بابها على باحة (حوش) البيت، فيها نافذة واحدة وأرض يكسوها حصير قصب مسفوف يطلق عليه مسمى «بارية» او «منقور» يجلس عليها الصبية وبقرب كل واحد منهم وعاء للماء من الفخار «قرشة» تصحبه صباحا ومساء وطوال أيام السنة، فلاعطلة ولا استراحة لمن كان مقتدرا اما الباقون فماؤهم من زير مشترك (ح.بْ)، فلا عطلة ولا استراحة خلالها.
كان هذا ما يجري عموما وهو امر لا تختص به الكويت، بل هو ما تعارف عليه الناس اينما كانوا، وهو محيط جعل الغالبية العظمى من الصبيان يمقتون هذه الطريقة في التعليم وينفرون منها.
وهي على بدائيتها كانت الحل الأوحد لتربيتهم والحد من لهوهم، باللعب والتسكع وعلى اعدادهم مواجهة المسؤولية والحياة الشاقة التي كتب عليهم خوضها، كانت تلك سمة دهرهم ولكل امرئ من دهره ما تعودا.
ولكن من الطبيعي ان تكون لكل قاعدة شواذ، فهناك مدارس خاصة لأبناء العوائل الميسورة في دواوينهم تكون تحت ادارة نوعية أقل قسوة وأكثر تفهما لمتطلبات الصبية ولكنها لا تخلو من الحزم والشدة اذا ما تطلب الأمر. وقد انتسب لها بعض ابناء اسر التجار، وخصوصا من نجد وما جاورها.
ومع هذا، فالبلاد لم تعدم ومنذ تأسيسها من المعرفة ولا كانت صحراء بلا روح لمحبة العلم، فنشأ فيها من كتب ومن نسخ ومن علم ولم تنقطع يوما عن التواصل الفكري مع محيطيها في استجلاب اربابه، فهم على كثرتهم ليسوا ارقاما نحصيها من دون ان نروي شيئا عن انجازاتهم وان كانت بسيطة بمقياس اليوم ولكنها كانت خطوات عملاقة بمقياس زمانها، ولسنا هنا في مجال التباهي ولن تعقد السنتنا الدهشة والانبهار حينما نتكلم عن من قدم من أقطار قصية امتدت من شنقيط الى ازمير وما بينهما.

أول كتاب
في منتصف القرن الثامن عشر وبعد تأسيس الكويت بقرن واحد تقريبا سافر أول المبعوثين الى مصر للدراسة في الجامع الأزهر وتبعه آخرون، وحينها طبع أول كتاب على نفقة كويتي في مطبعة بولاق في عام 1871، فكسرت القاعدة التي كانت محصورة بارتياد طلبة العلم الأقطار المجاورة لسهولة الوصول اليها بالسفر الى مجال أوسع، كما ان بعض التلاميذ الميسورين قد التحقوا بمدارس البلدان العثمانية والهندية، حيث كانت اسرهم تقيم فيها وتعلم بعضهم لغات اجنبية من خلال ذلك بالاضافة الى مواد جديدة رافقت العلوم الحديثة التي كانت تدرس فيها.
كانت هذه هي الحال وبحذافيرها تنطبق على مستوى الناشئة التي ما برحت الانخراط في هذا النهج التقليدي جيلا بعد جيل وعلى مر عقود طويلة، حيث انتظم الجنسان بــ «كتاتيب» تولى اصحابها المهنة فيها أبا عن جد، وحملت اسماء بعض عوائلهم على لقب «الملا» و«المطوع» زيادة بالتعريف.
وكان من أهم اسباب استمرار هذا النهج اضافة لما ذكرناه هو تلبية حاجة البلاد الى كتبة يسدون فيها شواغر متطلبات تطور المهنتين الأهم، التجارة العامة والنشاط البحري بشقيه السفر والغوص، فان المتفوقين منهم يلتحقون بكتاتيب عرف عنها باجادة حسن الخط والالمام بمادة الحساب، حيث تكون المنافسة على اشدها لعرض نتاجهم على التجار في دكاكينهم، آملين الفوزبالوظيفة المناسبة، ويبرز هذا المظهر ان حاجتهم تتمحور عند هذه الطبقة وهو ما يؤكد صلتها الوثيقة بالتعليم منذ البدايات.

الأحداث المصاحبة
لا بد لنا ونحن بصدد الحديث عن سيرة تطور التعليم في الكويت ضرورة الالمام بدقائق التفاصيل ظرفا وزمنا. وان نسعى الى تنشيط الذاكرة التاريخية كونها الحاضنة الراصدة لكل حراكات المجتمع، فهي المعين الامين لاستقراء حركة الانسان وقياس الزمان وطبيعة المكان من خلال واقع معين بنظرة شاملة متفحصة تحمل بين جنباتها طابع التعمق في الجرد لنضعه في مقدمة اولياتها لكي نردم فجوات التهميش والاقصاء والجهل، التي كثيرا ما صاحبت نتاج كتابات لا زال منهجها هو الاجترار والإعادة، وابتعادها عن عرض الجديد وتقديمه لاثراء قيمة البحث. كما انها قد اخفقت، بل عجزت، في سعيها ربط الموضوع بما كان يدور حوله من احداث ومؤثرات ذات اهمية بالغة فجاءت الحصيلة توحدا بالحدث فقط ليأتي منفصلا منعزلا مبسترا نتيجة عدم اسقاطه على خلفية المشهد العام المصاحب بظروفه وتحدياته غير مرتبط بواقع أحداثه، وهو ما سوف نبرزه وفق ما تم العثور عليه من شواهد ساعدت في تقديم دراسة وصفية راصدة لتصبح قيمة هذا المشروع الاصلاحي الرائد ظاهرة المعاني واضحة الرسالة، ونأمل ان يضيف لها المهتمون المزيد فباب البحث لا يوصده احد وان التغاضي عن امور يتم اخفاؤها تشكل نقيصة لا يرضى بها المهتمون ولا تفي بالغرض المنشود.
ولكن ما يلفت الانتباه ويجلب العجب تغاضي الكتاب العرب والأجانب عن ذكر التعليم وتأسيس المباركية وهي ظاهرة جديرة بالدراسة. وان كتبوا اما ان يكون خطأ تاريخيا أو تجاهلا للموضوع على الرغم من ادعائهم بالاهتمام بالعلم والثقافة. وقد ظهر حديثا كتاب انفق عليه من مؤسسة حكومية مال كثير واسبغ على مؤلفه أرفع الألقاب، وبلغت صفحاته خمسمائة وستين صفحة، وكل ما جاء فيه عن المباركية هذه الجملة «لعب مبارك دورا في تمويل أول مدرسة تفتح في الكويت»، عشر كلمات فقط للعلم، بينما انصب التركيز على الخوض في تفاصيل المشاكل والحروب وما أشبه، فالتوتير أهم من التنوير.
لكي نعطي الأمور حقها، وجب الاحاطة بكل ما يثري الموضوع بإدراج انعكاسات الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للفترة المصاحبة لمشروع تأسيس المدرسة المباركية التي امتدت من 25 مارس 1910 حتى افتتاحها في 22 ديسمبر 1911 وهي على قصر مدتها لكنها كانت غنية بالأحداث التي صاحبتها فوجدناها تقبع على ثلاثة محاور رئيسية وهي:
ــ الفكرة الحاجة والظرف.
ــ التقبل والدعم والتنفيذ.
ــ التصور والامكانية.

الفكرة والحاجة
كانت الفكرة مختمرة لدى احد مثقفي الكويت وهو السيد ياسين بن محمد بن عبدالمحسن بن ياسين بن عبدالجليل الطبطبائي. والسيد عبدالجليل (الجد الاكبر) رجل الدين والشاعر الذي قدم الكويت عام 1252 هــ الموافق 1836م (في منتصف حكم الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح الحاكم الثالث 1814 ــ 1859، وآل طبطبائي سادة اصحاء معروفون وتاريخهم محفوظ في الكويت وغيرها). وهو الذي عاش في فترة التعليم البدائي التقليدي وذاق طعمها ولكنه رجل علم ومعرفة، سافر وتعرف وخبر قيمة التعليم الحديث، فوجد مناسبة المولد النبوي، الذي تحتفل به الكويت، ليلة الثاني عشر من شهر ربيع الاول عام 1329 هــ الموافق 25 مايو 1910م (منتصف حكم الشيخ مبارك الصباح الحاكم السابع 1896 ــ 1915) فرصة سانحة.
ونترك ما قاله السيد ياسين الطبطبائي الى الشيخ يوسف بن عيسى القناعي (1876 ــ 1973) (ابرز حملة مشعل التنوير في الكويت) كما وصفها في كتابه «صفحات من تاريخ الكويت» عن تلك المناسبة.
«كان الشيخ محمد بن جنيدل يقرأ البرزنجي في محلنا، وكان المجلس محتشدا بالمستمعين، فلما انتهى المولد قام المرحوم السيد ياسين الطبطبائي والقى كلمة خلاصتها: «ليس القصد من مولد النبي (ص) تلاوة المولد وانما الاقتداء بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الاعمال الجليلة، ولا يمكننا الاقتداء بها الا بعد العلم بسيرته، والعلم لا يأتيكم اليوم الا بفتح المدارس المفيدة وانقاذ الامة من الجهل الخ..»، وبعد ان انتهى كلامه تدبرته فإذا هو الحق، فأخذت افكر في الوسيلة التي يكون بها فتح مدرسة علمية، فرأيت ان اكتب مقالا ابين فيه فضل العلم والتعلم ومضرات الجهل وقيمة التعاون على هذا المشروع، فكتبت مقالا وابتدأت بالتبرع بمبلغ خمسين روبية، ليست ملكي حينئذ، وانما دفعتها بعد ان يسرها الله لي، ثم ذهبت الى المرحوم سالم بن مبارك الصباح وتلوت عليه المقال فأجابني بأنه لا يمكن ان يقوم بهذا الامر الا الحاكم، وكان الحكم حينئذ بيد والده مبارك، وخرجت قاصدا محل شملان بن علي بن سيف، ولم اجد هناك الا ابراهيم بن مضف فتكلمت معه عن المشروع فتبرع بمائة روبية، وبعد هنيهة جاء شملان واخبرته فحبذ هذا العمل، ولكنه لم يظهر لي غايته، ولم يكتب شيئا، فخرجت من محله منكسف البال، لانه الصديق الحميم الذي يسمع كلامي ولا يخالفني في شيء، ولكنه حين قيامه من محله ذهب الى دكان اولاد خالد الخضير واخبرهم بالخبر فاستبشروا به وتبرعوا بخمسة آلاف روبية، وتبرع شملان بمثلها، وطلبوا من ابراهيم بن مضف الزيادة فتبرع بخمسمائة روبية ثم خاطبوا هلال المطيري فتبرع بخمسة آلاف روبية ثم جرى الاكتتاب فحُصّ.ل من بقية اهل الكويت 12500 روبية».
نقف هنا عند ماذكره الشيخ يوسف بن عيسى القناعي وسوف نرجع الى البقية مرة ثانية.

اللحاق بالتعليم
عند تحليلنا لماجاء نستشف ان التوق والرغبة في اللحاق بركب قافلة التعليم العصري كانا جذوة مخبوءة في كويت تلك الايام، ولكن ارهاصاتها ظهرت بوضوح واخذت المسلك الجدي مع تأملات واماني الطبطبائي فقد جلا ليل الشقى اتيانه، فجدلت تلك الموعظة همة من اراد الامساك بخيط المبادرة ومن ثم الانهماك في تتبع طريق تحقيقها فعلا لا قولا، حقيقة لا خيالا، لينطلق ذلك التلهف من عقاله الى ما يمكن استحضاره لتلبية ذلك الامر الملح والقيام بتعديل مسار وضع منهك، برغبة عارمة للانفصال عن طرق التعليم التقليدية بصورها المتغلغلة في ادبيات التأخر والجهل، والنزوع الى المفاهيم الحديثة في تقويم النشء ليمكنه الدلوف من خلاله الى افق واعد برؤية واعية، حتى تأخذ رياح التغيير الزمام حينما تهب تباعا داعية الى وثبة وتحد، يحدوها شعور عامر بالثقة لتفعيل تلك الافكار التنويرية، وان كانت غير مألوفة حينها في مجتمع محافظ ولكنها غدت مردوفة بسيل من التعضيد لم يكن له سابق عهد، فاصبح الهدف واضحا أمام نواصب النظر، همه تحقيق النموذج الامثل بانجاز كبير تكون ثمرته هي الوسيلة والواسطة المؤدية الى دروب الصلاح والاصلاح، على حد قول شاعرهم:
اما علموا ان الحياة بعصرنا
مدارس في كل البلاد تشيّد
وهو جواب شاف لما قاله لاحقا الاديب احمد خالد المشاري عن معاناة الشباب في بلده، حيث يلف شعره حالة من اليأس والقنوط والغضب واصفا ومستنجدا:
لهفي عليها نفوس في الكويت ثوت
في حندس من ظلام الليل غاشيها
هذي الشبيبة شبح الجهل يفزعها
وانت مأمنها اذ انت حاميها
هذب مداركها عضد مدارسها
وارحم طفولتها اذ انت راعيها
وقبله قال عبدالعزيز الرشيد واجاد عن حاجة الكويت الملحة للتعليم:
يا ايها الاقوام احيوا ارضنا
بمدارس فيها العلوم تصانُ
ان المدارس كالسلاح لامة
ما عندها جيش ولا اعوانُ
ان المدارس للبلاد كمزنة
تحيي بها الاعشاب والريضان
ان المدارس للعباد كمصقل
تجلى بها الاوساخ والادران
نحن الصغار لنا عليكم واجب
جاءت به الاثار والقرآن
رقوا مداركنا بعلم نافع
تصفو به الافكار والاذهان
ما تقدم هو خلاصة جمع لما تناثر من خلجات وزفرات ملتاعين كانت غائبة عن الاذهان، تضمن الوقوف عندها استشفاف تلك المرحلة، المتأهبة الى نقلة حضارية ما لبثت ان انطلقت من الكويت الى باقي اقطار الخليج والجزيرة مكتوبة بأقلام ثلة من رجال التنوير نشرت في امهات الصحف الصادرة في مصر وغيرها مؤذنة ببلوغ منعطف رائد بكل ما للعلم والريادة من دلالة ومعنى وايحاء، لما سوف يتبعه من انارة وتأثير.

الظروف السياسية
حينما ذهب القناعي الى الشيخ سالم المبارك الصباح (والذي كانت تربطه به علاقة حميمة) كان جوابه بانه لا يمكن ان يقوم بهذا الامر الا الحاكم (يقصد والده الشيخ مبارك). هل كان السؤال هنا محرجا؟ وهل أتى الجواب اعتذارا؟ ام انه كان متوقعا؟ فاذا كان هو الاخير، فيصدق هنا ما ذكره حافظ وهبة (وهو احد المعلمين في المباركية): «ومع ان للعلم والعلماء منزلة في نفوس شيوخ العرب وعامتهم، فان الشيوخ قلما يعنون بتعليم ابنائهم وتثقيفهم، وقلما يعنون بغير الرماية والفروسية والصيد والقنص، وبعض الشيوخ يرى طلب العلم عيبا، لان ذلك قرين الجمود والخمود وانتظار الصدقات. اما الامارة في نظرهم، فقرينة الحركة والنشاط والتفكير». (جزيرة العرب ص 131).
ام انه صعوبة الظرف السياسي الذي كانت تمر به الكويت، والذي لم يتطرق اليه من كتب عن مراحل تأسيس المباركية ولم يقع نظري خلال بحثي هذا الى من تعرض لذلك قربا او بعدا! فالحقيقة والشواهد تدل على ان الفترة التي امتدت من اواخر عام 1909 حتى اوائل عام 1912 كانت حرجة جدا بكل المقاييس.
فالاوضاع السياسية في الكويت كانت تمر بمجموعة من الازمات السياسية والعسكرية والاجتماعية. والتي تأخذ اشكالا مختلفة في تفسيراتها، ولكنها تنطوي على وجود حوافز لإذكائها لتوفر المناخ المتوتر، خصوصاً في السنوات الخمس الاخيرة المتبقية من عمر الدولة العثمانية، حينما تسلم الاتحاديون الحكم بعد اقصاء السلطان عبدالحميد وعزله في 27 ابريل عام 1909، وعلى اثره تأسس في البصرة حزب الحرية والائتلاف الذي تزعمه السيد طالب النقيب يعضده كل من الشيخ مبارك الصباح والشيخ خزعل المرداو. ويهدف الحزب الى سلخ ولاية البصرة واستقلالها. وكان والي البصرة انذاك سليمان نظيف الذي ساءت علاقاته بالزعماء الثلاثة. وكان الشيخ مبارك الهدف الثاني بعد الشيخ خزعل، الذي قصفت البارجة العثمانية قصره في كوت الزين، حيث كان يعتقد انه موجود فيه، فقتلت من جراء ذلك احدى زوجاته.
كما أوغر الوالي صدر زعيم المنتفك سعدون باشا بمهاجمة الشيخ مبارك في بداية عام 1910، فكانت البوادر إغارة على اغنام تعود الى عثمان الراشد احد تجار الكويت، وتبعها بهجمة على «عريب دار» التابعين للكويت، فتأزمت الامور بسرعة فائقة، مما استدعى الشيخ مبارك تجييش حملة كبيرة لردع سعدون باشا بلغ تعدادها 12 الف مقاتل.
كان النظام العسكري الذي اعتمده الشيخ مبارك في مثل هذه الحالات هو وضع ضريبة على التجار كل حسب ملاءته المالية لاعداد ما يطلق عليه بـ«الخُبرة» الواحدة منها تتكون من تجهيز عشرة رجال بسلاحهم وسبعة ركائب (ذلول الابل) مع خيمة وتجهيزاتها من متاع وطعام وعلف.
وقد كتب عن ذلك بالتفصيل الكابتن شكسبير الوكيل السياسي البريطاني في الكويت (1909 – 1915)، ويمكننا ان نجملها بان مجموع ما قدمه التجار ستمائة خبرة، أي تجهيز ستة الاف مقاتل واربعة الاف ذلول مع العتاد والطعام واللوازم مجموع تكاليف ذلك ثلاثمائة وواحد وخمسين الف ريال (ماريا تريزا) وهو ما يعادل نحو اربعمائة وستين الف روبية، بالاضافة الى تجهيزات الشيخ التي بلغت ثلاثمائة وخمسة وتسعين الف ريال (ماريا تريزا) ما يعادل نحو خمسمائة وعشرين الف روبية (تقرير رقم 13 – 30 مارس 1910).
في منتصف مارس 1910 تلاقى الجيشان وكانت النتيجة لمصلحة سعدون وسقط ثلاثمائة وثمانية وثلاثون قتيلا وكثير من الجرحى، وكانت الخسائر المالية الفي بعير والفي بندقية وكثيرا من المتاع (المرجع تقرير الكابتن شكسبير) واطلق عليها معركة «هدية».
لم يقتصر الامر على ذلك، حيث يقول الرشيد: «لم تلن عريكة مبارك بعد تلك الهزيمة وفقده الجيش العظيم، بل شرع يستعد لغارة لا تبقي ولا تذر، واخذ يجلب الالات الحربية التي هو في حاجة اليها وضاعف التكاليف على اهل الكويت».
دفع اهل الكويت المزيد من التكاليف الحربية بعد معركة «هدية» ومن ثم معركة «مزبورة». وبادروا الى ما امروا وما تريثوا» (كما يقول الرشيد) ولكن الامر لم ينته بهما، فنتيجة الى وشاية مغرضة منع موسم الغوص لتلك السنة 1910، وفي الغوص حياة الكويتيين وثروتهم فازداد الوضع تعقيدا، واغلظ الشيخ مبارك الكلام على ثلاثة من كبار تجار اللؤلؤ (طواويش)، فعزموا على الهجرة بعد موسم الغوص الذي يبدأ في شهر مايو حتى نهاية اغسطس (تأخر موعد المغادرة في تلك السنة مدة شهر) وكانت تلك هي الأزمة الثانية. (للمزيد من التفاصيل يرجع الى كتاب «تاريخ الكويت» – عبدالعزيز الرشيد، عن «موقعة هدية» و«هجرة تجار اللؤلؤ» - الطواويش).
اما الحادث الثالث، فهو اتفاق الأتراك والألمان على تمديد سكة حديد برلين – بغداد الى كاظمة، وجاءت زيارة المهندس الالماني موني ممثلاً للبنك التجاري التركي حيث يصحبه مسؤول كبير من وزارة الخارجية التركية، وقابلا الوكيل السياسي الكابتن شكسبير. كما زارا الشيخ مبارك في منتجعه بالسرة الذي تطير من هذه الزيارة، فانطلقت الاقاويل التي زادت الوضع المحلي المتوتر تأزيما وتخوفا، وامتدت زيارتهما من اوائل ابريل حتى العاشر منه لسنة 1910.

التقبل والدعم والتنفيذ
امام كل هذه الخطوب الجسام وفي خضم أتونها لم يتوقف جهد المخلصين الذين انبروا الى مشروعهم الحضاري بالعزيمة نفسها التي بدأوا بها، ولم توقفهم الحربان بكلفتيهما الباهظتين بالنفس والنفيس. ودليل القول كثير محفوظ وهو ودائع العقول وخزائن الفهم وامر موجود لم تخلقه مقالة ولا ابتدع من عدم. لنرجع الى ما بدأنا به عما ذكره القناعي عن حملة التبرع والتي كانت حصيلتها في الكويت ثمانية وعشرين الف روبية.
يكمل واصفا مشاهداته: «وتبرع ايضا اولاد خالد الخضير ببيت كبير للمدرسة. وعينت لمباشرة البناء، واشترينا بيت سليمان العنزي وبيتا اخر بقيمة زهيدة، وحصل بيت وقف خرب تحت إشراف آل خالد، فادخلناه في المدرسة فصار مجموع قيمة البيوت التي التحقت في بيت الخالد اربعة الاف روبية، وشرعنا بالبناء اول محرم سنة 1329 هـ الموافق 2 يناير 1911 وانتهى في رمضان من تلك السنة، وبلغ مجموع البناء والابواب والاخشاب نحو ستة عشر الف روبية». نتوقف هنا لشرح ما سبق. فنعود بالتاريخ الى حفلة المولد النبوي في 12 ربيع الأول 1328 هـ المصادف 25 مارس 1910 تلتها حملة التبرعات بعد تاريخه حتى الشروع في البناء محرم سنة 1329 ويقابلها بالتاريخ الميلادي 2 يناير 1911 فتكون المدة عشرة أشهر ثم عملية البناء التي استغرقت حتى رمضان الذي صادف شهر اغسطس 1911 فكانت المدة ثمانية اشهر من العمل الحثيث لتكون بأهمية سنة ونصف السنة .
ضمت هذه البيوت لتصبح أرضاً تشبه المربع طول ضلعها من الشرق الى الغرب مائة وعشرون قدماً وعرضها خمس وثمانون قدماً من الشمال الى الجنوب، فتكون المساحة الكلية عشرة آلاف ومائتي قدم مربعة، تشمل ست غرف، أربع في الجهة الجنوبية قرب المدخل واثنتان في جهة الغرب، قسمت كل واحدة منها الى اثنتين ليصبح المجموع ثماني غرف. وبنيت في جهة الشرق ثلاثة مخازن فوقها غرف صغيرة، كانت معدة لراحة المعلمين أو لسكن الزوار. ثم ألحقت بالمدرسة غرفة، وبيت سكنه السيد عمر عاصم عندما كان وكيلاً ثم مديراً وكان يشكل ثلث مساحة المدرسة.
__________________
تهدى الامور بأهل الرأي ماصلحت
*****************
فان تولوا فبالاشرار تنقاد
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18-08-2011, 04:16 PM
ندى الرفاعي ندى الرفاعي غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 693
افتراضي

أشكر للأخ بو عزيز جهوده إلا أنه سبق لي وأن نقلت الموضوع نفسه للمنتدى على الرابط التالي:


http://www.kuwait-history.net/vb/showthread.php?t=10856
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سوق المباركية سعدون باشا المعلومات العامة 36 07-02-2019 02:22 PM
الشيخ عبدالرحمن الفارس حديث الذكريات بوخالد.. القسم العام 2 29-07-2010 08:13 PM
حديث الجمعه - أدب الحوار أدبنامه القسم العام 0 28-05-2010 01:50 AM
«المجلات الطلابية» و حديث السور .. إصداران للدكتور عادل عبد المغني الجامع البحوث والمؤلفات 0 10-11-2009 08:58 PM
حديث حول مساجد الكويت - يعقوب الغنيم AHMAD المعلومات العامة 4 23-03-2009 01:24 PM


الساعة الآن 12:04 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لموقع تاريخ الكويت